هدي النبي في رمضان (05)

الحلقة الخامسة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الذي يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله والذي نرحب به في مطلع هذا اللقاء حياكم الله الشيخ عبد الكريم وأهلاً وسهلاً بكم معنا.

حياكم الله وبارك فيكم.

أيها الإخوة المستمعون الكرام كان الحديث في الحلقة الماضية حول التنوع الذي كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد توقفنا عن إكمال الحديث حول هذه..، حول هذا الأمر لأن وقت البرنامج لم يسعفنا في الحلقة الماضية وقد وعدناكم بإتمام الحديث عن هذا عن هذه القضية في هذه الحلقة ولعلكم تبدؤون يا شيخ عبد الكريم وتكملون ما بدأتم به حول ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من التقلب في أنواع العبادات في رمضان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

أشرنا في حلقة سابقة إلى تنوع العبادات أنها من نعم الله -جلَّ وعلا- على هذه الأمة لأن لأن في هذا التنوع تكثر أبواب الخير ومن ثمَّ تكثر يكثر تحصيل الأجور المرتبة على هذه الخيرات ويتيسر على الأمة..، عرفنا أن من الناس من تفتح له أبواب الخير البدنية ومنهم من تيسر له الأعمال المالية ومنهم من يطيق النفع المتعدي، ومنهم من لا يستطيع ذلك وعرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب في هذه الأبواب كلها من الأمثلة أروعها في سائر الأزمان والأمكنة لكنه كما أشرنا يتضاعف جوده وكرمه وتزداد عبادته وتلاوته للقرآن في هذا الشهر العظيم الذي تضاعف فيه الحسنات وقد اقتدى خيار هذه الأمة وسلفها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان فأكثروا من فعل الخيرات من صلاة وتلاوة وحفظ للصيام بأنواع الطاعات فضلاً عن ترك المحرمات وحال السلف في رمضان يعجز البيان عن وصفها، حال السلف في هذا الشهر العظيم يعجز البيان عن وصفها، اقتداء بنبيهم صلوات الله وسلامه عليه بحيث لا يملك الإنسان إذا سمع أخبارهم في هذا المضمار إلا أن يتحسر على وضع الأمة المزري في هذه الأزمان، حيث تكثر مزاولة كثير ممن ينتسب إلى الإسلام في هذا الشهر للمنكرات ويعكف كثير منهم على الآلات المحرمة ومشاهدة القنوات التي تبث السموم القاتلة من الشهوات والشبهات إلا من رحم الله، ومن أسلم الناس من يسهر من يسهر ليله في المباح وينام في النهار فلا لذة في صيامه ولا حضور في قيامه ولا تدبر في تلاوته، والله المستعان، يقول ابن القيم -رحمه الله-: وكان يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يواصل في رمضان لا لذات الوصال وإنما ليتوفر له الوقت ساعات الليل والنهار كما كان يفعله في عرفة حيث يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر في وقت الأولى ليتوفر له الوقت في الدعاء للدعاء والتضرع والإلحاح على الله -عزَّ وجل- في أفضل الأوقات في عشية عرفة والله المستعان، وكان -عليه الصلاة والسلام- ينهى أصحابه عن الوصال لما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- من الشفقة والرأفة والرحمة بأمته -عليه الصلاة والسلام-، فيقولون له إنك تواصل وهذا هذه محاجة للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليس المراد منها ذات المحاجة وإنما المراد منها الحرص على فعل الخير والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقول يجيبهم -عليه الصلاة والسلام- «لست كهيئتكم إني أبيت» وفي رواية «إني أضل عند ربي يطعمني ويسقيني» وقد اختلف الناس كما قال ابن القيم اختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين أحدهما أنه طعام وشراب حسي للفم طعام وشراب حسي للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنه لا شك أن الظاهر من اللفظ «أبيت عند ربي يطعمني» الطعام والشراب لا حقيقة له في اللغة ولا في العرف إلا الطعام والشراب الحسيين لكن يمنع من إرادة هذه الحقيقة ما يذكر ما يذكره ابن القيم في القول الثاني. الثاني يقول -رحمه الله-: أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس والروح والقلب وبهجة النفوس والروح والقلب ما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه، وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، نعم قد يكون للإنسان نصيب من الاقتداء به من هذه اللذة بحسب اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وائتسائه به يكون له نصيب من هذه اللذة فكم تحدث العلماء عن لذة المناجاة وما يحصل لهم بسببها؟ كم تحدث السلف عما يحصل لهم من..، بسبب صيام الهواجر رغم مشقته على النفوس وقيام ليالي الشتاء رغم شد بردها يتلذذون بذلك وجاهدوا أنفسهم حتى حصلت لهم هذه اللذة والله المستعان، وابن القيم -رحمه الله تعالى- لما تحدث عن حال المقربين ووصفهم بما جاء من من نصوص الكتاب والسنة رغم ما عرف عنه من السهم الوافر من أنواع العبادات لا سيما البدنية -رحمه الله تعالى- مشهود له بذلك أقسم مع ذلك أنه لم يشم لهؤلاء رائحة وهذا ابن القيم فكيف بنا فكيف بمن دون ابن القيم -رحمه الله- يقول: وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة كما قيل ثم ذكر أبيات:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها  

 

عن الشراب وتلهيها عن الزاد  

لها بوجهك نور تستضيء به   

 

ومن حديثك في أعقابها حادي   

إذا شكت منك لا للسير أوعدها  .

 

روح القدوم فتحيا عند ميعاد      .

يقول ابن القيم: ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضا عنه وألطاف محبوبه وهداياه.. إلى إلى آخر ما قال -رحمه الله تعالى-، لكن لا يدخل الدَّخل على كما دخل على بعض من يزعم قضاء أوقاته جميعها في العبادات وأنهم ينقطعون ويتركون الأكل مدة تصل أحيانًا إلى أربعين يومًا وجد هذا لبعض المتصوفة أنه ينقطع عن الأكل على حد زعمه عن الأكل أربعين يومًا ثم تظهر له بحيث يصقل قلبه وتظهر له المكاشفات ويطلع على شيء من الغيوب بسبب هذه الـ..، بسبب هذه المجاهدة بسبب هذه المجاهدة والرياضة التي يسمونها رياضة ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن بعضهم هذا الكلام وفنده وقال إن هذه الكشوف وهذه الغيوب التي يكشف لهم عنها أنها ضرب من الهلوسة، وخلل في العقل والله المستعان، فرق بين مثل هذه التصرفات وبين ما يحصل من اللذة وطيب العيش والسرور بـ..،  الناشئ من الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله-: ألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت ومحبوبه حفي به معتن بأمره مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له، أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه ولا أعظم ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانًا إذا امتلأ قلب المحب بحبه وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكن حبه منه أعظم تمكن وهذا حاله مع حبيبه، يعني فرق بين من يقول: «أرحنا بالصلاة» وبين حال من يقول أرحنا من الصلاة، هذه حال كثير من الناس اليوم إذا أطال الإمام في القيام دقيقة واحدة، إذا أطال الإمام القيام دقيقة واحدة تجد الإنسان يتبرم وينظر في الساعة سواء كانت في الحائط التي أمامه في المسجد أو في يده وقد يتصرف ويتبرم ويتضايق، مما يدل على عدم إقباله على هذه العبادة العظيمة، ولو كان قلبه معلق بالله ومعلق بهذه الصلاة التي هي أفضل العبادات لاشتاق إليها، إذا انقطع عنها اشتاق إليها وتلذذ بها أثناء مزاولته لها، وأعرف شخصًا بلغ من العمر مائة سنة بلغ من العمر مائة سنة وكان يصلي صلاة التهجد هذا الشخص توفي -رحمه الله- يصلي صلاة التهجد خلف إمام صوته ليس بذاك يعني لا يقال أنه يتلذذ بالصوت صوته ليس بذاك مع أنه متقن للقرآن لكن صوته ليس بذاك..، ومع ذلك لما خف الإمام قراءته في يوم من الأيام عاتبه عتابًا شديدًا فقال له لما جاء بلهجته لما جاء وقت اللزوم يعني آخر الليل تخف بنا الصلاة؟! العجلة على ماذا؟! وقد أفضى -رحمه الله- إلى ما قدم ونحسبه والله حسبنا وإياه من خيار الناس ولا نزكي على الله أحدًا.

 

الله المستعان، نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا للعمل الصالح المتقبل وأن ييسر لنا هذه العبادات وأن يعيننا على أنفسنا، أيها الإخوة عند هذا الحد نتوقف في هذه الحلقة نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا وأن يجزي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير خير الجزاء وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب نلقاكم أيها الإخوة في اللقاء المقبل بإذن الله تعالى، لنستكمل الحديث حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان شكر الله لكم نلقاكم وأنتم بإذن الله تعالى بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.