شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (328)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وقد قيل له: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت، حتى كان يوم التروية فقال: أما الأركان فإني لم أرى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله..

مكسورة أم..

المقدم: التي هي يا شيخ.

السين، النعال.

المقدم: السِّبتية نعم، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يهل حتى تنبعث به راحلته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

فراوي الحديث الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن الخطاب أحد العبادلة، مر ذكره مرارًا. وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين،

 يقول ابن حجر قوله: باب غسل الرجلين في النعلين، ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وإنما هو مأخوذ من قوله: يتوضأ فيها، يتوضأ فيها؛ لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله: فيها، يدل على الغسل، ولو أريد المسح لقال: عليها.

 باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين، يقول ابن حجر: قوله باب غسل الرجلين في النعلين ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، ما فيه، إنما قال: ورأيتك تلبس قال.. إلى أن قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، لكن ليس فيه تصريح على أنه يغسل الرجلين في القدمين، وإنما هو مأخوذ من قوله: يتوضأ فيها، فجعل النعلين ظرفًا للرجلين، يتوضأ: والوضوء من متطلباته غسل الرجلين؛ لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله: فيها، يدل على الغسل، ولو أريد المسح، لقال: عليها.

قوله: ولا يمسح على النعلين أي لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخفين، وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة أنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا، وروي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة، لكن ضعّفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة، فما ورد في ذلك كله ضعيف.

واستدل الطحاوي على عدم الإجزاء، يعني على عدم إجزاء المسح على النعلين استدل بأي شيء؟ استدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالمسح على أن الخفين إذا تخرّقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، يعني النعلان تبدو القدمان؛ لأنها دون الكعب، وما ظهر من المفروض من الواجب غسله يجب غسله، ما ظهر من محل الغسل يجب غسله، ولا يجزئ فيه المسح، استدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان؛ لأنهما لا يفيدان القدمين. انتهى.

يقول ابن حجر: وهو استدلال صحيح، لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة.

 يوجد من يخالف في الخف المخرّق الذي يبدو منه شيء من القدم، لكن إذا كان بمثابة النعل يبدو ظهر القدم كله؛ لأنها تحت الكعبين، أو يبدو شيء كثير فإن هذا لا ينبغي أن ينازع به، أما إذا وجد خروق أو ثقوب أو محل الخياطة توسع أو ما أشبه ذلك بحيث يرى أشياء يسيرة فهذا قال بصحة المسح عليه بعض العلماء.

 قال ابن حجر: وهو استدلال صحيح، لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة، وتقدم الكلام مستوفًى في غسل الرجلين.

 وقال العيني في شرح الترجمة: أي هذا باب في بيان حكم غسل الرجلين حال كونهما في النعلين، والمناسبة بين البابين هذا الباب والذي قبله باب غسل الأعقاب ظاهرة، وهي أن كلًا منهما في بيان غسل الرجلين حال كونهما في النعلين؛ لأن الباب الأول في غسل الأعقاب وهي من الرجلين.

الأعقاب من الرجلين، وهنا غسل الرجلين، غسل الأعقاب وغسل الرجلين، لما ذكر الجزء اتبعه بذكر الكل.

 فالمناسبة ظاهرة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويتوضأ فيها، فإن ظاهره كان عليه السلام يغسل رجليه وهما في نعلين؛ لأن قوله: فيها أي في النعال ظرف لقوله: يتوضأ، الآن هذا كلام من؟ ما هو بكلام ابن حجر نفسه هذا؟

المقدم: لا.

طيب، هذا كلام ابن حجر قال: وبهذا يرد على من زعم أنه ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، ابن حجر قرر هذا الكلام، وأن البخاري أخذ غسل الرجلين.

المقدم: من عبارة فيهما.

من الظرفية، ثم قال، ابن حجر ماذا قال؟

المقدم: ...

ليس في الحديث الذي ذكره تصريح، يعني لا يؤخذ بالمنطوق، يؤخذ بالمفهوم، فابن حجر حينما قال: ليس فيه تصريح يعني بالمنطوق، واستدل للترجمة من الحديث بالمفهوم، هذا الاستدلال بالمفهوم قرره العيني، قال: ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويتوضأ فيها، فإن ظاهره كان- عليه السلام- يغسل رجليه وهما في نعلين؛ لأن قوله فيها أي في النعال ظرف لقوله: يتوضأ بها، وهذا نفس كلام ابن حجر، وبهذا يرد على من زعم أنه ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك وإنما هو من قوله: يتوضأ فيها؛ لأن الأصل في الوضوء الغسل.

 قلت: وما يريد هذا -يعني ابن حجر- من التصريح أقوى من هذا، نعم هو يريد أقوى من المفهوم، يريد منطوقًا، قلت: ما يريد هذا من التصريح أقوى من هذا وقوله: ولأن فيها يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال: عليها، وهذا التعليل يرد عليه قوله: ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وهذا من العجائب، حيث ادعى عدم التصريح ثم أقام دليلًا عليه، نعم هو ادعى عدم المطابقة بالمنطوق، ثم قرر المطابقة بالمفهوم، وأقام عليها دليلًا، فماذا بعد ذلك؟

المقدم: أكثر إتقانًا.

بلا شك، يقول: وهذا من العجائب حيث ادعى عدم التصريح، ثم أقام دليلًا عليه. انتهى كلام العيني في رده على ابن حجر.

 وقال ابن حجر في انتقاض الاعتراض: أقول من هذا مبلغ فهمه، لا ينبغي أن يتصدى لكلام غيره، أقول: من هذا مبلغ فهمه لا ينبغي أن يتصدّى لكلام غيره؛ لأن ح، حاء هذه رمز لابن حجر- يعني نفسه ابن حجر- إنما نفى التنصيص الرافع احتمال إطلاق وضوء الرجل على مسحها؛ لأنه احتمال سائغ، يعني نفى التنصيص بالمنطوق، ما في تنصيص على الغسل في الحديث إنما فيه أنه يتوضأ فيهما من متطلب الوضوء الغسل؛ لأن ابن حجر إنما نفى التنصيص الرافع احتمال إطلاق وضوء الرجل على مسحها؛ لأنه احتمال سائغ، فاحتاج إلى إقامة الدليل.

 ما الذي سوغ احتمال المسح ؟ قراءة الجر { وأَرْجُلِكُمْ } هذه يسوغ احتمال، لكنه احتمال وإن كان مردودًا كما تقدم ذكره مردود إلا أنه هنا مع كون الدلالة ليست صريحة بالمنطوق احتمال سائغ فاحتاج إلى إقامة الدليل. يقول احتجنا إلى إقامة الدليل عليه لأنه مفهوم، ولأنه لو أراد نفي هذا الاحتمال، وهو أن الأصل في الوضوء الغسل لا المسح، لقال: عليها ولم يقل: فيها.

 طيب الطحاوي حينما استدل على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا إلى آخره.. يقول ابن حجر: أنه منازع في نقل الإجماع تعقبه العيني، انتقد العيني تعقب ابن حجر الطحاوي في ثبوت الإجماع، ومنازعته في ذلك يقول العيني قلت: غير منازع فيه؛ لأن مذهب الجمهور أن مخالفة الأقل لا تضر الإجماع، ولا يشترط فيه عدد التواتر عند الجمهور.

 الآن العيني حينما ينتصر للطحاوي، أولًا الطحاوي حنفي والعيني حنفي ومعروف الانتصار كثيرًا للطحاوي من قبل العيني لاسيما إذا كان الطرف الآخر ابن حجر.

 قلت: غير منازع فيه، ابن حجر نازع الطحاوي في نقل الإجماع لوجود المخالف، لكن العيني انتقد ابن حجر في منازعته وقال: غير منازع فيه؛ لأن مذهب الجمهور أن مخالفة الأقل لا تضر الإجماع، ولا يشترط فيه عدد التواتر عند الجمهور، ابن حجر ما رد على العيني في هذا، لماذا؟ لأن الرد متعذر أو واضح ظاهر لا يحتاج إلى رد؟

المقدم: ظاهر يبدو لي، وهو كثيرًا ما يترك الردود الظاهرة.

نعم، هل تركه للرد؛ لأنه متعذر يعني عجز ابن حجر أن يرد عليه، وكذلك صاحب المبتكرات؟

المقدم: أبدًا.

 لكني أقول: المعروف عند الجمهور بل عند الجماهير في نقل الإجماع أنه قول جميع مجتهدي العصر، والقول بأن قول الأكثر إجماع إنما يُعرف عن ابن جرير الطبري، وهو الذي ينص عليه في كتب الأصول، الطبري هو الذي يخالف، طيب والطبري في تفسيره كثيرًا ما يقول: واختلف القرأة في كذا، يعني في قراءة من القراءات، فقال: جمهورهم. أو قال فلان وفلان، قرأها فلان وفلان وفلان كذا، وقرأها كذا فلان كذا، والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القرأة على ذلك، وقد نقل الخلاف، لماذا؟ لأنه لا يرى خلاف الأقل ناقضًا للإجماع، والعلماء في كتب الأصول ينصون عليه، فمثل هذا لا يُنتقد على ابن حجر.

 يقول ابن بطال في شرحه في ترجمة البخاري لهذا الباب: ردٌّ لما روي عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه كان يمسح على النعلين في الوضوء، وروي أيضًا عن علي بن أبي طالب أنه أجاز ذلك، وعن أبي مسعود الأنصاري والبراء مثله، وروي أيضًا عن النخعي، وحجة هذا القول ما روى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس عن أبيه، أنه كان في سفر فمسح على نعليه فقيل له: لمَ تفعل هذا؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم–: يمسح على النعلين، عن أبيه أبي أوس أنه كان في سفر فمسح على نعليه، فقيل له: لِمَ تفعل هذا؟ قال: رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يمسح على النعلين، فأراد البخاري أن يعرفك من حديث ابن عمر أن رواية من روى عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم– المسح على النعلين، كان وهمًا، كان وهمًا، وأنه كان غسلًا بدليل هذا الحديث، ولم يصح عند البخاري حديث المسح على النعلين، وأوس بن أبي أوس من الشيوخ الذي لا يوازون بعبيد بن جريج، يعني راوي الحديث عن ابن عمر الذي سأل ابن عمر عبيد بن جريج.. لا يوازون وأوس بن أبي أوس من الشيوخ الذين لا يوازون بعبيد بن جريج عن ابن عمر، وبترك المسح على النعلين قال أئمة الفتوى بالأمصار بترك المسح على النعلين، قال أئمة الفتوى بالأمصار، فإن قال قائل: فقد روي الثوري عن يحيى بن أبي حية عن أبي الجلاس عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه قيل: لا يصح عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه؛ لأن يحيى بن أبي حية ضعيف، ولا حجة في نقله، والصحيح عن ابن عمر بنقل الأئمة أنه كان يغسل رجليه، ولا يمسح عليهما روى أبو عوانة عن أبي بشر عن مجاهد أنه ذُكر له المسح على القدمين فقال: كان ابن عمر يغسل رجليه غسلًا، وكنت اسكب عليه الماء سكبًا، وقال عطاء: لم يبلغني عن أحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه مسح على نعليه، قال عطاء: لم يبلغني عن أحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه مسح على نعليه. عن عبد الله بن عمر في المتن عندك؟

المقدم: نعم.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وقد قيل له..

المقدم: رأيت.

نعم، القائل له كما صرح به في الأصل، في البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن.

المقدم: عبيد بن جريج.

عبيد بن جريج نعم، القائل له كما صرح به في الأصل عبيد بن جريج، ففي الأصل عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، وعبيد هذا كما قال الحافظ مدني مولى بني تميم، وليس بينه وبين الفقيه المكي مولى بني أمية نسب، وقد تقدم في المقدمة أن الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، فقد يظن أن هذا عمه، وليس كذلك.

المقدم: من كثرة ما يقال ابن جريج.

عبيد بن جريج، وقد يقال: ابن جريج، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يظن أن عبيد بن جريج أخ لعبد العزيز بن جريج، فيكون عمًّا للفقيه عبد الملك، وليس كذلك، يعني التفريق في مثل هذه الأمور هم يطلقون وقال ابن جريج كذا مثلًا، وقال ابن أبي ليلى كذا، ثم يبحث الباحث في المراد من ابن جريج، فيقف أول ما يقف على عبيد هذا.

المقدم: يعتقده هو.

فيترجم له، وقد حصل يحصل، وابن أبي ليلى الذي يدور في كتب الفقه كثيرًا.

المقدم: لكن هم يا شيخ في عصر واحد، الاثنان؟

كيف؟ ما يلزم الآن الطالب المبتدئ ما يعرف الطبقات، يعني طلاب الرسائل هؤلاء هو ما مر بنا في ترجمة.. في حديث أبي موسى في صحيح البخاري، قال أبو موسى: الهرج بلغة الحبشة القتل، فترجم لأبي موسى المديني في القرن السادس، وأبو موسى كيف يذكر أبو موسى المديني في صحيح البخاري؟

لا، الوهم حاصل، يعني نُقل رأي شيخ الإسلام ابن تيمية من تفسير القرطبي، والقرطبي المفسر قبل شيخ الإسلام. 

المقدم: يعني دائمًا ما يقول قال شيخ الإسلام. 

لا، يقول قال شيخنا أبو العباس: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارًا، وراجعت شيخنا أبا العباس، أبو العباس القرطبي صاحب المفهم، والمفسر تلميذ له، وهذه العبارة يكررها ابن القيم يعني طالب العلم المبتدئ، قد يلتبس عليه مثل هذا، لكن على الطالب أن يكون حاذقًا في مثل هذه الأمور.

 وأعرف بحثًا أعد في فقه ابن أبي ليلى الذي يدور اسمه كثيرًا في كتب الفقه، الطالب يعني وقف طويلًا عند ترجمته لم يجد من يحرر له المراد به؛ لأنه إذا رجع إليه في كتب الحديث محمد بن أبي ليلى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، ما يمكن أن يكون فقيهًا وسيئ الحفظ، وأبوه عبد الرحمن ثقة، فاضل، محدث كبير، فيحصل عنده شيء من الاضطراب، لكن النووي يحل مثل هذه الإشكالات مثل ما حل ابن حجر عبيد بن جريج مع الفقيه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، النووي في شرح مسلم صرّح في أكثر من موضع وفي الأسماء والصفات، وفي تهذيب الأسماء واللغات، قال: وابن أبي ليلى الذي يدور اسمه في كتب الفقه كثيرًا: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الفقيه القاضي المعروف، وإن كان سيء الحفظ...

 رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هي يا ابن جريج؟ الآن هذا الإجمال حذف في..

المقدم: في المختصر.

نعم، في المختصر، وعادي أن يحذف مثل هذه الجمل التي قد لا يحتاج إليها، لكن هل لها فائدة أو لا؟

المقدم: نعم لها فائدة.

رأيتك تصنع أربعًا، يعني إذا كان السؤال جوابه يحتمل وجوهًا، ويحتاج إلى تفصيل يذكر في مقدمته ما يدل على هذا التفصيل، وكذلك الجواب، ولذلك ليس من العبث أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اجتنبوا السبع الموبقات» يقول اجتنبوا الموبقات ويعدها، لكن هذا مفيد جدًّا للملقي والمتلقي إذا قال: اجتنبوا السبع يعني إذا عددت مثلًا قال: اجتنبوا الموبقات، وذكرها سبعًا من دون ذكر إجمالي وعدد كذا وكذا وكذا ثم ذكرت خمسًا ووقفت، وما يدريك أنه بقي اثنتان؟ ما تدري لو لم يقل: «اجتنبوا السبع» فهذه تفيد في الاستذكار.

 يعني لما يقال لك مثلًا: أركان الصلاة أربعة، لما يقال: عدد أركان الصلاة، عددت إلى أن تقف يمكن تسعة، يمكن تعد عشرة، وإذا قيل لك: أربعة عشر، عدد أركان الصلاة الأربعة عشر، فإذا عددت عشرًا فلابد أن تستذكر البقية، فهذا من أهم المهمات أن يذكر الإجمال قبل التفصيل، وهنا يقول في الأصل: رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، لو أن عبيد بن جريج اقتصر على ثلاث لقال له ابن عمر: أين الرابعة؟ ولو أجابه ابن عمر عن ثلاث لقال له عبيد بن جريج: أين الرابعة؟ يعني يطالب بالعدد الإجمالي.

 يقول: رأيتك لا تمس، في الأصل: رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس. من مسست أمس بكسر الماضي وفتح المستقبل، مسست أمس، مسًّا ومسيسًا، وهو الذي اختاره ثعلب، وهو إمام ثقة من أئمة اللغة، وهو الذي اختاره ثعلب في مسست أمس في الفصيح. له كتاب اسمه الفصيح.

وفي الصحاح للجوهري وأفعال ابن القطاع؛ لأنه يوجد أفعال لابن القطاع وأفعال لابن القوطية، وأفعال للسرقسطي، وأفعال ابن القطاع عن أبي عبيدة والمطرزي في شرحه، عن ابن الأعرابي وابن فارس في مجمله وابن السكيت في كتاب الإصلاح، اسمه إصلاح المنطق لابن السكيت: مسِست بالكسر ومسَست بالفتح، وبالكسر أفصح، وحكاه أيضًا ابن سيده، وحكي أيضًا عن ابن جني: أمسه إياه عداه إلى مفعولين، وعن سيبويه قالوا: مسست الشيء، وفي الجامع للقزاز: ماسسته، أيضًا مماسة ومساسًا بكسر الميم وفتحها.

 وفي نوادر يونس: ماسسته، وزعم ابن درستويه في كتاب تصحيح الفصيح أن مسست بالفتح خطأ مما تلحن فيه العامة.

 من الأركان أي أركان الكعبة، من الأركان الكعبة الأربعة قال ابن حجر: وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها؛ لأنه قال: لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، مفهومه: أن غيره من أصحابه يمس الأركان الأربعة.

المقدم: هو لو قال: رأيتك تمس الركنين اليمانيين لو لم يُفهم هذا، لكن ما جاء بالنفي رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، مما يدل على أنه تمس الأربعة عندهم.

لأنه قال: لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها، يعني يوافقك عليها، وظاهره يقول ابن حجر: ظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها، وقد صح ذلك عن معاوية وابن الزبير، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحج، إن شاء الله تعالى، والركن جانب الشيء الأقوى، إلا اليمانيين، لعلنا نقف عليها.

المقدم: نقف على هذا، وإن شاء الله نستكمل في الحلقة القادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.