شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (157)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مَطلَع حلقتنا يسُرُّنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير؛ فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حيَّاكُم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: نبدأ حلقتنا هذه باستكمال حديث أبي مسعودٍ الأنصاري -رضي الله عنه-، أشرتم إلى كلام أهل العلم في قوله: "لا أكاد أدرك الصلاة ممّا يُطَوِّلُ بنا فلان"، وتوقف بنا الحديث عند هذا الموضع يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذكرنا كلام القاضي عِيَاض، وابن سراج، والعَينِي، وابن حجر وغيرهم. الآن في كلام لابن حجر يقول: يُحتمل أن يكون المراد أن الذي ألِفَهُ من تطويله؛ ألِفَهُ: هذا المتأخر، من تطويله؛ يعني تطويل الإمام اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت، اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت؛ يعني بعض الناس هذا موجود بكثرة، تجد بعض الناس لا يقوم مع الإقامة وهو في المسجد؛ بل يتأخر ويُصرِّح بأنه حتى يذهب غالب الركعة الأولى؛ لأنها طويلة، مع أنها في الحقيقة ليست بطويلة، لكن النفس ما تنتهي، يعني إذا عُوِّدَت على شيء فتطلب المزيد منه سواء إن كانت في الصعود، أو في النزول، يقول: يحتمل أن يكون المراد أن الذي ألِفَهُ من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت؛ وُثُوقًَا بتطويله بخلاف ما إذا لم يكن يُطَوِّل، فإنه كان يحتاج إلى المبادرة.

 الآن واضح تجد الناس وهم في طُرُقهم من بيوتهم إلى المساجد يعرفون الإمام إذا كان من أهل التطويل مشوا بالسكينة وبرفق، وبعضهم يتشاغل، وبعضهم يتأخر في الخروج من البيت؛ لكن إذا كان يستعجل ويعرفون أنه في الصلاة الركعة تفوتهم لا شك أنك تلاحظ أن كثيرًا منهم يستعجلون حتى في مشيهم، ويُخالفون السنة؛ من أجل إدراك الركعة، وُثُوقًَا بتطويله بخلاف ما إذا لم يكن يُطَوِّل؛ فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت، وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله، ثم يتوجه فيُصادف أنه تارة يُدركه، وتارةً لا يُدركه؛ يعني لا أكاد أُدرك، لا أكاد أردك ما يُطَوِّل؛ لأنه يتشاغل في بيته يخلص من بعض الأعمال، ويفرغ منها، ثم ينصرف إلى صلاته؛ فإذا به قد ركع وفاتته، ثم يتوجه فيُصادف أنه تارةً يدركه، وتارةً لا يُدركه؛ فلذلك قال: «لا أدرك مما يُطوِّلُ بنا»؛ أي بسبب تطويله.

 أنا أقول هذا واضح؛ إذ الإقامة والتكبير والقراءة لا يسمعها من كان بعيدًا عن المسجد، بخلاف اليوم بواسطة مكبرات الصوت، الآن لو كانت الإقامة.. الأصل أن الأذان إعلام الغائبين.

المقدم: نعم.

يسمعه الناس وهم في بيوتهم، لكن الإقامة؛ لإعلام الحاضرين في المسجد؛ ولذا لا تكون في المنارة مثلًا، وعلى هذا لا تكون بمُكبرات، ولذا اختار بعض شيوخنا أن الإقامة لا تكون في المُكبرات، ولا القراءة في الصلاة؟

المقدم: تكون القراءة في الصلاة بمكبرات داخلية فقط لا يسمعه من في المسجد؟

لأ يسمعه من بالمسجد من حضر فقط، أما من لم يحضر، ويرى أن هذا يحث الناس على المبادرة للصلاة، ولا يجعلهم يتكلون على سماع الإقامة، ولا يعتمدون عليها فينتظرونها؛ فيجعل هذا من باب حث للناس على المبادرة، لكن لا شك أن هذا له أثرًا في بعض الناس دون بعض؛ بعض الناس يجعله هذا يحتاط، ويُبادر إلى الصلاة؛ خشية أن تفوته الصلاة، لكن بعض الناس لا شك أن مثل هذا يتسبب في فوات الصلاة بالنسبة له. والحكم للغالب إذا كان الأثر في الناس أكثر للمبادرة؛ تُرِكَت الإقامة بالمكبرات، وإذا ترتب على ذلك أن غالب الناس تفوتهم الصلاة لاسيما في مثل هذه الظروف التي نعيشها، الناس في غفلة تامة، فهل يُعانون على إدراك الصلاة بالإقامة بمكبرات الصوت أو نقول: لا؟ الأصل العدم، ولو أُريد إعلام الغائبين لكانت الإقامة في المنارة؛ فنُقِيم بدون مُكبرات صوت من أجل أن يُبادر الناس، نعم يُبادر بعض الناس من كان حريصًا على إدراك الصلاة، ويخشى من فواتها، لكن كثيرًا ..

المقدم: هؤلاء يُبادرون حتى لو لم يسمعوا.

لا لا بعض الناس يعتمد على المُكبرات.

المقدم: صحيح.

نعم، لكن الإشكال في إيش؟ أنه لو أقمنا بالمكبرات اعتمد الناس عليها، ولم يحضروا قبلها، وهذا ملموس حاصل، وهذا ما اضطر بعض العلماء أن يقول: الإقامة لا تكون بالمكبرات، ولا القراءة، لاسيما الخارجية؛ لأن الأصل في الإقامة أنها لإعلام..

المقدم: الحاضرين.

الحاضرين، لكن إذا ترتب على ذلك مصلحة كبرى، ولم يترتب عليها أدنى مفسدة، وكثير من الناس اليوم في هذه الظروف التي نعيشها بحاجة إلى من يعينهم على إدراك الصلاة، وإلا قد تنتهي الصلاة والناس في بيوتهم؛ ما سمعوا إقامة، فالناس بحاجة إلى ما يُعينهم، والمسألة مصلحة ومفسدة. أصل وجود المُكبر مُحدث، نعم المُكبر مُحدث؛ إنما أوجد لتحقيق المصلحة، فإذا كان يُحقق مصلحة، ويجعل عامة الناس يُدركون الصلاة يعني أقل الأحوال أن تدرك الجماعة، أما كوننا نطلب مثالية وفي ظرف نعيشه الآن هذا الأصل؛ الأصل أن يُبادر الناس بسماع الأذان، يعني بعض السلف يقول: إن الرجل الذي لا يحضر حتى يُدعى؛ إنه رجل سوء، الرجل الذي لا يحضر حتى يُدعى رجل سوء.

المقدم: ما يأتي إلا إذا أذن.

يعني ما يحضر إلا إذا سمع الأذان.

المقدم: معنى ذلك أن السلف كانوا يحضرون إلى المسجد قبل الأذان.

قبل الأذان، لكن الظروف الآن لانصراف الناس، والناس بحاجة إلى ما يعينهم، أقول إنه لا مانع من إعانتهم على ذلك؛ لأن أصل الوجود أصل وجود المُكبر مُحدث، إنما احتيج إليه لتنبيه الناس، وإخبارهم بدخول وقت الصلاة؛ فلا مانع أن يُحتاج إليه بإعلامهم بالشروع في الصلاة، لاسيما وعامة الناس يحتاجون إلى من يُعينهم، من يعينهم، وهذا يُحقق مصلحة ولا يترتب عليه مفسدة، التأخر حاصل حاصل؛ لكن هل مع هذا التأخر تُدرك الصلاة أو تفوت الصلاة، أيهما أفضل؟

المقدم: أن تُدرك.

أن تدرك. فلان يقول: وهو فاعل فاعل يُطيل أو يُطَوِّل، وهو كناية عن اسم سُمِّيَ به المحدَّث عنه، ويُقال في غير الآدمي الفُلان.

المقدم: في غير الآدمي؟

نعم الفُلان معرفًا باللام؛ قالهُ العيني، وقبله الكرماني. وفلان هو أُبَيّ بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية، وبجيم عن جابر قال: كان أُبَيّ بن كعب يصلي بأهل قباء؛ فاستفتح سورة طويلة فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة؛ فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته، فغضب أُبَيّ، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو الغلام، في قصة معاذ، غضب أيضًا على صاحب الناضح.

المقدم: نعم.

نعم، الذي انصرف من صلاته بل وُصِفَ بالنفاق.

المقدم: حتى أتى النبي.

كلامهما أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا الشاكي ولا المشكي. أتي النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب أُبَيّ؛ لأن هذا انصرف، ولا شك أن مخالفة الإمام تدعو إلى وجود شيء من..

المقدم: ما في النفس، صحيح.

 ما في النفوس، نعم يؤثر هذا في النفوس. فغضب أبي.

المقدم: عفوًا قبل هذا إن أذنت يا شيخ فضيلة الدكتور فيما يتعلق بقوله: فُلان على اعتبار أنه هذا للإنسا،ن والفُلان لغير الإنسان؛ كذا يستقيم ثبت هذا يا شيخ عن غير العيني والكرماني؟

هم ينقلون عن الأصول، عن اللغة.

المقدم: يعني يقال مثلًا: جاءه الحيوان الفُلاني كذا؟

لا، إذا سُمِّي حيوان باسم مثلًا؛ حمار سمي بعُفَير مثلًا فلا تريد أن تسميه؛ تقول جاء الفُلان.

المقدم: جاء الفُلان؟

نعم.

المقدم: إطلاقهم لعِلّان هل هو مُحدث؛ فُلان وعلان مُحدث أم من باب المُقارنة؟

من باب الإتباع.

المقدم: الإتباع، عطشان ونطشان، فُلان وعِلان.

إتباع، من باب الإتباع مثل ثقة نقة، ضعيف نعيف، حَيَّاك وبَيَّاك، المقصود أنها الإتباع بابه واسع، ومن أفضل ما كُتِبَ فيه كتاب الإتباع لأبي الطيب الحلبي اللغوي، كتاب نفيس هذا. فغضب أُبَيّ فأتى النبي -صل الله عليه وسلم- يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أُبَيًّا؛ فغضب النبي -صل الله عليه وسلم- حتى عُرف الغضب في وجهه، ثم قال: «إن منكم مُنفّرين؛ فإذا صليتم فأوجزوا فإن خلفكم الضعيف، والكبير، والمريض، وذا الحاجة». قال: قال ابن حجر فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب مما يُطَوِّل بنا فلان؛ أي في القراءة، واستُفيد منه تسمية الإمام، وبأي موضع كان.

المقدم: هل كانوا يُصلي بهم أحد غير النبي -صل الله عليه وسلم-؟

في قُباء.

المقدم: يعني هذا في قُباء؟

في قُباء، ومعاذ في بني سلمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام-...

المقدم: في المدينة.

يقول: فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في موعظة، قال الراغب: الوعظ زجرٌ مُقترن بتخويف، زجرٌ مُقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير، هذا الأصل في الوعظ، زجر مُقترن بتخويف، مع الأسف أنه الآن قد يُوعظ بعض الناس بطرق غير مباشرة؛ إما بنُكتة أو تمثيلية أو كذا، لكن الأصل في الوعظ زجرٌ مُقترن بتخويف، بعض الناس يتخذ إيش؟ النُكت للوعظ أليس بحاصل هذا؟ حاصل. لكن الأصل في الوعظ أن يكون بقال الله وقال الرسول، هذا الأصل، وأن يكون من يتولاه من أهل الانكفاف عما يعظُ به؛ ليُقتدى به ويُعمل بقوله.

المقدم: إذا وُجد هذا وهذا يا شيخ.

كيف؟

المقدم: يعني وجد من يعظ بهذا، وهؤلاء أهل الوعظ بالنُكتة لهم أهلهم ولهم من يُحادثوهم، ولا يُمكن الوصول إلى من يصلون إليه إلا عن طريقهم؟

المقصود أن هذا هو الأصل؛ يعني الأصل أن يوعظ الناس بالقرآن؛ فذكّر بالقرآن، وعلى كل حال من لم يتعظ بالقرآن ما أدري كيف يتعظ؟

المقدم: الآن يا شيخ -أحسن الله إليك- بدأ بعض الناس ممن يكتبون ويُسمون أنفسهم بدعنا نقول أهل التنوير وغيرهم يتهكمون بالوعظ، ويعتبرونه أسلوب تأخر عن العصر كثيرًا، وإذا تحدثوا عن أحد قالوا هؤلاء وُعَّاظ، ويسمون بعض من يكتب بالوُعَّاظ.

أنا لا أتعجب من هؤلاء، أتعجب من بعض طلاب العلم الذي إذا قيل له: لماذا لا تعتني بكتب الرقاق من كتب السنة مثلًا؟ قال: أنا لا أريد أن أصنف واعظًا، كأنه يرى أن الوعظ غير العلم، ما علم أن الوعظ وظيفة الأنبياء، هذا مثار للعجب، ويعرف ما فيه شك أن الناس يستروحون، ويصفون الشخص بأبرز ما عنده، بعض الناس يصير عنده فقه، لكنه يشتهر بالخطابة فيُقال: فُلان خطيب؛ فإذا أُريد أن يُسأل عن مسألة علمية قالوا فُلان خطيب! والعكس قد يكون فقيهًا، وحاضرًا في مسجد، ومع ذلك يتأخر الإمام عن خُطبة الجمعة؛ فلا هو يتشجع؛ لأنه مُصنّف، والناس ينظرون إليه على أنه فقيه، ولا غيره يُشجَّعُه؛ لأن نظرة الناس إليه تختلف عن واقعه، وإلا فالأصل أن العلم علم بجميع فروعه، وهذه وظيفة الأنبياء؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو القاضي، وهو المُفتي، وهو الداعية، وهو الخطيب، وهو كل شيء، وكذلك وُرّاثه -عليه الصلاة والسلام-، وأما الذي يُريد أن ينظر إلى كلام الناس أنا لا أريد أن أُصنّف وعظًا، لا أريد أن أُصنّف خطيبًا ليس بصحيح أبدًا؛ لأنك وأنت فقيه كيف تبلغ الناس وأنت لست بخطيب، ويوجد تقصير في هذا الباب، لكن على طالب العلم أن يُسَدّد ويُقارب؛ لا يجعل هذا يطغى على هذا، بحيث يسلك أسلوبًا معينًا بحيث يصدُّه عن غيره.

 فالوعظ زَجرٌ مُقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، والعظة والموعظة الاسم، نعم وَعَظَ يَعِظُ وَعظًا، والعِظَة مثل العدة والزنة، والموعظة الاسم يعني اسم المصدر، قال تعالى: {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، وقال: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ} [سبأ:46]، وقال: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ} [المجادلة:3]، وقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [يونس:57]. وبهذا تختلف الموعظة عن الدرس والمحاضرة، عن الدرس والمحاضرة، في العصور المُتأخرة استُعمِل لفظ ما.. لا أعرفه عند المتقدمين؛ توعية مثلًا، توعية الناس.

المقدم: تُسمى بها الآن وزارات، وإدارات، ومؤسسات.

إدارات إدارات، إدارات كبيرة في جهات شرعية؛ جهاز التوعية جهاز كذا، ورأيت في بعض الجهات كرسي الشيخ العالم الذي يشرح به العلم مكتوب عليه التوعية الإسلامية وكذا.

المقدم: نعم.

نعم، على كل حال اصطلاح ولا مشاحة بالاصطلاح، لكن الألفاظ الشرعية ينبغي أن يُتقيد بها؛ الواعظ واعظ، المعلم معلم، الخطيب خطيب، وهكذا.

أقول بهذا بما ذُكر عن الموعظة تختلف عن الدرس الذي يُقرّر فيه العلم بدقائقه، أما الموعظة فالغالب أن تكون إما للعامة، أو لمن يُلاحظ عليه مُخالفة. في حديث العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، لا بد أن يكون الواعظ مُؤثرًا؛ ليصلك كلامه إلى القلوب، ولا بد أن يكون كلام نابعًا من قلبه؛ لينفذ إلى القلوب. أشد غضبًا أشد بالنصب نعت لمصدر محذوف أي غضبًا أشد، وغضبًا نُصب على التمييز، وسببه إما لمخالفة الموعظة، أو للتقصير فيما ينبغي تعلُّمه، كذا قال بن دقيق العيد. سبب الغضب إما لمُخالفة الموعظة؛ لأنهما قصتان؛ لمُعَاذ ولأُبَيّ، فإن كانت قصة أُبَيّ متأخرة عن قصة مُعَاذ..

المقدم: اتضح السبب.

نعم.

المقدم: هذا أمر واضح.

لأنه خالف الكلام الذي وُجه؟

المقدم: به مُعَاذ.

نعم، وإن كان متأخرًا عنه فيكون أُبَيّ قد قصر في تعلم ما ينبغي تعلمه؛ كذا قال ابن دقيق العيد، وتَعقَّبهُ تلميذه أبو الفتح اليَعمُريّ، أبو الفتح اليَعمُريّ يعرف بإيش؟ ابن سيد الناس، نعم هو أبو الفتح اليَعمُريّ بأنه يتوقف على تقدُّم الإعلام بذلك، يتوقف على تقدُّم الإعلام بذلك، وقال ويُحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب؛ لإرادة الاهتمام بما يُلقيه لأصحابه؛ ليكونوا من سماعه على بال؛ لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله؛ لأنه أحيانًا إذا كان الكلام مهمًّا وأُريد أن يُعمل به يُلقى بقوة؛ ما يُلقى إلقاءً عابرًا يُمَر عليه مرور كما يقول مرور الكرام، لئلا بد أن إذا كان في غاية الأهمية أن يُحفر في القلوب، نعم وأن يُودع سُويداء القلوب من أجل أن يُعتنى به ويُعمل به، ولذلك اقترن بغضب.

يقول ابن حجر: هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه، ولا يَرِدُ عليه التعقب المذكور؛ الاحتمال الثاني وهو التقصير من تعلم؟

المقدم: العلم، لأُبَيّ.

نعم، ما ينبغي تعلمه؛ تقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، وهذا الاحتمال الثاني. يقول ولا يَرِدُ عليه التعقب المذكور، وقال العَينِي في بعض النسخ أشد غضبًا منه من يومئذٍ، ولفظة منه صلة أشد؛ فإن قُلت: الضمير راجع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد منه، "ما رأيت أشد منه من يومئذٍ" إذا كان الضمير راجعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فيلزم أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المُفَضَّل، وهو المُفَضَّل عليه؛ لأن أشد أفعل تفضيل.

المقدم: صحيح لا بد فيها من..

من المُفَضَّل ومن المُفَضَّل عليه؟ هو النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فيكون المُفَضَّل والمُفَضَّل عليه شيئًا واحدًا. يأتي أم ما يأتي؟

المقدم: ما يأتي.

طيب ما تقدم لنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود ما يكون في رمضان!

المقدم: مع أن الداعي

أجود ما يكون في رمضان، هو الأجود -عليه الصلاة والسلام- من الناس كلها.

المقدم: ويزداد الجود.

لكن هو في رمضان أجود منه في غير رمضان.

المقدم: في غير رمضان.

في غير رمضان، فهو المفضل والمفضل عليه. نظرًا باختلاف الأحوال يصلح باعتبار حال مُفَضَّل، وباعتبار حال أخرى مُفَضَّل عليه. وهنا يقول: قلت: جاز ذلك باعتبارين فهو مُفَضَّل باعتبار يومئذٍ، ومُفَضَّل عليه باعتبار سائر الأيام، وهو مأخوذ من الكرماني، كلام العيني في الغالب، يعني هذه اللطائف التي يوردها الكرماني؛ العيني في الغالب يأخذها بحروفها من الكرماني، ولا يُشير إليه، وهذا مر بنا مرارًا، لا يُشير إليه. وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الغضب، فقال لمن طلب منه الوصية: «لا تغضب»، وكرّر ذلك عليه مرارًا، وغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- هنا، وغضب في مواضع لماذا؟ لأجل مُخالفة المشروع، والغضب إذا كان دافعه الغَيرَة..

المقدم: على الدين.

لانتهاك المحارم فهو شرعي وإلا فهو مذموم، من يومئذٍ: يعني من ذلك اليوم، وجُرَّ اليوم بالكسرة الظاهرة لإضافته، لكنه يُبنى إذا أضيف إلى جملة صدرها مبني؛ كيوم ولدته أمه، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «أيُّها الناس» أي يا أيُّها الناس؛ هذا مُنادى فحُذِفَ حرف النداء، والمقصود بالنداء هو الناس، المقصود بالنداء الناس، لماذا ما دخلت يا على الناس مباشرةً؟ يا الناس؟ تُوُصِّلَ إلى مناداة الناس بأي، لماذا؟

المقدم: للتنبيه؟

الهاء للتنبيه، أيُّها، لكن تُوُصِّلَ إليها ليُتوصل إلى نداء ما فيه أل، هل يجوز نداء ما فيه أل؟ يا الرجل؟

المقدم: لا.

لا يجوز إلا في حال الضرورة، باضطرارٍ، يقول:

 شذَّ جمع يا وأل إلا مع الله      تقول يا الله، ومحكيّ الجمل

المقصود أن يُتوصل إلى نداء ما فيه أل بأيُّها، وهذا كثير.

المقدم: صحيح.

وإنما جاؤوا بأي ليُمكن التوصل إلى نداء ما فيه الألف واللام؛ لأنهم كَرِهُوا الجمع بين التخصيص بالنداء ولام التعريف، فكان المُنادى هو الصفة، والهاء مقحمة للتنبيه؛ قالهُ العيني. «إنكم منفرون» وفي رواية «إن منكم منفرين»-: أي عن الجماعات، «إن منكم منفرين» يعني عن الجماعات؛ قاله الكرماني.

قال ابن حجر: فيه تفسير للمراد بالفتنة في حديث مُعاذ «أفَتَّان أنت؟» وهنا قال: «إن منكم منفرين» فدل على أن المراد الفتنة التنفير، قال ابن حجر: فيه تفسير للمراد بالفتنة بحديث مُعاذ «أفتان أنت؟»، ويحتمل أن تكون قصة أُبَيّ هذه بعد قصة مُعاذ؛ فلهذا أتى بصيغة الجمع، وفي قصة مُعاذ واجهه وحده بالخطاب، «إن منكم منفرين» يعني مُعاذ وأُبَيّ، وإن كان هناك ثالث ما نُقِلَت قصته، وممن سيأتي ممن يطول ويُنفر الناس، لكن مُعاذ باعتباره الأول واجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- بالكلام أَفَتَّان بدون جمع، يقول يُحتمل أن تكون قصة أُبَيّ هذه بعد قصة مُعاذ؛ فلهذا أتى بصيغة الجمع في قصة مُعاذ واجهه وحده بالخطاب، وكذا ذكر في هذا الغضب، ولم يذكره في قصة مُعاذ، وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد. لكن هل يظهر تقدُّم قصة مُعاذ على قصة أُبَيّ؟ أنا من جهة أخرى يبدو لي أن قصة أُبَيّ متقدمة على قصة مُعاذ، لماذا؟ لأنه في قصة أُبَيّ ما واجهه باللوم والإنكار؛ وإنما خاطب الناس على عادته -عليه الصلاة والسلام- في عدم المواجهة، لكن مُعاذ باعتبار أنه تقدمه من؟ تقدمه هذا التوجيه بالخطبة

المقدم: صح، وُجِّه له.

وُجِّه له اللوم؛ لأن الإنسان إذا فعل المُخالفة لأول مرة فلا ينبغي مواجهته، كعادة النبي -عليه الصلاة والسلام- «يا أيُّها الناس»..

المقدم: «ما بالُ أقوام؟».

«ما بال أقوام؟»  إلخ. لكن إذا خالف أحد بعد هذا الكلام؟

المقدم: يُوَجَّه إليه؟

يُوَجَّه إليه مباشرة؛ فأقول من هذه الحيثية احتمال أن تكون قصة مُعاذ مُتأخرة عن قصة أُبَيّ.

المقدم: إذًا أحسن الله إليك، نستأذنك في أن نستكمل بالذات فيما يتعلق بمسألة التخفيف في الصلاة، وكيف تُضبط هذه؛ لأن هذه المسائل يكثُر السؤال عنها بإذن الله في الحلقة القادمة.

أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيّاكُم إلى ختام حلقتنا من برنامجكم شرحُ كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم في حلقةٍ قادمة بإذن الله، وأنتُم على خير، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.