التعليق على الموافقات (1433) - 12

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الثانية عشرة: الإجمال إما متعلق بما لا ينبني عليه تكليف، وإما غير واقع في الشريعة".

لأن ما فيه تكليف لا بد من بيانه، إذ كيف يُكلف بمجمل لا يعرف المكلف كيف يعمل به؟ والبيان كما تقدم مرارًا هو وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، فما فيه تكليف لا بد من بيانه، وأما ما لا تكليف به مما يؤمَن به ويعتقَد أنه من عند الله؛ هذا لا يحتاج إلى بيان. ولذا وقع الإجمال في النصوص مما لا تكليف فيه، وأما ما فيه تكليف لا بد من بيانه. فلو وقع ما فيه تكليف مما لا بيان فيه، كان ذلك من تكليف ما لا يطاق أو المحال الذي لا يمكن أن يوصل إليه، وهذا لا يوجد في الشريعة.

طالب: "وبيان ذلك من أوجه؛ أحدها: النصوص الدالة على ذلك، كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]".

ولو كان في الشريعة مما يجب بيانه أو بقي بيانه، لما كان، ما كانت النعمة تامة ولا الدين كاملًا؛ لأنه يحتاج إلى تتميم ويحتاج إلى بيان ويحتاج، والمسألة مفترضة في إكمال الدين وإتمام النعمة.

طالب: "وقوله: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138]، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 3]. وإنما كان هدًى لأنه مبين، والمجمل لا يقع به بيان، وكل ما في هذا المعنى من الآيات. وفي الحديث: «وتركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها»".

يعني في حديث العرباض: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، إلى أن قال: «وتركتكم على البيضاء»، من دون لفظ المحجة: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها».

طالب: "وفيه: «تركت فيكم اثنين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله، وسنتي». ويصحح هذا المعنى قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]".

لأنه إذا وُجد إجمال، فكيف نرد إلى الله وإلى الرسول ليفصل نزاعه بيننا بأمر مجمل لا نفهم معناه؟

طالب: "ويدل على أنهما بيان لكل مشكل، وملجأ من كل معضل. وفي الحديث: «ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه». وهذا المعنى كثير، فإن كان في القرآن شيء مجمل، فقد بيَّنته السنة، كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وللزكاة ومقاديرها وأوقاتها وما تَخْرُجُ منه من الأموال".

"تُخْرَجُ".

طالب: "وما تُخْرَجُ منه من الأموال، وللحج إذ قال: «خذوا عني مناسككم»، وما أشبه ذلك".

يعني وقع بيان الإجمال في القرآن بالسنة، بفعله -عليه الصلاة والسلام- وبقوله.

طالب: "ثم بين -عليه الصلاة والسلام- ما وراء ذلك مما لم يُنص عليه في القرآن، والجميع بيان منه -عليه الصلاة والسلام-".

يعني من الأحكام الزائدة في السنة على ما جاء في كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، وكل هذا بيان. نعم.

طالب: "فإذا ثبت هذا، فإن وُجد في الشريعة مجمل، أو مبهم المعنى، أو ما لا يُفهم؛ فلا يصح أن يُكلَّف بمقتضاه؛ لأنه تكليف بالمحال، وطلب ما لا ينال، وإنما يظهر هذا الإجمال في المتشابه الذي قال الله تعالى فيه: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]".

نعم، المتشابه موجود في القرآن على خلاف بين أهل العلم: أنه هل هو مما يمكن أن يفهمه الراسخون في العلم؟ أو أخفي معناه حتى على الراسخين؟ وعلى كل حال المسألة ظاهرة -ولله الحمد-: إذا كان مما خفي فيجب الإيمان به، {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]، عند هذا الحد نقف إذا لم نقف على بيانه، بيان متشابهه، نقف عند قولنا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، سواء كان المحكم منه أو المتشابه. وإذا اطلعنا منه على بيان على شيء منه، فإنه يلزمنا العمل به.

طالب: "ولما بيَّن الله تعالى أن في القرآن متشابهًا، بيَّن أيضًا أنه ليس فيه تكليف إلا الإيمان به على المعنى المراد منه، لا على ما يفهم المكلف منه، فقد قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ...} [آل عمران: 7]".

نعم، المكلف قد يكلِّف نفسه بما لم يكلَّف به، فيتتبع هذا المتشابه، ويفهم منه ما لا يُطلب منه، فيقع في الزيغ، لذا يقول لعائشة: «وإذا سمعتم الذين يتبعون المتشابه فأولئك الذين سماهم الله»، يعني أهل الزيغ.

طالب: "فقد قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ...} [آل عمران: 7] إلى قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]. والناس في المتشابه المراد هاهنا على مذهبين؛ فمن قال: إن الراسخين يعلمونه، فليس بمتشابه عليهم وإن تشابه على غيرهم".

وحينئذ يكون التشابه نسبيًّا، فما كان متشابهًا بالنسبة لهذا المكلف قد يكون بيّنًا لغيره، وقد يكون الأول عنده هذا المتشابه، ويكون بيّنًا لغيره، ولا سيما من أهل العلم، أهل العلم يتفاوتون في فهم المشكلات، وفي فهم المعضلات، فبعضهم تنحلّ له هذه المشكلات، فلا تكون من المتشابه، وبعضهم يستغلق أمرها فيستمر التشابه فيها، كالمشتبهات والمشبهات بين الحلال والحرام، فمنهم من يستطيع الترجيح والجنوح والميل إلى أحد الطرفين، فيرتفع أن يكون من المتشابه، فيكون من الحلال البيِّن أو الحرام البيِّن، ومنهم من يستمر عنده هذا الاشتباه، فيلزمه حينئذٍ الوقوف.

طالب: "كسائر المبيَّنات المشتبهة على غير العرب، أو على غير العلماء من الناس، ومن قال إنهم لا يعلمونه وإن الوقف على قوله: {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، فالتكليف بما يراد به مرفوع باتفاق".

قد يقول قائل: لماذا ما جاءت الشريعة بالحد الفاصل في مثل هذا الأمر، مع وضوحها وبيانها وكثرة نصوصها؟ هذه آيات الأولى والثانية والثالثة والرابعة والعاشرة، المائة هذه متشابهة، ليس لأحد النظر فيها، لا يعلمها إلا الله، وبقية الآيات من المحكم الذي يعلمه أهل العلم.

قد يقول قائل: وجود التردد في بعض الآيات، هل هي من المتشابه، أو من غير المتشابه تشابه؟

نقول: هذا ما فيه شك أنه فتح باب للاجتهاد، وتعظيم لأجور المجتهدين، واختبار لإيمان المسلِّمين لله ولرسوله، الذي لا يعلم يُسلِّم: {آمَنَّا} [آل عمران: 7]، والذي يعلم وعنده آلة إلى الوصول إلى فهم المراد، هذا فرضه. الأحكام التي ما هي متشابهة، معروف أن الأحكام حلال وحرام، يقع فيها شيء من التشابه، تتكافأ فيها الأدلة، ثم ماذا يكون موقف المجتهد؟ التوقف، وهذا نوع تشابه، وتدخل في «الحلال بيِّن والحرام بيِّن»، هذه ليست منهما، فتكون من المشتبهات، إلى أن يقف على دليل مرجّح، أو إلى فهم يلقيه الله في روعه، فيفهم به النص أو يسمعه من غيره «فرب مبلغ أوعى من سامع».

طالب: "فالتكليف بما يُراد به مرفوع باتفاق، فلا يُتصور أن يكون ثَم مجمل لا يُفهم معناه ثم يكلَّف به، وهكذا إذا قلنا: إن الراسخين هم المختصون بعلمه دون غيرهم، فذلك الغير ليسوا بمكلفين بمقتضاه ما دام مشتبهًا عليهم، حتى يتبين باجتهاد أو تقليد، وعند ذلك يرتفع تشابهه، فيصير كسائر المبينات".

نعم. هناك أمور لا سبيل إلى الوقوف عليها وإلى معرفة حقائقها، مغيبات، لا يمكن مهما بلغ ورسخ في العلم أن يصل إليها، لا بد أن يقف. هناك أمور لا تدركها العقول، فوق طاقة العقل، هذه لا بد أن يقف مهما بلغت ورسخت قدمه في العلم، لا بد أن يقول: {آمَنَّا} [آل عمران: 7] ويسلم، مما يُظن فيه تناقض في العقل، لا بد أن تسلم؛ لأن عقلك ما يحتمل هذه الأمور. يعني كون الشمس في فلكها أربعًا وعشرين ساعة، ثم بعد ذلك تسجد تحت العرش، هل تستطيع أن تدرك مثل هذه الأمور مهما بلغت من العلم، ولو كنت أعظم فلكي في الدنيا، وكنت ممن يسلم ويؤمن بما جاء عن الله وعن رسوله؟ خلك من الذين يسرحون في خيالاتهم، وينساقون وراء فنونهم، كما يدعون ويزعمون، إذا كنت ممن يسلم لله ورسوله لا بد أن تقف، يقول لك: أربعًا وعشرين ساعة في فلكها الشمس تجري، ومع ذلك تسجد تحت العرش كل ليلة، يفقدها أهل الأرض؟ ما يفقدونها. إذًا لا بد أن تسلم.

ومثل ما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله- في النزول مع الاستواء، النزول في الثلث الأخير من الليل هذا أمر مقطوع به، متواتر في السنة، ولا ينكره إلا جهمي ظالم، ومع ذلك قال شيخ الإسلام: إنه لا يخلو منه العرش. هل عقولنا تحتمل مثل هذه الأمور، أم لا بد أن نقول: سمعنا وأطعنا وسلمنا؟ لا بد من هذا.

 وفي الشريعة من هذا أمثلة، وهي التي يطنطن حولها من يكتب ويشكك أنه لا بد أن يقف عندها، ما هو بصحيح لا بد أن تقف، ما هو صحيح أنك لابد أن تقف، طاقتك محدودة، حدود عقلك لا شيء بالنسبة لما عند الله من علم مهما بلغت من العلم: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [الإسراء: 85]، الخلق كله منذ خلق الله السماوات والأرض إلى قيام الساعة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، ةماذا تقتطع من هذا القليل وأنت واحد من مليارات الناس؟ هل تستطيع أن تستقل بشيء من ذلك؟

طالب: لا.

لكن من الذي يرتاح ضميره ويسلِّم لربه؟ من عرف قدر نفسه، من عرف قدر نفسه ارتاح وريح الناس من شره.

طالب: "فإن قيل: قد أثبت القرآن متشابهًا في القرآن، وبينت السنة أن في الشريعة مشتبهات بقوله: «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات»، وهذه المشتبهات متقاة بأفعال العباد لقوله: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»، فهي إذًا مجملات وقد انبنى عليها التكليف، كما أن قوله تعالى: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] قد انبنى عليها التكليف، وذلك قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، فكيف يقال: إن الإجمال والتشابه لا يتعلقان بما ينبني عليه تكليف؟ فالجواب: إن الحديث في المتشابهات ليس مما نحن بصدده، وإنما كلامنا في التشابه الواقع في خطاب الشارع، وتشابه الحديث في مناط الحكم، وهو راجع إلى نظر المجتهد حسبما مر في فصل التشابه، وإن سُلم".

يعني التشابه في الآية في الأصل، النص هو في الحديث في فهم النص وما يعارضه وما يوافقه.

طالب: "وإن سُلم فالمراد أن لا يتعلق تكليف بمعناه المراد عند الله تعالى، وقد يتعلق به التكليف من حيث هو مجمل؛ وذلك بأن يؤمن أنه من عند الله، وبأن يجتنب فعله إن كان من أفعال العباد، ولذلك قال: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه». ويجتنب النظر فيه إن كان من غير أفعال العباد، كقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]".

نعم، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] في سبعة مواضع من القرآن، اللفظ من حيث التركيب اللغوي مفهوم ومعلوم، لكن كيفيته اللائقة بالله -جل وعلا- مجهولة لا نعلمها، ولا يمكن أن يطلع عليها أحد، لماذا؟ لأنه ما رأى الله، ولن يرى الله إلا بعد أن يموت، وما لم يصل إليك الخبر تفصيلًا بدليل قطعي فلن تصل إلى حقيقته إما برؤية مشاهدة أو وصف دقيق.

ولذلك في البيوع لا تستطيع أن تشتري شيئًا، قال لك: أرض في كذا بمبلغ كذا، تقول: اشتريت؟ ما يمكن حتى يصف لك وصفًا دقيقًا أو تقف عليها، للجهالة. لذلك لا يمكن أن تصل إلى ما غاب عنك إلا إما برؤية أو وصف يتفق مع الرؤية، بحيث لو تخلف هذا الوصف عن الحقيقة صار كالخيار، فكيف بما يتعلق بالله -جل وعلا- الذي لا تدركه الأوهام، ولا تحيط به الأفهام، تعالى الله عما يقول الظالمون من المنكرين لأسمائه وصفاته أو المشبّهين والممثّلين والمكيّفين لأسمائه وصفاته. ولذلك وُفق أهل السنة والجماعة، فعرفوا مقدار ما استطاعوا معرفته من خلال النصوص ولغة العرب، وما عدا ذلك تركوه لخالقه ولا يُكلفون به. غالى بعضهم ونفى، وبعضهم غالى وزعم ونسب للسلف زورًا وبهتانًا أنهم يفوضون اللفظ والمعنى والكيفية، كل شيء يفوَّض، نؤمن بالحروف فقط، ويُنسب هذا إلى قول السلف، هذا قول ضلال ذا، السلف يفهمون المعاني: الاستواء معلوم؛ قالته أم سلمة، وقاله مالك، وقاله عامة أهل العلم: الاستواء معلوم، تركيب في لغة العرب، كل مفردة بمعناها، وإذا رُكبت الكلمتان ظهر منها معنى، لكن الكيفية اللائقة بالله -جل وعلا- لا يمكن الوصول إليها. أنت إذا قيل لك: زيد، يوجد في المغرب عالم اسمه زيد، ما تجزم بأنه على هيئة البشر له قوام، وله عينان، وله كذا، وله كذا، لكن ما تدري هل عيونه هي سوداء أم خضراء أم، ولا تدري يداه طوال أو قصار، ولا تعرف لونه أسمر أو... إلا إذا وُصف لك. لكن هل زيد من الناس الذي قيل لك اسمه الذي تعرف معنى هذه الحروف الثلاثة، تعرف ما معنى زيد، لكن عكس زيد تعرفها: ديز؟ ما تعرفها، ما يمكن أن تطلع عليها، ما يمكن أن تعرفها. فرق بين هذا وهذا، المعنى تعرفه من مجرد إطلاقه، لكن ما وراء المعنى مما لم تطلع عليه فلا بد أن تراه أو يوصف لك وصفًا دقيقًا أو يشبه لك بمن تعرفه.

طالب: "وفي الحديث: «ينزل ربنا إلى»".

المفوضة يقولون: إن: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] مثل ما نعرف من ديز، ما لها أي معنى عندنا إلا أننا نؤمن بلفظها، بحرفيته، ويأخذون من كلام السلف: تُمر كما جاءت، مع أنهم هم الذين قالوا: الاستواء معلوم. نعم. الاستواء تُمر كما جاءت؛ ليقطعوا الطريق على من أراد أن يسترسل، حتى يصل إلى أن يقول: كيف استوى؟

طالب: "وفي الحديث: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا»، وأشباه ذلك. هذا معنى أنه لا يتعلق به تكليف، وإلا فالتكليف متعلق بكل موجود، من حيث يُعتقد على ما هو عليه".

يعني تكليفنا بقوله أو بما يتضمنه قوله: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة»، تكليفنا أن نؤمن به ونصدقه ونعتقده، هذا تكليفه، وليس وراء ذلك تكليف، ونعتقده، ونسعى إلى تحقيق ما جاء فيه من السؤال والاستغفار وغير ذلك مما دل عليه الحديث، نتعرض لهذه النفحات في وقت النزول، ومع الأسف أن وقت النزول الإلهي الآن في وضع كثير من المسلمين وممن ينتسب إلى طلب العلم في السهرات، نصيبهم الغفلة، هذا إذا قلنا: إن بعضه ما يتعدى ذلك إلى ما مُنع منه.

طالب: "أو يتصرف فيه إن صح تصرف العباد فيه، إلى غير ذلك من وجوه النظر. الوجه الثاني: أن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهيم ما لهم وما عليهم، مما هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم، وهذا يستلزم كونه بينًا واضحًا لا إجمال فيه ولا اشتباه، ولو كان فيه بحسب هذا القصد اشتباه وإجمال، لناقض أصل مقصود الخطاب، فلم تقع فائدة، وذلك ممتنع من جهة رعي المصالح، تفضلًا، أو انحتامًا، أو عدم رعيها؛ إذ لا يُعقل خطاب مقصود من غير تفهيم مقصود.

والثالث: أنهم اتفقوا على امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة، إلا عند من يُجوِّز تكليف المحال، وقد مر بيان امتناع تكليف المحال سمعًا، فبقي الاعتراف بامتناع تأخير البيان عن وقته".

يعني إذا احتاج المكلف لعمل عمل كُلف به، وبقي هذا العمل مجملًا، وكلف بعمله وهو مجمل؛ فهذا تكليف المحال، وحينئذ يلزم البيان عند وقت الحاجة، عند التكليف به. أما كونه يلزم عند وقت النزول والحاجة ما بعد جاءت، فهذا أمر معروف أنه لا يلزم إلى وقت الحاجة، يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة، لكن لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.

طالب: "وقد مر بيان امتناع تكليف المحال سمعًا، فبقي الاعتراف بامتناع تأخير المحال عن وقته، وإذا ثبت ذلك فمسألتنا من قبيل هذا المعنى؛ لأن خطاب التكليف في وروده مجملًا غير مفسر، إما أن يقصد التكليف به مع عدم بيانه أو لا، فإن لم يُقصد فذلك ما أردنا، وإن قصد رجع إلى تكليف ما لا يطاق، وجرت دلائل الأصوليين هنا في المسألة. وعلى هذين الوجهين -أعني: الثاني والثالث- إن جاء في القرآن مجمل، فلا بد من خروج معناه عن تعلق التكليف به، وكذلك ما جاء منه في الحديث النبوي، وهو المطلوب".

لكن لو قال الأب لولده: خذ هذه الدراهم واشترِ لنا طعامًا، فجاء الأب من عمله والطعام ما هو بجاهز، ما اشتراه، فقال لولده: أين الطعام؟ قال له: ماذا تريد من طعام الآن؟ كلامك مجمل، ما بينت وماذا أشتري لك. يُلام أم ما يُلام؟

طالب: يلام.

ماذا؟

طالب: يلام.

يقول: ما بيَّنت لي أنت.

طالب: هو عممها.......

ماذا؟

طالب: عممها.

يعني يعمل بعمومه؟

طالب: .......

أو نقول: إن هذا الولد البيان حصل بمعرفته لما يحتاجه أبوه من الطعام أو ما اعتاده أبوه من الطعام، فيحصل البيان بهذا.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، هذا يجزي ... لكن لو جاء الأب وجاء له أيش يسمونها؟ أدنى طعام من الأطعمة الذي ما يشفي ولا يكفي، شايب كبير سبعون سنة أو ثمانون سنة جاء له بوجبة ما أدري أيش؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: برجر!!

نقول: خلاص حصل البيان ويحصل العموم، يكفي بالعمل بالعام أو بالمجمل؟ لا، لا بد من أن ينظر إلى ما تخصصه العادة من الأطعمة. طيب هذا الشايب مريض يأكل بعض الأطعمة دون بعض، فجاء به بما يضره، ما حصل البيان، يقول الولد: ما حصل البيان، يلام أم ما يلام؟ إذا كان ما يعرف عن عادته، شخص غريب قال له: اشترِ له، هذا ما فيه شك أنه الإجمال ولا يلام إذا لم يُحضر هذا الطعام.

المقصود أن البيان لا بد منه، ولا يمكن العمل بالمجمل، إلا إذا دلت قرائن تبين هذا الإجمال.

والله أعلم، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وهذا آخر درس في الموافقات؛ لأننا وقفنا على "الأدلة على التفصيل"، والدليل الأول وهو القرآن طويل جدًّا يحتاج إلى وقت طويل، فما نستطيع أن نمشي فيما يتعلق بالقرآن مائة وخمسين صفحة أو أكثر، مائة وسبعين يمكن، ثم نقف على السنة.