تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (16)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67] أمر تعالى في هذه الآية نبيه -صلى الله عليه وسلم- بتبليغ ما أنزل إليه، وشهد له بالامتثال في آياتٍ متعددة، كقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، وقوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [النور:54]، وقوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُوم} [الذاريات:54]، ولو كان يمكن أن يكتم شيئًا، لكتم قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37]، فمن زعم أنه -صلى الله عليه وسلم- كتم حرفًا مما أنزل عليه، فقد أعظم الافتراء على الله، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

في قول الله –جلَّ وعلا-: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67] أمر من الله -جلَّ وعلا- لنبيه بالبلاغ والبيان، وقد أدى ما وكل إليه، وبلَّغ ما أُمِر بتبليغه عليه الصلاة والسلام.

من الأدلة التي ذكرها الشيخ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] ما علاقة هذه الآية بالبلاغ؟ لولا البلاغ لما كمُل الدين، لولا أنه –عليه الصلاة والسلام- بلَّغ جميع ما أُمِر بتبليغه لما حصل الكمال، ولو نقص من هذا البلاغ وهذا البيان شيء لنقص بقدره من الكمال من كمال الدِّين، لكن لما أتم البلاغ، وأكمل البلاغ حصل كمال الدِّين، ونحن نشهد للرسول –عليه الصلاة والسلام- أنه بلَّغ البلاغ المبين، أنه بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، وأنه نصح الأمة- عليه الصلاة والسلام-.

وقوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [النور:54] أفي هذا ما يدل على أنه بلَّغ؟ نعم؛ لأنه طالب بهداية الناس؛ لأنه رسولٌ من عند الله، الله –جلَّ وعلا- يقول: ما عليه إلا البلاغ، وهذا البلاغ قد حصل والنتائج بيد الله {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]، قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُوم} [الذاريات:54] لو ترك شيئًا مما أُمِر بتبليغه لكان ملومًا، فلما لم يترك شيئًا ولو يسيرًا مما أُمر بتبليغه ارتفعت عنه الملامة {فَمَا أَنتَ بِمَلُوم} [الذاريات:54].

من الآيات التي جاءت في حقه –عليه الصلاة والسلام- وفيها نوع شدة قوله –جلَّ وعلا-: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] يقول: لو كان يُمكن أن يكتم شيئًا لكتم هذه الآية؛ لأنها شديدة في حقه –عليه الصلاة والسلام- لكن أدى وبلَّغ جميع ما أُمر بتبليغه سواءً  كان له أو عليه، ولا شك أن الكل له؛ لأن هذا من كماله ألا يكتم مثل هذه الآية، ومن كماله أن يُقال له مثل هذا الكلام، من كماله –عليه الصلاة والسلام- أن يُقال له مثل هذا الكلام {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37]؛ لأنه لا ينظر –عليه الصلاة والسلام- إلى حظ نفسه من قريبٍ ولا بعيد.

طالب:........

أنه بلَّغ، هو طولب بهداية الناس من قِبل البشر، فجاء الرد من الله –جلَّ وعلا- أنه ما عليه إلا البلاغ، وقد حصل، أما الهداية فبيد الله {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56].

طالب: الآية {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ} [النور:54].

ليس عليه إلا البلاغ وقد بلَّغ.

طالب: الآية بدون واو وأورد هنا الواو؟

{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [النور:54].

طالب: الآية (ما على الرسول).

لا، هذا خط المصحف، الذي عندنا خط المصحف، نعم.

طالب:....... 

ينبغي أن يُلاحظ أنه قد يُوجد أكثر من آية أو جملة من آية بلفظٍ واحد ويختلفان في العزو إلى مكانها من السورة، ورقم الآية من السورة يختلفان، ومع ذلك قد يكون السياق يقتضي واحدة دون الأخرى.

مثال ذلك: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح:17] إن أتيت بآية النور فهي في الطعن، وإن أتيت بآية الفتح فهي في الجهاد، تصلح هذه مكان هذه وإن كان اللفظ واحدًا؟ ما تصلح.

طالب:....... 

كونه ما يذكر بقية الآية هذا شيء.....

طالب:....... 

نعم.

طالب:.......   

كونه ما يذكر الكلام على أنه هل يُوجد بهذا اللفظ أم ما يُوجد؟ ولا شك أنه قد يكون مراد الشيخ غير ما أثبته الطابع؛ لأن إدخال الآيات برسم المصحف من تصرف الطابع، وطبعة المدني هي التي كانت في وقت الشيخ التي صورتها مع الشيخ هي التي كانت في وقت المؤلف، وهذه لأن طبعة المدني وُجِد فيها أخطاء في الآيات، فقالوا: نكتب الآيات برسم المصحف؛ لئلا يُوجد مثل هذا الخطأ.

"قوله تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون} [المائدة:71] ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين".

يعني عموا وصموا عن الحق، وسماع الحق، واتباع الحق مرتين:

الأولى: مما يدل عليه السياق أنهم كلهم حصل منهم ذلك.

الثانية: كثيرٌ منهم، وكثير بدل من الواو ضمير الجمع، بدل بعض من كل.

طالب:....... 

كل آية لها سياقها، والذين يقولون بوجود المجاز لا محالة يستدلون بقوله- جلَّ وعلا-: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} [الحج:46] فالأصل في العمى أنه للأبصار، لكن يطلق على غير ما وُضِع له، فهو عمى الأبصار لعمى القلوب التي في الصدور، وهذا قولٌ معروف عند أهل العلم، قولهم بوجود المجاز، ونفيه هو الذي عليه أهل التحقيق مثل: شيخ الإسلام، وابن القيم، وجمع من أهل العلم.  

"تتخللهما توبة من الله عليهم، وبيَّن تفصيل ذلك في قوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء:4]، فبيَّن جزاء عماهم، وصممهم في المرة الأولى بقوله: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:5]".

يعني هل آية الإسراء نص في أنها هي المرادة بآية المائدة؟ هل هو نص؟

طالب:........

ليست بنص، ولذلك أكثر المفسرين ما يذكرونها في تأويل الآية، ولا يربطون بينهما.

الشيخ التزم بمنهج وهو بيان القرآن بالقرآن، فصار يلتمس أقرب شيء إلى المراد في هذه الآية ولو من حيث العموم، فيجعل هذه بيانًا لتلك إلا من يخطر على باله عند تفسير آية الإسراء أن ترد هذه الآية آية المائدة في معناها؟ أقول: كثير من المفسرين لم يتطرقوا لها ما يخالف، هو فيه شيء فيه قُرب وفي استعمال للفظ في الموضعين، لو ورد ذكر العمى في آية لربطناها بآية المائدة، هو من لازم العمى الفساد والإفساد، لكن الربط بينهما يحتاج إلى شيءٍ يربط.    

"فبيَّن جزاء عماهم، وصممهم في المرة الأولى بقوله: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:5]".

{لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء:4] أولاهما أو أولى المرتين؟ أولى المرتين في الآية {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء:5] هل المراد به العمى والصمم الأول؟ {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ * وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء:4-5] أولى المرتين هو مرتبطٌ بالفساد والإفساد المذكور في الآية نفسها أو السورة نفسها.

هل يُمكن أن يُربط {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء:5] العمى والصمم الأول؟ الشيخ –رحمة الله عليه- اجتهد في تطبيق المنهج الذي رسمه لنفسه، وهو مُصيب في الغالب، لكن لا يعني أنه يُوافق في كل ما يقول، هو عالم واطلاعه واسع، وتصوره للقرآن واضح، وله علاقة قوية بالقرآن وتدبر للقرآن ومن أقرب الناس إلى أن....وقد سبقه إلى ذلك ابن كثير، ابن كثير سبقه إلى هذا وإن كان تفصيل الشيخ الأمين أكثر، لكن ابن كثير يفسر القرآن بالقرآن، ودمج معه أشياء أخرى بالسُّنَّة والصحابة والتابعين بأنواع التفسير المأثور.

تدري من أول من قال هذا؟ في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب لأهل مكة قال وهو يشرح طريقة الشيخ وأئمة الدعوة من بعده في أخذهم العلم، يقول: ونعتمد في تفسير كتاب الله على تفاسير السلف كتفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير، وهو ليس بمختصره، أفاد من ابن جرير، لكن في أمور كثيرة يختلف فيها كثيرًا، ابن كثير ذكر أشياء ما ذكرها ابن جرير منها إسرائيليات والعكس، فهذا تفسير مستقل، وهذا تفسير مستقل، ولا أشار ابن كثير إنه اختصر ابن جرير، يعني التشابه الموجود لنقُل أيضًا: البغوي مختصر لابن جرير، ما يُمكن أن نقول هذا، كل واحد له ميزته من هذه التفاسير.        

"وبيَّن جزاء عماهم وصممهم في المرة الآخرة بقوله: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء:7]، وبيَّن التوبة التي بينهما بقوله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:6].

 ثم بيَّن أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء:8] فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه -صلى الله عليه وسلم- وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم، فسلط عليهم نبيه -صلى الله عليه وسلم- فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم، وذراريهم، وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفًا من ذلك في سورة الحشر، وهذا البيان الذي ذكرناه في هذه الآية ذكره بعض المفسرين، وكثير منهم لم يذكره، ولكن ظاهر القرآن يقتضيه؛ لأن السياق في ذكر أفعالهم القبيحة الماضية، من قتل الرسل، وتكذيبهم، إذ قبل الآية المذكورة: {كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُون} [المائدة:70].

ومعنى {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71] ظنوا ألا يُصيبهم بلاءٌ وعذابٌ من الله، بسبب كفرهم، وقتلهم الأنبياء، لزعمهم الباطل، أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقوله: {كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} [المائدة:71] أحسن أوجه الإعراب فيه أنه بدلٌ من واو الفاعل في قوله: {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} [المائدة:71]، كقولك: جاء القوم أكثرهم".

يعني بدل بعض من كل، فالعمى الأول والصمم الأول شامل له، والثاني للكثير منه دون البقية.

وقوله: {أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71]، قرأه حمزة، والكسائي، وأبو عمرو بالرفع، والباقون بالنصب، فوجه قراءة النصب ظاهر؛ لأن الحسبان بمعنى الظن، ووجه قراءة الرفع، تنزيل اعتقادهم لذلك، ولو كان باطلاً، منزلة العلم".

يعني على حد زعمهم، يُنزل منزلة العلم على حد زعمهم، وإلا فهو باطل.

"فتكون أن مخففةً من الثقيلة، والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [المائدة:74]".

نعم في شيء؟

طالب:.........

خط المصحف {أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71] يعني لا توجد فتنة، يعني كان تكون تامة، {تَكُونَ} [المائدة:71] الآن "قرأه حمزة، والكسائي، وأبو عمرو بالرفع" {فِتْنَةٌ} [المائدة:71] أو (فتنةً) أو {تَكُونَ} [المائدة:71] إذا قلنا: إنها مُخففة من الثقيلة أنه لا تكون {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ} [المزَّمل:20] تكون مُخففة من الثقيلة فتكون بالرفع.

هذا الذي تقصد؟

طالب:.......

لا لا في {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ} [المزَّمل:20] مُخففة من الثقيلة.

"أشار في هذه الآية، إلى أن الذين قالوا: {الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73]، لو تابوا إليه من ذلك، لتاب عليهم، وغفر لهم؛ لأنه استعطفهم إلى ذلك أحسن استعطافٍ، وألطفه بقوله: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:74]، ثم أشار إلى أنهم إن فعلوا ذلك غفر لهم بقوله: {وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [المائدة:74] وصرَّح بهذا المعنى عامًا لجميع الكفار بقوله: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38].

قوله تعالى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المائدة:75] ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أُخر أن جميع الرسل كانوا كذلك، كقوله: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان:20] الآية".

هذا يُعد ردًّا على غُلاة النصارى الذين يزعمون أنه إله أو ثالث ثلاثة من وصف الإله أنه صمد لا يأكل وعيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، فكيف يكون له نصيب من الألوهية؟! وكذلك بقية الأنبياء والرسل يأكلون الطعام. 

"وقوله: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء:8]، وقوله: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان:7].

وقوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون} [المائدة:75] معنى قوله: {يُؤْفَكُون} [المائدة:75] يُصرفون عن الحق، والمراد بصرفهم عنه، قول بعضهم: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقول بعضهم: إن الله ثالث ثلاثة، وقول بعضهم: عزير ابن الله، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وعلى من يقول ذلك لعائن الله إلى يوم القيامة، فإنهم يقولون هذا الأمر الذي لم يقل أحد أشنع منه ولا أعظم، مع ظهور أدلة التوحيد المبينة له؛ ولذا قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون} [المائدة:75] على سبيل التعجب من أمرهم، كيف يؤفكون إلى هذا الكفر مع وضوح أدلة التوحيد؟!

قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:78] الآية، قال بعض العلماء: الذين لُعِنوا على لسان داود الذين اعتدوا في السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى ابن مريم، هم الذين كفروا من أهل المائدة، وعليه فلعن الأولين مسخهم قردة، كما بينه تعالى بقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين} [البقرة:65]، وقوله: {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين} [الأعراف:166]، ولعن الآخرين هو المذكور في قوله: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين} [المائدة:115] وذكر غير واحدٍ أنه مسخهم خنازير، وهذا القول مرويٌّ عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، والباقر، نقله الألوسي في تفسيره، وقال: واختاره غير واحد، ونقله القرطبي عن ابن عباسٍ، وقتادة، ومجاهد، وأبي مالك، وذكر أنه رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".

قصة المائدة هل نزولها بالاتفاق أو بين أهل العلم فيه اختلاف؟ وجه الخلاف لما لم يقبلوا الشرط ما نزلت، ونظيره {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] هل فيه عمد أم ما فيه عمد؟

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

 لأن هذه من المواضع التي قد تُرى مُسلَّمة، مائدة المائدة خلاص ما أحد ينازع، لكن إذا دققت وجدت للخلاف موضعًا، ومثله {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] الناس مطبقون على أنها بعمدٍ، لكن لا تُرى أو هي بغير عمد؟ اللفظ مُحتمل، ولكن الاتفاق أنه ليس فيها عمد تُرى، لكن هل فيه عمد لا تُرى أو بغير عمد؟ هذا مستقر، لكن منهم من يقول: إنها بعمد لكن لا تُرى، وهذا أعظم في الإعجاز والقدرة.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

إذا كان فيه عمد لكن لا يراه أحد.

طالب:........

لا، إذا كانت غير مرئية مع إمكان الرؤية، على كل حال أنا جئت بالآية من أجل أن هناك مُسلَّمات، وهي في حقيقتها قابلة للنقاش، والنقاش موجود بين أهل العلم، بعمدٍ تُرى هذا لا يقول به عاقل، هذا هو المنفي في القرآن، بعمدٍ ترونها مفهوم المخالفة أنه فيه عمد، لكن لا تُرى، موجود في أقوال أهل العلم.      

"وقال بعض من قال بهذا القول: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت، قال داود -عليه الصلاة والسلام-: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا، قال عيسى -عليه الصلاة والسلام-: اللهم عذّب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابًا لم تعذبه أحدًا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير.

وأن هذا معنى لعنهم على لسان داود، وعيسى ابن مريم.

وفي الآية أقوالٌ غير هذا تركنا التعرض لها؛ لأنها ليست مما نحن بصدده".

طالب:.........

ماذا؟

أصحاب السبت مجزوم بقصتهم، المائدة هي التي فيها الخلاف، أين ما صارت ما ..... يصير الكلام. 

"قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] قد قدَّمنا في سورة البقرة أن المراد بما عقدتم الأيمان، هو ما قصدتم عقد اليمين فيه، لا ما جرى على ألسنتكم من غير قصد نحو: لا والله، و بلى والله، ومنه قول الفرزدق:

وَلَسْتَ بِمَأَخُوذٍ بِلَغْوٍ تَقُولُهُ

 

إِذَا لَمْ تَعْمَدْ عَاقِدَاتِ الْعَزَائِم

وهذا العقد معنوي، ومنه قول الحطيئة".

يعني ليس بحسي من العقد الحبل.

طالب:..........

ماذا؟

طالب:..........

"ولست" يُريد أن يقول: تقوله.

"وهذا العقد معنوي، ومنه قول الحطيئة

قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ شَدُّوا

 

الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا

وقرأه حمزة، والكسائي، وشعبة عن عاصم: {عَقَدتُّمُ} [المائدة:89]، بالتخفيف بلا ألف، وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر: عاقدتم بألفٍ بوزن فاعل، وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف، والتضعيف والمفاعلة: معناهما مجرد الفعل بدليل قراءة {عَقَدتُّمُ} [المائدة:89] بلا ألف".

يعني تُفسر القراءتين؛ لأنها ليست مُفعلة بين طرفين.

"بدليل قراءة {عَقَدتُّمُ} [المائدة:89] بلا ألف ولا تضعيف، والقراءات يُبين بعضها بعضًا، و(ما) في قوله: {بِمَا عَقدتُّمُ} [المائدة:89] مصدريةٌ على التحقيق لا موصولة، كما قاله بعضهم زاعمًا أن ضمير الرابط محذوف".

مصدرية يعني بعقدكم أو مصدرية بالذي عقدتموه، بالذي تكون موصولة المصدرية بعقدكم، المصدرية بالذي عقدتموه، تكون مصدرية على التحقيق لا موصولة كما قاله بعضهم زاعمًا أن ضمير الربط محذوف، لماذا اختار الشيخ أنها مصدرية؟ لأن المصدرية لا تحتاج إلى رابط فلا تحتاج إلى تقدير، بينما الموصولة تحتاج إلى رابط.

"وفي المراد باللغو في الآية أقوال، أشهرها عند العلماء اثنان:

الأول: أن اللغو ما يجري على لسان الإنسان من غير قصد، كقوله: لا والله، وبلى والله.

وذهب إلى هذا القول: الشافعي، وعائشة في إحدى الروايتين عنها، وروي عن ابن عمر، وابن عباس في أحد قوليه، والشعبي، وعكرمة في أحد قوليه، وعروة بن الزبير، وأبي صالحٍ، والضحاك في أحد قوليه، وأبي قلابة، والزهري، كما نقله عنهم ابن كثير، وغيره.

القول الثاني: أن اللغو هو أن يحلف على ما يعتقده، فيظهر نفيه، وهذا هو مذهب مالك بن أنس، وقال: إنه أحسن ما سمع في معنى اللغو، وهو مرويٌّ أيضا عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباسٍ في أحد قوليه، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير، ومُجاهدٍ في أحد قوليه، وإبراهيم النخعي في أحد قوليه، والحسن، وزرارة بن أبي أوفى، وأبي مالك، وعطاءٍ الخراساني، وبكر بن عبد الله".

زرارة بن أوفى، ما هو ابن أبي.

طالب:.........

ابن أوفى ما فيه أبي، هذا الراوي المعروف الذي سمع القارئ في الصلاة يقرأ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور} [المدَّثر:8] صعق ومات -رحمه الله-.  

"وأحد قولي عكرمة، وحبيب بن أبي ثابت، والسُّدي، ومكحولٍ، ومُقاتل، وطاووس، وقتادة، والربيع بن أنس، ويحيى بن سعيد، وربيعة، كما نقله عنهم ابن كثير.

والقولان متقاربان، واللغو يشملهما؛ لأنه في الأول لم يقصد عقد اليمين أصلاً، وفي الثاني لم يقصد إلا الحق والصواب، وغير هذين القولين من الأقوال تركته؛ لضعفه في نظري.

واللغو في اللغة: هو الكلام بما لا خير فيه، ولا حاجة إليه، ومنه حديث: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةَ: أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَوْتَ أَوْ لَغَيْتَ»".

{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72] ما لا فائدة فيه، لا يليق بمسلم أن يضيع وقته وجهده فيه، «ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، ومجالس الناس حتى بعض الخاصة منهم من طلاب العلم فيها من اللغو الشيء الكثير.

"وقول العجاج:

وَرُبَّ أَسْرَاب حَجِيجٍ كُظَّمِ

 

عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّم

مسائل من أحكام الأيمان:

اعلم أن الأيمان أربعة أقسام: اثنان فيهما الكفارة بلا خلاف، واثنان مختلفٌ فيهما.

قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: الأيمان في الشريعة على أربعة أقسام: قسمان فيهما الكفارة، وقسمان لا كفارة فيهما. خرَّج الدارقطني في (سننه): حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدَّثنا خلف بن هشام، قال: حدَّثنا عبثر عن ليثٍ، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: الأيمان أربعة، يمينان يُكفران، ويمينان لا يُكفران.

فاليمينان اللذان يُكفران: فالرجل الذي يحلف: والله لا أفعل كذا وكذا فيفعل، والرجل يقول: والله لأفعلن كذا وكذا، فلا يفعل.

واليمينان اللذان لا يكفران: فالرجل يحلف: والله ما فعلت كذا وكذا، وقد فعل".

تعمد الكذب في يمينه، فيكون من نوع الغموس الذي لا يُكفَّر، عند من يقول: إن الغموس تعمد الكذب، ولو لم يكن فيه اقتطاع حق المسلم، ومنهم من يقول: إنه لا يكون غموسًا إلا إذا تضمن اقتطاع حق المسلم، ولا شك أن هذا أشد، لكن اليمين الذي يحلف به صاحبه وهو كاذب ويتعمد ذلك لا شك أنه على خطر، استخفاف بالمحلوف به. 

"والرجل يحلف: لقد فعلت كذا وكذا ولم يفعله.

قال ابن عبد البر: وذكر سفيان الثوري في (جامعه) وذكره المرزوي عنه".

المروزي.

"وذكره المروزي عنه أيضًا، قال سفيان: الأيمان أربعة، يمينان يكفران، وهو أن يقول الرجل: والله لا أفعل، ثم يفعل، أو يقول: والله لأفعلن، ثم لا يفعل. ويمينان لا يكفران، وهو أن يقول الرجل: والله ما فعلت، وقد فعل، أو يقول: والله لقد فعلت، وما فعل.

قال المروزي: أما اليمينان الأوليان، فلا اختلاف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان، وأما اليمينان الأخريان، فقد اختلف أهل العلم فيهما فإن كان الحالف حلف على أنه لم يفعل كذا وكذا، أو أنه فعل كذا وكذا عند نفسه صادقًا".

يعني على غلبة ظنه، حلف على غلبة ظنه.

"عند نفسه صادقًا يرى أنه على ما حلف عليه، فلا إثم عليه ولا كفارة عليه".

يعني كما جاء في حديث الذي وقع على امرأته في رمضان، لما أعطاه النبي –عليه الصلاة والسلام- الفرق الذي فيه التمر، قال: «خُذه وتصدق به» قال: والله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر من بيتي، هل الرجل فتش على البيوت كلها فلم يجد أهل بيت أفقر منه؟ على غلبة ظنه، نعم.

"فلا إثم عليه ولا كفارة عليه في قول مالكٍ، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي.

وكذلك قال أحمد وأبو عبيد، وقال الشافعي: لا إثم عليه، وعليه كفارة.

قال المروزي: وليس قول الشافعي في هذا بالقوي، قال: وإن كان الحالف على أنه لم يفعل كذا وكذا، وقد فعل، متعمدًا للكذب فهو آثمٌ، ولا كفارة عليه في قول عامة العلماء: مالكٍ، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد بن حنبل، وأبي ثورٍ، وأبي عبيد.

وكان الشافعي يقول: يُكفِّر، قال: وقد روي عن بعض التابعين مثل قول الشافعي، قال المروزي: أميل إلى قول مالكٍ وأحمد، انتهى محل الغرض من القرطبي بلفظه، وهو حاصل تحرير المقام في حلف الإنسان لأفعلن أو لا أفعل".

طالب:..........

لكن يُنقل عنه ما رأيته.

"وأما حلفه على وقوع أمرٍ غير فعله، أو عدم وقوعه، كأن يقول: والله لقد وقع في الوجود كذا، أو لم يقع في الوجود كذا، فإن حلف على ماضٍ أنه واقع، وهو يعلم عدم وقوعه متعمدًا الكذب فهي يمين غموس، وإن كان يعتقد وقوعه فظهر نفيه فهي من يمين اللغو كما قدمنا، وإن كان شاكًا فهو كالغموس، وجعله بعضهم من الغموس.

وإن حلف على مستقبل لا يدري أيقع أم لا؟ فهو كذلك أيضًا يدخل في يمين الغموس، وأكثر العلماء على أن يمين الغموس لا تُكفَّر; لأنها أعظم إثمًا من أن تكفرها كفارة اليمين".

مثل القتل العمد لا كفارة فيه، بخلاف الخطأ وشبه العمد؛ لأن القتل عمدًا أعظم من أن يُكفَّر كاليمين الغموس عند الجمهور، إن كان شاكًّا فهو كالغموس، يعني قريبٌ منه في الإثم وليس كالغموس الذي لا تدخله الكفارة، وهو ليس غموسًا فلا تدخله الكفارة.  

"وقد قدمنا قول الشافعي بالكفارة فيها، وفيها عند المالكية تفصيل، وهو وجوب الكفارة في غير المتعلقة بالزمن الماضي منها، واعلم أن اليمين منقسمةٍ أيضًا إلى يمينٍ منعقدةٍ على بر، ويمينٍ منعقدةٍ على حنث، فالمنعقدة بِر".

على برٍّ.

"فالمنعقدة على برٍّ هي التي لا يلزم حالفها تحليل اليمين كقوله: والله لا أفعل كذا، والمنعقدة على حنث، هي التي يلزم صاحبها حِل اليمين بفعل ما حلف عليه، أو بالكفارة كقوله: والله لأفعلن كذا، ولا يحكم بحنثه في المنعقدة على حنث حتى يفوت إمكان فعل ما حلف عليه، إلا إذا كانت موقتةً بوقت فيحنث بفواته، ولكن إن كانت بطلاق كقوله: على طلاقها".

علي علي.

"كقوله: علي طلاقها لأفعلن كذا، فإنه يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه؛ لأنه لا يدري أيبر في يمينه أم يحنث؟".

ولكن النكاح ثابت وهو الأصل، والطلاق مشكوكٌ فيه، فهل يُمكَّن منها بأن الأصل بقاء النكاح أو يُمنع منها؛ لأن الاحتمال قائم أنه يحنث في يمينه فتفوته زوجته وتُفلت منه؟

طالب:........

لا، هو الكلام على أنه حلف، والحنث احتمال، والأصل بقاء النكاح، فهل يُمنع من باب الاحتياط للفروج؟ هل نقول: إنه في حكم من حنث وراجع أو نقول: إن المطلقة رجعية يجوز وطئها؛ لأنها زوجة ولو لم يُراجعها؟ يُطبق عليه الكلام اللي معنا، رجعة مع النية أو بدون، يعني رجل طلَّق امرأته ودخل البيت وجدها وطئها بدون نية رجعة هذا عند العلماء في الظاهر رجعة، لكن إذا كان ما قصد يراجع وطء من غير قصد الرجعة، ولا عنده نية يُراجع، يُلزم قضاءً بأنها رجعة، لكن هو باعتبار أنه ما عنده نية رجعة وقد طلَّق في الموافق مثلاً للحكم في الظاهر شيء، ولكن إذا كان يقول: أطأ وأنا ما أنا مراجع ما يأثم إذا أراد أن يطأ؟ دخل البيت فأعجبته فوطئها وهو ما عنده نية إنه يُراجع، ما الحكم؟

طالب:..........

ماذا؟   

طالب:..........

تحصل الرجعة حكمًا، لكن هو ما أنا مراجع أصلاً، ما لي نظر فيها، الحكم أن تحصل الرجعة ويلزم بها وتُحسب عليه لو طلَّق، لكن إذا كان ما فيه نية رجعة وأراد أن يطأها وهي مطلقة بالنسبة له.

طالب:..........

نعم.

طالب:..........

ما فهمت قصدي، لا يرجع ولا نظر له فيها، يقول: أطأ وأنا مطلِّق.

طالب:..........

معروف الخلاف في الظاهر أنها رجعة ما فيه نية، لكن ما فيه نية النقيض، يقول: هذه مطلقة ولا لي نظر فيها لا أريدها، وأنا أطأ ولن أراجع.

كمل كمل ما فيه فائدة.

طالب:..........

نعم.

طالب:..........

كمل كمل.

"ولا يجوز الإقدام على فرجٍ مشكوك فيه عند جماعةٍ من العلماء منهم مالك وأصحابه.

وقال بعض العلماء: لا يُمنع من الوطء؛ لأنها زوجته، والطلاق لم يقع بالفعل، وممن قال به أحمد.

المسألة الثانية: اعلم أن اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله وصفاته، فلا يجوز القسم بمخلوق لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» ولا تنعقد يمينٌ بمخلوق كائنًا من كان، كما أنها لا تجوز بإجماع من يُعتد به من أهل العلم، وبالنص الصحيح الصريح في منع الحلف بغير الله، فقول بعض أهل العلم بانعقاد اليمين به -صلى الله عليه وسلم- لتوقف إسلام المرء على الإيمان به ظاهر البطلان، والله تعالى أعلم".

الرسول –عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق ومع ذلك هو من الخلق لا يجوز القسم به، القسم به كالقسم بغيره شرك.

"المسألة الثالثة: يخرج من عهدة اليمين بواحد من ثلاثة أشياء:

الأول: إبرارها بفعل ما حلف عليه.

الثاني: الكفارة، وهي جائزةٌ قبل الحنث وبعده على التحقيق.

الثالث: الاستثناء بنحو إن شاء الله، والتحقيق أنه حِل لليمين لا بدل من الكفارة، كما زعمه ابن الماجشون، ويشترط فيه قصد التلفظ به، والاتصال باليمين، فلا يقبل الفصل بغير ضروري كالسعال، والعطاس، وما ذهب إليه ابن عباسٍ وغيره من جواز تراخي الاستثناء.

فالتحقيق فيه أن المراد به أن العبد يلزمه إذا قال: لأفعلن كذا، أن يقول: إن شاء الله، كما صرح به تعالى في قوله: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [الكهف:23-24] فإن نسي الاستثناء بـ (إن شاء) وتذكره ولو بعد فصل، فإنه يقول: إن شاء الله; ليخرج بذلك من عهدة عدم تفويض الأمور إلى الله وتعليقها بمشيئته، لا من حيث إنه يُحل اليمين التي مضت وانعقدت".

يُنكر على ابن عباس أن الاستثناء ينفع ولو طال الفصل، لكن لو قيل بهذا ما حنث أحد، كما لزمه الكفارة قال: إن شاء الله، وهذا قطعًا لا يقصده ابن عباس {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [الكهف:23-24].

تطرق الصاوي إلى مسألة الاستثناء، والاستثناء في الإيمان حينما يقول: يُسأل الشخص عن إيمانه، فيقول: أنا مؤمنٌ إن شاء الله، وهو معروف عن بعض العلماء وبعضهم يُسمي هؤلاء شكاكة يُشاك ما جزم في إيمانه، وأطال الصاوي في بحث المسألة واستطرد، وجاء بكلامٍ قبيح؛ لأنه تطرق إلى لزوم تقليد المذاهب الأربعة، وأنه لا يجوز الخروج عنها بأي حالٍ من الأحوال، ولو خالفت الكتاب والسُّنَّة وقول الصحابة.

هذا كلامه وهو استطرادٌ ليس في محله.

طالب:........

لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر هذا كلامه، وكلامه في سورة فاطر عن الخوارج، وأدرج فيهم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وله عليه ملاحظات كثيرة، نعم.

"فالتحقيق فيه أن المراد به أن العبد يلزمه إذا قال: لأفعلن كذا، أن يقول: إن شاء الله، كما صرح به تعالى في قوله: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [الكهف:23-24] فإن نسي الاستثناء بـ (إن شاء) وتذكره ولو بعد فصل، فإنه يقول: إن شاء الله ؛ ليخرج بذلك من عهدة عدم تفويض الأمور إلى الله وتعليقها بمشيئته، لا من حيث إنه يُحل اليمين التي مضت وانعقدت.

ويدل لهذا أنه تعالى قال لأيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} [ص:44] ولو كان تدارك الاستثناء ممكنًا لقال له قل: إن شاء الله، ويدل له أيضًا أنه لو كان كذلك لما عُلم انعقاد يمين لإمكان أن يلحقها الاستثناء المتأخر".

كل من حلف وتوجه إليه الحنث ولزمته الكفار، قال: إن شاء الله، معنى ذلك لا يكون فيه كفارة أصلاً لو قلنا بالتراخي المطلق، قال بعضهم: إنه مادام في المجلس ينفعه، وإن قام عنه لا ينفعه؛ لأن الكلام في المجلس الواحد كالمرتبط بعضه ببعض مثل خيار المجلس.

وهذا أيضًا فيه ما فيه؛ لأن هناك أمورًاًا من الكلام، وكثير من متعلقات الكلام إذا لم تحصل متتابعة فإنه يحصل الخلل فيها لو أن الخطيب جلس على المنبر وخطب جملة أو جملتين أو ثلاثًا، ثم سكت مدةً طويلة ويُعبِّر عنه العلماء بطول الفصل.

على كل حال الأمر الملزم في الشرع يُمكن تداركه وعدم إلزام المكلف به إذا كان خارجًا عن إرادته، فرضنا أنه حلف فأخذه السُّعال أو العطاس أو أُغمي عليه، فأُدخل العناية، ثم أفاق بعد أيام، ثم قال: إن شاء الله، ينفعه أم ما ينفعه؟ لأنه خارج عن إرادته مثل السُّعال، ومثل العطاس، ويُمكن أن يكون في نيته أن يستثني.

سليمان قال له الملك: قُل إن شاء الله لما حلف أن يطأ نساءه فلم يقل، فحصل ما حصل الفصل قريب، لكن هذا من التلقين، يعني لو أن أحدًا حلف، ثم قال له أحد الجالسين: قُل إن شاء الله، ما كان في نيته أن يقول: إن شاء الله، فقال له أحد الحاضرين كما في حديث تحريم مكة لما قال العباس: إلا الإدخر، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إلاَّ الإِذْخِرَ» هذا يُقال له العطف التلقيني تلقين، والاستثناء التلقيني وقد نفع في الحديث المتفق عليه إلا أن بعضهم يقول: إنه نزل الوحي مؤيدًا لهذا التلقين، نزل الوحي والوحي معروف أنه مُلزم، وقصة سليمان عليه السلام- لما قال له الملك: قُل إن شاء الله، ثم أخبر أنه لو قال هذا نفعته، هذا أيضًا قد يكون، ألا يُمكن أن يكون مما أُوحي إليه عن طريق هذا الملك؟ يمكن لو كان مما أوحي إليه للزمه القول به.         

"واعلم أن الاستثناء بـ (إن شاء الله) يفيد في الحلف بالله إجماعًا.

واختلف العلماء في غيره كالحلف بالطلاق والظهار والعتق، كأن يقول: إن دخلت الدار فأنتِ طالقٌ إن شاء الله، أو أنتِ علي كظهر أمي إن شاء الله، أو أنتِ حرةٌ إن شاء الله، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يفيد في شيء من ذلك؛ لأن هذه ليست أيمانًا، وإنما هي تعليقات للعتق والظهار والطلاق، والاستثناء بالمشيئة إنما ورد به الشرع في اليمين دون التعليق، وهذا مذهب مالكٍ وأصحابه، وبه قال الحسن، والأوزاعي، وقتادة، ورجَّحه ابن العربي وغيره.

وذهب جماعةٌ من العلماء".

هذه تُسمى أيمان الحلف بما ذُكِر؛ لأن مؤداها كما يؤدي اليمين، ومفاداها كما يُفيد اليمين من الحث والمنع، وما ذُكِر من التعليق هل ينفع أو لا ينفع كما ينفع في اليمين، وأنه يلزمه فيها كفارة كما يلزمه في اليمين؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

هو ذكر القول الأول وأن هذا مذهب مالك، وأن هذا لا ينفع، فما جاء في اليمين خاص به، وذهب جماعةٌ...

نعم.

"وذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنه يُفيد في ذلك كله، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وطاووس، وحماد، وأبو ثور، كما نقله عنهم ابن قدامة في (المغني)".

لأنهم قاسوا هذه الأمور اليمين في لزوم الكفارة، وطردوا ذلك فيما يُشابه اليمين مما ذُكِر من الاستثناء.

"وفرَّق قوم بين الظهار، وبين العتق والطلاق؛ لأن الظهار فيه كفارة فهو يمينٌ تنحل بالاستثناء، كاليمين بالله والنذر، ونقله ابن قدامة في (المغني) عن أبي موسى، وجزم هو به".

والله أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

"