شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (141)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام والمستمعات؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصّريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا وكالمعتاد؛ يسرُّنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير؛ فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حيّاكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: فضيلة الدكتور. في باب رفع العلم، وظهور الجهل في حديث أنس -رضي الله عنه-؛ تحدثنا على مدى ثلاث حلقات ماضيات في حديثين؛ الحديث الأول، والحديث الثاني، وتكلمتم- أحسن الله إليكم- في ألفاظ الحديث؛ بقي أن نأخذ أطراف الحديث لو تكرمت.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم على رسولنا.

أما بعد، فالحديث حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا». رواية أخرى للحديث فيها زيادات؛ ولذا كرره الإمام البخاري في باب واحد، وأورده المختصر، مع أن من شرطه ألا يعيد حديثًا؛ لكن أعاده للزيادات؛ لزيادة العلامات من الأشراط، والحديث خرَّجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في خمسة مواضع؛ هنا في كتاب العلم مرتين؛ فالموضع الأول في كتاب العلم في باب رفع العلم وظهور الجهل؛ قال: حدَّثنا عِمرانُ بن مَيسَرة قال: حدَّثنا عبد الوارث عن أبي التّيَّاح عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فذكره، وسبق ذكر مناسبته للباب والباب للكتاب.

 والموضع الثاني في الباب نفسه من الكتاب؛ من كتاب العلم، قال -رحمه الله تعالى-: حدّثَنَا مسدَّد قال: حدّثَنَا يحيى عن شُعبة عن قَتَادة عن أنس قال: لأُحَدِّثَنَّكُم فذكره. ومناسبته كسابقه، وهي ظاهرةٌ أيضًا.

والموضع الثالث في كتاب النكاح، في باب يقل الرجال، ويكثر النساء، وقال أبو موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وترى الرجل الواحد يَتبَعُهُ أربعون، أربعون نسوة يَلُذْنَ به من قِلّة الرجال وكثرة النساء» وترى الرجل الواحد يَتبَعُهُ أربعون نسوة كذا.

المقدم: بدون من؟

نعم، «أربعون نسوة يَلُذنَ به من قلة الرجال وكثرة النساء»؛ تمييز عشرات، عشرون امرأة، وثلاثون امرأة، وأربعون امرأة؛ النسوة جمع.

المقدم: نعم.

نعم مثله نساء، ولا واحد له من لفظه؛ ولذا جاء به بالجمع؛ «يَلُذنَ به من قلة الرجال وكثرة النساء». يقول الإمام البُخاري -رحمه الله تعالى-: حدّثَنَا حفص بن عمر الحوضي قال: حدّثَنَا هشام عن قتادة عن أنس -رضي الله تعالى- عنه قال: لأُحَدِّثَنَّكُم حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

فذكره. والمناسبة واضحة، كتاب النكاح، بابٌ يقل الرجال ويكثر النساء.

المقدم: لكن عن أبي موسى ولا عن أنس؟

المُعَلّق حديث أبي موسى،

المقدم: هذا معلق.

هذا تبع الترجمة.

المقدم: نعم.

أما المُسنَد حديث أنس.

المقدم: نعم.

 نعم.

المناسبة واضحة من جهة أن قوله: «تكثر النساء ويقل الرجال»؛ مطابقة.

المقدم: صحيح.

 ترجم بابٌ يقل الرجال ويكثر النساء. يقول الحافظ ابن حجر: ما ذُكِرَ في حديث أبي موسى لا يخالف حديث الباب، لا يخالف حديث الباب.

في حديث أبي موسى كم العدد؟

الأخ الحاضر: أربعون.

أربعون، وفي حديث الباب؟

المقدم: خمسين.

خمسون. لا يُخالف حديث الباب؛ لأن الأربعين داخلةٌ في الخمسين؛ فمن عنده خمسون امرأة عنده يصدق عليه أنه عنده؟

المقدم: أربعون.

أربعون. ولعله، يقول: ولعل العدد بعينه غير مُراد، بل أُريد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة للرجال، ويحتمل أن يُجمع بينهما؛ بأن الأربعين عدد من يَلُذنَ به، والخمسين عدد من يتبعه، وهو أعم من أن يلذن به، فلا منافاة، فلا منافاة؛ يعني لو أن شخصًا عنده بنته، وعنده بنت أخيه، بنته تلُوذُ به، وبنت أخيه تتبعُه، فالأقرب من هؤلاء الخمسين الأربعون، وتقدّم إشارة إلى أن الأربعين في بداية العلامة، والخمسين في نهايتها، يعني في أول الأمر يكون العدد أربعين، وفي نهاية الأمر يكون العدد خمسين.

المقدم: خمسون.

الموضع الرابع: في كتاب الأشربة، في باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90].

المقدم: تفلحون.

 يقول: قال حدّثَنَا مُسلم وإبراهيم، قال: حدّثَنَا هشام، قال: حدّثَنَا قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا لا يُحدّثَكُم غيري قال: فذكره.

ومناسبة ذكر الخمر لكتاب الأشربة مناسب جدًّا.

المقدم: ويُشرب الخمر.

وذلك لأن الأشربة منها ما يحل، وما يحرم، وهذا الباب في النوع الثاني، ومناسبة الحديث للباب ظاهرة؛ حيث نُص فيه على شرب الخمر.

الموضع الخامس: في كتاب الحدود، باب إثم الزناة وقول الله تعالى: {وَلا يَزْنُونَ}  [الفرقان:68]، {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32].

قال: حدّثَنَا داود بن شبيب قال: حدّثَنَا همام عن قتادة قال: أخبرنا أنس قال: لأُحَدِّثَنَّكُم حديثا لا يُحدّثكُمُوه أحدٌ بعدي سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تقوم الساعة» وإما قال: «من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا». باب اسم الزناة مناسبٌ جدًّا لكتاب الحدود؛ لأن الزنا موجب للحد، ومناسبة الحديث للباب ظاهرة أيضًا؛ للتنصيص على ظهور الزنا.

نعم.

المقدم: قال -رحمه الله- عن ابن عُمر -رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربتُ حتى إنّي لأرى الرِّيَّ يخرج في أظفاري ثم أعطيتُ فضلي عُمر بن الخطاب قالوا: فما أَوَّلتُهُ يا رسول الله؟ قال: العلم».

هذا الحديث راويه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وقد سبق التعريف به. والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب فضل العلم. يقول -رحمه الله تعالى-: باب فضل العلم وفي أول كتاب العلم، في أول الكتاب.. أول ترجمة في كتاب العلم؟

المقدم: باب فضل العلم.

نعم.

المقدم: باب فضل العلم.

نعم، في أول ترجمة باب فضل العلم وقول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}[المجادلة:11]. وسبق الكلام على هذه الترجمة. فهل هذا تكرار؟ هناك باب فضل العلم وهنا باب فضل العلم، هناك أورد

المقدم: حديث أبي هريرة.

أين؟

المقدم: في أول الباب.

نعم، أورد ماذا؟

المقدم: الآية {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}[المجادلة:11].

أورد آية أم آيتين؟

المقدم: أو آيتين.

أورد آيتين، لكن أورد حديث..

المقدم: بعده أورد حديث أبي هريرة.

أين؟

المقدم: أو في باب آخر يا شيخ.

أي حديث؟

المقدم: «بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابيّ، فقال: متى الساعة؟»

باب من سُئل علمًا وهو مشتغل بالحديث، هذا باب ثانٍ. تلك الترجمة ليس فيها أحاديث.

المقدم: أيضًا أورد فيها آيات..

 إنما اقتصر على الآيتين، وهذه الترجمة أورد فيها حديث عُمر في الرؤية، حديث ابن عمر في الرؤية.

المقدم: صحيح نحن نبهنا عند تلك الحلقة أن الذي قام بالتحقيق أورد الحديث تحت هذا الباب، وهذا خطأ؟

نعم، باب فضل العلم في أوّل

المقدم: كتاب العلم.

 كتاب العلم.

الأخ الحاضر: أي باب أورد عليه حديث الخمر؟

المقدم: هذا الباب، باب فضل العلم.

الأخ الحاضر: الأول؛ الترجمة الأولى.

المقدم: نعم، والمفترض يا شيخ كما تفضلتم أن يأتي بالآيتين تحت هذا الباب، ثم يأتي بباب من سُئل عن علم فكتمه.

باب من سُئل علم، وهو مشتغل في حديثه؛ فأتم الحديث.

المقدم: فأتم.

 ثم أجاب السائل.

المقدم: نعم ويورد تحته.

يعني الحديث حديث أبي هريرة لا علاقة له بالباب.

المقدم: بهذا الباب، صحيح.

 الباب الأول أورد فيه الآيتين، ولم يورد فيه حديثًا. وهذا الباب أورد فيه حديث ابن عمر في الرؤيا.

المقدم: صحيح

فهل في هذا تكرار؟ هل يُمكن أن يقال: مثل هذا تكرار؟ لا ينبغي أن يكون؟ وليس هذا من دقة التأليف أن يترجم ترجمتين بلفظ واحد؛ فإما أن يضيف هذا الحديث..

المقدم: إلى ذاك الباب.

 إلى ذلك الباب.

المقدم: أو أن يأتي بذاك الباب بآياته هنا.

نعم هنا، مع أن المناسب أن ينقل الأحاديث هناك. هذا على القول بثبوت الترجمة في الموضعين، ننظر ما قاله أهل العلم.

يقول: الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب فضل العلم، وسبق أن ترجم الإمام -رحمه الله تعالى- في أول كتاب العلم بقوله: باب فضل العلم. قال ابن حجر: الفضل هنا بمعنى الزيادة؛ أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة؛ فلا يُظن أنه كرَّره. ظاهر؟

المقدم: جميل.

يقول: الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى فضله عمر بن الخطاب أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم..

المقدم: فضيلة.

نعم، {يَرْفَعِ اللَّهُ}[المجادلة:11]، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، يدل على فضل العلم؛ فضيلة العلم، بمعنى الفضيلة فلا يظن أنه كرره.

المقدم: وهذا القائل به ابن حجر؟

نعم قاله ابن حجر، لكن هل تُرِك؟

المقدم: العَينِي لن يتركه.

نعم، تَعَقَّبَهُ العَينِي بقوله: لم يبوب البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الباب؛ لبيان أن الفضل بمعنى الزيادة، ولم يقصد به الإشارة إلى معناه اللغوي؛ بل قصده من التبويب بيان فضيلة العلم، ولاسيما الباب من جملة أبواب كتاب العلم؛ فإن كان القائل أخذ ما قاله من قوله -عليه السلام- في الحديث «ثم أعطيتُ فضلي عُمر بن الخطاب»؛ فإنه لا دخل له في الترجمة؛ فإنها ليست في بيان إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فضله لعمر- رضي الله عنه-؛ وإنما ترجمته في بيان فضل العلم، وشرف قدره، واستنبط البخاري بأن إعطاءه-عليه السلام- فضله لعمر عبارة عن العلم، وهو عين الفضيلة؛ لأنه جزء من النبوة، وما فضل عنه -عليه السلام- فضيلة وشرف، وقد فسّره بالعلم؛ فدل على فضيلة العلم. يتأمل في كلام الشيخين؛ لأن.. قد يكون...

الأخ الحاضر: هذا الكلام لابن حجر عارٍ عن التعليق، أما كلام العيني ففيه تعليق بصرف النظر عن..

لا لا، ابن حجر يقول: الفاضل هنا بمعنى الزيادة، من أجل ماذا؟ ابن حجر ما الذي دعاه أن يقول هذا الكلام؟

المقدم: اللفظ في الحديث.

لا... ليدفع مسألة التكرار.

الأخ الحاضر: لكن تعليل العيني أيضًا قوي.

بلا شك، لكن الكلام الفصل في الموضوع يعني هل توجد الترجمة السابقة أو لا توجد؟ الآن الحافظ ابن حجر كلامه على أساس أن الترجمتين موجودتان.

المقدم: نعم.

 يقول الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة؛ فلا يظن أنه كرره، وهذا توجيه لإعادة الترجمة مرة ثانية، لئلا يُظن أنه تكرار، وهذه صيانة للصحيح من قبل ابن حجر، صيانة للصحيح من قبل ابن حجر. العَينِي وكلامه لا شك أنه له وجه، يقول: لم يبوب البخاري-رحمه الله تعالى- لبيان أن الفضل بمعنى الزيادة، ولم يقصد به الإشارة إلى معناه اللغوي؛ بل قصده من التبويب بيان فضيلة العلم، ولاسيما الباب من جملة أبواب كتاب العلم؛ فإن كان القائل أخذ ما قاله من قوله– عليه السلام- في حديث: «ثم أعطيتُ فضلي عُمر بن الخطاب»هو أخذه من هذا؛ فإنه لا دخل له في الترجمة؛ فإنها ليست في بيان إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فضله لعمر -رضي الله عنه-؛ وإنما ترجمته في بيان شرف العلم، وشرف قدره، واستنبط البخاري بأن إعطاءه -عليه السلام- فضله لعمر عبارة عن العلم، وهو عين الفضيلة؛ لأن هذا ما دام فضلة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ إذًا هو موروث من النبي- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: «ولم يورثوا دينارًا».

نعم، إنما هو العلم.

المقدم: إنما هو العلم.

لأنه جزء من النبوة، إذًا أيضًا تواطؤ العلماء على إدراج هذا الحديث في مناقب عمر -رضي الله عنه- يدل على أن هناك فضلًا ومزيّة، والمزيّة ما اكتُسِبَت من اللبن لذاته، وإنما مما أُوِّل به اللبن، وهو العلم.

المقدم: صحيح.

 ولو كانت المزية للبن لكان أصحاب المواشي أسعد الناس بهذه المزية، إنما المزية لما أُوِّل به اللبن وهو العلم.

يقول: وهو عين الفضيلة؛ لأنه جزء من النبوة، وما فضل عنه -عليه السلام- فضيلة وشرف، وقد فسّره بالعلم فدلّ على فضيلة العلم. رد ابن حجر في الانتقاد بقوله: جرى على عادته في الدفع بالصدر، ودعواه أنه لا دخل له في الترجمة مردودة؛ فإن دخوله فيها ظاهر، ظاهر فيها مما قرّرَهُ وهو لا يشعر، فإن دخوله فيها ظاهر فيها مما قرّرَهُ وهو لا يشعر؛ الآن كلهم يدورون على هذه الفضلة.

المقدم: نعم هل هي الفضلة أو الفضيلة؟

على هذه الفضلة التي بقيت منه -عليه الصلاة والسلام- وأعطاها إلى عمر. كلهم يدورون على هذه؛ العَينِي يقول: «فأعطيت فضلي»، يقول: هذا لا دخل له في الترجمة، من أين تأتي الترجمة لولا هذه اللفظة التي يقول عنها العيني: لا دخل لها في الترجمة؟ هي المستمسك للجميع.

فقول العَينِي: إنه لا دخل لها بالترجمة، بل لها دخل في الترجمة.

المقدم: صحيح.

لكنها وإن كان كلام العَينِي وجيه بلا شك؛ لأن الترجمة إنما سيقت لبيان فضل العلم لا فضلة العلم.

المقدم: نعم.

 نعم سيقت لبيان فضل العلم لا لبيان فضلة العلم، وكلٌّ من فضل العلم وفضلة العلم مأخوذ من هذه الجملة؛ التي يقول العيني: إنه لا دخل لها في الترجمة.

يقول العَينِي في بيان وجه المناسبة بين البابين هذا الباب باب فضل العلم، والباب الذي قبله باب رفع العلم وظهور الجهل، يعني عندنا بابان؛ هذا الباب باب فضل العلم، والذي قبله.

المقدم: باب رفع العلم.

باب رفع العلم وظهور الجهل يقول: المناسبة بين البابين ظاهرةٌ؛ لأن المذكور في كل منهما العلم، هذا في فضله، وذاك في رفعه، في كل منهما العلم، ولكن في كل واحد بصفة من الصفات؛ ففي الأول بيان رفعه وفي هذا بيان فضله، ولا يقال: إن هذا الباب مكرر؛ لأنه ذكره مرة في أول كتاب العلم؛ لأننا نقول بأن هذا الباب بعينه ليس بثابت في أول الكتاب؛ لأننا نقول: هذا الباب بعينه ليس بثابت في أول الكتاب في عامة النسخ. هذا الذي يحل الإشكال.

المقدم: صحيح.

 هذا الذي يحل الإشكال،

المقدم: الذي هو عدم وجود.

 أما ما داروا عليه في أول الأمر ما..

المقدم: صحيح.

ولا يقال إن هذا الباب مكرر؛ لأنه ذكره مرة في أول كتاب العلم؛ لأننا نقول: هذا الباب بعينه ليس بثابت في أول كتاب العلم في عامة النسخ؛ ولئن سلمنا بوجوده هناك فالمراد التنبيه على فضيلة العلماء، وها هنا التنبيه على فضيلة العلم، وقد حققنا الكلام هناك كما ينبغي، وأنقل من كلامه هناك العيني. يعني لو أن العَينِي وابن حجر بدؤوا بهذا قالوا بأن الباب هناك الترجمة ليست موجودة هناك أصلًا، وعلى تقدير وجوده، كلام العَينِي نفيس الأخير هذا، يقول: ولئن سلمنا وجوده هناك فالمراد هناك التنبيه على فضيلة العلماء؛ لأنه ورد تحت الترجمة؟

المقدم: آيتان.

الآيتان وكلاهما في فضل..

المقدم: العلماء.

لكن {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، الأولى؟

المقدم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}[المجادلة:11].

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[المجادلة:11]، في فضل العلماء، لكن {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114] ؟

المقدم: أيضًا في طلب أن يزداد فضلًا.

إنما في فضيلة العلم؛ لأنه لا تُطلب الزيادة إلا من شيء فاضل، وأيضًا فضيلة العلماء إنما اكتسبوا هذه الفضيلة من فضل؟

الأخ الحاضر: العلم.

العلم. وها هنا التنبيه على فضيلة العلم، وقد حققنا الكلام هناك كما ينبغي، لكن أنقل شيئًا منه إن شاء الله تعالى. القسطلاني أشار إلى أن باب فضل العلم في الموضع الأول ثابت عند ابن عساكر، ثابت عند ابن عساكر؛ وإن كان في عامة النسخ لا يوجد.

يقول الكرماني في أول كتاب العلم: يقول الكرماني في أول كتاب العلم: فإن قلت: فما تقول فيما يترجم به بعد هذا بباب فضل العلم، وينقل فيه حديثًا يدل على فضل العلم؟ في الترجمة الأولى؛ الكلام في الترجمة الأولى يقول: فإن قلت: فما تقول فيما يترجم به بعد هذا بباب فضل العلم، وينقل فيه حديثًا يدل على فضل العلم؟ قلت: المقصود بذلك الفضل غير هذا الفضل؛ إذ ذاك بمعنى الفضيلة؛ أي الزيادة في العلم، وهذا بمعنى كثرة بمعنى كثرة الثواب عليه.

يقول: قلت المقصود بذلك الفضل غير هذا الفضل؛ إذ ذاك بمعنى الفضيلة أي الزيادة في العلم، وهذا بمعنى كثرة الثواب عليه. يقول العَينِي مُتَعَقِّبًا الكرماني: قلت: هذا فرق عجيب؛ لأن الزيادة في العلم تستلزم كثرة الثواب عليه، فلا فرق بينهما في الحقيقة، هناك ارتباط بين العلماء وبين العلم، فضل العلماء؛ إنما اكتسبوه من العلم. الزيادة يعني فضل الزيادة إنما جاء فضلها من فضل الأصل؛ لأن الزيادة من الفاضل فاضلة، والزيادة من المفضول مفضولة؛ فالكلام هنا كله يدور على مجرد توجيه تكرار الباب في الموضعين؛ لكن الذي يحسم المسألة أنه لا يوجد في كثير من النسخ في الموضع الأول، وينتهي الإشكال.

يقول العَينِي: قلت: هذا فرق عجيب؛ لأن الزيادة في العلم تستلزم كثرة الثواب عليه، فلا فرق بينهما في الحقيقة، والتحقيق في هذا الموضع -هذا كلام العيني- والتحقيق في هذا الموضع أن لفظ باب العلم لا يخلو إما أن يكون مذكورًا هاهنا؛ يعني في الموضع الأول، وبعد باب رفع العلم، وظهور الجهل على ما عليه بعض النسخ أو يكون مذكورًا هناك فقط، يعني هل التردد بين أن يكون مذكورًا في الموضعين أو في موضع فقط؟ فإن كان الأول فهو تكرار في الترجمة بحسب الظاهر؛ لأن كلاًّ من الترجمتين باب فضل العلم. يقول: فإن كان الأول فهو تكرار في الترجمة بحسب الظاهر، وإن كان الثاني فلا يحتاج إلى الاعتذارات المذكورة لسنا بحاجة إليها؛ مع أن الأصح من النسخ هو الثاني؛ لأن الترجمة غير موجودة في الموضع الأول؛ وإنما المذكور ها هنا كتاب العلم -يعني الموضع الأول- كتاب العلم، وقول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، الآية، ولئن صح وجود باب فضل العلم في الموضعين فنقول: ليس بتكرار فهو قرّر أنه تكرار.

المقدم: هنا يقول ليس بتكرار.

لأنه يقول: فإن كان الأول فهو تكرار في الترجمة بحسب الظاهر، ثم قال بعد ذلك: ولئن صح وجود باب فضل العلم في الموضعين فنقول: ليس بتكرار، كلامه فيه تعارض أو تناقض؟

المقدم: لأنه قال هناك: تكرار في الظاهر.

يعني بحسب الظاهر والثاني يعني في الباطن وحقيقة الأمر؟

المقدم: ليس فيه تكرار.

ليس فيه تكرار، فلا تعارض بين كلاميه. ولئن صح وجود باب فضل العلم في الموضعين فنقول: ليس بتكرار؛ لأن المراد من باب فضل العلم هنا التنبيه على فضيلة العلماء بدليل الآيتين المذكورتين؛ فإنهما في فضيلة العلماء، والمراد من باب فضل العلم هناك التنبيه على فضيلة العلم فلا تكرار حينئذٍ؛ يعني مثل هذا الكلام يُحتاج إليه لرفع..

المقدم: الإشكال.

الإشكال. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: باب فضل العلماء، قلت: بيان فضل العلم يستلزم بيان فضل العلماء؛ لأن العلم صفة؛ لأن العلم صفة قائمة بالعالم؛ فذكر بيان فضل الصفة يستلزم بيان فضل من هي قائمة به.

المقدم: نعم العلماء؟

بلا شك؛ يعني أنت إذا مدحت الكرم تمدح الصفة المجردة.

المقدم: لا.

 أو أن تمدح من اتصف بهذه الصفة؟

المقدم: صحيح.

نعم، وكذلك العلم وبقية الصفات المعنوية. يقول على أنا نقول: إن لم يكن المراد من هذا الباب بيان فضل العلماء لا يطابق.. على أنا نقول: إن لم يكن المراد من هذا الباب بيان فضل العلماء لا يطابق ذكر الآيتين المذكورتين في الترجمة، ولهذا قال الشيخ قطب الدين -رحمه الله- في شرحه بعد الآيتين، (ش) كيف شين؟

المقدم: شرح.

شرح نعم؛ لأنهم في المتون يكتبون "ص"، نعم يكتبون "ص" ثم بعدها "ش"؛ يأتون بالمتن "ص"، ويصدرون الشرح ب "ش"؛ لأن هذا نص أو كلام المُصَنِّف، أو المُصَنَّف وهنا الشرح.

المقدم: الشرح.

 جاء في الآثار أن درجات العلماء تتلو درجات الأنبياء، والعلماء ورثة الأنبياء؛ ورثوا العلم، وبينوه للأمة، وحموه من تحريف الجاهلين إلى آخره، المقصود أنه في بيان فضل العلماء؛ لأنه إن قلنا في بيان فضل العلم، فالعلم صفة معنوية لا تستقل، لا تستقل لكنها إنما تتبين بالمتصف بها.

المقدم: نعم.

نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونسأل الله تعالى أن يُعلمنا وإياكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يُزيدنا وإياكم جميعًا علمًا وعملًا؛ إنهُ جوادٌ كريم. 

أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بإذن الله حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.