شرح الموطأ - كتاب الأقضية (13)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في الهبة

حدثني مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطْفان

غطفان بالتحريك.

أحسن الله إليك.

عن أبي غطفان بن طريف المري أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها.

قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي صاحبها قيمتها يوم قبضها.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الأقضية في:

باب: القضاء في الهبة

الهبة لا تخلو إما أن تكون مما يراد به وجه الله -جل وعلا-، أو يراد بها الدنيا، فالناس إنما يعطون لأحد هذين الأمرين، إما لله أو للدنيا، فإن كانت مما يراد به وجه الله -جل وعلا- طلباً لثوابه، وتأليفاً لقلب المهدى إليه على الحق والخير، أو تكون طلباً لثواب الدنيا، وهذه في الغالب إنما تكون في الهبات والهدايا التي تعطى الكبار من أمراء، أو كبار في قومهم، أو ما أشبه ذلك مما عُرف في العادة أنهم يردون أكثر مما أعطوا، تدل القرائن على أن هذا الشخص ما أعطى هذا الشخص إلا لأنه يريد رد أكثر منها، وهذا موجود من العصور الأولى إلى يومنا هذا، يُهدى على الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني كتاباً نفيساً، أو مصحفاً نادراً، أو تحفة من التحف التي انقرضت نظائرها من أجل أن يُعطى أكثر مما تستحق، فإذا كانت الهبة لوجه الله -جل وعلا- فيقول الإمام -رحمه الله تعالى-:

"حدثني مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم" يعني يريد بها وجه الله -جل وعلا- يصل بها رحمه، أو ليدخل بها على قلب رجل يريد دعوته إلى الله -جل وعلا- هذه في حكمها.

"أو على وجه صدقة" يتصدق بها على هذا المحتاج "فإنه لا يرجع فيها" لا يجوز له الرجوع فيها؛ لأنه إنما أخرجها لله -جل وعلا- "ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب" الثواب الدنيوي، يريد المكافأة ممن أهدى له "فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها".

جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) وإذا أعطي إنسان شيئاً بدون مقابل فما الذي يدريه أنها إنما يراد بها وجه الله، أو يراد بها الثواب؟ لأن الشق الثاني مشكل؛ لأن لفظه عام، نكرة في سياق الشرط "من وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته" يعني كان في نيته أن يعطيه مقابل، يغلب على ظنه أنه يعطي مقابل هذا الذي أهدي له، ما أعطاه، انتظر انتظر، تنحنح، تلفت، لعل وعسى ما أعطاه شيء، ما صار شيء، هل يقول: أعطني هذا الكتاب لأني ما جئت به إلا لأرجو الثواب الدنيوي منك؟! نعم مقتضى الخبر؟

طالب:.......

نعم مقتضى الخبر الذي معنا أن له ذلك، ولو أعطي أقل من قيمتها؟ أهدى كتاباً نفيساً لأمير يعتني بالكتب ويهتم بها، أهداه كتاباً قيمته ثلاثة آلاف فأعطاه ألف، نعم؟

طالب:.......

إيه أحياناً يصدم الإنسان، تقع في يد شخص لا يقدرها قدرها، حتى من أهل العلم، أحياناً تأتي له بهدية فيقول: بحقها، دائم هذه على ألسنة بعض الناس، بحقها، ثم يعطيك ألف وهو بثلاثة آلاف؛ ليدفع منتك عليه، ولو لم يعطك شيئاً كان أسهل عليك، فلا شك أن عموم حديث: ((العائد في هبته)) يشمل الصورتين؛ لأن المهدى له مع إرادة الثواب لا يدري هل يريد الثواب أو لا يريد؟ لا سيما إذا كان من عامة الناس، ممن لم يعرف أنه يكافئ، أما من جرت عادته بالمكافأة فهذا ظاهر، من عرفت عادته بالمكافأة ثم أخطأ في تقدير الهدية، أعطي كتاب أو سلعة نفيسة، فأعطى نصف القيمة أو ربع القيمة هذا متوقع؛ لأن الشيء العادي الموجود في المحلات في الأسواق الذي يعرف سعره غالباً مثل هذا لا يهدى؛ لأنه مبذول، يعني قيمته ضعيفة عند الناس ولو كان غالي، يعني هل يأتي شخص لأمير ويهديه سيارة قيمتها خمسمائة ألف مثلاً؟ لا؛ لأنها موجودة في الأسواق تباع، لكن لو وجد سيارة مديل ثلاثين مثلاً، لا توجد في الأسواق، ثم أهداها نعم تقبل مثل هذه الهدية؛ لأنها نادرة، لكن إذا أخطأ المهدى إليه في التقدير، وقد دفع فيها المهدي الأموال الطائلة يريد الأضعاف، ثم ما أعطي إلا نصف القيمة، هذا لم يرض منها، ولذلك يقول: "فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها" لكن الهبة بنية الثواب هذه، الهبة بنية الثواب، يعني يهدي شخصاً ليهدي له أكثر، يطمع فيه بأن يعطيه أكثر.

وفي غير الهبة المدح من قبل الشعراء، هذا كثير من العصور الأولى، والشعراء يتكسبون بشعرهم، فإذا مدح الأمير بقصيدة فأعاد إليه قصيدة أخرى يمدحه فيها، أو أعطاه مبلغاً لا يجزيه ولا يرضيه، وقد أعطى الذي قبله أضعاف ما أعطاه، لا شك أن هذا مما يثير في النفوس الحزازات ويثير..، علماً بأن أصل المدح ممنوع شرعاً، وعلى هذه الطريقة مدح ممنوع في أصله ويكافأ عليه يكون المنع من الجهتين، تكسب مما لا يحل التكسب به، ودفع ثمن ما لا يجوز دفع الثمن عليه.

أما بالنسبة للأعيان التي ينتفع بها مما يمكن إهداؤه، فالثواب على مثل هذه الهدية لا شك أنه شرعي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل الهدية ويثيب عليها، لكن ذا من غير مشارطة.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

قال: "من وهب هبة"...

هذا عن عمر -رضي الله عنه-.

"من وهب هبة لصلة رحم" هذا ما فيه إشكال، كما حمل عمر -رضي الله تعالى عنه- على فرس في سبيل الله، فالذي أعطيه أضاعه، ما غزا عليه في سبيل الله، أضاعه، حتى كاد أن يهلك، فعرض عليه عمر -رضي الله عنه- أن يشتريه، فنهاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمى ذلك عوداً في الهبة، مثل هذا لا يجوز.

"وهب هبة لصلة رحم" أعطى عمته أو خالته أو ابن عمه أو ابن خاله أعطاه شيئاً يكسب به قلبه، ويتودد إليه؛ لتدوم الصلة بينهما ولا تنقطع، ولا شك أن الهدايا تجلب المودة والمحبة، مثل هذا لا يجوز له أن يعود بحال، والحديث ينطبق عليه ((العائد في هبته كالكلب)) فإنه لا يرجع فيها.

"أو على وجه صدقة" تصدق بها على فقير ثم عاد فيها، هذا لا يجوز، والحديث الصحيح المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه يشمل هذه الصور كلها.

طالب:.......

هي ما قبضتها.

طالب:.......

إيه، لكنها ما قبضت، الهبة إذا لم تقبض للواهب أن يرجع، فلا تلزم الهبة إلا بالقبض.

طالب:.......

هو مقيد من وجوه، هذا العموم "من وهب هبة" يعني سواءً كانت مقبوضة أو غير مقبوضة هذا لا بد من تقييده بما ثبت، نعم، وهذا كلام عمر -رضي الله عنه-، وقد وهب لولده عاصم ورجع؛ لأنه لم يقبض.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

وما يسلم من انقطاع، لكنه معروف، وكثير من أهل العلم يتبنى هذا القول، يفرق، لكن متى يعرف أن هذه الهبة..؟ نعم افترض أن له قريب مسئول كبير يعني، عنده أموال أو غني، أو ما أشبه ذلك، ونوى بهذه الصلة الثواب، وذاك الثاني المعطى نوى أنها صلة رحم، فما أعطاه شيئاً، له أن يعود أو لا يعود؟ لا شك أن عموم الحديث المرفوع الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يعود في شيء من هذه الصور.

كيف يفرق بين الهبة التي يراد بها الثواب والهبة التي لا يراد بها الثواب؟ لا شك أن القرائن من المهدي والمهدى تدل على شيء من ذلك، فإذا جاء فقير وأهدى إلى غني لا شك أنه يريد بذلك الثواب، يعني ثواب الدنيا، والعكس القرائن تدل على أنه لا يريد بذلك ثواباً، إذا جرت عادة المهدي أنه يأخذ أيضاً يؤخذ من حاله أنه يريد الثواب، وإذا جرت عادة المهدى إليه أنه يعطي عُرف بواسطة هذه القرينة أنها لإرادة الثواب، نعم؟

طالب:.......

والله هذا الأصل، هذا الأصل أنه لا يعود.

طالب:.......

نعم إذا دفعها إليه أعطاه إياها وهبها له لا بنية الثواب، فوجده يبيعها، مثل الفرس الذي أركب عليه عمر -رضي الله عنه- في سبيل الله، ثم أضاعه من أعطيه، قال: لا تشتره، ولو باعه بدرهم؛ لأن هذا رجوع، لكن إذا اشتراه بأكثر مما يراد بيعه به، أهدى له كتاب فعرضه للبيع فطلب بألف، ووقف عند هذا الحد وأراد بيعه بألف، قال: أنا أريده بألف وخمسمائة، يدخل في مثل هذا أو لا يدخل؟ لا شك أن العلة مرتفعة، علة المنع مرتفعة، ويبقى أنه لو تنزه عنها لكان أولى؛ لعموم النص.

"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا" يعني عند أهل المدينة، وفي عمل أهل المدينة "أن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان" بزيادة أو نقصان يعني سواءً كانت هذه الزيادة متصلة أو منفصلة، أهداه بقرة فولدت، هذه الزيادة منفصلة، أهداه بقرة فسمنت؟ متصلة، أو نقصت هزلت أو مات ولدها في بطنها هذه نقصت "إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان، فإن على الموهوب له أن يعطي صاحبها قيمتها يوم قبضها" هذه الهبة هي في حقيقتها بيع، وإن لم يصرح بالإيجاب والقبول إلا أن القرائن القوية تقوم مقام الإيجاب والقبول، فهل يلزم من ذلك تطبيق شروط البيع؟ نعم؟

طالب:.......

لا، الهبة بنية الثواب مقابلها عوض.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

لكنها بنية الثواب، وله أن يعود فيها، وإذا نقصت يأخذ القيمة كاملة، فهي بيع في الحقيقة، نعم؟

طالب:.......

الآن ما قلنا: إنها وإن كانت بدون صيغة لا إيجاب ولا قبول إلا أن القرائن القوية، يعني القرائن القوية هي التي جعلت له حق الرجوع، هذه القرائن هي التي جعلت له حق الرجوع، هذه القرائن هل تكفي في أن تكون هذه الصورة بيع؟ بمعنى أن شروط البيع لا بد أن تطبق عليها؟ أهداه مائة صاع من البر، فأعطاه مائة وخمسين أو ثمانين، هل لا بد أن تكون سواءً بسواءً يداً بيد؟

طالب:.......

إيه أنا أقول: هل هذا مما تطلب له شروط البيع، أو نقول: إن أصلها هبة، وهي من عقود الإرفاق، ما يشترط لها شيء من ذلك، يعني باعتبار أنها ليست ببيع صريح، لا إيجاب ولا قبول، فلا تلزمه فيها شروط البيع؟ يعني بعض الناس -مثلما ذكرنا- يأتي إلى شخص عرف بالكرم والجود، وأنه إذا أعطي شيء أعطى أكثر منه، وعنده شيء يستحق، يناسب مقام هذا الشخص ويهديه إليه.

أحياناً يقول: جزاك الله خير، ولا يعطيه شيء، فإذا قال: ما دام ما أعطاه شيء له الرجوع؛ لأنه بنية الثواب؛ لأن هذه النية نعم إذا لم تدل عليها علامات ظاهرة كان حكمها المنع، إذا لم يكن هناك علامات ظاهرة تدل على إرادة الثواب فالأصل المنع ((العائد في هبته كالكلب)) وإذا وجد علامات ظاهرة أو قرائن قوية عند من يحكم بالقرائن، قرائن قوية عند من يحكم بالقرائن، فإنه حينئذٍ إذا لم يعط فإنه يأخذ هديته، أو تقوم له إن كانت مما زاد أو نقص.

طالب:.......

أيوه.

طالب: ..... كون الإنسان يهدي، أعطى هبته، من باب رد السؤال.... هذه مسألة.

الثانية: أنه لو ما رد عليه سيرجع فيها، وعند الرجوع لا يأمن مطلقاً أن يكون هناك تنازع ونزاع بينهم، قد يكون الهبة صغيرة.... أو تكون أعطيتني بنية أنك تطلب وجه الله -عز وجل-..... إذاً يكون في نزاع، وهذا أيضاً عندنا بالعرف المصري ما يسمى بالقوت، يعني عندما يتزوج واحد من الناس نذهب إليه ونعطيه مالاً، الناس يعطون مالاً من باب الهبة التي.....

بحيث إذا تزوج الثاني...

طالب: نعم.

وهذا موجود في عرف كثير من...

طالب: أقصد أن يتحول إلى نزاع وواضح هنا الإشكال أن الثاني الموهوب له إن لم يرد ما أعطي يكون بين الناس مقاطعة ومفارقة وشحناء وبغضاء والآن سبحان الله.... على عشرة جنيه....

لا، أحياناً يعان المتزوج بخمسة رؤوس من الغنم مثلاً، أو برأس أو رأسين، ثم بعد ذلك إذا تزوج المعين استشرف لهذه الإعانة، وهم يتبادلونها من غير يعني مشاكل، هي موجودة، لكن الإشكال فيما لو زادت أقيام الغنم مثلاً، فبدلاً مما يهديه خمسة رؤوس بألف وخمسمائة ريال من ثلاثمائة ريال احتاج إلى أن يهديه بثلاثة آلاف مثلاً، كمثل هذه الأيام مع ارتفاع قيمة الغنم.

طالب: هذه المسألة ستؤدي إلى نزاع، ليش ما نقول: الله أعلم يعني ليش ما نقول: أليس هذه الصورة لا تجوز بالنظر إلى ما تؤدي إليه، فإن ثمرة هذا الأمر سيؤدي إلى النزاع، والمعروف أن جميع العقود إذا أدت إلى نزاع منعت، لو أدت إلى مخاطرة منعت....

معروف.

طالب:.... وهو يوجه بعض حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)) تعطيه لوجه الله -عز وجل- ما تعطيه خلاص....

حتى لو أعطاها بنية الثواب ما الذي...؟

طالب:.......

لا هو إذا كانت القرينة قوية فالقرائن القوية يحكم بها عند جمع من أهل العلم، ابن القيم انتصر لهذا.

طالب: أقصد أقصد النزاع الذي ستؤدي إليه هذه المسألة، يعني كون المفسدة تدب بين الناس ونرفعها أفضل من أننا نقول.... سواء.....

طالب: ما هو بعند الناس كلهم.

هاه؟

طالب: ما هو بعند الناس كلهم يصير نزاع.

لا، لا، أنا أقول: إن عدم الإهداء أصلاً أفضل من الإهداء بنية الثواب.

طالب:.......

عدم الإهداء أصلاً أفضل من الإهداء بنية الثواب، وأحفظ لماء الوجه للطرفين؛ لأن المهدي بنية الثواب يأتي إلى هذا الكبير، ويعطيه هذه السلعة النفيسة، نعم، ثم بعد ذلك ويش رأيك بها السلعة؟ ويش تسوى؟ ويش تجيب؟ ما أدري إيش؟ وأنا فعلت، ولا بد أن يبدي شيء يدل على أنه يريد مقابل، يجلس، ويطيل الجلوس، ويتنحنح، نعم؟

طالب: ربما يعير المهدى إليه أولاً.... ربما يعير....

لا، إذا لم يعطه وقع في عرضه، إذا لم يعطه لا بد أن يقع في عرضه هذا الغالب.

على كل حال ما دام الإمام ذكرها، وذُكر هذا عن عمر بن الخطاب، وهو خليفة راشد، فنقول: هذا محمول على القرائن القوية، إذا دلت القرائن القوية على أنه يريد الثواب، فإما أن يأخذها المهدى إليه أو يعيد بمقدارها، إذا دلت القرائن القوية على ذلك، والأصل في الهبة أنها تقبل، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل الهدية، ويثيب عليها.

وينبغي أيضاً أن تقيد بما إذا لم تكن إلى العمال، يعني الهدايا للعمال لا شك أنه غلول، وحديث ابن اللتبية الذي يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، النبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليه إنكاراً بالغاً ((هلا جلس في بيت أمه ينظر أيهدى إليه أم لا؟)) ثم بعد ذلك إذا كانت هناك مهاداة بين اثنين، ثم تولى أحدهم منصباً، هل يستمر على إهدائه أو يقطع باعتباره صار احتمال أن يحتاج إليه، فيكون الأثر المرتب على هدايا العمال موجود، ولو كانت الهدايا متبادلة قبل مثل هذا العمل؟

على كل حال على الإنسان أن يراقب ربه، ومع ذلك يتفقد قلبه، وأما الإهداء بنية الثواب فهذا وإن أجازه أهل العلم، وأجازوا عليه الأخذ، وأجازوا فيه الرجوع إلا أنه خلاف الأصل.

الأصل ما جاء في الحديث الصحيح المرفوع ((العائد في هبته)) فيقيد في أضيق نطاق، بحيث تدل القرائن القوية التي تقرب من البينات تدل على أنه يريد الثواب، وأن المهدى إليه يثيب غالباً، نعم؟

طالب:.......

له أن يردها إيه، له أن يردها.

طالب:.......

وين؟

طالب:.......

يعني هذا الفقير أهدى إلى الغني، ويريد الثواب ويش يستفيد؟

يستفيد أنه يرجو أكثر منها، طيب أنت افترض أن المهدى إليه ما قدرها قدرها، وأعطاه نصف قيمتها، وهو يظن أنه بذل أكثر مما تستحق، فعلى كل حال إنما الأعمال بالنيات، حسب ما ينوي بهديته يؤجر عليه، على قدر نيته، نعم؟

طالب:.......

نوى العائد في هبته يحمل على الصورة الأولى في خبر عمر -رضي الله عنه-، نعم؟

طالب:.......

هو الشرط، الشرط العرفي كالشرط الذكري، كأنه اشترط عليه أن يرد أكثر، فإذا جرى بين الناس تعورف بين الناس أن هذا يرد أكثر كالشرط الذكري، نعم؟

طالب:.......

إيه، حكمه حكم الربا، قرض جر نفعاً، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: الاعتصار في الصدقة

قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن، أو كان في حجر أبيه، فأشهد له على صدقته فليس له أن يعتصر شيئاً من ذلك؛ لأنه لا يرجع في شيء من الصدقة.

قال: وسمعت مالكاً يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلاً، أو أعطاه عطاءً ليس بصدقة إن له أن يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد ديناً يداينه الناس به، ويأمنونه عليه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه، فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئاً بعد أن تكون عليه الديون، أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل، وإنما تُنكحه...

تَنكحه.

أحسن الله إليك

تُنكحه؟

تَنكِحه.

أحسن الله إليك.

وإنما تَنكحه لغناه، وللمال الذي أعطاه أبوه، فيريد أن يعتصر ذلك الأب، أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل إنما يتزوجها ويرفع في صداقها لغناها ومالها، وما أعطاها أبوها، ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك، فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئاً من ذلك، إذا كان على ما وصفت لك.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: الاعتصار في الصدقة

والعطية والنحلة والحكم واحد، والاعتصار: أخذ الشيء بعد إعطائه إياه، يعطيه الصدقة ثم يرجع فيها، يعطيه العطية ثم يرجع فيها، وفي الغالب أن هذا اللفظ الذي هو الاعتصار إنما يكون عند الضيق، والرجوع يكون في حال السعة، الاعتصار في الصدقة "قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا" الذي في المدينة، وعليه عمل أهل المدينة "الذي لا اختلاف فيه" ما وجد من يخالف فيه من أهل المدينة "أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن" لابد من قبضها، لا تثبت إلا بالقبض، ولذا لو أن إنساناً قال لآخر: إذا وصل الراتب أو طلع الراتب أعطيك منه خمسمائة أو ألف، وعده بهذا، أو جاءه فقير قال: انتظر حتى يأتي الراتب، ثم جاءه في الموعد، قال: والله ما عندنا شيء انتهى، هذا مجرد وعد، ولا يلزمه إلا إذا كان في نيته الإخلاف من الأصل، دخل في ((وإذا وعد أخلف)) أو اقترن ذلك بالعهد عاهد الله -جل وعلا- لئن آتاه الله كذا ليصدقن، عاهد الله إذا طلع الراتب ليصدقن، فإن اقترن بالعهد كان الأمر أشد، وتمام الآية يدل على لزوم مثل هذا الوعد المقرون بالعهد.

"أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن" لأنه إذا لم يقبض فإنه لا يلزم كما في خبر أبي بكر مع عائشة -رضي الله عنه- "أو كان في حجر أبيه فأشهد له على صدقته" لأنه ما دام في الحجر فإنه لا يعتبر قبضه، وإنما يقبض عنه وليه في المال، وإذا أشهد الأب فكأنه قبض، وهو وليه في المال، كأنه قبض، فالمسألة تعود إلى الأولى، فيكون هذا الطفل الذي في حجر أبيه قد قبض حكماً "فليس له أن يعتصر شيئاً من ذلك" ليس له أن يرجع أو يحبس شيئاً من ذلك عمن تصدق به عليه "لأنه لا يرجع في شيء من الصدقة" الرجوع في الصدقة بعد القبض لا يجوز بحال، وهي وبابها أضيق من الهدية والهبة؛ لأنها إنما أخرجت لوجه الله تعالى.

"قال: وسمعت مالكاً يقول"...

قبل ذلك من أهل العلم من يرى أن للوالد أن يرجع في ما يعطيه ولده ولو قبض، وجاء الاستثناء في حديث العائد في هبته كالكلب إلا الوالد، وإذا كان الوالد له أن يأخذ ابتداءً من مال ولده ما لا يضر به، فعلى هذا قياس هذا له أن يرجع فيما لا يضر به، والإمام مالك -رحمه الله- يفرق بين الصدقة وبين غيرها، فالصدقة لا يجوز الرجوع فيها بحال بعد القبض، وغيرها يجوز ما لم يترتب عليه ضرر متعدٍ.

"قال: وسمعت مالكاً يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلاً، أو أعطاه عطاءً ليس بصدقة" ليس من الصورة الأولى "إن له أن يعتصر ذلك" يعني ولو قبض "ما لم يستحدث الولد ديناً يداينه الناس به" الآن عرف الناس أن عنده مبلغ من المال، نحله قطعة أرض، أعطاه أبوه قطعة أرض، وقالوا: يجوز للوالد أن يرجع في هبته لولده ما لم يتضرر بذلك، فإذا كان لا يتضرر بذلك جاز، وإلا فإنه لا يجوز، أعطاه الناس أموالهم بناءً على أنه غني يملك هذه القطعة من الأرض، أعطاه الناس أموالهم بناءً على أنه غني، ثم سحبها الأب، اعتصرها، فبان فقيراً، الأب في هذه العطية لا شك أنه ورط الابن في تحمل الديون، وأيضاً غرّ الطرف الآخر الدائن، فالدائن ما أعطى هذا الولد إلا لأن له هذه الأرض أو عنده هذا المبلغ.

"أن له أن يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد ديناً يداينه الناس به" يعني بناءً على أنه يملك هذه الأرض "ويأمنونه عليه" متى طلبوا أموالهم وعنده هذه الأرض ألزم ببيعها وسددت الديون، لكن إذا سحبت واعتصرت منه من أين يستوفي الدائنون؟ "من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه، فليس له أن يعتصر من ذلك شيئاً بعد أن تكون عليه الديون" يعني شخص اقترض من شخص مائة ألف، صار يتاجر بها، لما اشترى بضاعة قال: رد القرض، والجمهور على أن القرض لا يتأجل، لا يقبل الأجل، يعني أعطاه مائة ألف، وقال: اشتغل بها مدة سنة، انتفع بها، أنا لا أحتاجها، فبعد شهر بعد أن أنفقها كلها في السلع قال له: رد علي المال، له ذلك أو ليس له ذلك؟ الجمهور له ذلك، والقرض لا يقبل التأجيل، وعند مالك -رحمه الله- أنه يقبل التأجيل، والمسلمون على شروطهم، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية لا سيما وأنه في بعض الصور يتضرر، نعم لو كان المال باق في يده أو في حسابه الأمر سهل، لكن إذا كان يتضرر، يعني نظير ذلك -وهذه مسألة واقعة- شخص عنده أرض، وآخر عنده آلة لاستنباط الماء، المكينة التي يستخرج بها الماء، فقال صاحب الأرض: لماذا لا تستغل هذه المكينة فتزرع لنفسك لا سيما وأن عندك أرض مناسبة؟ قال: والله السنة هذه ما عندي استعداد أزرع، ما أنا متهيئ للزراعة، قال: أعرني إياها، فأعاره إياها، فلما انتصف، خرج الزرع ولم يطب ليحصد، قبل ذلك قال: أنا أريد المكينة، فاختصموا عند قاض، فقال القاضي: ما على المحسنين من سبيل، رد عليه مكينته، ترد عليه المكينة، فرفعت إلى جهة أعلى فقيل له: حتى يحصد الزرع؛ لأنه تضرر ضرر بالغ، تحمل الديون من أجل هذا الزرع، ثم في النهاية يقال: يقطع عنها الماء! ونظر ذلك بمن استأجر أجيراً معه سيارة قال: توصلني إلى البلد الفلاني، فلما انتصف في الطريق قال: أنا لا أريد أن أوصلك، ولا تعطيني شيئاً من الأجرة، نعم الإجارة على الخلاف فيها في الصحيح أنها عقد لازم فتلزم، لكن لو قال له: يتبرع بحمله إلى البلد الفلاني، هذا التنظير يكون مطابق هنا، إذا تبرع بحمله إلى البلد الفلاني فلما انتصف الطريق قال: انزل، ما على المحسنين من سبيل، أنا طرأ لي أرجع، ما يطاع، هذا يتضرر، المقصود أنه في أول الأمر محسن، وأوصله إلى نصف الطريق بدون مقابل، ومن وجهة نظره محسن.

على كل حال العقود التي يترتب عليها الضرر لا بد من إزالة هذا الضرر، ضرر يزال، لكن لا يزال بضرر، لا يزال بضرر على الطرف الثاني.

"أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل، وإنما تنكحه لغناه" بحث عن زوجة لولده في البلد ما وجد، كل من تقدم إليه ليخطب ابنته لولده قال: الولد عاطل، كيف نزوجه وهو عاطل؟ ثم تحايل على هذه الأعذار فأعطاه أرضاً، أو أعطاه مالاً، قال: لا يا أخي الولد الآن يملك أرض قيمتها مليون ريال، يضارب بها، ويكتسب من ورائها، أو عنده في حسابه الآن مبلغ كذا، ثم إذا أعطي زوجة أو ووفق له على زوجة وزوج من أجل هذه الأرض، أو من أجل هذا المال اعتصر المال، أخذه من يده، أو أخذه الأرض من يده.

"أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل، وإنما تنكحه لغناه، وللمال الذي أعطاه أبوه، فيريد أن يعتصر ذلك الأب، أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل" تتأخر البنت، يتأخر عنها الخطاب حتى تبلغ الثلاثين والخامسة والثلاثين، وحينئذٍ تصير عبئاً على أبويها، فيتحايل الأب فيعطيها بيتاً، يقول: هذا البيت لك، فإذا عرف الناس أن عندها بيت خطبت، ثم إذا عقد عليها اعتصر البيت، هذه حيل، لا شك أنها وإن كان الأب يبحث عن مصلحة ولده، ويبحث عن مصلحة ابنته، لكن لا يجوز له أن يغرر الناس بهذه الطريقة.

"أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل، وإنما تنكحه لغناه، وللمال الذي أعطاه أبوه، فيريد أن يعتصر ذلك الأب، أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل إنما يتزوجها ويرفع في صداقها لغناها ومالها، وما أعطاها أبوها، ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك، فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئاً من ذلك إذا كان على ما وصفت لك" يعني إذا كان الولد ممن تبرأ الذمة بتزويجه، ممن يرضى دينه وخلقه وأمانته، والمال لا أثر له في الموازين والمقاييس الشرعية، لكنه عند الناس معتبر، فيقول: أنا ما غششت به بعيب يقدح به شرعاً، الولد ما فيه عيب يقدح فيه شرعاً، الفقر ليس بعيب، فكوني أمشيه بهذا القرض، أو بهذه الهبة أو بهذه العطية أو النحلة لا يضر، لا سيما وأن هذا ليس بعيب، والناس يعيبون بعض الأشخاص بأشياء أحياناً تكون محامد في أعرافهم وموازينهم، تكون محامد، قد يرد الخاطب لأنه متدين ملتزم، هل هذا عذر في الرد؟ لو أبدى للناس أنه غير ملتزم، هل يكون غشهم بهذا حتى يعقد؟ يعني كان أكثر جلوسه في المسجد، فخطب من أكثر من بيت وقالوا: والله هذا عاطل، أكثر وقته في المسجد، ثم ترك المسجد مدة حتى خطب، وأعطي زوجة، ثم رجع إلى المسجد هل يعاب بهذا؟ لا يعاب، فالفقر إذا لم يؤثر على النفقة، فإنه لا نظر له في الشرع، يعني إذا كانت النفقة عنده ما يكفيه ويكفي الزوجة هذا لا يعاب به، أما مزيد الغنى الذي ينظر إليه كثير من الناس، والإمام مالك -رحمه الله- يقول: إذا كانت الإجابة من أجل هذا المال ليس له أن يعتصر؛ لأنه غرر بالطرف الثاني.

أحياناً يكسد الولد أو تكسد البنت تعنس البنت، ثم يريد أن يدرجها بشيء من المال أو بالنحل، ثم بعد ذلك يقدم عليها الناس، فإذا هي من أفضل النساء، ما فيها أدنى عيب، بل العكس فيها محاسن ومزايا، لكن ما قدر لها أن تتزوج في وقت مبكر، هل نقول: إن اعتصار المال الذي غرر به الخاطب وقد وجد فيها من الخلال والخصال أفضل من هذا المال، هل نقول: إن هذا تغرير بالخاطب، وليس له أن يعتصر؟ لا سيما وأن المال في الأصل إذا زاد عن الحاجة ليس بمطلوب شرعاً، ليس من مطالب الشرع أن يكون الخاطب غنياً، ليس من أهداف الزوجية أن يكون أحدهما غني والثاني محتاج أبداً، على كل حال إذا غرر بأحد الطرفين فالإمام مالك يرى أنه لا يجوز أن يعتصر من ابنه.

والحيل هذه موجودة من القديم، ومثل هذا التغرير قد يغرر بشخص فيما يسمى بزواج المسيار، إذا قيل: هذه المرأة عندها بيت، أنت ما أنت متكلف شيء لا إيجار، ولا نفقة، ولا قسم، ثم يتبين أن البيت ليس لها، فيجبر على دفع الأجرة، هذا يرى الإمام مالك في هذه الصورة أنه لا يجوز للأب أن يعتصر.

يذكر عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- يعني عكس ما جاء عن الإمام مالك هنا أن رجلاً فقيراً خطب من أكثر بيوت البلد فيردونه لفقره، فقال: إذا خطبت من أحد فأتِ به، وقل له: يستشير أبا حنيفة، وهل يزوج أو لا يزوج؟ فعل، قال: اذهب إلى أبي حنيفة، أو نذهب أنا وإياك إلى أبي حنيفة واسأله، أبو حنيفة قال له: ضع يدك على شيء من جسدك مما قيمته أو ديته كاملة، ضع يدك على شيء من جسدك ديته كاملة، فوضع يده على أنفه مثلاً أو شيء آخر، المقصود أنه قيل له: ما رأيك يا أبا حنيفة في هذا الرجل وهو فقير؟ قال: ليس بفقير هذا، هذا يملك ما قيمته اثنا عشر ألف درهم، دية كاملة، هذا تغرير وإلا ليس بتغرير؟ يعني هذا ما يمشي بحال عند الإمام مالك، ويذكر عن أبي حنيفة.

فإذا كان الرجل الصالح يرد بمثل هذه الأعذار الواهية فالتحايل حينئذٍ بمثل هذا، مثل ما قلنا: إذا كان الرجل ديدنه الجلوس في المسجد، يعني ما ضاع شيء من أمور دينه ولا دنياه، وأكثر مكثه في المسجد، فيعاب بذلك، يقال: هذا شخص عاطل، أكثر وقته في المسجد، فيترك الجلوس في المسجد إلى أن يوافق عليه بيت من البيوت إذا خطب ثم يعود إلى المسجد، هل يقال: إنه غرر بهم هذا؟ هل يقال: إنه غرر بهم؟ ما يقال: غرر بهم؛ لأن هذا شرعي، والمسجد بيت كل تقي، والله المستعان.

على كل حال الحيل والخداع، خداع الناس والتحايل عليهم لا شك أن الأصل أنه ممنوع، لكن إذا كان يؤدي إلى مقصد شرعي فالحيلة حينئذٍ جائزة، إذا كانت تحقق هدفاً شرعياً جازت، وإذا كان القصد منها الإضرار بالآخرين منعت، وهناك حيل شرعية، وحيل شيطانية، فالحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى فعل الواجب، أو ترك المحرم، والحيل الشيطانية التي منها حيل اليهود العكس، التي يتوصل بها إلى ترك واجب، أو فعل محرم ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) فإذا كانت الحيلة يتوصل بها إلى فعل الواجب، الوالد يمنع ولده من الصلاة، فيتحايل عليه حتى يصلي ويعود إليه، هذه حيلة شرعية، أو يلزمه بارتكاب محرم فيتحايل عليه للتخلص من هذا المحرم، هذا لا إشكال فيه، هذه حيل شرعية، والحيلة ذكرت في القرآن في موضع واحد {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فالذي يقيم بين أظهر الكفار، ولا يستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين إلا بحيلة حيلته شرعية، فعليه أن يحتال، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

على كل حال لتحصيل أمر مسنون بس لا يترتب عليه محظور، فمثلاً يتحيل على من يمنع في الحج مثلاً، إذا ما جاء بتصريح منعوه، وليس بواجب عليه أن يحج، هذا مسنون، يتحيل حيلة لا يترتب عليها ارتكاب محرم، لا يكذب، له أن يوري، لكن لا يكذب، نعم، ولا يرشي، ولا يرتكب أمراً محظوراً، وحينئذٍ إذا تحايل بتعريض، أو ما أشبه ذلك له ذلك.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} [(44) سورة النمل] حيلة لتكشف عن ساقها؟ ليراها؟

طالب:.......

هذا كلام، كلام أهل التفسير، هذا ما يثبت به خبر، على كل حال هناك حيل شرعية، لو قلت: حيلة سليمان في القضاء بين المرأتين اللتين ادعتا الولد، فقالت الكبرى: هو ولدي، وقالت الصغرى: هو ولدي، فقال سليمان: نقضي بينكما بأن يؤتى بسكين فيقسم أنصاف بينكما، فقالت الصغرى..، الكبرى وافقت، قالت: لا بأس، والصغرى قالت: أبداً، هو لها، فقضى به للصغرى، هذه حيلة، والله المستعان.

أحياناً الحيل تكون مطلوبة من القضاة للتوصل إلى الحق، ويتمايزون أحياناً بمثل هذه الحيل، وأحياناً تكون الحيل من بعض الخصوم، شخص مدين بمبالغ كبيرة، وليس عنده ما يدفعه للدائنين، ومفلس، ويريد أن يحصل على صك إعسار، فلما أحضر عند القاضي أحضره خصمه قال المدعى عليه: صحيح أنا مدين لفلان بمبلغ كذا ملايين، قال: لماذا لا تدفع؟ قال: أريد النظرة حتى أبيع العمائر اللي على شارع كذا، والبساتين اللي في كذا، والأراضي التي في مكان كذا، لا بد أنا أنظر، قال الدائن: يكذب، لا عنده أراضي ولا عمائر ولا شيء، قال المدين: سجل شهادته أني مفلس، يعني لو ادعى الفلس مباشرة ما وافق هذا، ولا بحث عن شهود يشهدون، لكن الآن هو شهد بأنه مفلس، فلا شك أن مثل هذه الحيل يحتاج إليها في مثل هذه المواطن التي تخلو عن البينات.

طالب:.......

على كل حال حج الفريضة مثل الهجرة، يعني ركن من أركان الإسلام إذا منع منه بحيث يكون المانع منه غير الموانع المعروفة التي تعفيه من الحج الزاد والراحلة، ومستطيع وقادر، والمنع يعني لا لأنه لا يقدر فله أن يتحايل، أما إذا كان الحج نفل فلا، إلا بشيء من المعاريض، أو ما أشبهها، أما يكذب أو يرشي فلا، نعم؟

طالب:.......

خلع ما...، يعني ارتكب المحظور عامداً، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نعم على حسب الحج، إذا كان الحج ندب لا يجوز بحال.

طالب: قال له: افسخ إحرامك والبس ثوبك وعاد كيف........؟

إيه، لكنه يرتكب المحظور الذي منع منه شرعاً عمداً من أجل حج نفل، هذا فيه ما فيه، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: القضاء في العمرى

حدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث)).

وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولاً الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى، وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا.

قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وعلى ذلك الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى الذي أعمرها، إذا لم يقل هي لك ولعقبك.

وحدثني مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ورث من حفصة بنت عمر -رضي الله تعالى عنهما- دارها، قال: وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن، ورأى أنه له.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في العمرى

العمرى: أن يمكن صاحب العين عينه من غيره لينتفع بها مدة عمره، مدة حياته، فإذا قال: هي لك مدة عمرك، فإذا مات رجعت العين إلى صاحبها، إذا قال: هي لك ولعقبك، فإنها للذي يعطاها، يعني ما تناسلوا، فإن انقطع العقب مقتضى ذلك أنها ترجع إلى من أعمرها، إلى صاحبها الأول.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه))" إذا قال: هي لك ولعقبك، نعم تنتفع بها حياتك، وينتفع بها عقبك من بعدك ((فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) لأنها مفترضة في شخص يستعملها، يفيد منها مدة حياته، وتورث عنه، يستفيد منها ورثته وورثتهم وهكذا ((له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) وهذا لا شك أنه مطابق لقول الواهب أو المعمر: "لك ولعقبك" لكن المسألة فيما إذا انقطع العقب، مقتضى الحديث: ((فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) نعم ((لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) مقتضاه أنها لا ترجع ولو انقطع العقب، خلاص خرجت من يده، وهل للذي أعمرها مدة حياته، أو له ولعقبه بهذه الصيغة، وأنها لن ترجع إلى صاحبها أبداً؟ هل له أن يتصرف فيها؟ هو مُكن من منفعتها من رقبتها، هل له أن يتصرف فيها، أو حكمها حكم الوقف عليه وعلى ذريته؟ هي لن ترجع إلى صاحبها أبداً الذي أعطاها.

طالب:.......

له أن يبيعها؟ يعني ملكها؟

طالب: حكمها حكم الوقف إذا تعطلت منافعها، وما صلحت للسكنى.

هل له أن يبيعها أو ليس له ذلك؟ لأنه ما دام عرف الصيغة: "له ولعقبه" وعرف الحديث: ((فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً))      نعم، فقال: بهذا النص انتهت، صارت لي.

طالب: مثل الوقف يا شيخ لا ترجع؛ لأنها هبة منافع، العمرى هبة منافع.

طيب.

طالب: فكأنه حبس الأصل، وسبل المنفعة.

((فإنها للذي يعطاها)).

طالب: هل تملك منفعة وإلا تملك عين؟ هو يملك منفعتها، لكن هل يملك عينها؛ لأنهم يعني قالوا...

نعم؟

طالب:.......

طيب اللام هنا ((للذي يعطاها)) هل هي لام الملك كما قال بعض أهل العلم؟ أو هي لشبه الملك الذي هو مجرد اختصاص؟ لأن اللام كما تأتي للملك تأتي لشبهه "اللام للملك وشبهه" يعني كما تقول: القفل للباب، والجل للفرس، هذه ما هي بملك، إنما شبه ملك، يعني من أهل العلم من يرى أنها في حكم الهبة ((للذي يعطاها)) فصارت عطية ((فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) لا سيما وقد ضبط الصيغة التي في الحديث، وطبقها على صيغة المعمِر، يعني المعمِر قال له: هي لك ولعقبك عمرى، عمرى لك ولعقبك.

طالب: الأظهر أحسن الله إليك؟

من يقول: إن اللام هذه ((فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) يقول: تمليك، نعم؟

طالب:.......

((للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) هي أقرب ما تكون بصورة الوقف؛ لأنها هبة منافع، عطية منافع، لا عطية عين، ولو أراد أن يعطيه إياها عطية عين لعبر بما يدل على ذلك؛ لأنه أُعمر عمرى.

طالب: ليش يقول: لعقبك، كان يقول: هي لك وخلاص، عقبه يدخلون...، كان يقول: هي لك وأنت....ثم يرثونه عقبه.

إي بس الذي أشكل عند جمع من أهل العلم ((فإنها للذي يعطاها)) واللام كما تأتي للملك تأتي للاختصاص، لكن إذا قلنا: إنها للاختصاص صار أحق بها من غيره، فعلى هذا لو انقطع عقبه ما دام موجودين هم أحق، فإذا انقطع لا ترجع إلى صاحبها كالوقف، ما يملكها، إنما تكون لأقرب الناس شبهاً به.

طالب: تعطلت منافع العمرى، وتنزل منزلة أقرب الناس إليه مثل الوقف.

على كل حال الأقوال معتبرة في المسألة، وموجودة عند أهل العلم، منهم من يقول: ما دام وجد أو وُجد في صيغة المعمِر ما تترتب عليه النتيجة في الحديث، قال: أعمر عمرى له ولعقبه، هذه الدار عمرى لك ولعقبك، خلاص ضمن، النتيجة في الحديث: ((فإنها للذي يعطاها)) قال: هذه لي ((لا ترجع إلى الذي أعطاها أبداً)) بمعنى أنها خرجت من يده، لكن خرجت من يده على سبيل التمليك للمعمَر، أو على سبيل الاختصاص، وأنه أولى بها وأحق، هل له أن يبيعها أو لا كالوقف؟ هذا محل الخلاف بين أهل العلم، والذي يظهر أنه ما ملكه إياها تمليك، وإنما أراد أن لا تخرج من يده، ثم بعد ذلك يحتاج إلى بيت آخر، أو يُخرج من بيت إلى بيت، وهذا حكمه حكم يعني لو كان على نفسه وذريته، الوقف الذري نعم، الذي عليه وعلى ذريته، لكن هنا يطلب فيه الثواب؛ لأنه تعدى نفعه إلى غيره، أما الوقف الذري الذي يختلف فيه أهل العلم يقولون: ما في فائدة، ليس فيه فائدة إلا أنه ليمنع هذا البيت لئلا يخرج من يده أو يد ولده، نعم؟

طالب:.......

الفرق بينها وبين الوقف؟ يعني الوقف المعين على فلان، أنت تقصد الوقف المعين على شخص بعينه؟

طالب:.......

إيه، نعم مثل هذا، ما هو ببعيد منه، إذا قلنا: إن اللام للاختصاص ليست للملك، قلنا: ليس ببعيد هذا، يدفع إلى أقرب نشاط مماثل.

طالب: يا شيخ ما هو بعض الفقهاء جعل باب العمرى من ضمن باب الوقف بعضهم؟

هو الكلام على الخلاف في اللام.

قال: "لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث" وهذا ليس من أصل الحديث، إنما هو مدرج، يفسر فيه ما جاء في الخبر؛ لأنه انتقل من شخص إلى شخص، بالموت ينتقل من المعمَر إلى ذريته، فوقعت فيه المواريث، وحينئذٍ الإرث للمنافع أو للعين؟

طالب: للمنافع.

نعم؟

طالب: للعين فقط.

يعني يملكونها ملك، ويقتسمونها ويبيعونها.

طالب: قوله -عليه الصلاة والسلام- لعمر في الهبة التي وهبت له....

إيه الهبة أعم من أن تكون للعين، مثل من أعطيها، أعم من العطية.

 

لا حول ولا قوة إلا بالله....