شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 20

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.   

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أبي هريرة– رضي الله عنه–  في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتُصدق عليه فليُكفِّر، أشرتم في حلقات مضت إلى أن بعض أهل العلم استنتج واستنبط من هذا الحديث ما يربوا على ألف فائدة.

كنا توقفنا على وعد الإخوة والأخوات بذكر بعض هذه الفوائد مع ما مر في أكثر من عشر حلقات ماضية.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذكرنا من الفوائد: رفق النبي– عليه الصلاة والسلام– بالمتعلم، وتلطفه في التعليم، والتألف على الدين؛ لأن المعاملة لاشك أنها تجلب المودة، حُسن المعاملة يجلب المودة بخلاف سوء المعاملة تنفِّر، والنبي– عليه الصلاة والسلام– دعا الناس بأقواله وأفعاله وهكذا ورَّاثه من الدعاة والعلماء والصحابة قبل ذلك تفرقوا في الأمصار ودخل جموعٌ غفيرة من الأمم والشعوب بمجرد رؤية الصحابة حُسن تعاملهم، فعلى الإنسان أن يكون قدوة يدعو الناس إلى دين الله، ويجمعهم على كلمة الحق، وألا يكون فظًّا غليظًا ينفِّر الناس، والله– جل وعلا– يقول لنبيه– عليه الصلاة والسلام–: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، فالرفق الرفق «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما فُقد من شيء إلا شانه».

فالتلطف أمرٌ لابد منه، والمداراة قد يُحتاج إليها أحيانًا، فالنبي– عليه الصلاة والسلام– قال لشخص: «بئس أخو العشيرة» ثم بعد ذلك انبسط معه وألان له القول.

فيه الرفق بالمتعلم، والتلطف في التعليم، والتألف على الدين، والندم على المعصية، هذا جاء نادمًا قال: هلكت.

المقدم: والنبي– صلى الله عليه وسلم– قال: «أين المحترق؟».

وفي رواية: احترقت، ولاشك أنه نادم على ما فعل ومستشعر الخوف من الله– جل وعلا–.

وقال العيني: فيه أن من جاء مستفتيًا فيما فيه الاجتهاد دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزيرٌ ولا عقوبة كما لم يعاقب النبي– عليه الصلاة والسلام– الأعرابي على هتك حرمة الشهر قاله عياض، قال: لأن في مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه، قال: ولأنه لو عوقب كل من جاء، لم يستفتِ أحدٌ غالبًا عن نازلةٍ مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود، ولا شُبه يُدرأ من أجلها، فإنه لابد من إقامته لاسيما إذا كان المستفتى السلطان ومن في حكمه؛ لأن الحد بلغه.

وقد بوَّب الإمام البخاري– رحمه الله تعالى– في كتاب المحاربين: باب من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه دون الحد، بهذا القيد. وجاء في الخبر: وإذا بلغت الحدود السلطان فعفا، فلا عفا الله عنه. في حديث أسامة: «أتشفع في حد من حدود الله؟». إذا بلغت السلطان فلا شفاعة.

بوَّب الإمام البخاري في كتاب المحاربين: باب من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد أن جاء مستفتيًا، وفي رواية أبي ذر: مستعتبًا، ثم قال البخاري: وقال ابن جريج: ولم يعاقب الذي جامع في رمضان– وهذا يأتي ذكره في الأطراف– فإن قلت: وقع في شرح السنة للبغوي: أن من جامع متعمدًا في رمضان فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة ويُعزَّر على سوء صنيعه. قال العيني: هذا محمولٌ على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة.

وفي الحديث أيضًا: إعانة المعسر في الكفارة، وعليه بوَّب البخاري في النذور– على ما سيأتي–.

وفيه أيضًا: إعانة المعسر في الكفارة؛ لأن النبي– عليه الصلاة– قال: «خذ هذا فتصدق به»، ظاهره الإعانة.

وفيه إعطاء القريب من الكفارة، وبوَّب عليه البخاري أيضًا وسيأتي ما فيه هل هذه كفارة أو صدقة، وتقدمت الإشارة إلى أنها ليست كفارة. وفيه أن الهبة والصدقة لا يُحتاج فيهما إلى القبول باللفظ.

لما قال النبي– عليه الصلاة والسلام–: «خذ هذا فتصدق به» ما قال: قبلت، بل مجرد الأخذ يعتبر قبولًا.

وفيه أن الهبة والصدقة لا يُحتاج فيهما إلى القبول باللفظ، بل القبض كافٍ، وعليه بوَّب البخاري أيضًا. وفيه أن الكفارة لا تجب إلا بعد نفقة من تجب عليه، وقد بوَّب عليه البخاري أيضًا في النفقات.

ابدأ بنفسك ثم من تعول، والواجبات في الشرع إنما هي بعد الواجبات الأصلية من النفقات: نفقته ونفقة زوجته ورقيقه وولده ومن تجب عليه النفقات.

وفيه جواز المبالغة في الضحك عند التعجب؛ لقوله: حتى بدت أنيابه.

نحن قلنا هناك الاستفهام.

المقدم: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟

استفهام تعجبي قاله القسطلاني، لكن نظَّرنا في هذا وقلنا: لو كان النبي– عليه الصلاة والسلام– عنده علم لتعجب من تصرفه، من حاله، وهنا  جواز المبالغة في الضحك عند التعجب؛ لقوله: حتى بدت أنيابه، لكن لا تصل المبالغة إلى القهقهة التي تزعج الآخرين، تصدر من بعض الناس قهقهة كأنه لا يحمل أدنى هم، ليس هذا حال المسلم.

وفيه جواز قول الرجل: ويحك أو ويلك، وجاء بهذا اللفظ وهذا. وفيه جواز الحلف بالله وصفاته وإن لم يُستحلف، كما في البخاري وغيره: "والذي بعثك بالحق" يمين، "والله ما بين لابتيها" قسَم، فيجوز هذا وإن لم يُستحلف الشخص. وفيه أن القول قول الفقير أو المسكين وجواز إعطائهم مما يستحقه الفقراء؛ لأنه– صلى الله عليه وسلم– لم يكلفه البينة حين ادعى أنه ما بين لابتي المدينة أهل بيتٍ أحوج منهم، قبِل النبي– عليه الصلاة والسلام– كلامه.

وعلى هذا: لو جاء شخص يطلب زكاة، هل يُكلف ببينة أنه فقير أو يُعطى من غير بينة؟ في حديث قبيصة بن مخارق ثلاثة، لكن منهم: ورجل تحمل حمالة، مثل هذا لا يُعطى حتى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحجاء، فيقولون: إن فلانًا أصابته جائحة، لا بد أن يشهد له ثلاثة، يعني: ما يكفي واحد ولا اثنان، وهنا قبِل النبي– عليه الصلاة والسلام– كلامه.

فإذا جاءنا شخص يطلب من الزكاة ويذكر من حاجته ما هو قد يُظن به، فإذا قامت القرائن على صدقه يُعطى ولا يحتاج إلى بينة، وإن قامت القرائن على خلاف ما يدعيه طُلب منه البينة، وإذا جُهل حاله ولم يكن ثمّ قرينة فالسائل يُعطى ولو كان شيئًا يسيرًا على أنه لا يُنهر السائل بحال ولو ظهرت منه علامات عدم الصدق.

يعني: ظهرت قرائن تدل على عدم صدقه فيُكتفى بحرمانه، وإن وُعظ، وجه له، أُسدي له نصيحة وموعظة، وأن مثل هذا لا يجوز فهو الأصل؛ الله– جل وعلا– يقول: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10].

وفيه جواز الحلف على غلبة الظن– وهذا تقدم– حيث قال: فوالله ما بين لابتيها، واحتمال أن يوجد بين لابتيها من هو أفقر منه. وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة، من المصالح الدينية كنشر العلم فيه الجلوس في المسجد.

المقدم: بينما نحن جلوسٌ عند النبي– صلى الله عليه وسلم–.

نعم؛ لأنه جاء في بعض الروايات: في المسجد، والمسجد لا شك أنه كما جاء في بعض الأخبار أنه بيت كل تقي، وانتظار الصلاة بعد الصلاة: الرباط، وهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، فلا شك أن الجلوس في المسجد فيه مصالح كبيرة.

وفيه جواز الضحك عند وجود سببه، وتقدم أن فيه المبالغة في الضحك ما لم يصل إلى الحد الذي يتكلفه ويزعج غيره. وفيه إخبار الرجل بما يقع منه مع أهله للحاجة.

لأن هذا أخبر أنه جامع زوجته وواقعها، ولا يدخل هذا في المنهي عنه؛ في الخبر: التحذير ممن يتحدث بما يقع بينه وبين زوجته، لكن هذا للحاجة.

وفيه التعاون على العبادة والسعي في إخلاص المسلم، وإعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة.

الآن هو أُعطي كم؟ خمسة عشر صاعًا، ويكفيهم هذا اليوم؟

المقدم: يكفيهم أيامًا.

أقول: يومًا واحدًا، يعني حاجته الراهنة يدفعها شيءٌ يسير، فأُعطي فوق حاجته الراهنة، وإعطاء الكفارة أهل بيتٍ واحد، هذا كله عند من يقول: إن هذا العَرَق إنما دُفع له كفارة، ولو قلنا بهذا لاتجه قول أبي حنيفة.

المقدم: أنه يقول إطعام طعام ستين..

نعم، وليس المقصود عدد المساكين.

وإعطاء الكفارة أهل بيتٍ واحد، وأن المضطر إلى ما بيده لا يجب عليه أن يعطيه أو بعضه لمضطرٍ آخر.

يعني: لما زاد على حاجته ما قال: آخذ نصفه وأتصدق بنصفه لأنه مضطر إليه، والذي يغلب على ظنه أنه يحتاجه إلى أن ينتهي.

وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في عشرة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الصوم، بابٌ إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيءٌ فتُصدِّق عليه فليُكفِّر.

وذكرنا فيما تقدم يعني في أول الكلام عن الحديث كلام العيني أي: هذا بابٌ يُذكر فيه إذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدًا والحال أنه لم يكن له شيءٌ يعتقه ولا شيءٌ يطعم به، ولا له قدرة يستطيع الصيام بها، ثم تُصدق عليه بقدر ما يجزيه فليُكفِّر به؛ لأنه صار واجدًا، ويقول العيني: فيه إشارةٌ إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن ذمته، فالمناسبة ظاهرة.

يقول الإمام البخاري: بابٌ إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيءٌ فتُصدِّق عليه فليُكفِّر، قال: حدثنا أبو اليمان– واسمه الحكم بن نافع– قال: أخبرنا شعيب وهو ابن أبي حمزة عن الزهري محمد بن شهاب، قال: أخبرني حُميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة– رضي الله عنه– قال: بينما نحن جلوسٌ عند النبي– صلى الله عليه وسلم– إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلكت، والمناسبة تقدمت.

الموضع الثاني: في كتاب الصوم أيضًا في باب المجامع في رمضان هل يُطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج.

محاويج جمع محتاج، وتُجمع على محتاجين.

قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن منصور، عن الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال: جاء رجلٌ إلى النبي– صلى الله عليه وسلم– فذكره بنحوه، والمناسبة ظاهرة، حاجتهم ظاهرة، وأقسم عليها، وأطعمهم ما دفعه إليه النبي– عليه الصلاة والسلام–.

هل يُطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟ الجواب نعم أم لا؟

المقدم: نعم.

وهل هذه كفارة أو هي صدقة تُدفع بها الحاجة والكفارة غير هذه؟

المقدم: على رأي البخاري يظهر أنها كفارة، يعني: الباب الأول يدل عليها يا شيخ، قال: فتُصدِّق عليه فليُكفِّر.

هذا يشم من كلامه، لكنه هنا أتى به على سبيل التردد، هل يُطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟ التردد في كونها كفارة أو في إطعام أهله؟

المقدم: التردد في كونها كفارة.

يقول: باب المجامع في رمضان هل يُطعم أهله من الكفارة، هو جزم بكونها كفارة وفي الباب السابق قال: فليُكفِّر، هل يُطعم أهله من الكفارة؟

المقدم: إذًا التردد في كونه يُطعمهم.

لكن مثل هذا إذا كان يرى أنها كفارة موجب للتردد، والنص صريح في قوله: «أطعمه أهلك».

على كل حال: الأمر ظاهر، والخلاف في المسألة بيِّن، يعني هو المرجح أنها ليست كفارة، وأن الكفارة باقية في ذمته، وأنها دين مقدم على ديون الخلق عند جمع من أهل العلم.

وفي الموضع الثالث: في كتاب الهبة في باب إذا وهب هبةً فقبضها الآخر ولم يقل: قبلت.

قال: حدثنا محمد بن محبوب، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال: جاء رجل إلى رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فقال: هلكت.. الحديث. النبي– عليه الصلاة والسلام– قال له: «خذ هذا فتصدق به»، وليس فيه ما يدل على القبول بالكلام.

الموضع الرابع: في كتاب النفقات في باب نفقة المعسر على أهله.

قال– رحمه الله–: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا بن شهاب، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال: أتى النبي– صلى الله عليه وسلم– رجل فقال: هلكت. قال: «ولم؟». قال: وقعت على أهلي في رمضان.. فذكره، والمناسبة النفقات، نفقة المعسر على أهله.

يقول: ما فيه أفقر منا، قال: والله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، ما قال: ما عليك نفقة، لكن قال: «خذ هذا فتصدق به على أهلك» فالمناسبة ظاهرة.

الموضع الخامس: في كتاب الأدب في باب التبسم والضحك.

ظاهر مناسبة التبسم والضحك لكتاب الأدب؛ لأنه من الأدب أن يتبسم الإنسان.

قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا إبراهيم– موسى بن إسماعيل، وإبراهيم بن سعد– قال: أخبرنا بن شهاب، عن حُميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة– رضي الله عنه– قال: أتى رجل النبي– صلى الله عليه وسلم– فقال: هلكت، وفيه فضحك النبي– صلى الله عليه وسلم– حتى بدت نواجذه، والمناسبة ظاهرة: باب التبسم والضحك.

الموضع السادس: في كتاب الأدب في باب ما جاء في قول الرجل ويلك.

قال الإمام البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل– محمد بن مقاتل أبو الحسن– قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا الأوزاعي، قال: حدثني بن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله تعالى عنه أن رجلًا أتى رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «ويحك» فذكره.

المقدم: ونحن سبق أن قلنا: ويحك في الغالب كلمة رحمة.

نعم، وهنا ماذا قال له؟

المقدم: قال: «ما لك؟».

جاء في رواية: «ويحك»، وفي رواية: «ويلك».

الترجمة: «ويلك»، والرواية التي ساقها: «ويحك»، ثم قال: تابعه يونس عن الزهري، وقال عبد الرحمن بن خالد عن الزهري: «ويلك»، فأشار في الترجمة إلى ما جاء في بعض الروايات.

والموضع السابع: في كتاب الكفارات، كفارات الأيمان في باب قول الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]، متى تجب الكفارة على الغني والفقير؟

قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان عن الزهري، قال: سمعته مِن فِيهِ عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي– صلى الله عليه وسلم– فقال: هلكت، فذكره.

قال ابن حجر: قال ابن المنيِّر: مقصوده أن يُنبه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع إنما تجب باقتحام الذنب، وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة؛ لأن النبي– عليه الصلاة والسلام– علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يُكفِّر به كما لو أُعطي الفقير ما يقضي به دينه.

الموضع الثامن: في كتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسر في الكفارة.

قال: حدثنا محمد بن محبوب، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال: جاء رجل إلى رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فقال: هلكت.. الحديث، والمناسبة ظاهرة باب من أعان المعسر.

الموضع التاسع: في كتاب كفارات الأيمان أيضًا، بابٌ يُعطى في الكفارة عشرة مساكين قريبًا كان أو بعيدًا.

المناسب للحديث: قريبًا، أما عشرة مساكين في كفارة اليمين قريبًا كان أو بعيدًا، وإذا جازت للقريب فالبعيد من باب أولى.

قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا سفيان عن الزهري، عن حُميد، عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي– صلى الله عليه وسلم– فقال: هلكت.. فذكره، والمناسبة كما قال ابن المنير ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور قبله، وليس فيه إلا قوله: «أطعمه أهلك»، لكن إذا جاز إعطاء الأقرباء فالبُعداء أجوز، وقاس كفارة اليمين على كفارة الجماع في الصيام في إجازة الصرف إلى الأقرباء.

نقله الحافظ وقال: قلت: وهو على رأي من حمل قوله: «أطعمه أهلك» على أنه في الكفارة، وأما من حمله على أنه أعطاه التمر المذكور في الحديث لينفقه عليهم وتستمر الكفارة في ذمته إلى أن يحصل يسرةٌ فلا يتجه الإلحاق.     

الموضع العاشر: في كتاب الحدود، في باب من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيًا. قال عطاء: لم يعاقبه النبي– صلى الله عليه وسلم–. وقال ابن جريج: ولم يعاقب النبي– صلى الله عليه وسلم– الذي جامع في رمضان.

قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة– رضي الله عنه– أن رجلًا وقع بامرأته في رمضان فاستفتى رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فقال: «هل تجد رقبة؟».. الحديث، والمناسبة ظاهرة: من أصاب ذنبًا دون الحد وجاء مستفتيًا لا عقوبة عليه؛ لأنه لم يعاقبه النبي– عليه الصلاة والسلام– وهذا الحديث مخرَّج في صحيح مسلم فهو متفقٌ عليه.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة وختام شرح هذا الحديث أيضًا الذي استمر معنا حلقات، وقد أشار الشيخ إلى أهميته والفوائد الكثيرة المستنبطة منه، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير،  شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم بإذن الله يتجدد في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.