هدي النبي في رمضان (12)

الثانية عشرة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إخوتنا المستمعين الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الجديد في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان هذا البرنامج الذي يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله حيث سيتولى توضيح هذه المسائل التي وردت في كتاب الزاد زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن قيم الجوزية فحياكم الله يا شيخ عبد الكريم وأهلاً وسهلاً بكم معنا.

حياكم الله وبارك فيكم.

يا شيخ عبد الكريم في الحلقة الماضية تحدثتم حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإفطار وفضل التعجيل فيه وفي هذه الحلقة لعلكم أن تتحدثوا حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرخصة للمسافر في رمضان، متى تكون هذه الرخصة وكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بها؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

أشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- في فصلٍ ذكر فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سافر في رمضان فصام وأفطر وخيّر الصحابة بين الأمرين وأشار -رحمه الله تعالى- إلى أن أسفاره -عليه الصلاة والسلام- منحصرة في الجهاد والحج والعمرة وما أشبه ذلك فهي أسفار طاعة أسفار طاعة ولذا القرطبي في تفسيره يذكر اختلاف العلماء في السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر وبعد أن يذكر الإجماع على سفر الطاعة كالحج والجهاد ثم يقول ويتصل بهذين سفر صلة الأرحام وطلب المعاش الضروري أما سفر التجارات والمباحات فمختلف فيه والقول بالجواز أرجح، وأما العاصي في سفره فالراجح من قولي العلماء أنه لا يترخص في سفره فلا يفطر ولا يقصر لأن إباحة هذه الرخص بالنسبة له إعانة له على معصيته وقد اشترط الله سبحانه وتعالى في إباحة أكل الميتة للمضطر ألا يكون باغيًا ولا عاديًا يقول ابن القيم النبي -عليه الصلاة والسلام- خير الصحابة بين الأمرين بين الفطر والصيام، وقال وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله يكون التخيير حيث لا مرجح يكون التخيير حيث لا مرجح للصيام على الإفطار أو العكس، ثم بعد ذلك ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد ولا صح عنه في ذلك شيء، يقول: وقد أفطر دحية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن وقال لمن صام قد رغبوا عن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان الصحابة ينشؤون السفر يفطرون..، وكان الصحابة حين ينشؤون السفر يفطرون في غير اعتبار مجاوزة البيوت ويخبرون أن ذلك سنته وهديه -صلى الله عليه وسلم-، مسافة السفر ومدة السفر مسألة اختلف فيها أهل العلم قديمًا وحديثًا فأكثر العلماء حددوا المسافة التي يترخص فيها المسافر بما يقارب ثمانين كيلاً تقريبًا ورخص بعضهم في كل ما يسمى سفرًا وهذا رأي شيخ الإسلام وابن القيم كما سمعنا، الجمهور حددوا مدة السفر أيضًا بأربعة أيام فإذا عزم المسافر على الإقامة ببلد أربعة أيام فأكثر فإنه يترخص يفطر ويقصر الصلاة وأطلق بعضهم المدة من غير تحديد فله أن يترخص مادام يسمى مسافرًا وهذا أيضًا قول شيخ الإسلام ويرجحه ابن القيم -رحمه الله تعالى-، الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في فتاويه يقول قد كنت سابقًا أعتقد أن تحديد مدة الإقامة للمسافر في أثناء السفر ليس عليها دليل صريح من الكتاب ولا من السنة وكنت أفتي على ضوء ذلك بجواز القصر والفطر للمسافر إذا أقام في أثناء سفره لبعض الحاجات ولو أجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام يقول -رحمه الله-: ثم إنني أخيرًا أرى من الأحوط للمسافر إذا أجمع الإقامة في أي مكان أكثر من أربعة أيام أن يتم ويصوم سدًا لذريعة..، لذريعة تساهل..، سدًا لذريعةٍ تساهل فيها الكثير من السفهاء بالقصر والفطر بدعوى أنهم مسافرون وهم مقيمون إقامة طويلة، يقول هذا هو الأحوط عندي سدًا لهذه الذريعة وخروجًا من خلاف أكثر أهل العلم القائلين بأن المسافر متى عزم على إقامة مدة تزيد على أربعة أيام فليس له القصر ولا الفطر في رمضان، يقول -رحمه الله-: والاحتياط في الدين مطلوب مطلوب شرعًا عند اشتباه الأدلة أو خفائها لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وقوله -عليه الصلاة والسلام- «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» هذا الاحتياط هل يوقع في ارتكاب محظور أو ترك مأمور؟ لا يوقع في ارتكاب محظور ولا ترك مأمور؛ لأن أهل العلم جماهير أهل العلم يصححون الصلاة من غير قصر لأن القصر رخصة ويصححون الصلاة أيضًا مع الإتمام ويصححون أيضًا الصيام في السفر اللهم خلاف ضعيف عند الظاهرية فإذا صام المسافر أجزأه خلافًا للظاهرية الذين قالوا إنه لا يصح صوم المسافر لكن قولهم ضعيف؛ لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في سفره في رمضان فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست عشرة من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، لكن ينبغي أن يقيد ذلك إذا لم يشق الصيام على المسافر أما إذا شق عليه الصيام وصام فقد أثم وعصى كما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مكة عام الفتح حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال «أولئك العصاة أولئك العصاة» رواه مسلم؛ لأنه شق عليهم وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «ليس من البر الصيام في السفر» فيحمل هذا على من شق عليه وأما من لا يشق عليه الصيام فليفعل الأرفق وهو الأفضل في حقه كسائر الرخص، أشار ابن القيم إلى أن أن الصحابة كانوا ينشؤون السفر ويفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت ويخبرون أن ذلك سنته سنته وهديه -صلى الله عليه وسلم- كما قال عبيد بن جبر ركبت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفينة من الفسطاط في رمضان فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه أبو داود وأحمد، ولفظ أحمد ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة فلما دنونا من مرساها أمر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان فقتل يا أبا بصرة والله ما تغيبت ما تغيبت عنا منازلنا بعد قال أترغب عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت لا، قال فقل..، قال فلم نزل مفطرين حتى بلغنا أيضًا أنس بن مالك -رضي الله عنه- محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رحلت راحلته وقد لبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ومعلوم أنهم إذا أطلقوا السنة فمرادهم سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم ركب قال الترمذي حديث حسن وقال الدارقطني فأكل وقد تقارب غروب الشمس، وهذه..، يقول ابن القيم: وهذه الآثار صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر، على كل حال متى يفطر المسافر؟ الأصل أن المسافر لا يفطر إلا إذا تحقق فيه الوصف المبيح للفطر وهو السفر وهذا قول أكثر أهل العلم يفطر المسافر إذا تحقق فيه الوصف يعني إذا باشر السفر وشرع فيه وفارق الحضر فإنه مادام حاضرًا غير مسافر فهو شاهد فهو شاهد للشهر فلا بد من إمساكه فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ } البقرة: ١٨٥  ما ذكره ابن القيم عن محمد بن كعب وهو ما رواه الترمذي وحسنه عن محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك وهو يريد سفرًا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت سنة؟ قال سنة ثم ركب في إسناده عبد الله بن جعفر والد الإمام علي بن المديني وهو ضعيف، وعلى كل حال الأحوط ألا يأكل حتى يتصف بالوصف المبيح للأكل فعلى كل حال مادام الوصف الذي عليه الترخص غير موجود فالأحوط عدم الترخص فلا يقصر الصلاة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يفطر إلا إذا باشر الوصف وهو السفر وسافر بالفعل، والله أعلم.

أحسن الله إليمك فضيلة الشيخ مسألة أخيرة ولدينا دقيقة واحدة تقريبًا في البرنامج، وهي هل من وصف الرخصة التي بها يتم الترخص أن يكون السفر شاقًا أو أنه لا يربط بالمشقة؟

في أول الأمر كانت الرخص مقرونة بالمشقة والخوففَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ } النساء: ١٠١  لكنه..،ا لكن العلة ارتفعت وبقي الحكم، هناك أحكام شرعت لعلل ارتفعت وانتفت هذه العلل وبقي الحكم، ومنها هذا، إذا وجدت المسافة التي قررها أهل العلم وجد الوصف الذي هو السفر على الخلاف في المسافة والمدة على ما أشرنا إليه إذا وجد الوصف فله الفطر شق عليه السفر أو لم يشق، لكن السفر مظنة لأن السفر في الغالب قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، هناك أحكام أيضًا مشابهة لهذا الرمل في الطوال إنما شرع..، النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل في الطواف لأن المشركين قالوا يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وشرع الرمل في الطوال واقتدى به الصحابة والمشروعية باقية إلى الآن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- باق إلى الآن وإن كان وإن كانت العلة مفقودة لا يوجد من يقول إن المسلمين وهنهم السفر أو وهنهم حمى بلد كذا فهذا من الأحكام التي شرعت لعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وبهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا إنه سميع مجيب، هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"