التعليق على الموافقات (1433) - 15

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: المسألة الرابعة: إذا ورد في القرآن الترغيب قارنه الترهيب في لواحقه أو سوابقه أو قرائنه وبالعكس، وكذلك الترجية مع التخويف، وما يرجع إلى هذا المعنى مثله، ومنه ذِكر أهل الجنة يقارنه ذكر أهل النار، وبالعكس؛ لأن في ذكر أهل الجنة بأعمالهم ترجية، وفي ذكر أهل النار بأعمالهم تخويفًا، فهو راجع إلى الترجية والتخويف".

وهذا أحد الوجوه المذكورة في معنى أو في تسمية القرآن: {مَثَانِيَ} [الزمر: 23]، يعني يذكر حال المؤمنين ثم يذكر حال الكفار أو العكس، يقدم هؤلاء أحيانًا، ويقدم هؤلاء أحيانًا، يذكر أهل الجنة، ثم يذكر أهل النار أو العكس، يذكر الخير ويتبعه بالشر. المقصود أنه يذكر الأشياء المتقابلة، وهذا معنى كونه: {مَثَانِيَ} [الزمر: 23].

طالب: "ويدل على هذه الجملة عرض الآيات على النظر، فأنت ترى أن الله جعل الحمد فاتحة كتابه، وقد وقع فيه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6، 7] إلى آخرها، فجيء بذِكر الفريقين".

الذين أنعم الله عليهم فريق، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] هؤلاء فريق، فيما يقابل الذين أنعم الله عليهم. لما ذكر ما أنعم عليهم، ذكر ما يقابلهم.

طالب: "فجيء بذكر الفريقين، ثم بدأت سورة البقرة".

"بُدِئَت".

طالب: "ثم بُدِئَت سورة البقرة بذكرهما أيضًا، فقيل: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6]".

نعم. لما ذكر المتقين، ذكر ما يقابلهم من أهل الكفر والنفاق.

طالب: "ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6]، ثم ذُكر بإثرهم المنافقون، وهو صنف من الكفار، فلما تم ذلك أعقب بالأمر بالتقوى، ثم بالتخويف بالنار، وبعده بالترجية، فقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ...} [البقرة: 24]، إلى قوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [البقرة: 25] ".

لا بد أن يتصور المسلم، لا سيما طالب العلم، مثل هذه البحوث في هذا الكتاب وفي غيره، يعني فهي مذكورة في غيره من الكتب؛ ليكون بين الخوف والرجاء؛ لأنه لو استمر الكلام عن الترجية خيف على المسلم من الأمن من مكر الله، ولو استمر الحديث عن التخويف خيف عليه من القنوط من رحمة الله. الواجب أن يعيش المسلم بين الخوف والرجاء، لا يزيد أحدهما على الآخر، ولا يطغى جانب على آخر؛ ولذا جاء القرآن بهذا الأسلوب؛ ليوجد التوازن، ولئلا يحصل حيف على أحدهما وإيفاء بالآخر.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: السلف الصالح.......

بالنسبة لهذه المسألة، الأصل أن يكون الخوف والرجاء كجناحي الطائر للمسلم، هذا الأصل، وإن كان بعض السلف عُرف عنه تغليب الخوف في وقت الصحة، وفي وقت المرض يُغلبون الرجاء؛ ليشتاق إلى الله -جل وعلا-: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه».

طالب: "ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [البقرة: 26]، ثم ذكر في قصة آدم مثل هذا. ولما ذكِّر بنو إسرائيل بنعم الله عليهم ثم اعتدائهم وكفرهم، قيل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا...} [البقرة: 62] إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]. ثم ذكر تفاصيل ذلك الاعتداء".

يعني {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا...} [البقرة: 62]، إلى أن جاء المدح لهم بعد أن ذُكِّروا بنعم الله واعتدائهم وكفرهم، بعد ذمهم جاء مدحهم، والمراد: مدح من مات على الإيمان منهم قبل بعثة نبينا -عليه الصلاة والسلام-، أما من أدركته البعثة ولم يؤمن فمآله إلى النار: «واللهِ ما يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار».

طالب: "ثم ذكر تفاصيل ذلك الاعتداء، إلى أن ختم بقوله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]، وهذا تخويف. ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ} الآية [البقرة: 103]، وهو ترجية. ثم شرع في ذِكر ما كان من شأن المخالفين في تحويل القبلة، ثم قال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} الآية [البقرة: 112].

ثم ذكر من شأنهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121]. ثم ذكر قصة إبراهيم -عليه السلام- وبنيه، وذكر في أثنائها التخويف والترجية، وختمها بمثل ذلك، ولا يطول عليك زمان إنجاز الوعد في هذا الاقتران، فقد يكون بينهما أشياء معترضة في أثناء المقصود، والرجوع بعدُ إلى ما تقرر".

وكل هذا تفصيل لما ذكرناه من أنه يجب أن يكون المسلم بين الخوف والرجاء؛ ولذا جاء التوازن في النصوص، ما يُذكر تخويف محض بدون ترجية، أو ترجية محضة دون تخويف. نعم.

طالب: "وقال تعالى في سورة الأنعام، وهي من المكيات نظير سورة البقرة في المدنيات: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ...} [الأنعام: 1] إلى قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]. وذكر البراهين التامة، ثم أعقبها بكفرهم وتخويفهم بسببه، إلى أن قال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام: 12]، فأقسم بكتب الرحمة على إنفاذ الوعيد على من خالف، وذلك يعطي التخويف تصريحًا، والترجية ضمنًا".

وهذا الأسلوب التربوي في القرآن ينبغي أن يسلكه الأب مع أبنائه والمعلم مع تلاميذه، لا يحملهم على التخويف باستمرار أو على الترجية باستمرار، يستعمل هذا الأسلوب تارة وذلك الأسلوب تارة؛ لأنه إذا استعمل التخويف باستمرار وتركوه، هذه النتيجة، وإن استعمل معهم أسلوب الترجية باستمرار، لا شك أنهم تمردوا عليه، وأسلوب التدليل معروف نتيجته، يعني الآن صرنا على طرفي نقيض، الناس قبل عندهم الحزم والعزم والشدة في تربية الأولاد، والآن على النقيض تمامًا، وكلا طرفي القصد ذميم، الأسلوب الشرعي هو أن يُسلك هذا وهذا.

طالب: "ثم قال: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15]، فهذا تخويف. وقال: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} الآية [الأنعام: 16]، وهذا ترجية. وكذا قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} الآية [الأنعام: 17]، ثم مضى في ذكر التخويف، حتى قال: {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 32]. ثم قال: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام: 36]، ونظيره قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} الآية [الأنعام: 39]. ثم جرى ذِكر ما يليق بالموطن إلى".

"ثم جرى"؟

طالب: "ثم جرى".

طالب: .......

طالب: .......

طالب: .......

طالب: "ثم جرى ذِكرَ ما يليق".

"ذِكرَ"، "جرى ذِكرَ".

طالب: "ذِكرَ".

ما الذي "جرى"؟ أين الفاعل؟

طالب: "ذِكرُ".......

نعم.

طالب: ما فيه إلا هو، "ثم جرى ذِكرُ ما يليق بالموطن إلى لأن قال: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ} [الأنعام: 48]".

البشارة لمن استجاب، والإنذار لمن عصى.

طالب: "واجرِ في النظر على هذا الترتيب، يلُحْ لك وجه الأصل المنبَّه عليه، ولولا الإطالة لبُسِطَ من ذلك كثير".

لأن النصوص كلها على هذا، النصوص في الكتاب والسنة جرت على هذا، ترغيب وترهيب، وهذا هو الذي يحدو إلى العمل ويقود إليه، بينما ذِكر الأحكام المجردة صحيح أنها تُصحح العمل، لكن ما الذي يحدوك إلى العمل بهذه الأحكام؟ الترغيب والترهيب. ومع الأسف عدم التفات كثير من طلاب العلم إلى هذه اللفتة من المؤلف، وهي عند غيره أيضًا، تجعلهم يأخذون الأحكام جافة، فلا تؤثر في قلوبهم، يصلون وإذا خرج من المسجد... كأنه ما دخل المسجد، يحجون كذلك، يصومون كذلك، تلقفوا أحكامًا جافة. ومن أبدع ما يُلفت إليه- والحج قادم- تجد أن الإنسان معه منسك أو عدة مناسك أو كتب كثيرة فيها أحكام الحج، يذهب ويحج ويرجع ضبط الأحكام وأتقنها، لكن ما نصيب القلب منها؟ ولو نظرت إلى سورة الحج وهي من القرآن الكريم، افتتحت بأي شيء؟

طالب: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ}.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 1]، هل فيها ذِكر شروط؟ هل فيها ذِكر أركان؟ هل فيها ذِكر سنن؟ ما فيها شيء. البيان جاء في السنة، لكن الكتاب الذي هو الأصل اهتم بما يصلح القلب، والناس في غفلة عن مثل هذا. ولذلك تجدون في واقع كثير من أهل الفقه أو أهل الأصول، تجد عندهم شيئًا من الجفاء، وتجد في أعمالهم شيئًا مما لا يليق بطالب علم، واللهِ إنا نرى طلاب علم ومتخصصين ويعرفون الأحكام بدقة، ثم إذا جاء يصلي صلى صلاة عامي، حتى ما يدري كيف يرفع يديه وكيف يركع وكيف يليق بطالب علم؟ ما يستحضر أنه ماثل بين يدي الله -جل وعلا-، والسبب في ذلك أنه ما قرأ شيئًا يرغبه في هذه الأعمال، يعني كم من واحد منا قرأ في كتاب الفتن أو كتاب الرقاق أو كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، شيئًا مما يلامس القلب؟ كم واحد منا قرأ في هذا؟

طالب علم مشهور أقول له: لماذا لا تشرح كتاب الفتن الرقاق من صحيح البخاري؟ لأن مثل هذا الباب هو الذي هذا مطرقة يحدو الإنسان إلى العمل بما عمل؟ يقول: واللهِ مع الأسف، أنا لا أريد أن أصنف واعظًا! هذا كلام يقوله طالب علم؟ والله -جل وعلا- يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ}.

طالب: {مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].

{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]، يجب أن يكون طالب العلم والعالم مُذكرًا واعظًا، أما أن يقول: واللهِ ما ودي أن أصنف واعظًا، لماذا؟ لأن هذا الوصف عُرف عن أناس ليسوا من أهل العلم، لما تخلف عنه أهل العلم تولاه غيرهم، وهذه مشكلتنا أنه إذا تخلف الكفء جرأ غيره؛ لأن الساحة لن تبقى، حكمة إلهية، ما يمكن أن يترك الناس يضيعون بدون من يوجههم، لكن التبعة واللوم بالدرجة الأولى على أهل العلم، لكن إذا تخلفوا استلم الناس من يحسن ومن لا يحسن، والله المستعان.

طالب: "فصل: وقد يُغلَّب أحد الطرفين بحسب المواطن ومقتضيات الأحوال، فيرد التخويف ويتسع مجاله، لكنه لا يخلو من الترجية، كما في سورة الأنعام، فإنها جاءت مقرِّرة للحق، ومنكرةً على من كفر بالله، واخترع من تلقاء نفسه ما لا سلطان له عليه، وصد عن سبيله، وأنكر ما لا يُنكر، ولدَّ فيه وخاصم، وهذا المعنى يقتضي تأكيد التخويف، وإطالة التأنيب والتعنيف، فكثرت مقدماته ولواحقه، ولم يخل مع ذلك من طرف الترجية؛ لأنهم بذلك مدعوون إلى الحق، وقد تقدم الدعاء، وإنما هو مزيد تكرار إعذارًا وإنذارًا، ومواطن الاغترار يُطلب فيها التخويف أكثر من طلب الترجية؛ لأن درء المفاسد آكد".

نعم. وهذا الذي يسأل عنه كثير من الإخوان مما جاءت أسئلتهم أن كثيرًا من السلف عُرف عنه الخوف أكثر من الرجاء، لماذا؟ لأنهم يتهمون أنفسهم ويخافون على أعمالهم التي يعملونها من عدم القبول، فيبقى أن مثل هذا مطلوب، لكن في حال الصحة، أما إذا قربت النهاية، وغلب على الظن أن مدته في هذه الدنيا أزفت، فإن الإنسان يغلب الرجاء ليحب لقاء الله، وهذا صنيعهم الذين كانوا يغلبون جانب الخوف، رحم الله الجميع.

طالب: "وترد الترجية أيضًا، ويتسع مجالها، وذلك في مواطن القنوط ومظنته، كما في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الآية [الزمر: 53]، فإن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدًا فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تُخبرنا ألنا لما عملنا كفارة؟ فنزلت. فهذا موطن خوف يخاف منه القنوط، فجيء فيه بالترجية غالبة، ومثل ذلك الآية الأخرى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وانظر في سببها في الترمذي والنسائي وغيرهما".

يعني فيه رجل قبَّل امرأة، فجاء يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: «صل معنا»، فأنزل الله هذه الآية. لكن لو جاء شخص صاحب جرائم وسوابق ومؤذٍ للمسلمين في أعراضهم وتقول له: أقم الصلاة طرفي النهار، ويكفيه؟

طالب: لا.

كما يستدل بعض من يأتي لفريضة الحج ويزاول المنكرات، ويستدل بـ«الصلوات الخمس كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة كفارة»، «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، «من حج فلم يرفث»، يستدل بهذه الأدلة على صنيعه من فعل الموبقات والمنكرات، مثل هذا يربى بنصوص.

طالب: الخوف.

الوعيد، هذا يربى بنصوص الوعد. لكن جاء مشفق، ورأى أن الدنيا كلها لا تحتمله؛ لأنه قبَّل. هذا تقول له: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. لكن لو تقولها لكل أحد...

طالب: يتساهل.

ما يمكن أن تقولها لكل أحد.

طالب: "ولما كان جانب الإخلال من العباد أغلب، كان جانب التخويف أغلب، وذلك في مظانه الخاصة لا على الإطلاق، فإنه إذا لم يكن هناك مظنة هذا ولا هذا أتى الأمر معتدلًا، وقد مر لهذا المعنى بسط في كتاب المقاصد، والحمد لله. فإن قيل: هذا لا يطرد، فقد ينفرد أحد الأمرين فلا يؤتى معه بالآخر".

يعني إذا كانت السورة قصيرة، وجاءت للتخويف مثلًا، وليس فيها من البسط ما يتسع للمجال الآخر أو العكس، هذا استثناء، لا سيما وأنه سوف ينتقل إلى سورة أخرى يجد فيها ما يوجد التوازن والتعادل.

طالب: "فيأتي التخويف من غير ترجية، وبالعكس. ألا ترى قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ...} [سورة الهمزة] إلى آخرها، فإنها كلها تخويف. وقوله: {الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى...} [سورة العلق] إلى آخر السورة. وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ...} [سورة الفيل] إلى آخر السورة. ومن الآيات قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...} [الأحزاب: 57] إلى قوله: {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]. وفي الطرف الآخر قوله تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى...} [سورة الضحى] إلى آخرها. وقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ...} [سورة الشرح] إلى آخرها".

يبقى أن ما جاء في الترجية في السورتين خطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يُخشى عليه من سلوك الطرف الآخر.

طالب: "ومن الآيات قوله تعالى".

يعني الذي قيل له في آيات الترجية وخُص بها ولم تعقب بآيات التخويف، هو الذي قام حتى تفطرت قدماه، قال: أنا واللهِ نزلت في هذه السور وهذه الآيات وغفر لي ما تقدم، فما له داعٍ، كما قيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، والله المستعان. نعم.

طالب: "ومن الآيات قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} الآية [النور: 22]. وروى أبو عبيد عن ابن عباس أنه التقى هو وعبد الله بن عمرو".

يعني إذا كان هذا في حقه -عليه الصلاة والسلام-، فالآية اللاحقة آية النور في حق أبي بكر: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]؟

طالب: بلى.

نعم.

طالب: "فقال ابن عباس: أي آية أرجى في كتاب الله؟ فقال عبد الله: قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ} الآية [الزمر: 53]. فقال ابن عباس: لكن قول الله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، قال ابن عباس: فرضي منه بقوله: {بَلَى}. قال: فهذا لما يعترض في الصدور مما يوسوس به الشيطان".

يعني الخلاف بين أهل العلم في أرجى آية، فكثير منهم يذكرون آية الزمر، لكن آية الزمر مشروطة بالتوبة؛ لأن الآيات التي بعدها، تدل على أنها لا بد من توبة، {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] يعني إذا تبتم، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا} [الزمر: 56] كيف يأتي بهذا بعد هذه الآية ولا نقنط من رحمة الله؟ إلا أنه لا بد من توبة. فإذا لم نتب من الموبقات والكبائر والجرائم، قال: {يَا حَسْرَتَا}.

طالب: "وعن ابن مسعود".

ولذلك قال ابن عباس، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن: "لكن قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]"، فهذا يعني إذا قاله الإنسان يوجس خيفة، وكأن فيه شكًّا، ولكنه بيَّن: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة: 260]، يعني آمنت، {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، يعني الإنسان إذا سأل عن مثل هذه الأمور لمزيد اليقين والطمأنينة فما يلام، وإن كان في نفسه يبقى أنه لماذا يسأل عن هذه الأمور وقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»، يعني إذا كان يُتصور أن إبراهيم شكَّ فنحن أحق بالشك منه، وهذا من تواضعه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "وعن ابن مسعود قال: «في القرآن آيتان ما قرأهما عبد مسلم عند ذنب إلا غفر الله له». وفسَّر ذلك أُبي بن كعب بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران: 135] إلى آخر".

ماذا بعدها؟

طالب: {فَاسْتَغْفَرُوا} [آل عمران: 135].

{ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران: 135]، لا بد من الاستغفار، نعم. وشخص يمر بهذه الآية ولا يستغفر.

طالب: .......

مشكلة هذه، على قلبه ران، نسأل الله العافية. ولا يقول: أنا واللهِ ما فعلت فاحشة، ولا ظلمت نفسي، يزكي نفسه؛ بل عليه أن يستغفر.

طالب: "إلى آخر الآية، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]. وعن ابن مسعود: إن في النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها ما يعرفونها، قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية [النساء: 40]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 48]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية [النساء: 64]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]. وأشياء من هذا القبيل كثيرة، إذا تُتبِّعت وُجدت، فالقاعدة لا تطرد، وإنما الذي يقال: إن كل موطن له ما يناسبه، ولكل مقام مقال، وهو الذي يطرد في علم البيان، أما هذا التخصيص، فلا. فالجواب: إن ما اعتُرض به غير صاد عن".

لحظة لحظة.

طالب: .......

يعرفونها، وماذا عندك؟

طالب: .......

في الأصل: ما يعرفونها، وكذا في جميع الطبعات، والصواب: حذف (ما) كما في مصادر التخريج، "ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها".

طالب: .......

لا، السياق يدل على.

طالب: بدون (ما).

أنهم ماذا؟

طالب: لم يعرفوا.

نعم، ما يعرفون.

طالب: العلماء؟

يقول: "إن في النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها"، لأنه كأنه يرى اختصاصه بهذا.

طالب: لكن الإشكال العلماء، يعني تغيب عن العلماء؟

نعم، تغيب؛ لأنه لو كان العلماء كلهم يعرفونها ما لفتت انتباهه وصارت أغلى عليه من الدنيا، إنما الذي يكون بالمحل من القلب بهذه المنزلة الذي لا يعرف اللهو. أنت لو تبغي أن تمر على آية أو على حديث تستنبط استنباطًا ما سُبقت إليه وتشجع وتوافق عليه، تفرح به كثيرًا.

طالب: صحيح.

نعم.

طالب: لكن إذا أثبت صاحب التخريج أنه.......؟

على كل حال: ما فيه شك أن السياق يدل على أنهم ما يعرفونها.

طالب: .......

اللهم صلِّ على محمد.

طالب: .......

يعني الذهول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، من ذهول الصحابة كأنهم توقعوا أن هذا الخبر ليس بصحيح. وهذا ما زال إلى الآن، إذا جاء خبر عظيم أو عزيز على النفس، بعض الأمهات تجلس أيامًا وأسابيع وأشهرًا ما صدقت أن ولدها ميت، ما تصدق؛ لهول المصيبة، والله المستعان.

طالب: "فالجواب: إن ما اعتُرض به غير صاد عن سبيل ما تقدم، وعنه جوابان: إجمالي، وتفصيلي؛ فالإجمالي أن يقال: إن الأمر العام والقانون الشائع هو ما تقدم، فلا تنقضه الأفراد الجزئية الأقلية؛ لأن الكلية إذا كانت أكثريةً في الوضعيات انعقدت كلية، واعتُمدت في الحكم".

كما يقال: لكل قاعدة شواذ، فالقواعد منها الكلية، ومنها الأغلبية، وليكن هذا من الأغلبية.

طالب: "واعتُمدت في الحكم بها وعليها، شأن الأمور العادية الجارية في الوجود، ولا شك أن ما اعتُرض به من ذلك قليل، يدل عليه الاستقراء، فليس بقادح فيما تأصل. وأما التفصيلي، فإن قوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] قضية عين في رجل معين من الكفار، بسبب أمر معين".

وقل مثل هذا في: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]، قضية عين في رجل معين لا تعني جميع الناس، وإنما يخاف منها من عمِل عمَل هذا الرجل.

طالب: "بسبب أمر معين من همزه النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- وعيبه إياه، فهو إخبار عن جزائه على ذلك العمل القبيح، لا أنه أُجري مجرى التخويف، فليس مما نحن فيه، وهذا الوجه جارٍ في قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]".

ولا يمنع من حمل اللفظ على عمومه، فيخاف من العاقبة من اتصف بهذا الوصف.

طالب: "وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...} [الأحزاب: 57، 58] الآيتين، جارٍ على ما ذُكر. وكذلك سورة والضحى، وقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] غير ما نحن فيه، بل هو أمر من الله للنبي -عليه الصلاة والسلام- بالشكر؛ لأجل ما أعطاه من المنح. وقوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] قضية".

ومع ذلك تمثل مثل هذه المقامات وشكر الله -جل وعلا-، وشكر الله -جل وعلا- على ما أعطاه وأسداه وأولاه من النعم، وعبَدَ الله حق عبادته.

طالب: "وقوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] قضية عين لأبي بكر الصديق، نُفِّس بها من كربه فيما أصابه بسبب الإفك المتقوَّل على بنته عائشة، فجاء هذا الكلام كالتأنيس له، والحض على إتمام مكارم الأخلاق وإدامتها، بالإنفاق على قريبه المتصف بالمسكنة والهجرة، ولم يكن ذلك واجبًا على أبي بكر، ولكن أحب الله له معالي الأخلاق".

لئلا يكون حلفه وأليته أن لا ينفق عليه انتصارًا للنفس، بل يُطلب من أبي بكر، ومن مقام أبي بكر أن يدور مع مراد الله -جل وعلا- حيث دار، ولو كان على حساب حظ النفس.

طالب: "وقوله: {لَا تَقْنَطُوا} [الزمر: 53] وما ذُكر معها في المذاكرة المتقدمة ليس مقصودهم بذِكر ذلك النقض على ما نحن فيه؛ بل النظر في معاني آيات على استقلالها، ألا ترى أن قوله: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] أُعقب بقوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} الآية [الزمر: 54] ؟ وفي هذا تخويف عظيم مُهيج للفرار من وقوعه، وما تقدم من السبب من نزول الآية يبين المراد، وأن قوله: {لَا تَقْنَطُوا} [الزمر: 53] رافع لما تخوَّفوه من عدم الغفران لما سلف".

يعني مع التوبة. نعم.

طالب: "وقوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] نظر في معنى آية في الجملة وما يُستنبط منها، وإلا فقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} [البقرة: 260] تقرير فيه إشارة إلى التخويف أن لا يكون مؤمنًا، فلما قال: {بَلَى} [البقرة: 260] حصل المقصود. وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة} [آل عمران: 135] كقوله: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]".

وأي تخويف أعظم من الاستفهام عن وجود أصل الإيمان عندهم؟! هذا تخويف شديد: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].

طالب: "وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110] داخل تحت أصلنا؛ لأنه جاء بعد قوله: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]، {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ...} [النساء: 107] إلى قوله: {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109]".

كل هذا تخويف، والآية الأولى التي جاءت بعدها ترجية.

طالب: "وقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا} [النساء: 31] آتٍ بعد الوعيد على الكبائر من أول السورة إلى هنالك، كأكل مال اليتيم، والحيف في الوصية، وغيرهما، فذلك مما يرجَّى به بعد تقدم التخويف".

يعني التخويف من غشيان الكبائر المذكورة، وترجية لمن اجتنبها، فهو ترجية بعد تخويف، نعم.

طالب: "وأما قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]، فقد أُعقِب بقوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا} الآية [النساء: 42]، وتقدم قبلها قوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ...} [النساء: 37] إلى قوله: {عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 37]، بل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] جمع التخويف مع الترجية".

نعم؛ لأنه لا يظلم بزيادة السيئات، كما أنه لا يظلم بنقص الحسنات، فهو تخويف وترجية.

طالب: "وكذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية [النساء: 64] تقدم قبلها وأتى بعدها تخويف عظيم، فهو مما نحن فيه. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 48] جامع للتخويف والترجية من حيث قيَّد غفران ما سوى الشرك بالمشيئة، ولم يُرد ابن مسعود بقوله: ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، أنها آيات ترجية خاصة، بل مراده -والله أعلم-: أنها كليات في الشريعة مُحَكَّمات".

"مُحْكَمات".

طالب: "مُحْكَمات، قد احتوت على علم كثير، وأحاطت بقواعد عظيمة في الدين، ولذلك قال: ولقد علمتُ أن العلماء إذا مروا بها ما يعرفونها. وإذا ثبت هذا فجميع ما تقدم جارٍ على أن لكل موطن ما يناسبه، وأن الذي يناسبه إنزال القرآن إجراؤه على البشارة والنذارة".

 والرسول -عليه الصلاة والسلام- هو البشير النذير.

طالب: "وهو المقصود الأصلي، لا أنه أُنزل لأحد الطرفين دون الآخر، وهو المطلوب، وبالله التوفيق.

فصل: ومن هنا يُتصور للعباد أن يكونوا دائرين بين الخوف والرجاء؛ لأن حقيقة الإيمان دائرة بينهما، وقد دل على ذلك الكتاب العزيز على الخصوص، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ...} [المؤمنون: 57] إلى قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218]، وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]. وهذا على الجملة، فإن غلب عليه طرف الانحلال والمخالفة، فجانب الخوف عليه أقرب، وإن غلب الخوف عليه طرف التشديد والاحتياط، فجانب الرجاء إليه أقرب".

"الخوف" هذه المزيدة بين معقوفين؟

طالب: كأنها يا شيخ نعم.

ما لها معنى.

طالب: كأنها، ما لها.

زائدة، "وإن غلب عليه طرف التشديد والاحتياط"، وزادها من نسخة واحدة.

طالب: "وإن غلب عليه طرف التشديد والاحتياط، فجانب الرجاء إليه أقرب".

وهذا مثل ما قلنا وكررناه مرارًا أن النصوص علاج، وحامل هذه النصوص من أهل العلم ينبغي أن يكون كالطبيب، ينظر في الشخص الذي أمامه، ويعالجه بما يناسبه، وقد يدخل عليه شخصان يشكوان من وجع واحد، لكن يصرف لهذا علاجًا، ويصرف لهذا علاجًا؛ لأن طبيعة هذا ومزاج هذا يختلف عن طبيعة هذا ومزاج هذا، فهذا له من العلاج ما يناسبه، وذاك له من العلاج ما يناسبه.

طالب: "وبهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يؤدِّب أصحابه، ولما غلب على قوم جانب الخوف قيل لهم: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية [الزمر: 53]، وغلب على قوم جانب الإهمال في بعض الأمور، فخُوِّفوا وعوتبوا كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الآية [الأحزاب: 57]. فإذا ثبت هذا من ترتيب القرآن ومعاني آياته، فعلى المكلف العمل على وفق ذلك التأديب".

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ينكر الربوبية.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، ما وردت إثباتها، لكنهم يتجاوزون بعض الألفاظ مثل الذات، الذات ما ورد فيها شيء، ما ورد فيها نص يثبت الذات لله -جل وعلا-، لكنها درجت عند أهل الكلام، وأهل السنة إذا أرادوا يردوا عليهم رددوا كلامهم؛ لأنه لا يلزم منه نفي شيء ثابت.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

دائمًا يراد به قدر الله، قدره ومشيئته واحدة، لكنها عبارة موهمة ما تصح.

طالب: .......

على كل حال، إذا كان المراد به قدر الله ومشيئته فلا بأس، سواء هذا أو ذاك، والمقصد: شاء الله -جل وعلا-.

"