التعليق على الموافقات (1434) - 04

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة العاشرة: فنقول: الاعتبارات القرآنية الواردة على القلوب الظاهرة للبصائر، إذا صحَّت على كمال شروطها، فهي على ضربين؛ أحدهما: ما يكون أصل انفجاره من القرآن، ويتبعه سائر الموجودات".

يعني مأخوذ وحاصل من تدبر القرآن والتفكر في الآيات المتلوة، بخلاف الثاني الذي ينشأ عن التفكر في الآيات المرئية.

طالب: "فإن الاعتبار الصحيح في الجملة هو الذي يخرق نور البصيرة فيه حجب الأكوان من غير توقف، فإن توقف فهو غير صحيح أو غير كامل، حسبما بينه أهل التحقيق بالسلوك.

 والثاني: ما يكون أصل انفجاره من الموجودات جزئيها أو كليها، ويتبعه الاعتبار في القرآن. فإن كان الأول، فذلك الاعتبار صحيح، وهو معتبر في فهم باطن القرآن من غير إشكال؛ لأن فهم القرآن إنما يَرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن، وهو الهداية التامة على ما يليق بكل واحد من المكلفين".

لكن لا بد أن يكون هذا الفهم مبنيًّا على فهم سلف هذه الأمة وأئمتها، ما يأتينا شخص ما نظر في كلام أهل العلم ولا في كلام سلف الأمة ولا حتى فيما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير القرآن، ولا جرى في تفسيره على الطرق المتبعة، ثم يأتي يفسر القرآن! الذين فسروا القرآن بعيدًا عما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته الكرام وعن التابعين لهم بإحسان، الصحابة أخذوا التفسير منه، وعاصروا التنزيل، ونظروا في أحواله، ونظروا في أسباب النزول، فهم أعرف الناس بمراد الله -جل وعلا- بكلامه، والتابعون أخذوا عن الصحابة، كما هو معروف، فهم أعرف من غيرهم، وهكذا، ثم يأتي شخص لم يطلع على أقوال السلف، ويفسِّر القرآن بكلام من كيسه، ثم يقول: هذا فهم أوتيه أو أنه فُتح به عليه!! والأمثلة موجودة من التفاسير التي شُحنت بالضلالات والشطحات.

نعم، الإنسان له عقل، ويستطيع أن يفهم، لكن يفهم شيئًا له أصل مبني عليه. أنت لو تبغي، أنت طالب علم شرعي، تريد أن تفتح كتابًا في علم لا تمت له بصلة، وتبتغي أن تشرحه للناس، تأتي إلى كتاب فيزياء مثلاً أو كتاب فلك تشرحه للناس، تجيده أم ما تجيده؟ من تعاطى غير فنه أتى بالعجائب. يقول: القرآن عربي ونحن عرب. صحيح أنتم عرب، لكن الأشياء لها مقدمات، والعلوم لها مقدمات ينتج عنها مسبباتها ونتائجها. لو نظرنا في تفسير المهائمي مثلاً، هو بعيد كل البعد عن أقاويل السلف، وليس فيه شيء منها، وتفسير التستري الذي سبق النقل عنه، وتفسير طنطاوي جوهري، وغيرها من التفاسير المبنية لا على أساس متين من علم سلف الأمة وأئمتها وما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-. الرسول وظيفته البيان عن الله، فإذا ما اعتمدنا بيانه عن ربه معناه أننا ضللنا وأضللنا، نسأل الله العافية. نعم.

طالب: "وبحسب التكاليف وأحوالها لا بإطلاق، وإذا كانت كذلك فالمشي على طريقها مشي على الصراط المستقيم، ولأن الاعتبار القرآني قلما يجده إلا مَن كان مِن أهله عملاً به على تقليد أو اجتهاد، فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده، كما لم يخرجوا في العمل به والتخلق بأخلاقه عن حدوده، بل تنفتح لهم أبواب الفهم فيه على توازي أحكامه، ويلزم من ذلك أن يكون معتدًّا به لجريانه على مجاريه، والشاهد على ذلك ما نُقل من فهم السلف الصالح فيه، فإنه كله جارٍ على ما تقضي به العربية، وما تدل عليه الأدلة الشرعية حسبما تبين قبل".

الذي لا يرجع إلى لغة العرب وإلى ما جاء عن الله في مواضع أخرى من بيان لما أُجمل في مواضع، ولم يعتمد ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من بيان لكلام الله، وما جاء عن صحابته والتابعين لهم بإحسان؛ في الغالب يفسر بحقائق عرفية، ما له مصدر إلا العرف، جماعته الذين حوله، الذين تلقى عنهم اللغة، ويتعامل معهم في خطاباتهم. فهل تفسر الحقائق الشرعية بحقائق عرفية؟

طالب: ليس على الإطلاق.

ماذا؟

طالب: ما هو بإطلاق.

إذا، الحقيقة الشرعية تُفسَّر بما جاء عن الشرع، والاصطلاحات الشرعية إنما تُفسر بما جاء عن الشرع. وذكرت مثالاً رددته مرارًا: ما معنى المحروم، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]؟

طالب: ما عنده مال.

المحروم الذي لا يسأل الناس، المحروم في الاصطلاح الذي هو فقير محتاج، لكن لا يسأل الناس فيحرم من عطائهم، هذا له زكاة يأخذ من الزكاة أم لا؟ يعطى من الزكاة أم لا؟ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]؟ نأتي إلى الحقيقة العرفية لهذا اللفظ، من المحروم عند الناس اليوم؟ مقابله: عنده أموال، عنده أرصدة بالبنوك، لكن ما ينفق منها، بخيل. الناس يقولون: هذا محروم. تذهب تعطيه زكاة؟ يجوز أن تعطيه زكاة؟

فيفسرون بالحقائق التي تعارفوا عليها وتداولوها بينهم. شخص يكرِه ابنته على الزواج من شخص لا ترغبه، فيقول له ولده: النبي -عليه الصلاة والسلام- صح عنه أنه قال: «لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تستأذن»، لكن الله يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33] انظر الفهم! {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]، أنا أريد هذه المغفرة والرحمة! ماذا يدري؟ يقول: وما هو البغاء؟ تقول: إني ما أبغيه! مثل هذه السخافات يُفسّر كلام الله. الذي ما يعرف اصطلاحات أهل العلم، ولا تلقى العلم من مصادره، ولا قرأ لما جاء عن الله وعن رسوله وعن صحابته الكرام وعن أتباعه بإحسان، كيف يفسر القرآن إلا بهذه الطريقة؟ على مصدره، ما عنده مصدر غير هذا، واقرأ في تفسير الجواهر ترى كيف يفسر القرآن.

 في آية الأنفال: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} [الأنفال: 43]، يقول: لا شيء يغير الحقيقة إلا التصوير، هم تغيرت حقيقتهم، هم كثير فأراهم الله إياهم قليلًا من أجل أن يُقدم على حربهم، ما فيه شيء يغيِّر حقيقة الشيء إلا التصوير، وفي هذا دليل على جواز التصوير! انظر الاستنباط والفقه! هل في الآية ما يشير ولو من بعيد إلى هذا؟ يمكن أن يستنبط عاقل من الآية أو يتبادر إلى ذهنه مثل هذا الاستنباط، إلا الهوى؟ يقول: سألت شيخًا من شيوخ الأزهر، وعرضت عليه هذا الاستنباط، قال: أنا أذهب إلى أبعد من ذلك، ففي الآية دليل على وجوب التصوير!

طالب: الله أكبر!!

نعم؛ لأنه لو أراهم كثيرًا نكصوا على أعقابهم، وفروا من الزحف، وترتب عليه محرمات! يعني مثل هذه الأدمغة التي ما لها علاقة بعلم السلف، ولا علاقة بما جاء عن الله ولا عن رسوله تتصدى لتفسير القرآن؟ والله المستعان.

طالب: "وإن كان الثاني، فالتوقف عن اعتباره في فهم باطن القرآن لازم، وأخذه على إطلاقه فيه ممتنع؛ لأنه بخلاف الأول، فلا يصح إطلاق القول باعتباره في فهم القرآن، فنقول: إن تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة، فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآني، وهو الوجودي، ويصح تنزيله على..".

الثاني، الذي هو الثاني؟

طالب: نعم.

نعم.

طالب: "ويصح تنزيله على معاني القرآن؛ لأنه وجودي أيضًا، فهو مشترك من تلك الجهة غير خاص، فلا يطالب فيه المعتبر بشاهد موافق إلا ما يطالبه به المربي، وهو أمر خاص، وعلم منفرد بنفسه لا يختص بهذا الموضع، فلذلك يوقف على محله، فكون القلب جارًا ذا قربى، والجار الجنب هو النفس الطبيعي، إلى سائر ما ذُكر".

هذا من أنواع التفسير التي أشرنا إليها.

طالب: "يصح تنزيله اعتباريًّا مطلقًا، فإن مقابلة الوجود بعضه ببعض في هذا النمط صحيح وسهل جدًّا عند أربابه، غير أنه مغرر بمن ليس براسخ أو داخل تحت إيالة راسخ. وأيضًا فإن مَن ذُكر عنه مثل ذلك من المعتبرين، لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق؛ بل أجراه مُجراه وسكت عن".

يعني لا يكون هو المقصود، مقصود الله -جل وعلا- ومراد لله من خطابه ابتداءً، لكن اللفظ لا يمنع من ورود مثل هذه الخواطر مع ما ثبت عن السلف في تفسير الآية، يقول: هذا لا يمنع، الآية تحتمله ولا تنفيه ولا تنافره، لكن الأصل هو ما ثبت عن الله وعن رسوله في التفسير، وهذا يكون من مُلح العلم.

طالب: "لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق؛ بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد، وإن جاء شيء من ذلك وصرح صاحبه أنه هو المراد، فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآني والوجودي، وأكثر ما يطرأ هذا لمن هو بعدُ في السلوك، سائر على الطريق لم يتحقق بمطلوبه، ولا اعتبار".

يعني ما بعد وصل النهاية عندهم وهو ماشٍ في الطريق تائه، يعني على المعنى الصحيح: تائه، لا وصل إلى طريقهم التي يريدونها، وهي أيضًا ليست على الصراط المستقيم، لكن تجد نتائجهم متقاربة؛ لأن قواعدهم التي هي طريقهم منها متقاربة، وهم ليسوا على الصراط. لكن الذي في نصف الطريق، إذا كان طالب العلم الذي نصف طالب علم مثلاً، ويقرأ في الكتاب والسنة وما يعين على فهمهما وكذا، لكنه ما رسخ في العلم، يصير عنده لخطبة على ما يقولون. فكيف بمن سار على طريق لا يوصله إلى حق؟! ففي منتصف الطريق مثل الأعمى.

طالب: "ولا اعتبار بقول من لم يثبت اعتبار قوله من الباطنية وغيرهم. وللغزالي في مشكاة الأنوار، وفي كتاب الشكر من الإحياء، وفي كتاب جواهر القرآن في الاعتبار القرآني، وغيره، ما يتبين به لهذا الموضع أمثلة، فتأملها هناك، والله الموفق للصواب.

فصل: وللسنة في هذا النمط مدخل، فإن كل واحد منهما قابل لذلك الاعتبار المتقدم الصحيح الشواهد، وقابل أيضًا للاعتبار الوجودي، فقد فرضوا نحوه في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة»، إلى غير ذلك من الأحاديث، ولا فائدة في التكرار إذا وضح طريق الوصول إلى الحق والصواب".

مما جاء من كلام الغزالي في الإحياء مما أثبته المحقق، أن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]، إلى قوله: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 33]، إشارة إلى ضحك الجاهلين وتغامزهم على أهل السلوك، وقولهم: كيف يقولون: فني الشخص عن نفسه -بل يثبتون الفناء-، وإنه ليأكل أرطالاً من الخبز في اليوم، وطوله كذا وعرضه كذا؟ قال: وكذلك أمة نوح كانوا يضحكون عليه عند صنعه للسفينة، فقال: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} [هود: 38].

طالب: "المسألة الحادية عشرة: المدني من السور ينبغي أن يكون مُنزلاً في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض، على حسب ترتيبه في التنزيل، وإلا لم يصح، والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه، دل على ذلك الاستقراء، وذلك إنما يكون ببيان مجمل، أو تخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو تفصيل ما لم يفصل، أو تكميل ما لم يظهر تكميله. وأول شاهد على هذا أصل الشريعة، فإنها جاءت متممةً لمكارم الأخلاق، ومُصلحةً لما أُفسد قبلُ من ملة إبراهيم -عليه السلام-، ويليه تنزيل سورة الأنعام، فإنها نزلت".

ولذا جاءت شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- مكملة لجميع الشرائع، فهي الكاملة، وفيها نزل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].

طالب: "ويليه تنزيل سورة الأنعام، فإنها نزلت مُبينةً لقواعد العقائد وأصول الدين، وقد خرَّج العلماء منها قواعد التوحيد التي صنف فيها المتكلمون من أول إثبات واجب الوجود إلى إثبات الإمامة؛ هذا ما قالوا. وإذا نظرت بالنظر المسوق في هذا الكتاب، تبين به من قرب بيان القواعد الشرعية الكلية، التي إذا انخرم منها كلي واحد انخرم نظام الشريعة، أو نقص منها أصل كلي. ثم لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة، وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام، فإنها بَينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيلُ لها كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها. وأيضًا، فإن حفظ الدين فيها وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها".

يعني الضرورات الخمس أو الست.

طالب: "وما خرج عن المقرر فيها، فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبنيًّا عليها، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب، وجدتها كذلك، حذو القذة بالقذة".

وما الترتيب؟ يعني الترتيب على حسب التنزيل أم الترتيب على حسب الوجود في المصحف الذي اتفق عليه الصحابة؟

طالب: التنزيل.

طالب: التنزيل.

ماذا؟

طالب: على حسب اتفاق الصحابة.

لا، على كلامه: المكي رُتب عليه المدني، والمكي المتقدم رُتب عليه المتأخر، والمدني المتأخر رُتب على المدني المتقدم. على كلامه يقتضي الترتيب على التنزيل.

طالب: "فلا يغيبن عن الناظر في الكتاب هذا المعنى، فإنه من أسرار علوم التفسير، وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه.

فصل: وللسنة هنا مدخل؛ لأنها مبينة للكتاب، فلا تقع في التفسير إلا على وفقه، وبحسب المعرفة بالتقديم والتأخير يحصل بيان الناسخ من المنسوخ في الحديث، كما يتبين ذلك في القرآن أيضًا، ويقع في الأحاديث أشياء تقررت قبل تقرير كثير من المشروعات، فتأتي فيها إطلاقات أو عمومات ربما أوهمت، ففُهم منها، يُفهم منها لو وردت بعد تقرير تلك المشروعات، كحديث: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنة»".

الذي تمسكت به المرجئة على إخراج العمل من مسمى الإيمان وعدم لزومه بعد النطق بالشهادتين.

طالب: "أو حديث: «ما من أحد يشهد أن لا إله...»".

يعني لا بد أن تعرف تاريخ هذا الحديث، وتعرف ما ورد بعده من الأحاديث؛ ليتضح لك معناه.

طالب: "أو حديث: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صادقًا من قلبه، إلا حرمه الله على النار». وفي المعنى أحاديثُ كثيرةٌ وقع من أجلها الخلاف بين الأمة فيمن عصى الله من أهل الشهادتين، فذهبت المرجئة إلى القول بمقتضى هذه الظواهر على الإطلاق، وكان ما عارضها مؤولاً عند هؤلاء".

وهذه طريقة أهل الأهواء: يعتمدون ما يؤيد مذهبهم، ويتأولون ما يخالفه. فالمرجئة يعتمدون مثل هذه النصوص ويتأولون النصوص الملزمة والمشددة في العمل التي يعتمدها الخوارج في تكفير أصحاب الكبائر. والخوارج يتأولون مثل هذه النصوص. وأهل السنة لا يضربون النصوص بعضها ببعض؛ بل يجمعون بينها، ويوفقون بينها.

طالب: "وذهب أهل السنة والجماعة إلى خلاف ما قالوه، حسبما هو مذكور في كتبهم وتأولوا هذه الظواهر. ومن جملة ذلك أن طائفةً من السلف قالوا: إن هذه الأحاديث منزلة على الحالة الأولى للمسلمين، وذلك قبل أن تنزل الفرائض والأمر والنهي. ومعلوم أن من مات في ذلك الوقت ولم يُصل أو لم يصم مثلاً، وفعل ما هو محرم في الشرع، لا حرج عليه؛ لأنه لم يُكلَّف بشيء من ذلك بعدُ".

ومثله من أسلم فمات بعد الإسلام من دون أن يتمكن من صلاة ولا من غيرها من عبادات، لا يُطالَب لها.

طالب: "فلم يضيع من أمر إسلامه شيئًا، كما أن من مات والخمر في جوفه قبل أن تُحرَّم، فلا حرج عليه؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} [المائدة: 93] الآية، وكذلك من مات".

ولذا لما تأول قدامة بن عثمان بن مظعون هذه الآية، وقال: إن الذي يشرب الخمر إذا اتقى وآمن واتقى وأحسن ما عليه جناح! تأول. قال له عمر -رضي الله عنه-: «أخطأت أستك الحفرة! أما إنه لو اتقى الله ما شرب الخمر». وكثير من الناس يزاول المنكرات والجرائم والفواحش، ويخل بالواجبات، ثم إذا نوقش قال: التقوى هاهنا. أين التقوى؟ وما حقيقة التقوى؟ التقوى ما هي بفعل المأمورات وترك المحظورات؟! وأنت تترك المأمور، تناقض التقوى وتقول: التقوى هاهنا؟!

طالب: "وكذلك من مات قبل أن تُحول القبلة نحو الكعبة لا حرج عليه في صلاته إلى بيت المقدس؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، وإلى أشياء من هذا القبيل فيها بيان لما نحن فيه، وتصريح بأن اعتبار الترتيب في النزول مفيد في فهم الكتاب والسنة".

يكفي على هذا.

 اللهم صلِّ على محمد.