شرح الموطأ - كتاب السهو

كتاب السهو: باب العمل في السهو:

عن مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)).

عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني لأنسى أو أنسى لأسن)).

عن مالك أنه بلغه أن رجلًا سأل القاسم بن محمد فقال: إني أهم في صلاتي فيكثر ذلك علي، قال القاسم بن محمد: امض في صلاتك فإنه لن يذهب عنك حتى تنصرف، وأنت تقول: ما أتممت صلاتي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الترجمة الكبرى: كتاب السهو غير موجودة في الأصول المعتمدة؛ لأن أكثر أبواب السهو، بل الأحاديث التي عليها الاعتماد في باب السهو مضت انتهت، يعني حق هذه الترجمة لو كانت موجودة قبل كم باب؛ لتشمل أحاديث السهو التي بالفعل عليها اعتماد الأحكام في السهو.

أما هذه الترجمة مقحمة هنا، والمحقق محمد فؤاد عبد الباقي يحذو حذو أصحاب المعجم المفهرس في الترقيم والترتيب؛ لكي يتطابق عمله على ما جاء في المعجم، يخدم الطلاب بهذا لا شك، لكن ينبغي أن تكون لا على حساب الدقة في تحري الأوثق والأصح، لو وضع ترجمة في الهامش قال: كذا المعجم المفهرس وتيسيرًا للطلاب تأخذ رقم وإن لم تعتمد في الكتاب، لو وضعها حاشية وتكلم عليها لا بأس، أما أن يجعلها عنوانًا كبيرًا "كتاب السهو"، وهو في هذا الكتاب في صحيح مسلم حتى في صحيح البخاري في ترقيمه لصحيح البخاري في صحيح مسلم سنن ابن ماجه كلها تبعًا للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث؛ ولذلك تجدون في الصحيح للإمام البخاري كتاب الأذان، وفيه ما يقرب من مائتي باب أكثرها لا علاقة له بالأذان، نعم، الأبواب الأولى في الكتاب تبعًا لهذا، لكن باقيها من أبواب الصلاة، وتقدم تعريف السهو: أنه الغفلة عن الشيء، وذهاب القلب إلى غيره، من أهل العلم من فرق بين السهو والغفلة.

"باب: العمل في السهو" يقول الإمام: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قام أحدكم يصلي))" المراد بالصلاة هنا الشرعية أم اللغوية؟..... يلبس على الإنسان في الدعاء لكي يغفل ويسهو عن دعائه، فدعاء الغافل لا يستجاب، لكن الحديث السابق: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وإذا فرغ من الأذان أقبل، وإذا ثوب في الصلاة أدبر)) وكذا، جاء ليلبس عليه صلاته، أو ليلبس عليه صلاته يفسره ما هنا: ((إن أحدكم إذا قام يصلي)) الذي يغلب على الظن أن المراد بهذا النص الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود، وهي أعم من أن تكون نافلة أو فريضة.

((جاءه الشيطان فلبس عليه)) لبس بالتخفيف أي خلط {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} يعني: يخلطوا {إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] ((فلبس عليه أمر صلاته حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم)) يعني إذا وقع هذا لأحدٍ منكم ((فليسجد سجدتين -ترغيمًا للشيطان- وهو جالس)) جاء في بعض الروايات: ((بعد السلام)) وفيه حديث عبد الله بن جعفر مرفوعًا: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم))، ((لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم)) يعني ذلك ((إذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)) يعني هل يبني على الأقل؟ أو يبني على غالب ظنه؟ أو أنه لا يلتفت إلى هذا التشكيك؟ وهل هو لكل أحد؟ أو هو للمبتلى؟ لا شك أن الذي يستجيب للوساوس للشيطان في أول الأمر ويسترسل معه يبتلى، حتى يلبس عليه في كل صلاته، أو في كل صلواته.

يقول: إن الحديث محمولٌ على من يكثر عليه مثل هذا بحيث لا يكاد ينفك منه، ويكثر منه السهو، ويغلب على ظنه أنه قد تم الصلاة فيجزيه حينئذٍ أن يسجد للسهو، وأما من يغلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه وهو الأقل، وسبق الكلام في المسألة وهو أنه إذا تردد هل صلى اثنتين أو ثلاثًا هل يبني على الأقل مطلقًا؛ لأنه متيقن ما لم يجزم بأنه أتم صلاته؟ أو يعمل بغلبة ظنه فإن كان الذي يغلب على الظن أنه صلى ثلاث يعتبرها ثلاثًا ويسجد سجدتين ترغيمًا للشيطان؟ وإن غلب على ظنه أنه صلى ركعتين فالأمر كذلك، وإذا وجد التردد على حدٍ سواء هل يرجح بفعل جاره الذي دخل معه الذي صف بجواره؟ هذا كله مضى، وعرفنا أنه عندهم يبني مطلقًا على الأقل، ولا يعمل بغلبة الظن ما دام الاحتمال -احتمال النقيض- موجود، ومن أهل العلم من يقول: يبني على غلبة ظنه؛ لأن جل الأحكام مبنية على غلبة الظن، ولا شك أن الخروج من عهدة الواجب بيقين ترجح مذهبهم في هذا، لكن إذا كثر إذا كان الأمر نادرًا، يعني في الشهر مرة، سهل، لكن إذا كثر كلما صف الإنسان شك هل صلى ركعتين أم ثلاثًا؟ صلى واحدة أم أربعًا؟ مثل هذا لا بد من الحسم في موضعه، ولا بد من أن يراغم الشيطان في هذا، نظير ما قلنا في الطهارة، نظير ما سبق في الطهارة.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني لأَنسَى -أو أُنسَّى- لأسن))" فرق بين أَنسى وأُنسّى، أَنسى أنا يعني نسب النسيان إلى نفسه، أُنسّى نسبه لمن نساه، وجاء النهي عن قول: نسيتُ، نسيتُ كذا من القرآن ((لا تقل نَسِيت ولكن قل نُسِّيت)) يعني هل بينهما فرق؟ الحديث في الصحيح، لماذا؟ يعني هل نَسي بنفسه أو نُسّي؟ نعم، إذا نسبه إلى نفسه يخشى أن يكون قد دخل في قوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [(126) سورة طـه] وهذا خاص بالقرآن، جاء النهي عنه على وجه الخصوص.

((أو أُنسّى لأسن)) يعني من أجل التشريع، يعني لو لم يَنسَ -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة وزاد ونقص سهوًا كيف نعرف الأحكام المتعلقة بالسهو؟ إنما يَنسى أو يُنسى للتشريع، (أو) هذه يقول الباجي: للشك، وقال بعضهم: هي للتقسيم، يعني بعض النسيان منه، وبعض النسيان من الله -عز وجل-، إذا كانت (أو) للتقسيم يكون النسيان على قسمين بعضه منه ونسبه إليه ((إني لأَنسى))، والقسم الثاني نسبه أو أضافه لفاعله الحقيقي وهو الله -عز وجل-.

هذا الحديث هو أول الأحاديث الأربعة التي لا تروى كما قال ابن عبد البر: "لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه" وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد بغيره مسندةً ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول، لكن وصله ابن الصلاح في جزءٍ له تولى فيه وصل هذه الأحاديث الأربعة، وصححه أيضًا ابن الصلاح، وإن قال الحافظ: إنه لا أصل له، لعله يريد ما يوافق كلام ابن عبد البر، يعني "لا أصل له" أحيانًا تطلق بإزاء لا إسناد له.

"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلًا سأل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فقال: إني أهم في صلاتي" أهم يعني أتوهم أني نقصتها ركعة مثلًا "فيكثر ذلك علي" يعني فيصل إلى حدٍّ يشق علَيّ اتقاؤه، بل يصل إلى حد الوسوسة فماذا أصنع؟ فـ"قال القاسم بن محمد: امض في صلاتك" ولا تلتفت إلى هذا الوهم، ومعروفٌ أن الوهم هو الاحتمال المرجوح يقابله الظن، والاحتمال المساوي هو الشك، فـ"قال القاسم بن محمد" هو أحد الفقهاء السبعة: "امضِ في صلاتك" يعني ولا تلتفت إلى هذا الوهم "فإنه لن يذهب عنك" تذهب عنك هذه الوسوسة "حتى تنصرف وأنت تقول: ما أتممت صلاتي" يعني لا يزال يلهيك الشيطان حتى تقول: ما صليت، هذا واقع كثير من ابتلي بالوسواس يصدر منهم العجائب، وتمضي الساعات وهم يحاولون الوضوء، ثم يحاولون الصلاة ولا يستطيعون، نسأل الله العافية والسلامة.

يقول: الحديث وصله ابن عبد البر بلفظ: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)).

طالب:......

 

لا هذا غيره، هذا حديثٌ آخر، المقصود به ((أنسى لأسن)) وهذا ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) هذا حديثٌ آخر نعم...