شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (238)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: انتهينا من شرح ألفاظ حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، وأخذنا جملة من الدروس المستفادة منه، لعلنا نستكمل ما تبقى من هذه الدروس وأيضًا الأطراف، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

نقلنا كلام ابن بطال في الدرس الماضي، وهو كلام جيد في الجملة إلا أن أخذه كما تقدم من القصة فيه ما فيه، وسبق الاستدراك عليه، ابن حجر في فتح الباري والقرطبي في تفسيره نقلاً عن القرطبي أبي العباس صاحب المفهم، وهو أيضًا موجود في المفهم، في الجزء السادس صفحة مائتين وستة عشر إلى تسعة عشر، ثلاث صفحات أو أربع كلام جيد، لكن قد يقول قائل، لماذا لا ينقل من المفهم مباشرةً؟ لأنه قال بواسطة ابن حجر أو قال: بواسطة القرطبي المفسر عن شيخه أبي العباس، والكلام موجود في المفهم.... يقال فيه ما يقال في كلام القسطلاني، كثيرًا ما يقول: وفي فرع اليونينية كـهي، العلو عند أهل العلم مطلوب؛ يعني تجد الكلام في المصدر الأصلي، لا يحتاج إلى أن تنزل بل نزولك إلى الفرع لاشك أنه نزول إلى الأدنى، فالعلو مطلوب، كلام القسطلاني كثيرًا ما يقول: وفي فرع اليونينية كهي، قلنا مرارًا إنه وقف على الفرع قبل الأصل.

المقدم: نعم.

وقابل نسخته على الفرع ست عشرة مرة، وأتقن نسخته بمقابلتها على الفرع، ثم وقف على الأصل، فكان مصدره الفرع لا الأصل، ثم بعد ذلك...

المقدم: علق.

يشير إلى أن الموجود في الفرع هو الموجود في الأصل، كلام القرطبي أبي العباس أنا وقفت عليه في فتح الباري قبل، وفي تفسير القرطبي قبل، فكان من حقهما عليّ أن أذكر الواسطة، ثم بعد ذلك أذكر أن هذا موجود في الأصل بالجزء والصفحة، وإن كان من الناحية المنهجية من البحث العلمي، مادام وقفت على الأصل فلا داعي لذكر الفرع، اللهم إلا إذا كان في الفرع زيادة، أو في الفرع ما هو أصح مما في الأصل من حيث الطباعة، وأخطاء النسخ مثلًا فتصحح منها الفرع، لكن من باب الدقة في هذه الأمانة التي تطلب من الباحثين، من استفاد من كتاب أن يشير إليه، ونحن أفدنا من فتح الباري ومن تفسير القرطبي قبل أن نقف على ما في المفهم، مع أنه لو أن أحدًا قابل ما في فتح الباري على ما في المفهم مما نقل عنه أو حتى في تفسير القرطبي عن كلام شيخه أبي العباس لوجد شيئًا من الاختلاف، ولعل سبب هذا الاختلاف، اختلاف في نسخ مثلًا، أو لكونهم لا يهتمون بالنقل الحرفي.

المقدم: نعم.

لا يهتمون بالنقل الحرفي، وعلى كل حال المضمون واحد، قال ابن حجر نقلًا عن القرطبي في المفهم: وفي قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر، فلا مدخل للعقل في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه، بل يجب على الخلق الرضا والتسليم، فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر، فلا يتوجه على حكمه لِمَ ولا كيف، كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث، هذا نقله ابن حجر عن القرطبي صاحب المفهم، وموجود فيه وعلق شيخنا الشيخ ابن باز على فتح الباري، علق على قوله: كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث، علق الشيخ ابن باز-رحمه الله- في قوله: الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه في جهة العلو، وأنه فوق العرش كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بأين كما في صحيح مسلم أن النبي-عليه الصلاة والسلام- قال للجارية: «أين الله؟ قالت..».

المقدم: «في السماء».

«قالت في السماء»، الحديث، ثم قال ابن حجر: وهذا مما ينقله أيضًا تابع لكلام القرطبي: وإن العقل لا يحسن ولا يقبح، وإن ذلك من الشرع، فما حسنه بالثناء عليه فهم حسن، وما قبحه بالذم فهو قبيح، علق شيخنا ابن باز-رحمه الله- بقوله: إن العقل لا يحسن ولا يقبح، علق على هذا بقوله: هذا بعض قول أهل السنة، وذهب بعض المحققين إلى أن العقل يحسن ويقبح، لما فطر الله عليه العباد، من معرفة الحسن والقبيح، وقد جاءت الشرائع الإلهية تأمر بالحسن وتنهى عن القبيح، وكذلك لا يترتب الثواب والعقاب على ذلك إلا بعد بلوغ الشرع كما حقق ذلك العلامة ابن القيم يقول: العقل يعرف الحسن، ويعرف القبيح، لما ذكر...

المقدم: كلام ابن حجر.

ابن حجر نقل كلام القرطبي قال: وأن العقل لا يحسن ولا يقبح، علق عليه الشيخ ابن باز بقوله: هذا قول بعض أهل السنة، وذهب بعض المحققين إلى أن العقل يحسن ويقبح، لما فطر عليه العباد من معرفة الحسن والقبيح، وقد جاءت الشرائع الإلهية تأمر بالحسن وتنهى عن القبيح، ولكن لا يترتب الثواب والعقاب على ذلك، إلا بعد بلوغ الشرع؛ يعني مجرد العقل كونه يرى أن هذا حسن، لا يترتب عليه ثواب إذا فعله، أو يرى هذا قبيحًا لا يترتب عليه عقاب إلا إذا بعد أن يقف عليه بدليل شرعي، إلا بعد بلوغ الشرع كما حقق ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله- في مفتاح دار السعادة، وهذا هو الصواب، والله أعلم.

قال ابن حجر نقلًا تابعًا لكلام القرطبي هذا كله: وإن لله تعالى فيما يقضيه حكمًا وأسرارًا في مصالح خفية اعتبرها، كل ذلك بمشيئته وإرادته، من غير وجوب عليه ولا حكم عقل يتوجه إليه، يعني ردًّا على المعتزلة، الذين يوجبون على الله -جل وعلا- فعل الحسن، من غير وجوب عليه، ولا حكم عقل يتوجه إليه، بل بحسب ما سبق في علمه، ونافذ حكمه، فما أطلع الخلق عليه من تلك الأسرار عرف وإلا فالعقل عنده واقف، فليحذر المرء من الاعتراض، فليحذر المرء من الاعتراض، فإن مآل ذلك إلى الخيبة، قال -يعني القرطبي-: ولننبه هنا على مغلطتين:

 الأولى: وقع لبعض الجهلة، أن الخضر أفضل من موسى، تمسكًا بهذه القصة، ومما اشتملت عليه، وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة، ولم ينظر فيما خص الله به موسى-عليه السلام- من الرسالة، وسماع كلام الله، وإعطائه التوراة فيها علم كل شيء، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته، ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى، وأدلة ذلك من القرآن كثيرة، ويكفي من ذلك قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي }[الأعراف:145] إلى أن قال: وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانًا لموسى ليعتبر؛ لأنه لما قال: أنا أعلم، امتحن بهذا، وأنه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76]، ولا يعني كونه أعلم منه في هذه القضايا أن يكون أعلم منه مطلقًا، بل عند موسى من العلم مما علمه الله ما لا يوجد عند الخضر، والعكس كما في النص، وذكرنا مرارًا أن التفضيل من وجه...

المقدم: لا يعني التفضيل المطلق.

لا يعني التفضيل المطلق، وأن المفضل من وجه لا يعني أنه أفضل من المفضل مطلقًا.

المقدم: صحيح.

وذكرنا من الأمثلة.

المقدم: إبراهيم -عليه السلام-.

أول من يكسى يوم القيامة، لكن ليس بأفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، ومثله كون موسى يبعث قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- أو كونه لم يصعق على ما جاء في الحديث.

الثانية: يعني المغالطة الثانية: ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة، ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة، فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء، أما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم، ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم؛ لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار، فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات.

 عند بعض عند غلاة المتصوفة، أن الولي إذا وصل إلى مرتبة أنه تسقط عنه التكاليف، وأن هذه التكاليف العامة الظاهرة إنما هي في حق عامة الناس، ومن لم يصل إلى هذا الحد من الولاية، ومعلومٌ بالنصوص القطعية من دين الإسلام، معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الشرائع لا ترتفع، والتكاليف لا تنقطع إلا عن النائم والمجنون والصغير، فإن كان الصغر ارتفع بالبلوغ، والنوم يرتفع بالاستيقاظ، إن وصل إلى حد يحكم عليه فيه بالجنون، يعني كونه ولي وترتفع عنه التكاليف؟ لا ترتفع إلا إذا وصل لمرحلة الجنون، وإلا يلزمه أن يعبد الله -جل وعلا– حتى يأتيه..

المقدم: اليقين.

اليقين، حتى يموت، يقول: وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم، ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم، لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار، فتنجلي لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون الأحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر، فإنه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عن ما كان عند موسى، ويؤيده الحديث المشهور «استفتِ قلبك وإن أفتوك»؛ يعني هذا الحديث يستدلون به، «استفتِ قلبك»؛ يعني يكفيك قلبك، وإن أفتاك الناس؛ يعني ما يلزمك أن تأخذ بفتوى فلان ولا علان ولا العالم الفلاني، ولا جميع العلماء، يكفي قلبك، لكن هذا الحديث محمولٌ عند أهل العلم، على أنه إذا أفتاك أحدٌ من أهل العلم بما فيه تسهيل عليك، وفي نفسك شيء من هذه الفتوى، وقد أفتاك غيره، أو توقعت أن هذه الفتوى فيها شيء من التساهل، فتسأل من هو أشد تحريًا ليرتاح قلبك، «استفتِ قلبك»؛ يعني إذا أفتاك شخص، فعلت فعل مثلًا من محظورات على الإحرام، أو تركت شيء من الواجبات، فسألت عالمًا، أنت مستقر في ذهنك، أن المشايخ كلهم يفتون بأن عليك دمًا مثلًا في نظائر هذه القصة، ثم سألت شخصًا فقال: لا شيء عليك، وأنت في نفسك شيء من هذه الفتوى، الآن استفت قلبك، لكن لو أفتاك بأن عليك فدية، نقول: استفت قلبك، ابحث عن غيره، لا؛ لأن هذا إنما يكون باعثه الهوى، لا باعثه في الشرع، إذا كنت تبحث عن الأسهل، وتبحث عن الرخص، يكون باعث ذلك الهوى، لكن إذا كنت تبحث عن ما تبرأ به ذمتك، فالباعث على ذلك التحري، وحينئذٍ إذا أفتاك من فتواه سهولة، مع أنك سمعت أو استقر في ذهنك أن عليك شيئًا لتركك هذا الواجب، مثلًا استفت قلبك لا يزال في قلبك شيء من هذه الفتوى.

ويؤيده كما قالوا: الحديث المشهور: «استفتِ قلبك وإن أفتوك»، قال القرطبي: وهذا القول زندقة وكفر؛ لأنه إنكار لما علم من الشرائع، فإن الله قد أجرى سنته، وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه.

يقول القرطبي: وهذا القول زندقة وكفر؛ يعني كون الإنسان يتنصل ويتخلى عما أوجب الله عليه بحجة أنه بلغ منزلة تنكشف له بعض الأمور.

الحافظ الذهبي-رحمه الله تعالى- ذكر في تراجم بعضهم، أنه يلزم نفسه الجوع مدة أربعين يومًا، ثم بعد ذلك يتراءى له ويتجلى له أشياء يظنها تجليات وكرامات، وهي في الحقيقة هلوسة سببها الجوع، الإنسان إذا جلس يومين ما أكل أو ما نام، لا بد أن يتراءى له أمام بصره شيء، إنما سببه الجوع. يقول: فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة السفراء بينه وبين خلقه، المبينين لشرائعه وأحكامه.

الآن الواسطة تجوز في حال، وتحرم في حال، متى تجوز ومتى تحرم؟

المقدم: الواسطة العادية؟

الواسطة الآن، التي يتحدث عنها بين الله وبين خلقه فيما يرد من الله-جل وعلا- إلى خلقه لا بد من الواسطة، واسطة الأنبياء، لكن فيما يصدر من العباد إلى ربهم.

المقدم: لا تجوز.

لا تجوز الواسطة، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:3] هذه واسطة، لكنها حرام هذا الشرك.

يقول: كما قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] ، وقال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:124] ، وأمر بطاعتهم في كل ما جاؤوا به، وحث على طاعتهم، والتمسك بما أمروا به، فإن فيه الهدى، وقد حصل العلم اليقيني، وإجماع السلف على ذلك، فمن ادعى أن هناك طريقًا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل، يستغنى بها عن الرسول فهو كافرٌ يقتل ولا يستتاب، يقول: فمن ادعى أن هناك طريقًا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطريق التي جاءت بها الرسل، يستغنى بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب.

قال: وهي دعوى، هذا الكلام كون الإنسان يتعبد على غير ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: هي دعوى تستلزم إثبات نبوة بعد نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن من قال إنه يأخذ عن قلبه، لأن الذي يقع فيه هو حكم الله، وأنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصةً النبوة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن روح القدس نَفث في روعي»، هذا الذي يقول إنه يأخذ عن قلبه يزعم أنه نُفث في روعه، فقد ادعى النبوة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال ابن حجر: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى، وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت، يعني يأخذ من المعدن، يقول: أنا لا آخذ عن الموتى، وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت، وكذا قال آخر: أنا آخذ عن قلبي عن ربي، وكل ذلك كفرٌ باتفاق أهل الشرائع، ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق، هذا كلام القرطبي انتهى.

يقول ابن حجر: وقال غيره يعني قال غير القرطبي: من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز له أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة، ويجوز له فعله فقد ضل، وليس ما تمسك به صحيحًا، فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع، فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها، ثم إذا تركها أُعيد اللوح، جائزٌ عقلًا وشرعًا، لكن استدراك موسى على الخضر، هذا من وجهة نظر الخضر سليمًا؛ يعني هذا الفعل سليم، لأنه ارتكاب لأخف الضررين، لكن اعتراض موسى...

المقدم: خاف أن يغرق.

خاف الغرق، والغرق في مثل هذه الحالة مظنون، يقول: فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع، فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها، ثم إذا تركه أعيد اللوح، هذا جائز عقلًا وشرعًا؛ يعني لو كان هذا اللوح لا يلي، ليس مما يلي الماء، من السقف مثلًا، من سقف السفينة.

المقدم: ما يمكن، ما يتضررون.

ما يتضررون والملك...

المقدم: ما يبغى السفينة، لا يريدها.

لا يريدها، حينئذٍ، نقول: الكلام هذا متجه؛ لأنه صحيح أنه إفساد في السفينة، لكنه ارتكاب لأخفف الضررين، أسهل من أن تأخذ السفينة كلها.

المقدم: لكن ما يمكن أن يقول موسى لتغرق أهلها في هذه الحالة؟

نقول: لو كان، لو كان اتجه مثل هذا الكلام، لكن هذا لوح في أسفل السفينة، فصار الماء يطلع عليهم، يخرج عليهم، وجاء في بعض الأخبار أن موسى سده بثوبه، فدل على أنه يغلب على الظن أنهم يغرقون، فمثل هذا كون السفينة تؤخذ، أو كونهم يغرقون، أيهما أسهل؟

المقدم: لا، تؤخذ السفينة أسهل.

نعم، لكن هل في فعل الخضر ارتكاب أخف الضررين، أو لما أعلمه الله-جل وعلا- أنهم لا يتأثرون مع إفساد السفينة، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف:82] فالفعل استدراك موسى -عليه السلام- في الظاهر لا إشكال فيه، لكن في باطن الأمر وما جاء أو ما وصل من الخبر من قبل الله -جل وعلا- لاشك أنه هو الموافق لباطن الأمر.

ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر، وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه: «فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة، تجاوزها»، فأصلحها، فيستفاد منه وجوب التأني على الإنكار في المحتملات، وأما قتله الغلام فلعله في تلك الشريعة؛ يعني لو الإنسان مهما بلغ في الولاية مثلًا، وجد شخصًا شريرًا قد آذى والديه، قد آذى والديه أشد الأذى، هل له أن يقتله؟

المقدم: أبدًا.

ليس له ذلك في شرعنا، ولذلك قال: فلعله في تلك الشريعة، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان، والله أعلم.

قال العيني: فيه أنه إذا تعارضت مفسدتان يجوز دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما، كما خرق الخضر السفينة لدفع غصبها، وذهاب جملتها، لكن ينبغي أن يكون الضرر الأعظم واقعًا أم مظنونًا؟ يعني عندنا الضرر الأدنى واقع ولابد من ارتكابه في دفع الأعلى.

المقدم: لابد أن يكون واقعًا أيضًا.

واقعًا أم مظنونًا؟ يغلب على الظن، بحيث يغلب على الظن، أو هدد به من يقدر على تنفيذه، يعني لابد أن يكون واقعًا أو في حكم الواقع؟

المقدم: في حكم الواقع.

في حكم الواقع، أما المتوهم فلا قيمة له، وإلا فلكل إنسان أن يرتكب من الأضرار ويدعي أنه يدفع ضررًا أعظم، والله المستعان.

المقدم: والله المستعان، أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بقي لنا في الفوائد شيء أحسن الله إليك؟

أبدًا، الأطراف.

المقدم: إذًا نعد المستمعين الكرام بإذن الله في الحلقة القادمة أن نستكمل ما تبقى، ونبدأ بالأطراف بإذن الله تعالى، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.