جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري)

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

جاء في ترجمة إمام المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري عند كثير ممن ترجم له، أنه قال لطلابه: أتصبرون على تفسيرٍ يكون في ثلاثين ألف ورقة، قالوا: لا، قال: أتصبرون على تفسير يكون في ثلاثة ألاف ورقة، قالوا: نعم، ومثل ذلك قال في التاريخ، واستقر أمره على أن يضع هذا التفسير: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، وهو الذي عدل إليه عن التفسير المطول.
التفاسير بالأثر هي أولى ما يهتم به طالب العلم، ومن أعلاها وأغلاها وأنفسها تفسير ابن جرير الطبري فهو أصلها وهو رائد في بابه في التفسير بالأثر، فلا يستغني عنه طالب علم.
وقد كنت أظن أن تفسير الطبري تفسير أثري محض، فلما عانينا الكتاب وجدناه في كل الفنون، ففي علوم العربية يمكن أن يكون في الدرجة الأولى، ليس خاصا بعلم العربية، لكن فيه من أفانين العربية ما لا يوجد في غيره، حتى إن أعظم خصائص تفسير الكشاف للزمخشري هو ما فيه من علم البيان وعلم المعاني، ومع ذلك خرجت دراسات مقارنة بين ما في تفسير الطبري من علمي المعاني والبيان، وبين ما في الكشاف فوُجِد ما في الطبري أكثر، هذه نتيجة مذهلة، ، وفيه أيضاً من النحو والصرف شيء يمكن أن يفرد في كتاب، فيه أيضاً الفقه المعتمد على النصوص، والطبري رحمه الله إمام فقيه كما هو معروف، وصاحب مذهب متبوع، لكنه انقرض، يعني لا يوجد من يتبع الطبري في اجتهاداته، لكنه مع ذلك فقيه، إلى غير ذلك من العلوم التي تجعل طالب العلم يعنى بهذه التفاسير.
هذا التفسير العظيم أول ما طبع بالمطبعة الميمنية، ثم طبع بمطبعة بولاق، وهي مطبعة فيها لجان من أهل العلم تصحح، وهذه الطبعة طبعة نفيسة لكنها متعبة لطلاب العلم المعاصرين؛ لأنهم ما عانوا ما هو أشد منها، ثم طبعه الشيخ محمود شاكر بتحقيق لا نظير له، ولا يغني عنه أي تحقيق، وهذه الطبعة من أنفس ما يقتنيه طالب العلم فإذا أضيفت إلى طبعة بولاق التي هي الأصل واعتمد عليها الشيخ محمود شاكر مع ما وجده من نسخ لكانت كافية. والشيخ محمود مع الأسف حصل بينه وبين المطبعة خلاف فتوقف العمل بعد أن أنجز ستة عشر جزءًا إلى سورة إبراهيم -عليه السلام-، وكان الضحية المستفيد والكتاب، ثم أُكمِل الكتابُ بطريقة ليست على طريقة الشيخ، وطُبِعت بقية الكتاب في ثمانية مجلدات؛ لكنها لا تمثل الشيخ، ولا يبلغ الجهد فيها نصف جهد الشيخ، ولا نسبت إلى الشيخ. ثم طبعه الدكتور عبد الله التركي، ولا شك أنها طبعة كاملة، والمضمون للشيخ أنه من أهل التجويد، لكني مع اقتنائي لها لم يتيسر لي الاطلاع عليها، فالذي لا يصبر على الطبعات القديمة فأمثل الموجود الآن هذه الطبعة التي حققها الشيخ عبد الله التركي.