الباعث على تأليف الأربعينيات

السؤال
ما الباعث لكثيرٍ من العلماء على جمع الأحاديث حتى يبلغوا بها الأربعين حديثًا؟ وماذا يقصد أهل العلم إذا قالوا التُساعيات العشاريات؟
الجواب

الباعث على تأليف الأربعينيات ما يروى في ذلك من أن من حفظ على أمتي أربعين حديثًا بعثه الله يوم القيامة فقيهًا [شعب الإيمان: 1597]، وهو حديث ضعيف جدًا متفق على ضعفه عند أهل العلم، والعلماء ومنهم النووي الذي كتب أشهر أربعين صدَّر كتابه بهذا الحديث وبين ضعفه، لكنه مع ذلك يرى أنه يعمل به في هذا الباب؛ لأنه في الفضائل، ونَقَل الاتفاق في (مقدمة الأربعين) على أنه يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لكن الإشكال أن هذا الحديث ضعفه شديد ومتفق على ضعفه، والذين يقولون بأن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال يشترطون:

- ألّا يكون ضعفه شديدًا.

- وأن يندرج تحت أصل عام.

- وألّا يُعتقد عند العمل به ثبوته، وإنما يعتقد الاحتياط.

والاتفاق الذي ذكره النووي على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال منقوض؛ لأنه وُجد من أهل العلم من لا يرى العمل بالضعيف مطلقًا، بل وُجد من لا يرى العمل بالحسن فضلاً عن الضعيف، وإذا كان الحديث ضعيفًا، وضعفه غير شديد، وكان له أصل يندرج تحته، ولم يُعتقد عند العمل به ثبوته، فكثير من أهل العلم يرون العمل به في فضائل الأعمال، وأهل التحقيق يرون أنه لا يعمل به مطلقًا.

أما التُساعيات فمعناها الأحاديث التي بين راويها وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة من الرواة، والعُشاريات التي يكون بين راويها وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرة من الرواة، ويُعتنى بها لا سيما عند المتأخرين في القرن الثامن والتاسع، يعتنون بها لأنها عوالي، فإذا كان بين الحافظ العراقي -وقد توفي سنة ثمانمائة وستة- وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة أو عشرة فهذه عوالي، بينما هي في (صحيح البخاري) ليست كذلك، فأنزل ما عند البخاري التساعيات، عنده حديث تساعي وهو حديث «ويل للعرب من شر قد اقترب» [البخاري: 7135]، هذا أنزل ما في (الصحيح)، وأعلى ما عنده الثلاثيات التي يكون فيها بين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة من الرواة، فعنايتهم بها من أجل العلو في الإسناد، والعلو مطلوبٌ مرغوب بخلاف النزول، والسبب في ذلك أنه كلما قلّت الوسائط قلّ احتمال الخطأ، وكلما كثرت الوسائط وكثر الرواة بحيث يروي بعضهم عن بعض وكثروا كَثُر احتمال الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أن يحصل الخطأ من قبله، فإذا وُجدت هذه الأحاديث العوالي فإن أهل العلم يعتنون بها ويفرحون بها، وتمنَّاها بعضهم لما قيل له في مرض الموت: تَمَنَّ. قال: سند عالي وبيت خالي، (خالي) ليتفرغ للعلم والعمل والعبادة والذكر والتلاوة وما أشبه ذلك، وأما بالنسبة للسند العالي فهذا مرغوب عند أهل الحديث.