شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (26)

بسم الله الرحمن الرحيم

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال مسلم -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح -فتح مكة-: «لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»، وقال يوم الفتح -فتح مكة-: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها»، فقال العباس: "يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم"، فقال: «إلا الإذخر».

وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا مفضل عن منصور في هذا الإسناد بمثله، ولم يذكر: يوم خلق السماوات والأرض، وقال بدل القتال: القتل، وقال: «لا يلتقط لقطته إلا من عرفها».

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: "ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب»، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: "أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة".

حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد جميعاً عن الوليد قال زهير: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة -هو ابن عبد الرحمن- قال: حدثني أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما فتح الله -عز وجل- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل»، فقال العباس: "إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الإذخر»، فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: "اكتبوا لي يا رسول الله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اكتبوا لأبي شاه»، قال الوليد: "فقلت للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟" قال: "هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

حدثني إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى، قال: أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: "إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب، فقال: «إن الله -عز وجل- حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يخبط شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتَها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يعطى -يعني الدية- وإما أن يقاد أهل القتيل»، قال: فجاء رجل من أهل اليمن -يقال له: أبو شاه- فقال: "اكتب لي يا رسول الله"، فقال: «اكتبوا لأبي شاه»، فقال رجل من قريش: "إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الإذخر».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي" المعروف بابن راهوية، الإمام الفقيه المعروف.

"قال: أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح -فتح مكة-" وصار الفتح علم على هذه الغزوة التي هي فتح مكة، على الخلاف في المراد بالفتح المذكور في السورة: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [(1) سورة الفتح]، والأكثر على أن الفتح في السورة هو الصلح -صلح الحديبية- ولا شك أنه فتح عظيم، فتح عظيم، ومقدمات الفتح فتح -كما يقول أهل العلم- وحصل به من الخير لهذا الدين ولأهله ما لا يدرك بالعقل ولا بالرأي؛ بدليل الاعتراض على ما جاء في كتاب الصلح، ثم تبين أن الحكمة -عين الحكمة- فيما عاهد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا فتح؛ لأنه مقدمة للفتح، وحصل فيه من الفتوح والخيرات على هذه الأمة ما حصل، فهو فتح، والمراد بالفتح المذكور في الحديث: فتح مكة، ولذا قال: "يوم الفتح فتح مكة"؛ لأنه لو قال: يوم الفتح وسكت، احتمل أن يكون يوم الصلح؛ لأن الصلح فتح، ونزلت فيه سورة الفتح.

فتح مكة: «لا هجرة..»: يعني من مكة كما جاء في الروايات الأخرى، «لا هجرة بعد الفتح»: والمراد من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، والهجرة إنما هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وما دام صارت مكة دار إسلام فلا داعي للهجرة.

«لا هجرة بعد الفتح»: قال أهل العلم: في هذا علم من أعلام النبوة؛ وهو أن مكة تستمر إلى قيام الساعة دار إسلام، بدليل أنه نفى الهجرة منها، يعني من الآن إلى قيام الساعة لا هجرة من مكة بعد الفتح، «لا هجرة بعد الفتح»، ومنهم من يحمل الحديث على عمومه ويقول: لا هجرة مطلقاً فضلها، لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وهذا يشمل مكة وغير مكة.

طالب:.......

ما تستحل -إن شاء الله- وعلى مدارجها ملائكة يحمونها، لا أبداً ما يمكن هذا، ما يمكن هذا، ولو هددوا، ولو قالوا..، بإذن الله يعجزون.

طالب:.......

الحديث قاله أهل العلم، وأيضاً هناك أدلة أصرح منه، هناك أدلة أصرح منه، لا مكة ولا المدينة؛ على مدارجها ملائكة يحرسونها.

«لا هجرة، ولكن جهاد ونية»: يعني الهجرة انقطعت من مكة، أو فضل الهجرة المرتب عليها قبل الفتح انقطع، وبقي فضل الهجرة المرتب عليها بعد الفتح، ولا شك أن وقت الحاجة تعظم الأجور أكثر من الأجور المرتبة على العمل نفسه بعد ذلك، ولذا: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد]، فالنفقة والقتال قبل الفتح أعظم منهما بعده؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، وكذلك الهجرة قبل الفتح فضلها أعظم من الهجرة بعد الفتح، ويطَّرد ذلك على مرور الزمان، ففي آخر الزمان حينما يكثر الهرج وتكثر الفتن العبادة كالهجرة، في صحيح مسلم في كتاب الفتن: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ»، وللعامل عند فساد الزمان للعامل بالسنة أجر خمسين من الصحابة؛ كما جاء في المسند وسنن أبي داود بإسناد حسن، أجر خمسين من الصحابة.

طالب:.......

من الصحابة نعم منهم.

طالب:.......

كيف؟

مقصدنا هذا مفاده، يعني ابن القيم أشار إليه في نونيته:

هذا وللمتمسكين بسنة الـ

 

مختار عند فساد ذي الأزمان

إلى آخره.

المقصود أنه موجود مخرج في السنن -سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وغيرهما- بسند حسن، «أجر خمسين من الصحابة» قالوا: منهم يا رسول الله، قال: «بل منكم»، ولا يتطاول أحد على مثل هذا الفضل ويزعم أنه يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة، لا؛ لأن هذا العمل في مقابل العمل، و أما شرف الصحبة ونصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا يمكن أن يدركه أحد، كائناً من كان، يعني أقل الصحابة ممن حصل له شرف هذا الوصف أفضل من عمر بن عبد العزيز، يعني لا يتطاول أحد يتنقص الصحابة بأنه يأتي آخر الزمان من هو أفضل منهم، لا، لكن العمل أفضل من عمل خمسين من الصحابة في مقابل أجر العمل نفسه، لا في أجر العامل، وميزان العامل في الشرع..

بقي مما يدرك بعد ذلك: الجهاد والنية الصالحة؛ "«ولكن جهاد ونية»" الجهاد أجره ثابت وفضله عظيم، وذروة سنام الإسلام، ومصدر عز الأمة، وما ضربت الذلة على هذه الأمة إلا بتركهم الجهاد، ولن تعود العزة لها إلا بإقامة علم الجهاد.

"«ولكن جهاد ونية»" النية الصالحة تبلغ بصاحبها ما لا يبلغه عمله، قد يقول قائل: أنا أتمنى أن أكون صحبت النبي -عليه الصلاة والسلام- ونصرت دينه وقتلت بين يديه..

النبي -عليه الصلاة والسلام- تمنى الشهادة، تمنى أن يُقتل في سبيل الله، ثم يُحيى ثم يقتل، ثم يُحيى، ثم يقتل، فهل للإنسان أن يتمنى مثل هذا -أن يتمنى لو كان صحابياً-؟ أو يدخل في النهي: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]؟

الأمنية فيما يمكن تدخل في الحديث، لكن فيما لا يمكن، كتمني المرأة أن تكون رجلاً يجاهد في سبيل الله -الذي هو سبب نزول الآية- لا يجوز، تتمنى المرأة أن لو كانت رجلاً، يتمنى الرجل أن يكون -بعد ختم النبوة- أن لو كان نبياً، لا يمكن، هذا اعتداء؛ لأن النبوة ختمت؛ لأن هذا لا يمكن، يتمنى الشخص أن يعطى ملك لم يعطه أحد قبله، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} [(35) سورة ص]، لا يمكن، فكيف إذا كانت القائلة امرأة تطوف بالبيت؟! سُمعت تقول هذا: رب هب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، يعني بالمقابل سمع رجل يقول: إني نذرت لك ما في بطني محرراً! يسمع هذا وهذا، امرأة تطوف بالبيت تقول: رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي.

الأماني تبلغ بأصحابها ما تبلغ، لكن كل شيء بقدره، كل شيء فيما يمكنه، أما اختراق السنن الإلهية من أجل فلان أو علان ما يمكن إطلاقاً. "«ولكن جهاد ونية»" فالنية شأنها عظيم؛ تبلغ بالمؤمن ما لا يبلغه عمله، وجاء في الحديث -وهو ضعيف-: «نية المؤمن خير من عمله»، وخُرج على أن النية المجردة أفضل من العمل المجرد عن النية، يعني النية فقط، يتمنى الخير أفضل من أن يعمل الخير بدون نية.

"«ولكن جهاد ونية»" و«في المدينة أقوام شاركوا المجاهدين في أجورهم، وهم في بيوتهم ما منعهم إلا العذر» يعني شخص يتمنى الشهادة بصدق من قلبه، مثل هذا تحصل له ولو مات على فراشه؛ فضل الله واسع، لكن بصدق ليست مجرد دعوى، وإذا جاء الوقت الذي يطلب فيه ويندب فيه الجهاد، «وإذا استنفرتم فانفروا» يتمنى أن لو كان أعمى أو أعرجاً أو مقعداً، هل هذا يتمنى الشهادة بصدق؟ لا والله.

"«ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»" إذا طلب منكم النفرة للجهاد فانفروا، وهذا أحد المواطن الثلاثة التي يتعين فيها الجهاد، يكون فيها الجهاد فرض عين، إذا استنفره الإمام، والموضع الثاني: إذا حضر الصف، والثالث إذا دهمه العدو، إذا دهم العدو بلده تعين عليه الجهاد.

"وقال يوم الفتح -فتح مكة-: «إن هذا البلد»" يعني مكة، {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [(1) سورة البلد]، و(ال) هذه للعهد، البلد المعهود، يعني مكة.

"«إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة» «حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض»" وسيأتي في الأحاديث ما يدل على أن الذي حرم مكة إبراهيم -عليه السلام- وفي هذا الحديث حرمه الله يوم خلق السماوات.. -نقلل المداخلات بقدر الإمكان؛ لأن القدر الباقي طويل، والمقرر شرحه في هذه الليلة أيضاً طويل، بقدر الإمكان نقلل-.

نعم يا أبو رضوان، ولتكن الأخيرة إن شاء الله..

طالب -أبو رضوان-: ........

هو الجهاد لا بد له من نية، لكن النية أعم من أن تكون في الجهاد وفي غيره.

طالب: .......

نية الجهاد وغير الجهاد، تنوي الخير، تعيش على خير وتموت عليه، هذا الذي تنويه

طالب: .......؟

وهو عاجز عنها؟

طالب: .......؟

هو بقي الجهاد والنية، الجهاد والنية بقي إلى قيام الساعة، لكن هل يدرك أجر من فعل؟ هذه مسألة معروفة، وفي الحديث: «رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل يتمنى أن لو آتاه الله القرآن فيعمل عمله فهو مثله، ورجل آتاه الله مالاً...».

طالب:.......

المقصود أن الرابع يتمنى هذا فيكون مثله، والمثلية من أهل العلم من يقرر أنه مثله في أصل الأجر، لا في قدره، على كل حال الإنسان إذا نوى الخير يدرك خيراً إن شاء الله.

طالب: .......؟

على كل حال الجهاد لا بد له من إمام، لا بد له من إمام، وإذا استنفره الإمام تعين عليه.

"وقال يوم الفتح -فتح مكة-: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة»" وجاء في الأحاديث وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ما يدل على أن إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حرم مكة، فذهب إلى ما جاء في هذا الحديث جمع من أهل العلم، وقالوا: إن الله -جل وعلا- هو الذي حرم مكة، واستدل بالأدلة الأخرى من يقول: إن إبراهيم هو الذي حرم مكة، كما حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولكل قوم جواب عن دليل الآخرين.

فمن يقول: إن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض يجيب عن الأحاديث اللاحقة: إن إبراهيم هو الذي حرم مكة، وأن تحريمها اندرس بين الناس ونُسي فأعاده إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأحيا هذه السنة وهذا التحريم فنسب إليه، وهو مبلغ عن الله -جل وعلا-، والتحريم أولاً وأخراً لله -جل وعلا-، والأحكام كلها له، لكن إبراهيم حرم مكة: يعني جاء تحريمها على لسانه من قبل الله -جل وعلا-، ومحمد –عليه الصلاة والسلام- كذلك حرم المدينة، لكن تحريم مكة هل هو من يوم خلق الله السماوات والأرض كما في هذا الحديث، أو أنها ليست بحرام إلى أن جاء وقت إبراهيم عليه السلام؟

"«يوم خلق السماوات والأرض»" الذين أجابوا عن الأحاديث اللاحقة قالوا: إن حرمتها يوم خلق الله السماوات على ما جاء في هذا الحديث، وإبراهيم إنما جدد التحريم؛ لأنه اندرس.

والذين يقولون: إن الذي حرمها إبراهيم، وما كانت محرمة قبله كالمدينة قالوا: إن الله -جل وعلا- كتب في اللوح المحفوظ تحريمها على لسان إبراهيم، فلا يكون تحريمها من يوم خلق الله السماوات والأرض، إنما كتابته في اللوح المحفوظ -كتابة هذا الحكم في اللوح المحفوظ- يوم خلق الله السماوات والأرض، وتحريمها يأتي على لسان إبراهيم، والحديث الذي معنا كالصريح في أنها منذ خلق الله السماوات والأرض حرام.

"«فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي»" هذا يدل على القول الأول، وهو مفاد هذا الحديث: "«لم يحل القتال فيه لأحد قبلي»" أحد نكرة في سياق النفي فيعم كل أحد.

"«ولم يحل لي إلا ساعة من نهار»" ساعة واحدة، وليس المراد بذلك الساعة الفلكية التي هي عبارة عن ستين دقيقة، لا، مقدار من الزمان، قد يكون ساعة فلكية أو أكثر أو أقل.

"«فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه»" لا يقطع، لا يقطع شوكه، "«ولا ينفر صيده»" طيب الشوك مؤذي، من أهل العلم من يقول: إن الشوك يقطع؛ لأنه مؤذٍ كالفواسق، والحديث نص أنه لا يقطع، أنه لا يعضد.

"«ولا ينفر صيده»" ينفر صيده: التنفير هو ذعره -ذعر الصيد- وجعله ينفر من مكانه، فلا يجوز، مجرد تنفير الصيد حرام، فضلاً عن تولي قتله، فضلاً عن أن يقوم الإنسان بقتله، فإذا حصل له ما يقتله بسبب هذا التنفير ضمنه المنفر، وإن سلم أثم على التنفير ولا يضمنه، يعني لو أن حمامة وقعت على ثوب شخص، ثم أراد أن يلبس الثوب فطارت الحمامة، وهذا في المسجد الحرام يحصل، في حال الاعتكاف يعلق الإنسان ثوبه فتقع عليه حمامة، فيأتي ليلبس الثوب فتطير الحمامة فتضربها المروحة وتموت، يضمن وإلا ما يضمن؟ أو يتركها حتى تطير؟

المقصود ولا ينفر صيده..

طالب:.......

ما علق بقصد ولا غيره.

طالب:.......

ما يلزم ما يلزم، لا لا، عموم، منهم من قال بهذا.

طالب:.......

ويش هو؟

طالب:.......

بسببه..، على كل حال ينفر صيده يشمل مثل هذا، التنفير شامل، يا أخي انتظر حتى تطير هي، وإلا أيـش معنى آمن؟

يذكرون في سيرة الرازي: أنه وهو بين طلابه في حمامة تتبعها..، ما أدري والله أيـش قالوا، يتبعها شيء يريد أن يأكلها، فدارت في المسجد دارت، دارت ثم وقعت في حجر الرازي، ثم الشاعر بن عنين قال ما قال في هذه القصة، وشبهه بالحرم وأنه ملاذ الخائف، لكن هذا الكلام فيه ما فيه..

"«ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها»" "«ولا يلتقط»" كما جاء في الروايات الأخرى «لقطتها إلا من عرفها»: يعني أنها لا تملك، ولو عرفها أبد الآباد، لا يملكها، ولا يقتصر على المدة المقررة لغيرها من البلدان كالسنة، لقطة البلدان الأخرى تعرف سنة، ثم بعد ذلك تملك بنية الرجوع إذا جاء صاحبها يوماً من الدهر، أما لقطة الحرم فلا تملك، بل يستمر يعرفها، ولا يلتقط إلا من عرفها.

ومن أهل العلم من يرى أنها كغيرها من البلدان تملك لكن التعريف يختلف، لا يكتفى بتعريفها كما يكتفى بتعريف لقطة البلدان الأخرى، والمرجح ما دل عليه الحديث صراحة أنها لا تلتقط ولا تملك، فإما أن تترك في مكانها، أو يلتقطها من نوى تعريفها، ولا يملكها.

"«ولا يختلى خلاها»" الخلا هو الحشيش، لا يختلى..

طالب:.......

أيـش هي؟

طالب:.......  

وأيش فيه؟ نص في الموضوع يا أخي أيـش...

طالب:.......؟

تجلس اللقطة إلا إن بغى يعرفها أبد الآباد، لا بد، إما أن يتركها وإلا يعرفها.

طالب:.......

إن أعطيت للأمانات وغيرها..، إن أعطيت من يتصف بهذا الوصف لا بأس.

طالب:.......

ولو شيئاً يسير، ولو شيئاً لا تلتفت له همة أوساط الناس؛ هذا من خصائص مكة يا إخوان.

طالب:.......

على كل حال النعال، يعني لو أخذت نعلاه، ووجد نعال شبيهة لها، وغلب على ظنه أن صاحب النعال هو الذي أخذ نعاله من ماركة واحدة يأخذ وإلا ما يأخذ؟

هذا نص في الزاد إن كان تحفظون الزاد: "ومن أخذت نعلاه فوجد مكانها بدلها فلقطة" لا بد أن يعرفها.

طالب:.......

لا بد يعرفها، أحياناً يقول قائل: هذه النعال المكومة التي ما لها أحد تجي البلدية وترميها، هذا بحكم..، وعند الجمرات شيء كثير من هذا، والمشي حافي مضر هناك، يتضرر به، فهل يأخذ؟ الأورع ألا يأخذ، بل الورع ألا يأخذ إلا ما يجزم بأنه ملكه، ولو غلب على ظنه أنها نعلاه.

طالب:.......

معروف هذه بيئته ما أنبته الآدمي....

"«ولا يختلى خلاها»" يعني ولا يحتش حشيشها ولا يقطع، والخلاء هو الرطب، والحشيش هو اليابس كما يقرر أهل العلم.

الشيخ يسأل عما ينبته الآدمي: هل هذا خاص بما ينبته الله -جل وعلا- أو عام فيما ينبته الآدميون؟

أهل العلم يقولون: لا ما ينبته الآدمي لا سيما إذا كان..، أقول: ما ينبته الآدميون يرون أن لهم قطعه، كالنخيل ونحوها لهم قطعه.

لو تدلى غصن يؤذي المارة يقطع وإلا ما يقطع؟

ما دام منع من قطع الشوك، وعرفنا أن الشوك من أهل العلم من خالف وقال: ما دام تقتل الفويسقة إذن يقطع الشوك الذي يؤذي الناس، فمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى ألا يتولى الإنسان بنفسه شيئاً من ذلك، يترك الاجتهاد لمن يجتهد، أما هو بنفسه يترك كل شيء على ما كان.

"«ولا يختلى خلاها»، فقال العباس" ابن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم" الإذخر نبت، حشيش طيب الرائحة، "لقينهم" يوقدون به النار، القين الحداد يوقد به النار، "ولبيوتهم" يجعلونها في السقوف بين الأخشاب؛ لئلا ينزل التراب والطين، وفي رواية: "ولقبورهم": أيضاً بين اللبن؛ لئلا ينزل التراب على الميت.

"ولبيوتهم"، فقال: «إلا الإذخر»" هذا الاستثناء حصل فيه كلام كثير لأهل العلم، والذي يجزم به أنه بالوحي، يقولون: هذا استثناء تلقيني، لكن التلقين في الجملة ذمُّ، مذموم التلقين، ومن قبل التلقين روايته مردودة عند أهل العلم، فعموم التلقين يحتاجه من فيه قصور، فالطفل يلقن، المحدِّث إذا كان يخطئ كثيراً يلقن، فهذا اللفظ باعتباره في الجملة وتعارف أهل العلم على أنه وصف ذم لا ينبغي أن يقال هنا.

طالب:.......

يعني هل الإذخر، أو عموم ما تقدم، عموم ما تقدم: «لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه» هل هو عام أريد به العموم، أو أريد به الخصوص؟ أو هو عام مخصوص؟ هل هو عام يراد به العموم على عمومه، أو عام يراد به الخصوص، أو هو عام مخصوص؟

فإذا قلنا: عام مخصوص، قلنا: ما كان في ذهن المتكلم استثناء الإذخر، ثم استثناه بالوحي، خصص بالاستثناء.

 وإذا قلنا: عام أريد به الخصوص، فما كان في ذهن المتكلم أن الإذخر داخل في عمومه، بل هو مقصود إخراجه من الأصل، ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد دخول الإذخر في الخلا، ولا شك أن وجود الاستثناء مخصص، سواءً قلنا: إن كلام العباس أدى إلى بيان هذا العام الذي أريد به الخصوص، أو أدى إلى إخراج ما يتناوله اللفظ العام، إذا قلنا مخصص.

نفرق بين العبارات هذه، فرق بين عام مخصوص، وعام أريد به الخصوص، إذا قلنا: عام مخصوص، قلنا: النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد كل الخلا، كل الأنواع بما في ذلك الإذخر، ثم لما استثناه العباس، ونزل الوحي بموافقته: «إلا الإذخر» استثني، فخرج بالاستثناء، خصص بالاستثناء، وإذا قلنا: إن العام أريد به الخصوص من الأصل ما دخل، من الأصل ما دخل الإذخر، لكن البيان حصل بهذا الاستثناء.

طالب:.......

حصل الفاصل، بمَ نجيب عن هذا؟

نقول :الكلام الأول في حكم المعاد في الكلام الثاني، في حكم المعاد، أيـش معنى هذا؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاها»، فقال العباس: "إلا الإذخر" فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعاد الكلام مرة ثانية، فقال: «إلا الإذخر»؛ ليكون الاستثناء متصلاً، ومن أهل العلم من يرى جوازه منفصلاً، يرى جوازه منفصلاً، ويستدلون بقصة سليمان، قصة سليمان لما آلى أو حلف أن يأتي على تسع وتسعين امرأة تلد كل واحدة منهن فارساً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، قال له الملك: قل: إن شاء الله، فدل على أنه لو قال: إن شاء الله لنفعه، وهذا منقطع ليس بمتصل.

على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، ومن يرى الاشتراط -اشتراط الاتصال- يقدر تكرار الكلام.

"وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا مفضل عن منصور في هذا الإسناد بمثله، ولم يذكر: «يوم خلق السماوات والأرض»، وقال بدل القتال: القتل" فيما سبق: "«وإنه لم يحل القتال»" في الرواية التي تليها: القتل بدل القتال، والفرق بين القتال والقتل واضح، القتال والمقاتلة مفاعلة، قتال مصدر قاتل، والقتال والمقاتلة تقتضي من الطرفين، فإذا وجد من يقاتل لا يجوز أن يقاتل في حال القتال، وفي لفظ القتل أنه لا يُقتل أحد ابتداءً، لكن إن قاتل يجوز قتاله. "وقال: «لا يلتقط لقطته إلا من عرفها»".

"قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي" الكعبي الخزاعي صحابي، "أنه قال لعمرو بن سعيد" الأشدق، "وهو يبعث البعوث إلى مكة" من أجل قتال ابن الزبير "ائذن لي أيها الأمير" هذا فيه الأدب مع الأمراء؛ ليكون أدعى إلى القبول، "ائذن لي أيها الأمير" صحابي جليل يقوله لتابعي، وليس من التابعين بإحسان أيضاً، يستأذنه يستلطفه يسترفقه؛ من أجل أن يكون كلامه أدعى للقبول ليقبل كلامه.

"ائذن لي أيها الأمير أحدثك: أحدثْك" مجزوم على أنه جواب الطلب ائذن، جواب الطلب مجزوم.

"أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح" يعني من الغد من يوم الفتح، "سمعته أذناي، ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به" ليبين أنه متأكد مما يقول، كأنه يسمعه الآن، وكأنه يبصره الآن.

حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه" والخُطب تبدأ بالحمد والثناء على الله -جل وعلا- والصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأما بعد؛ للانتقال أيضاً سنة، جاء بها أكثر من ثلاثين حديثاً.

"وأثنى عليه ثم قال: «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس»" وهذا دليل للقول الأول أن الذي حرم مكة هو الله -جل وعلا-.

"«فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر»" وهذا وعيد شديد، "«أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم»" وأحد فاعل لفعل مقدر يفسره المذكور، "«فإن ترخص أحد»" ترخص بقتال رسول الله، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [(6) سورة التوبة]: استجارك، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين.

"«فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقولوا له»" يعني ردوا عليه، لا يترك، لو قال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة بالسلاح، ودخل على رأسه المغفر، وقاتل أهل مكة، "«فإن أحد ترخص بقتال»" هذا يدل على وجود القتال من النبي -عليه الصلاة والسلام- منه وممن معه، ومن خالد وممن معه، "«فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم»" قد يقول قائل: الرسول ما قاتل، الذي قاتل خالد، نقول: قاتل بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يرجح قول من يقول: إن مكة فتحت عنوة، مكة فتحت عنوة.

"«فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم»" خلاف معروف بين أهل العلم، هل مكة فتحت عنوة أو فتحت صلحاً؟ مقتضى كونها فتحت عنوة...

طالب:.......

ما تملك نعم، تكون للغانمين، لو فتحت عنوة لوجب قسمتها على الغانمين؛ كسائر الغنائم.

وإذا قلنا: إنها فتحت صلحاً نقول: إن كل واحد في بيته له بيته، وهذا الذي دعا الإمام الشافعي أن يقول صلحاً، أنهم بقوا في بيوتهم، وما قسمت أرضها، والأكثر يقولون: إنها فتحت عنوة، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما منَّ عليهم بأنفسهم، من عليهم ببيوتهم وأملاكهم، ولا يوجد مانع من هذا، وقد استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- الغانمين في غزوة حنين أن يرد الغنائم إلى أهلها فردها -عليه الصلاة والسلام-.

"«فقولوا له: إن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار»" يعني أبو شريح العدوي صحابي -رضي الله تعالى عنه- ما منعه بطش هذا الأمير، وظلم هذا الأمير، وفي ظرف تجَّيش فيه الجيوش يعني ما منعه أن يقول كلمة الحق، وفي حديث البيعة من حديث عبادة بن الصامت: "وأن نقول، أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم"، لكن لا يعني هذا أنها تنزع اليد من الطاعة أبداً، وهذا لا ينافي هذا ألبته؛ لأنها سيقت مساقاً واحداً في حديث عبادة: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره؛ على أن نقوم أو نقول بالحق لا نخاف في الله لومة لائم": وهذا من النصح الواجب لولي الأمر، هذا من النصح الواجب لولي الأمر.

"«ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها»" يعني هذه الساعة انتهت.

وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب»" وجاء الأمر بالبلاغ في نصوص كثيرة، واللام لام الأمر، والأمر للوجوب، والتبليغ فرض كفاية، «وليبلغ الشاهد الغائب».

"فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟" بمَ ردَّ عليك عمرو؟ وحكى الواقع، وبعض الناس لو ذكر في مجلس من المجالس أنه أسدى نصيحة لكبير ورد عليه الكبير ردَّاً غير مناسب، يمكن ما يجرؤ أن يقول للناس: والله الأمير طردني، أو فعل ما فعل، أو ردَّ عليَّ رداً غير مقبول..، والله المستعان.

يقول: "ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك" وهذا من سوء أدبه مع الصحابي الجليل، ومن سوء أدبه مع النص، قال: "أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة" ويختلف أهل العلم في إقامة الحدود والقصاص في الحرم، هل يقتص، وهل يقاد في الحرم، وهل يرجم، وهل يقتل القاتل؟

المسألة خلافية بين أهل العلم، فعموم الحديث يستدل به من يقول أنه لا يقتل أحد بمكة، لا يقتل أحد بمكة مهما كانت جريمته، طيب نترك الناس يجرمون بمكة؟ قال: لا، يضيق عليهم، يمنع عنهم الطعام والشراب حتى يخرجوا منها، فيقاد منهم ويقتص منهم، وتقام الحدود عليهم خارج مكة.

ومنهم من يقول: إن مثل هذا لا يدخل في النص، فتقام الحدود، ويقتل القاتل، ويقطع السارق بمكة؛ لأن هذا مستثنى شرعاً؛ هذه حدود، عموم نصوص الحدود تشمل مكة وغير مكة.

طيب، البغاة، البغاة نزعوا يد الطاعة من ولي الأمر، وشهروا السلاح، يقاتلون أو لا يقاتلون؟

طالب:.......

القفَّال الشاشي من الشافعية، قال: لا، يتركون ما يقاتلون، ورد عليه هذا القول، رده جمهور أهل العلم، وقالوا: إن هذا غلط، يعني لو كل من اعتصم بمكة وشهر السيف ويش تصير المسألة؟ تصير فوضى، فإذا قاتل يُقاتل، وتقمع شوكته وتكسر، ويرد كيده في نحره كائناً من كان، ولو كان في مكة، لكن المقصود الممنوع أن يقتل ابتداءً، أو يبتدأ بالقتال، يبتدأ بالقتال لا، لكن إذا قاتل يقاتل.

والخربة: الخيانة كانت تطلق على سرقة الإبل خاصة.

قال: "حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد جميعاً عن الوليد قال زهير: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن قال: حدثني أبو هريرة قال: "لما فتح الله -عز وجل- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، فقال: «إن الله حبس عن مكة الفيل»" وجاء في بعض الروايات القتل، وقصة الفيل مشهورة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، الفيل الذي جاء به أبرهة؛ ليهدم الكعبة، قصته مشهورة ومتواترة، وعُبِّر عنها في القرآن بالرؤية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرها، لم يرَ أصحاب الفيل، ولم يرَ كيف فعل الله بهم، لكن لما بلغته بطريق قطعي متواتر صار كالمرئي والمشاهد في القطعية، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]، يعني بلغت هذه القصة الخاص والعام بطريق قطعي متواتر بمثابة المرئي.

"«وسلط عليها رسوله والمؤمنين»" سلط: بمعنى أنه أقدرهم عليها في هذه الساعة، "سلط" أقدرهم على..، سلط الله، يعني هل للإنسان أن يقول: سلط الله عليَّ –مثلاً- شخص يقول: سلط الله عليه الأمراض والديون أو لا؟ بدلاً من أن يقول: قدر الله عليّ، وكتب عليَّ، هنا في الحديث: «وسلط عليها رسوله والمؤمنين»؟

لأنه وجد سائل يسأل أمام الناس، وقال: سلَّط الله عليَّ الأمراض، وسلط الله علي الديون، فرد عليه واحد من كبار المشايخ، من كبار العلماء، وقال: لا تقل سلط الله عليَّ، قل: قدر الله عليَّ، فهل في هذا اللفظ من محظور، وفي الحديث: «سلط عليها رسوله والمؤمنين»؟

طالب:.......

هو التسليط في الجملة سواءً هنا أو هناك فيه شيء من القهر والغلبة؛ لأن هذا اللفظ حينما يتحدث الإنسان عن نفسه، وأنه..، كأنه يشعر بأنه قهر بهذه الأمراض، وقهر بهذه الديون، بينما لو قال: قدَّر الله عليَّ، وكتب الله عليَّ، أمر واضح وظاهر، فهذا وجه الإنكار، وما دام ثبتت في النص، ومن لفظه -عليه الصلاة والسلام- لا يكون منعها إلا من قبيل الأدب في التعبير، وإلا ما فيها محظور شرعي، إنما كونه أدب في التعبير، وإرشاد إلى الأولى ما فيه إشكال.

طالب:.......

إيه مع القهر والغلبة، مع ما يتضمنه اللفظ من وجود القهر والغلبة.

طالب:.......  

أيـش لون سلَّط؟

طالب:.......

يعني شخص عاصي فعوقب بهذه الأمراض، هذا قصدك؟ سلط الله عليه الأمراض؟

أن تتحدث عنه شيء، لكن كونه يتحدث عن نفسه بما يظهر أنه مقهور من هذه الأمراض.. هذا فيه شيء من الجزع، فالإرشاد إلى حسن الأسلوب والتعبير ظاهر في مثل هذا.

"«وإنها لم تحل لأحد كان قبلي»" لا من الأنبياء، ولا من الملوك، ولا من غيرهم. "«وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها،  ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد»" هذا تقدم.

"«ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل» «ومن قتل له قتيل»" في الصحيح -في البخاري-: «ومن قتل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل» «وإما أن يقاد»: ولا شك أن الرواية التي في البخاري فيها حذف، تبينها هذه الرواية؛ لأنه إذا قتل، خلاص انتهى، كيف يخير وهو مقتول؟ فالمخير ولي الدم.

 "«ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى»" هذا القتيل بالمال بالدية، "«وإما أن يقتل»" القاتل، والتخيير بين الأمرين يدل أن الولي له أن يختار، وهذا قول الأكثر، له أن يختار، فإذا عفى عن القصاص له أن يطالب بالدية، إذا عفى عن القصاص له أن يطالب بالدية.

ومن أهل العلم من يرى أنه ليس له إلا القصاص أو العفو، ومثل هذا فائدة الخلاف فيما إذا عفى ولي الدم عن القتل، وطالب بالدية، قال القاتل: أنا ما عندي دراهم، تبي تقتل تفضل، وإلا فالعفو، يلزم وإلا ما يلزم؟ يعني هل لولي الدم أن ينتقل من القتل إلى الدية، أو ليس له ذلك؟

طالب:.......

الآن من الحديث له ذلك، لكن من أهل العلم من يقول: لا، الأصل القتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة]، {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [(45) سورة المائدة]، هذا الأصل في المسألة، فإذا قال القاتل: والله ما عندي دراهم اقتل، نقول إلا دبر دراهم؟! ترى القول الثاني ما جاء من فراغ..

طالب:.......

أينه هذا؟ هذا في قتل الخطأ.

طالب:.......

هذا من هذا الحديث، لكن النصوص الأخرى.

طالب:.......

ما يخالف، لكن لا تظن أن القول الثاني قال: والله ما له بنصيب؛ لأنه قد يكون الشخص في وقت قتله أسهل من أن يدبر دية.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

لا لا، بعض الناس ترى متساوية عندهم، متساوية؛ تروا الذي جرب الفقر وشح الموارد ويتمنى أحياناً أنه يموت ولا يتجبه الناس، وهو عايـش هو وأولاده ومن تحت يده على شيء تحت الصفر من الفقر، مثل هذا ما يستطيع يدبر.

نعم إذا نظرنا من جهة أن الشرع رحم مثل هؤلاء، وجعل الدية على العاقلة، وما أشبه ذلك..، المقصود أن المسألة، القول الثاني ما جاء من فراغ ترى؛ لأن الشارع حينما ينظر في حق المقتول، وفي حق الولي أيضاً لا يهدر حقوق آخرين، الشرع جاء بالتوازن، يعني حينما ينظر في حق الفقير ما أهدر حق الغني في الزكاة أبداً، وحينما يقول لك: أنا والله ما أستطيع أدبر دية، ما أستطيع، افعل.. اصنع ما شئت.

طالب:.......

لكن أئمة الذين قالوا بهذا الكلام، يقول لك: ما عندي، أيـش تسوي له، نقول: مدين وتدخل السجن بهذا الدين، دبر، والله ما أنا مدبر ما عندي شيء، ولا لي وسيلة، ولا..، منقطع عن السبل كلها.

طالب:.......

يعني تبقى دين في ذمته.

لما نشير إلى الخلاف فهو قول أئمة، ما هو بقول متعلمين، وهو يعني تصوره ظاهر، ما هو بي قال: والله ما يمكن تصور مثل هذا، يعني يمكن واحد بالمائة يقول لك: أنا والله ما أقدر أدفع ريال، وواحد مستعد يدفع مائة مليون، يدفع ألف دية، أو ألفين دية، لا تنظر إلى أحوال من عندهم الأموال ويبذلون، لا، أنت انظر إلى شخص تكفف الناس، وتقطع وجهه من سؤال ريال الخبز، وقال لك: أنا والله ما عندي، هذه رقبتي أرخص ما عندي هي، خذها، ولا عندي..، أنا ما عندي دراهم، خذ إما أن تقتل وإلا تسمح، هذه وجهة نظر من يقول بالقول الآخر، لكن الحديث كالصريح في أنه إذا عفي عنه للولي أن يعفو عن القتل وينزل إلى الخيار الثاني.

"«إما أن يفدى، وإما أن يقتل»، فقال العباس: "إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الإذخر»، فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن-" أبو شاه بالهاء، وليس بلفظ الحيوان المعروف لا، أبو شاهٍ.

طالب:.......

ما يدرى ويش هو، لا هو بالشاه المعروفة؛ لأنها تنطق بالتاء..

طالب:.......

أنت تبي نقول لك مثل الذي صحّف المثل، الذي صحف المثل يليق بهذه الحال، أبعدت النجعة، لا، ما هو بهو..

طالب:.......

لا، معروف، أبو رضوان معروف، لكن أبعد النجعة، وإن بغيت التصحيف فقد ذكرناه.

"أبو شاهٍ" ما في لغة العرب على هذا أبداً، على هذا الوزن، فالذي يظهر أنه أعجمي، كيف صرف؟ هو يقرأ بالهاء في الوقف والدرج، يعني مثل منده، ومثل داسه، ومثل ماجه، كلها تقرأ بالهاء؛ ألفاظ أعجمية، هنا ليش صرف أبو شاهٍ ما قيل أبو شاهَ؟

طالب:.......؟

لا.

طالب:.......

لا لا، لا.

طالب:.......

لا.

طالب:.......

لماذا صُرِف؟

من رواة الصحيح، من رواة البخاري عبد الله بن سياه، وسياه أعجمي، والعُجمى تمنع عبد الله بن سياه؛ لأن استعماله في الأعجمية ليس بعلَم، يستعملونه وصف في الأعجمية، ما يستعملونه علم، والذي يمنع من الصرف العلمية مع العجمة، فكونه استعمل غير علم، لا يمنعه من الصرف وإن كان أعجمياً.

فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله..

طالب:.......

هذا ملك ذا، ملك.. يمكن يجي على هذا يصير أبو ملك، شاهٍ شاه هذا ملك الملوك عندهم، ويمكن يصير أبو ملك ويش المانع؟

طالب:.......

غير علم، في الأعجمية غير علم، وكما أشار الشيخ، الشاه عندهم الملك، فلعله من هذا يصير أبو ملك، كنيته أبو ملك.

"فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: "اكتبوا لي يا رسول الله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اكتبوا لأبي شاه»" وفي هذا الأمر بكتابة العلم، الأمر بكتابة العلم وتقييده، وأن هذا ناسخ لحديث النهي عن الكتابة -حديث أبي سعيد في صحيح مسلم-: «لا تكتبوا شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»، جاء النهي عن الكتابة، وجاء الأمر بها في مثل هذا الحديث، وفي مثل قول أبي هريرة -رضي الله عنهما-: "ما كان أحد من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر حديثاً مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب"، فجاءت نصوص تدل على الكتابة، وجاء حديث أبي سعيد في المنع منها، فالنهي منسوخ، أو محمول على كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ فيخشى اختلاط غير القرآن به، فلما أُمن هذا المحظور أذن بالكتابة، أذن في الكتابة.

ومنهم من يقول: إن النهي عن الكتابة؛ لئلا يعتمد الإنسان عليها فيضيع الحفظ، وهذا شيء مجرب ومشاهد، الذي يعتمد على الكتابة لا يثبت في ذهنه شيء؛ لأنه اعتمد على غيره، الذي يعتمد على الكتابة لا يثبت في ذهنه المحفوظ، وجرب الإخوان كلهم لما كانت التلفونات والأدلة الصغيرة التي في الجيوب التي تسجله ما أنت بحافظه، صحيح وإلا لا؟ الرقم الذي تسجله خلاص على ها الكتابة ذه، ثم جاءت عاد الجوالات التي تخزن ما يمكن تحفظ ولا تستذكر ولا شيء، يقسم واحد أنه ما يعرف كم رقم أمه، يضغط على رقم كذا الوالدة وتطلع ليش؟ لأنهم اعتمدوا، فالاعتماد هذا مشكلة، ولذلك تجدون على مر العصور الحافظة في ضعف؛ لوجود الوسائل التي يعتمد عليها، الحافظة ضعفت لما كثرت الكتابة وانتشرت، ثم بعد ذلك مشى الناس على الكتابة وجوزت بالإجماع وطلبت؛ لأنها بها حفظ العلم ودون، ثم جاءت الطباعة وأيـش صار بعد الطباعة؟ الإنسان إذا احتاج كتاب نسخه، استعاره ونسخه، والتجربة تثبت أن الكتابة أفضل من القراءة عشر مرات، يثبت الكتاب إذا كتبته، يعني يثبت إذا حفظته؛ هذا أفضل، لكن إذا ما حفظته وكتبته تتصور الكتاب، ثم جاءت الطباعة تأتي بالكتاب عشرة مجلدات عشرين مجلد ترصه في الدالوب، وهذا آخر عهدك به، ولذا أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة كتب العلم؛ لا شك أن هذا أثره على التحصيل ظاهر، يعني ممكن شاب من الشبان عنده عشرة آلاف مجلد، لكن ما يعرف ولا أسماء هذه الكتب، فضلا ًعما تحتويه لما ظهرت الطباعة، الآن الطباعة شيء ما يخطر على البال، بينما أدركنا شيوخنا الواحد عنده دالوب دالوبين من الكتب، ويعرف ما في هذه الكتب، قرأ هذه الكتب مراراً وحفظ كثيراً مما فيها، وتردد عليها مراراً فضبطها، لكن كثرة التصانيف -كما يقول ابن خلدون- مشغلة عن التحصيل، كثرة التصانيف لهذه الكتب..، الألوف المؤلفة من الكتب لا شك أنها مشغلة، مشغلة لما يجي طالب العلم التردد بأيها يبدأ؟ يأخذ له مدة ما؟ أو يبدأ بهذا ويمل وينتقل للثاني والثالث والعاشر والمائة، ما يدرك شيء، لكن لو ما عنده من كل فن إلا كتاب واحد، ما عنده خيار، تردد على هذا الكتاب حتى... نعم.

طالب:.......

لا، لا هذه أسوأ، الآن ظهر ما يقول الشيخ، الآلات اللي بإمكانك تخرج حديث من مائة طريق بضغطة زر، والكلام على أسانيد هذه الأحاديث أو هذه الطريق بزر، وتنسف لك هذه الآلة ما تريد بثواني، لكن النتيجة؟ النتيجة يطفأ الكهرب ترجع عاميًا ما تحسن شيئاً!!

وأنا أضرب مثال محسوس: لو أن شخصاً مسك شارع البطحاء من أوله إلى آخره يمشي على رجليه، ثم وصل إلى آخره، ثم جاء أحد يسأله، ويش شفت؟

يبي يعد عليه ستين سبعين بالمائة مما رآه، صح وإلا لا؟ لكن خله يمشي بالسيارة مائة وعشرين، ويش يبي يدرك؟

ولا شيء؛ السرعة ما تفيد بالعلم، أبداً لا تجدي شيئاً بالعلم، والعلم متين وفحل لا يطيقه إلا الفحول رتب عليه أجور، أجور عظيمة في الدنيا والآخرة، وبضغطة زر تدرك العلم؟ ما هو بصحيح، ولا يمكن أن يتخرج طالب علم على هذه الآلات أبداً، نعم، شخص مدرك أسس وأصَّل ويريد أن يستزيد لا بأس، خرج الحديث بنفسه لا عن طريق الفهارس، ولا عن طريق الآلات، بلغ الجهد، وبذل الوسع، وخرج الحديث من عشرين طريق، قال: والله عجزت ما عندي أكثر من هذا، فأراد الاستزادة ضغط هذا الزر وشاف، لا شك أن هذا القدر الزائد على ما تعب عليه يثبت في ذهنه؛ لأنه متشوف إليه، لكن إذا جاء خالي الذهن ما عنده شيء وضغط الزر وشاف هذه الطرق ما يدرك شيئاً أبداً، فلاختبار العمل تصلح هذه الآلات.

إذا ضاق الوقت، خطيب عنده حديث يبي يتكلم عليه ومهم الحديث في الباب، لكن ما يدري هو صحيح وإلا ضعيف يضغط الزر ويشوف ما يخالف؛ إذا ضاق عليه الوقت معذور، لكن معه الوقت يروح مباشرة، لا ما يدرك علم البتة، والعلم لا ينال براحة الجسم، لا يستطاع العلم براحة الجسم.

طالب:.......

الانتقاء، ينتقي ما يشتري كل شيء، ينتقي..

قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: "اكتبوا لي يا رسول الله؟" قال: "هذه الخطبة" التي خطبها النبي -عليه الصلاة والسلام- "والتي سمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

"قال: حدثني إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان" شيبان بن عبد الرحمن النحوي،  عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة" بن عبد الرحمن، "أنه سمع أبا هريرة يقول: "إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب: خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يلامون لما قتلوا بقتيلهم في الساعة التي أحلت للنبي عليه الصلاة والسلام؟ ودماء الجاهلية ما وضعت إلى الآن، متى وضعت دماء الجاهلية؟

في حجة الوداع لما خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- دماء الجاهلية وضعت، والربا موضوع، وأول رباً نضعه ربا العباس، هذا تقدم.

في فتح مكة ما أهدرت دماء الجاهلية أو ما وضعت، فيلامون أنهم قتلوا قتيلاً؟ يلامون، لماذا؟

لأنه على طريقتهم، يقتلون غير القاتل، ينتقمون من القبيلة بغير القاتل، فهنا يلامون، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

لأنه قد يقول قائل: قتلوه بقتيل لهم، وفي الساعة التي أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ودماء الجاهلية ما وضعت إلا في حجة الوداع.

نقول: قتلوا من بني ليث قتيلاً غير قاتل قتيلهم، على عادة العرب ينتقمون من القبيلة بأي شخص.

"بقتيل منهم قتلوه فاخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب، فقال: «إن الله -عز وجل- حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام»" يعني أحلت له ساعة وانتهت، الآن الساعة التي فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، هي حرام.

"«لا يخبط شوكها»" يعني لا يضرب بالمخبط الذي هو العصا؛ ليتناثر ما يسقط من الشجر من ورق أو شوك أو غيرهما.

"«ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُعطى -يعني الدية- وإما أن يقاد أهل القتيل»" يعني على ما تقدم.

"قال: فجاء رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاهٍ، فقال: "اكتب لي يا رسول الله"، فقال: «اكتبوا لأبي شاه»، فقال رجل من قريش: "إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الإذخر».

حدثني سلمة بن شبيب قال: حدثنا ابن أعين قال: حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح»".

يقول -رحمه الله تعالى-:

"حدثني سلمة بن شبيب قال: حدثنا ابن أعين قال: حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح»" وهذا من تمام الأمن في هذه البلاد الآمنة، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [(67) سورة العنكبوت]، فهذا من تمام الأمن في هذا البلد، لا يجوز حمل السلاح فضلاً عن استعمال السلاح، حمله لا يجوز فضلاً عن استعماله، وقد جاء النهي عن حمل السلاح في المساجد وأماكن الزحام؛ لئلا تؤذي أحداً بها، ففي هذا البلد من باب أولى، وهو البلد الأمين.

ومنهم من يرى أن هذا على إطلاقه، وأنه لا يجوز حمله مطلقاً، ومنهم من يبيحه للحاجة والضرورة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة عام الفتح بالسلاح، دخل مكة بالسلاح وعلى رأسه المغفر، وعليه الدرع، فالمقصود أنه دخلها بالسلاح، ولعل هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- في تلك الساعة التي أبيحت له، وأما بعد ذلك فقد عادت حرمتها، فلا يحمل فيها سلاح.

هل يدخل في هذا –مثلاً- رجال الأمن الآن -معهم أسلحة- ويقفون في الطرقات، وفي النقاط نقاط التقاطعات وغيرها يقفون منهم بسلاحه، هل نقول أن هذا يدخل في قول بعض أهل العلم أنه للحاجة؟

طالب:.......

وين؟

طالب: يقول: إن عامة الناس لا يجوز لهم حمل السلاح، بينما ولي الأمر أو خاصته فإنه يجوز خصوصاً إذا كان لحاجة؟

 لا؛ «أحدكم» أحد مفرد مضاف يعم، من صيغ العموم المفرد المضاف، لا، المقصود أن من أهل العلم من يرى أنه يحمل للحاجة، لا سيما إذا غلب على الظن وجود هذه الحاجة إلى السلاح.

"حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، أما القعنبي فقال: "قرأت على مالك بن أنس"، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك، وقال يحيى -واللفظ له-: "قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: "ابن خطل متعلق بأستار الكعبة" فقال: «اقتلوه»؟" فقال مالك: "نعم".

حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد الثقفي، قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، وقال قتيبة: "دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام". وفي رواية قتيبة: قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر.

حدثنا علي بن حكيم الأودي قال: أخبرنا شريك عن عمار الدهنيِّ عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.

حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم قالا: أخبرنا وكيع عن مُساوِر الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وعليه عمامة سوداء.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن الحلواني قالا: حدثنا أبو أسامة عن مساور الوراق قال: حدثني، وفي رواية الحلواني: قال: سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه"، ولم يقل أبو بكر على المنبر".

يقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، أما القعنبي فقال: قرأت على مالك، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك" صيغ الأداء اختلفت بين الثلاثة، ومسلم يفصل في هذه الأمور تفصيلاً دقيقاً حسب ما يرده من شيوخه.

"أما القعنبي فقال: "قرأت على مالك"، وأما قتيبة فقال: "حدثنا مالك"، وقال يحيى واللفظ له: قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب" يعني رواية القعنبي ورواية يحيى بالعرض على مالك، وهذه هي الجادة عند الإمام مالك، لا يقرأ على أحد وإنما يُقرأ عليه، ويغلظ القول على من قال حدِّثْنا، ويقول: أعراقي أنت؟ العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟

والإمام مالك -رحمه الله- لا يمكن أن يحدِّث أحداً، ما يمكن أن يحدث أحداً، وإنما يُقرأ عليه، منهم من صحب الإمام مالك سنين عديدة فما سمعه يقرأ الموطأ على أحد، وإنما يقرؤون عليه، فقوله: "قرأت على الإمام مالك": بيان للواقع.، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك" هذا تجوز في العبارة تجوُّز، الإمام مسلم يفرق بدقة، لكن لعل قتيبة بن سعيد ممن لا يفرق بين هذه الصيغ، ممن لا يفرق، نعم؟

طالب:.......

يعني حدث به ابتداءً، لا يقصد به التحديث؟

طالب:.......

فيكون كونه يقرأ عليه ويعرض عليه هذا هو الغالب، أو عند قصد إرادة التحديث، على كل حال هذا الحاصل، واحتمال أن قتيبة لا يرى التفريق بين التحديث والإخبار، جمع غفير، البخاري ما يرى، كثير من العلماء ما يرون التفريق بينهما.

"وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك وقال يحيى -واللفظ له-: قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب" هذا عرض.

"أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر؟" الجواب، قال مالك، سؤال أحدثك؟ قال مالك: نعم، في نهاية الحديث عندك، "فقال مالك: نعم" جواب لقوله أحدثك.

وهل يلزم في العرض أن يقول المعروض عليه نعم، أو يكفيه أن يسكت؟ يكفي السكوت وإلا لا بد أن يقول نعم؟ إذا قيل: أحدثك فلان، أأخبرك فلان، هل يلزم أن يقول: نعم، وإلا يكفي السكوت؟

طالب:.......

الآن مسألة اصطلاحية منصوصة، والخلاف معروف فيها بين أهل العلم، عامة أهل العلم على أن السكوت يكفي، ولذا ما ذكر عن أحد من أهل العلم في مثل هذا المقام أنه قال: نعم، إلا في القليل النادر، وبعض العلماء –بعضهم، ومنهم من أهل الظاهر- من قال: لا بد أن يقول: نعم، وإذا لم يقل: نعم فإنه لا يجوز تحمل الحديث عنه، إذا لم يقل نعم.

"أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر؟"

طالب:.......

ما يلزم، الإقرار لا ينسب إلى صاحبه إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذلك ما ذكروه في تعريف الموقوف على الصحابي ما قالوا: قوله أو فعله أو إقراره أو تقريره، لا؛ لأنه قد يجامل ما هو معصوم، قد يرى أن المصلحة أفضل من الكلام، المصلحة في السكوت أفضل، فالتقرير تشريع منه -عليه الصلاة والسلام- وأما من عداه فلا.

"دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر" فدل على أنه حلال، وليس بمحرم -عليه الصلاة والسلام- حلال وليس بمحرم، وهذا يستدل به من يقول بجواز دخول مكة من غير إحرام، والأكثر على أنه لا يجوز أن يدخلها أحد إلا لحاجة تتكرر إلا محرماً، غير الحاجات المتكررة كالحطاب ونحوه..، هذا الحطاب ونحوه الذي تتكرر حاجته هذا يدخل بغير إحرام، أما من لا تتكرر حاجته فلا يدخلها إلا محرم.

طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، قال: نعم، لم تحل لأحد قبله وإنما أحلت له ساعة من نهار، يقاتل فيها ويدخل وهو غير محرم، فهذا في الساعة التي أحلت له، فإحلالها له من أجل القتال، ومن أجل الدخول بغير إحرام.

والقول الثاني أنه يجوز لمن لم يرد الحج والعمرة أن يدخل بغير إحرام؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، وقال في حديث المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة» فدل على أن الذي لا يريد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام.

"وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: "ابن خطل متعلق بأستار الكعبة"، فقال: «اقتلوه»" نزع المغفر، نزعه في أثناء الساعة أو بعد الساعة؟

بعد الساعة، يعني لما عادت حرمتها قال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة.

"فقال: «اقتلوه»" هذا لا يدخل في الأمن؛ لأن بعض الروايات تدل على أنه رد هذا الأمان، وارتكب جرماً عظيماً، سب النبي -عليه الصلاة والسلام- وسبَّ الدين، واتخذ مغنيتين تغنيان بهجو النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا يقتل..

طالب:......

وقتل مسلماً، وقتل مسلماً، فمثل هذا يقتل، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.

منهم من يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر عليه تعلقه بأستار الكعبة، فدل على أن التعلق بأستار الكعبة مباح!!

طالب:.......

نعم؛ جرمه أعظم من جرم التعلق، فهو بصدد أن يقتل، فقتله أعظم من الإنكار عليه التعلق، يعني من قتل، يعني من زنا وهو بكر مثلاً، ثم قتل، ثم يقال: لماذا لا يجلد قبل أن يقتل؟

نقول: جرمه أعظم، والخلاف في الزاني المحصن، هل يجلد قبل الرجم أو لا يجلد، في حديث عبادة: «خذوا عني، خذوا عني، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»: فدل على أنه يجلد، ثم يرجم، وهذا الذي زنا ثم قتل يجلد ثم يقتل.

ومنهم من يقول: لا، إذا كان عنده مصيبة، أو جريمة أعظم من الجريمة التي تقتضي الجلد فقتله يقضي على الجلد، ويقولون: إن القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- من رجم المحصنين خمس قضايا فقط، لا تزيد، هي خمس قضايا في عصره -عليه الصلاة والسلام-، كل القضايا خمس ما تزيد، ما فيها ولا واحدة من هذه القضايا أنه أمر بالجلد ثم الرجم، ما قال: اغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فاجلدها ثم ارجمها، «فإن اعترفت فارجمها»، ومنهم من يقول: ما دام ثبت الجلد، وسكت عنه في نصوص أخرى لا يعني أنه يلغى أو يهدر، يعمل بالجلد في حديث عبادة والرجم، والمسألة معروفة الخلاف بين أهل العلم.

وعلى كل حال في مثل هذا الموطن، هل يتعين البيان؟ يعني أنت رأيت شخصاً بيده زجاجة الخمر ومسبل، ما الذي تنكره عليه؟

الشرب، إيـه تنكر عليه الشرب.

رجل اغتصب امرأة وفر بها، وهو حالق للحيته –مثلاً- تقول له: نبي نطالب حالق اللحية..، وإلا ننكر عليه؟ هذا عنده جرم أعظم، فيقتصر على الأعظم.

وهذه حجة من يقول: أنه لا يجوز التعلق بأستار الكعبة؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى الشرك والتعلق بغير الله -جل وعلا-، ولا شك أن سد الذرائع الموصلة إلى الشرك هي الأصل.

فقال: «اقتلوه»، فقال: مالك: نعم" جواباً لقوله: أحدثك؟

قال -رحمه الله-:

"حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد الثقفي، قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام".  

"وفي رواية قتيبة قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر" لكن لو كان محرماً وعلى رأسه العمامة السوداء –مثلاً-غير النبي -عليه الصلاة والسلام- لحاجة برد شديد وهو لا يتحمله وغطى رأسه لحاجة، نقول: يفدي فدية أذى، إذا كان لحاجة يرتفع عنه الإثم، وإلا فهو آثم، وبعض الناس يتحايل فيلبس الثياب ويدخل، يحرم من الميقات ويدخل بثيابه تحايلاً على الأنظمة، ولا شك أن مثل هذا لا يعفيه من الإثم بارتكابه المحظور.

طالب: لو كان هذا الداخل عمرة الإسلام وحجته؟

إيه مثل هذا أمره أخف من غيره، أخف من التكثر.

طالب: بالنسبة للتعلق بأستار الكعبة، وإن تعلق بأستار الكعبة.

الحد ما يسقط، حقوق الخلق ما تسقط.

طالب:.......

هو ارتكب ما يوجب القتل، والحدود إذا بلغت السلطان انتهت، «فإن عفا فلا عفا الله عنه»، هذه ما فيه مساومة؛ هذه حدود الله -جل وعلا-.

طالب:........؟

هذا لو جاء بنفسه قبل أن يُطَّلع عليه، جاء تائباً مثل ماعز، مثل هذا يلقَّن، فرق بين من بحث عنه وارتكب جرائم، وفي النهاية يتوب ما يكفي هذا، هذا توبته تنفعه عند الله -جل وعلا- أما الحدود لا بد من إقامتها.

"حدثنا علي بن حكيم الأودي قال: حدثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.

قال: حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم قالا: أخبرنا وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وعليه عمامة سوداء" يعني بعد أن تم الفتح خلع المغفر ولبس العمامة، والأصل في الثياب أن البياض أفضل من السواد، البياض جاء الأمر به: «البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا بها موتاكم»، جاء الأمر بلبس البياض، لكن لبس السواد وغيره من الألوان، إلا الأحمر الخالص أو المزعفر فقد جاء النهي عنهما.

طالب:.......

إيه، نادر لكنه لبسه، ثبت أنه لبسه، وإلا فالأصل البياض.

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن الحلواني قالا: حدثنا أبو أسامة عن مساور الوراق قال: حدثني، وفي رواية الحلواني: قال: "سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها" العمامة لها طرفان وإلا طرف واحد؟ طرف واحد -ذؤابة واحدة- ولذا جاء في بعض الروايات: "قد أرخى طرفها"، وحكموا على هذه الرواية بأنها مرجوحة، وعلى كل حال هي في الصحيح، لا يتطاول أحد على الصحيح.

"قد أرخى طرفيها بين كتفيه"، ولم يقل أبو بكر على المنبر" احتمال أن يكون خطب على الأرض واقفاً، وأما الرواية المصرحة على المنبر، تدل على أن خطبته كانت على المنبر، وليس المنبر مقصوداً لهذه الخطبة.

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وصحبه.

"