شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (039)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: توقفنا عند قول المؤلف:

"عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسْوَدُّوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية؟»."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الحادي والعشرين من أحاديث المختصَر، وهو الثاني والعشرين من أحاديث الصحيح، وأما الحادي والعشرين من أحاديث الصحيح وهو حديث أنس: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان» كرره الإمام -رحمه الله تعالى-، وقد مضى برقم ستة عشر، وراوي الحديث أبو سعيد تقدم في الحديث التاسع عشر.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري رحمه الله تعالى بقوله: باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال أي: بسبب الأعمال، تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، أي: بسببها، يقول ابن حجر: وجه مطابقة الحديث للترجمة ظاهر، وأراد بإيراده الرد على المرجئة؛ لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود، فهو يرد بهذا على المرجئة؛ لأن المذكور الذي أُدخِل النار بسبب معاصيه، فضرته المعاصي مع وجود أصل الإيمان.

وفيه أيضًا رد على المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: «أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» يعني: أقل الإيمان، مع ارتكابه لما يوجب دخول النار، المناسبة لا شك أنها ظاهرة من جهة أن بعض أهل الإيمان معه من الإيمان مثقال ذرة، أو مثقال حبة من خردل، يعني وبعضهم من معه أكبر من ذلك، حتى إن منهم من معه أمثال الجبال من الإيمان، كما دلت على ذلك النصوص، فأهل الإيمان متفاوتون في إيمانهم، يقول العيني: مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وهي أن المذكور فيه هو أن القليل جدًّا من الإيمان يخرج صاحبه من النار، والتفاوت في شيء فيه القلة والكثرة ظاهر، وهو عين التفاضل، يعني الذي ترجم به الإمام -رحمه الله تعالى­-، لا يقال: الحديث إنما يدل على تفاضلهم في ثواب الأعمال لا في نفس الأعمال؛ إذ المقصود منه بيان أن بعض المؤمنين يدخلون الجنة أول الأمر، وبعضهم يدخلون آخرًا، فيدل ذلك على التفاوت أيضًا.

يقول الحافظ زين الدين ابن رجب -رحمه الله تعالى-: هذا الحديث نص في أن الإيمان الذي في القلوب يتفاضل، فإن أريد به مجرد التصديق ففي تفاضله خلاف سبق ذكره، وإن أريد به ما في القلوب من أعمال الإيمان كالخشية والرجاء والحب والتوكل ونحو ذلك فهو متفاضل بلا نزاع، ونقل -رحمه الله تعالى- في أوائل الكتاب عن محمد بن نصر المروزي في كتابه العظيم "تعظيم قدر الصلاة" أن التصديق يتفاوت، وحكاه عن الحسن والعلماء، وهذا يُشعِر بأنه إجماع عنده، ومما يدل على ذلك ما روى ابن وهب قال: أخبرنا عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن عبد الله بن عمرو عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إن الإيمان ليَخْلَق في جوف أحدكم كما يَخْلَق الثوب الخَلِق، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» خرَّجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

فمناسبة الحديث للترجمة على ما ذكر الشراح وأطبقوا على أنها ظاهرة، ومناسبة الباب لكتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال لا تحتاج إلى التماس.

قوله: «يدخل أهل الجنة الجنة» أي فيها، وعبَّر بالمضارع العاري عن سين الاستقبال المتمحِّض للحال لتحقق وقوع الدخول، وللدارقطني من طريق إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري وغيره: «يُدخِل الله» وزاد من طريق معن: «يُدخِل الله من يشاء برحمته» وقد يضاف الفعل لغير الفاعل لظهوره وعدم الالتباس؛ كما يقال: مات زيد، والذي أماته هو الله -سبحانه وتعالى-.

المقدم: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [سورة الأنعام 61].

{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [سورة الأنعام 61] نعم، المقصود أنه عند عدم اللبس يجوز ذلك.

«ويدخل أهل النارِ النارَ» أي: ثم بعد دخولهم فيها يقول الله تعالى للملائكة: «أخرجوا» بهمزة قطع مفتوحة، أمر من الإخراج، وجوز العيني أن يكون: اُخرجوا بضم الهمزة، أمر من الخروج، فعلى هذا يكون (مَن) منادى، حذف حرف النداء، والتخريج: اخرجوا يا من كان في قلوبهم مثقال... إلى آخره، زاد في رواية الأصيلي: «من النار».

و(ثم) قال العيني: ها هنا واقعة في موقعها، وهو الترتيب مع المهلة، «ثم يقول الله تعالى: أخرجوا» وليس ذلك في الحال، يعني: للتعقيب مجرد ما يدخلون ثم يقال لهم: اُخرجوا، أو أَخرجوا، بل هم يمكثون في النار على قدر ذنوبهم ومعاصيهم.

«مَن كان في قلبه» (مَن) موصولة، والجملة صلتها، والمراد مَن كان في قلبه زيادة على أصل التوحيد مثقال حبة، ويشهد لهذا قوله: «أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن كذا» يعني زيادة على قول: لا إله إلا الله، أي مقدار حبة، وكون من كان في قلبه مثقال حبة من خردل زائد على أصل التوحيد، هذا تواطأ عليه الشراح، ذكره النووي وابن حجر والقسطلاني وغيرهم، وأيضًا ابن رجب -رحمه الله تعالى-، والحبة بفتح الحاء واحدة الحب المأكول من الحنطة وغيرها، وهو إشارة إلى ما لا أقل منه، قال الخطابي: هو مَثَل ليكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن؛ لأن ما يُشكِل في المعقول يُرَدُّ إلى المحسوس ليُفهَم، هو مَثَل؛ لأن الأعمال أعراض وليست أجسام فكيف توزن؟ يقول الخطابي: هو مَثَل ليكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن؛ لأن ما يشكل في المعقول يُرَدُّ إلى المحسوس ليُفهَم، قال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال، وقال غيره: يجوز أن تُجَسَّد الأعراض فتوزن، وهذا هو ظاهر النصوص، وهذا هو الذي يدل عليه الظاهر، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقول فيه، قد يقول قائل: كيف توزن الصلاة؟ كيف توزن الزكاة؟ كيف يوزن الصيام وهكذا؟ نقول: ما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقول فيه، والقدرة الإلهية لا تعجز عن أن تجسد هذه الأعراض، والخلاف بين أهل العلم فيما يوزن هل هو العمل أو صاحبه أو هما معًا؟ يُستنَد في ذلك على النصوص «يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» دل على أنه يوزن، وساقا ابن مسعود رغم حُمُوْشِهِما ودِقِّتهما هما عند الله أثقل من جبل أحد، جاءت النصوص بذلك، وجاء ما يدل على وزن الأعمال، وجاء ما يدل على وزن صاحب العمل، وقال النووي: المثقال وزن مقدَّر الله أعلم بقدْره، والخردل نبات معروف يُشبَّه الشيء القليل البليغ في القِلَّة بذلك، يعني بالخردل.

«من إيمان» بالتنكير ليفيد التقليل، والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي لا لأن الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كافٍ «من إيمان» هل نقول: هذه تبعيضية فيكفي بعض الإيمان؟ «من إيمان» قالوا: هنا التنكير يفيد التقليل، والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي، يعني المطلوب أصله لدخول الجنة ولو في المآل، لا لأن الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كافٍ؛ لأنه عُلِم من عرف الشرع أن المراد من الإيمان الحقيقة المعهودة، المراد من الإيمان الحقيقة المشتملة على الأركان الستة، وما يتطلَّبه هذا الإيمان من شرائط، من آمن بالله ولم يؤمن برسله ولا كتبه هل نقول عنده شيء من الإيمان؟ هو آمن هل نقول إن هذا عنده شيء من الإيمان؟ شيء قليل من الإيمان؟ أو نقول لا بد من الإيمان المعهود في الشرع، المعتبر شرعًا بأركانه الستة، وما تتطلبه هذه الأركان من شرائط؟

المقدم: لا بد من اكتماله.

لا بد من اكتماله، فتقليل هذا الإيمان باعتبار ما يقويه وما يضعفه، وإن كانت حقيقته لا بد من تكاملها، لا نقول: إن من آمن بالله ولم يؤمن برسله عنده شيء من إيمان، لا، من آمن بالرسل ولم يؤمن بالكتب عنده شيء من الإيمان؟ لا؛ لأن هذا إيمان وجوده مثل عدمه كَلاَ إيمان؛ لأن هذه الستة مجتمعة هي أركان الإيمان التي وردت في النصوص.

في رواية الأصيلي والحُمَّوِي والمستملي: "من الإيمان" بالتعريف، وفي فتح المبدي: وقيل: الذي يوزن خواتيم العمل، فمن كانت خاتمة عمله حسنة جُوزي بخير، ومن كانت خاتمته شرًّا جُوزي بشر، وفي رواية: «من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير» أي زيادة على أصل التوحيد على ما تقدم، فإن المراد بالخير الأعمال الصالحة كذِكْر خفي، وشفقة على مسكين، وخوف من الله، ونية صادقة في عمل، قد يشتهر الإنسان بالفسق والفجور، فلا يترك محظورًا إلا ارتكبه، ويترك المأمورات، ومع ذلك يُختَم له بخير، أو يكون عنده سر بينه وبين ربه، قد يدخل به الجنة كالبغي التي سقت الكلب محتسبة في ذلك الأجر من الله -سبحانه وتعالى- شكر الله لها فغفر لها.

يقول: فإن المراد بالخير الأعمال الصالحة كذكر خفي، وشفقة على مسكين، وخوف من الله، ونية صادقة في عمل، الذي أزال الشوك من الطريق في طريق الناس غُفِر له، والتي سقت الكلب على ما ذكرنا غُفِر لها، وهذا في الحديث الصحيح، وهي بغي، فإن قيل: كيف يعلمون، يعني الملائكة، ما كان في قلوبهم في الدنيا من أمر الإيمان ومقداره؟ لأن الإيمان في القلوب، كيف يعلم الملائكة مقدار هذا الإيمان الذي في القلوب؟ قلتُ يقول النووي، هذا كلام النووي ونقله عنه الشرقاوي وغيره: لعله بعلامات، يعرفون ذلك بعلامات كما يعلمون أنهم من أهل التوحيد بدارات السجود، علامات السجود تدل على أن الرجل من أهل التوحيد، فهؤلاء يُجعَل لهم علامات، ومعروف أن النار تأكل كل شيء إلا موضع السجود.

يقول القسطلاني: استنبط الغزالي من قوله: «أخرجوا من النار من كان في قلبه...» إلى آخره، نجاة من أيقن بالإيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، قال: وأما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإيمان بقلبه فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة فلا يُخلَّد في النار، وهذا بناء على رأيه في أن تارك الصلاة ليس بكافر، فإذا طُلِب منه أن ينطق بالشهادة فرفض شأنه في ذلك مثل شأن من طُلِب منه أن يصلِّي فرفض، مَن يكَفِّر تارك الصلاة يقول بكفر هذا من باب أولى.

المقدم: لكن اليقين الذي قصده ما هو؟

يقين في قلبه.

المقدم: مثلاً أبو طالب، أبو طالب طُلِب منه أن يؤمِن ولكنه رفض مع يقينه وعلمه بأن دين محمد -عليه الصلاة والسلام- هو الحق، هل يدخل في كلام الغزالي؟

لكنَّه صرح أنه يموت على مِلَّة عبد المطلب أبو طالب.

لا نوافق الغزالي على ما قال، يعني تقدم في أوائل شرح كتاب الإيمان أن النطق شرط لصحة الإيمان؛ لأن حقن الدم إنما عُلِّق على النطق، قال -عليه الصلاة والسلام-: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» فعُلِّق حقن الدم على النطق.

هنا يقول الغزالي حينما استنبط من قوله: «أخرجوا من النار من كان في قلبه» استنبط نجاة من أيقن بالإيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، إذا حال الموت بين النطق، يعني في الدنيا يعامَل معاملة الكفار على القول المعتمد؛ لأنه لم ينطق، وما يدرينا على الذي في قلبه، هذا بينه وبين ربه في الآخرة مآله إلى ربه.

قال: وأما من قَدِر على النطق ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإيمان بقلبه فيحتمل أن يكون امتناعه بمنزلة امتناعه عن الصلاة فلا يخلَّد في النار، وهذا عرفنا أنه على مذهبه في عدم تكفير تارك الصلاة، ويحتمل خلافه، ورجَّح غيره الثاني، الثاني أنه لا يكون مثل تارك الصلاة حتى عند من يقول بعدم كفر تارك الصلاة أنه يُحكَم بكفره، إذا تمكَّن من النطق وطُلِب منه وامتنع، قال: فيُحتاج إلى تأويل قوله: «في قلبه» فيُقدَّر فيه محذوف تقديره: مُنْضَمًّا إلى النطق به، يعني لا بد أن نقدر مُنْضَمًّا إلى النطق به مع القدرة عليه. ومنشأ الاحتمالين -وهذا في القسطلاني- منشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإيمان شرط، في القسطلاني شطر، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإيمان شرط، فلا يتم الإيمان إلا به، وهو مذهب جماعة من العلماء، واختاره الإمام شمس الدين وفخر الإسلام، أو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وهو مذهب جمهور المحققين، وهو اختيار الشيخ أبي منصور، والنصوص معاضدة لذلك، قاله المحقق التفتازاني، هذا عند القسطلاني، وما ذكره من الغزالي وشمس الدين وفخر الإسلام وأبو منصور الماتريدي، وما قاله عن التفتازاني ووصفه بأنه محقق لا يُسلَّم له بجميع ما قال.

وتقدم البحث في مسألة من وَقَرَ الإيمان في قلبه ولم ينطق بدليله، فلا نحتاج إلى إعادته، يقول الكرماني: فإن قلت: هل يجوز أن يتعلَّق بفعل واحد حرفا جر من جنس واحد؟ وهو الكلمة الابتدائية، يعني من خردل ومن إيمان، هل يتعلق من خردل ومن إيمان بمتعلَّق واحد؟ يجوز ذلك أو لا يجوز؟ يقول الكرماني: قلت: لا يجوز، ومن خردل متعلِّق بحاصلة، أي حبة حاصلة من خردل، ومن إيمان متعلِّق بحاصل آخر، أو بقوله: «من كان».

«فيُخرَجون منها» أي: من النار، حال كونهم «قد اسْوَدُّوا» أي صاروا سُوْدًا كالحمم من تأثير النار.

المقدم: يُخرَجون، في نسختنا: يَخرُجون يا شيخ.

«أَخرجوا»، عندك «أَخرجوا» أو «اُخرجوا»؟

المقدم: عندنا في النسخة: «أَخرجوا» وهنا: «فيَخرُجون».

«أَخرجوا» إذًا: يُخرَجون، أما على الرواية الأخرى: «اُخرجوا» على هذا: يَخرُجون.

«فيُخرَجون منها» أي من النار حال كونهم «قد اسْوَدُّوا» أي صاروا سُوْدًا كالحمم من تأثير النار، «فيُلقَون» بضم المثناة التحية مبنية للمفعول «في نهر الحيا» النهْر والنهَر بفتح الهاء وسكونها لغتان، الفتح أفصح، وبه جاء القرآن الكريم، والحيا مقصور، قاله النووي يقول الخطابي: في هذا الحديث الحيا المطر، وقال ابن حجر: الحياء -يعني بالمد- كذا هو في هذه الرواية بالمد، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابي وعليه المعنى؛ لأن المراد كل ما تحصل به الحياة، والحيا بالقصر هو المطر، وبه تحصل حياة النبات فهو أليق، بمعنى الحياة من الحياء المدود الذي هو بمعنى الخجل.

المقدم: كريمة "ولكريمة" من هو يا شيخ؟ ولكريمة وغيرها بالقصر.

أي نعم، الحيا، كريمة ما بها؟ إحدى الرواة، من رواة الصحيح، كريمة بنت أحمد المروزية، مشهورة.

اعتمد صاحب المختصَر -الذي هو مَن؟ الزبيدي- ما علَّقه المصنِّف عن وهيب بعد رواية الحديث علَّق المصنف -رحمه الله تعالى- عن وهيب قال: حدثنا عمرو: "الحياة" يعني بالجزم من غير تردد؛ لأنه في أصل الحديث عند الإمام البخاري الحياء أو الحياة شكَّ مالك، شكٌّ من مالك، لكن المختصِر: «فيُلقَون في نهر الحياة» اعتمد الحياة دون الحياء، وهو النهر الذي من غُمس فيه حيي، وشك مالك في الحياء أو الحياة على ما ذكرنا. «فيَنبُتون ثانيًا كما تنبت الحِبَّة» بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحدة، قال أبو حنيفة الدِّيْناوَرَي: الحِبَّة جمع بُزُوْر النبات، واحدتها حَبَّة بالفتح، وأما الحَبُّ فهو الحنطة والشعير، واحدتها بالفتح، وإنما افترقا في الجمع، الآن لو قال: قال أبو حنيفة دون قوله الدِّيْناوَرَي وساق الكلام، نحتاج أن نقول الدِّيْناوَرَي، يعني لو جاء بلفظ غريب وقال: قال أبو حاتم، وشرح كلمة غريبة لغة، هل يحتمل أنه الرازي؟ هم يقولون: قال أبو حاتم في كتب الشروح كلها، لا يحتمل أنه أبو حاتم، فالقول يحدِّد القائل، نجزم بأنه أبو حاتم السجستاني، هنا لما قال: قال أبو حنيفة الحِبَّة جمع بُزُور النبات يحتمل أنه أبو حنفية الإمام؟

المقدم: لا.

لا، لا بد أن نقول: الدِّيْناوَرَي؛ لأنه له اهتمام بهذه الأمور، فننتبه لمثل هذا؛ لأنهم أحيانًا يقولون: الاسم المشترك أو الكنية المشتركة أو النسبة المشتركة والقول يحدِّد القائل، فلا نحتاج أن نقول: قال أبو حنفية الدِّيْناوَرَي في مواضع أخرى، لكن التنبيه على هذا طيِّب.

وقال أبو المعالي: الحِبَّة بالكسر بُزُور الصحراء مما ليس بقُوْت، وفي شرح النووي: الحِبَّة بكسر الحاء وتشديد الباء، والجمع حِبَب، بكسر الحاء، وتخفيف الباء، كقِرْبَة وقِرَب، حِبَّة وحِبَب، قِرْبَة وقِرَب، وهي اسم لبزر العشب هذا هو الصحيح، هذا عند النووي، وقيل أقوال كثيرة، والتشبيه يقع بالحِبَّة من وجهين: من حيث الإسراع، يعني في النبات، ومن حيث ضعف النبات أيضًا، وسيأتي مفصل في كلام ابن رجب وغيره.

المقدم: البزور -أحسن الله إليك- غير البذور؟ بالزاي غيرها بالذال؟

البزر غير البذر، ويأتي ما يوضح -إن شاء الله تعالى-.

في شرح القسطلاني: أنها البقلة الحمقاء لأنها تَنْبُت سريعًا، وفي فتح المبدي: أن البقلة الحمقاء هي الرِّجْلَة بكسر الراء وبالجيم؛ لأن شأنها أن تنبت سريعًا في جانب المسيل فيتلفها السيل، ثم تموت فيتلفها، ولذا سميت بالحمقاء؛ لأنها لا تمييز لها في اختيار المَنْبَت، طيب غيرها له تمييز؟ غيرها من النباتات له تمييز؟ ليس له تمييز، لكن نباتها في هذا الموضع شُبِّهَت بالأحمق، وإلا كل النباتات لا تمييز لها.

في نهاية الأرَب للنويري: وأما البقلة الحمقاء التي هي البُرْسَى، وتسمى الرِّجْلَة، والرِّجْلَة معروفة، قال ابن رجب: الحِبَّة بكسر الحاء أصول النبات والعشب، وقد قيل: إنها تنزل مع المطر من السماء، كذا قاله كعب وغيره، وقد ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب المطر، وذكر فيه آثارًا عن الأعراب، عامة الناس، يوجد وردة أو زهرة صغيرة جدًّا حمراء يقولون: هذه ماذا؟ بنت المطر، يسمونها بنت المطر، فلعله قريب مما ذكره ابن أبي الدنيا عن الأعراب، وما نقله عن كعب أنها تنزل مع المطر من السماء، والله المستعان.

المقدم: أحسن الله إليكم، حقيقة هناك بعض المسائل الكثيرة في هذا الحديث وخصوصًا في تفصيلاته نرجئ الحديث عنها -بإذن الله- مع فضيلة الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في حلقة الأسبوع القادم -بإذن الله-.

مستمعي الكرام، لي بكم لقاء -بإذن الله تعالى- في حلقة الأسبوع القادم، حتى ذلكم الحين أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.