تقديم المتن على الإسناد

السؤال
جرت العادة عند المحدثين بتقديم الإسناد على المتن فهل يختلف الأمر لو قُدم المتن على الإسناد؟
الجواب

عند عامة أهل العلم لا يختلف الأمر، وهذا موجود في الصحيحين وغيرهما، أحيانًا تقديم الإسناد وأحيانًا تأخيره في الباب الواحد أو في أبواب، كما في (صحيح البخاري) في مواضع، لا فرق بينهما، لكن إذا كان السؤال أن يأتيَ شخص إلى مصنَّف ثم يروي منه حديثًا يُقدِّم فيه المتن على الإسناد أو الإسناد على المتن فمن حيث الأصل لا شيء فيه إلا إذا اعتبرناه تصرفًا في الكتاب المؤلَّف، لذا جمهور أهل العلم في مسألة الرواية بالمعنى يجيزونها بشرطها: أن يكون الراوي عالمـًا بمدلولات الألفاظ، عارفًا بما يحيل المعاني، ويستثنون من ذلك الكتب المصنفة، كأن يأتي إلى (صحيح البخاري) فينقل منه إلى كتاب آخر بالمعنى، يقولون: لا يجوز؛ لأن الوصول إلى اللفظ الذي هو الأصل ممكن، ومسألة إباحة الرواية بالمعنى إنما هي للحاجة؛ لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يضبط الأحاديث بألفاظها ويستحضرها في كل وقت عند الحاجة إليها، فأجازوا له الرواية بالمعنى بشرطها. هذا الذي يريد أن ينقل حديثًا من (صحيح البخاري) أو من (صحيح مسلم) قُدِّم إسناده وأُخِّر متنه على الجادَّة والغالب، إذا أراد أن ينقله إلى مصنَّفه وإن لم يكن مثل الرواية بالمعنى في الأثر إلا أنه ينبغي أن يتقيد بما في الكتاب، يستثنى من ذلك صنيع الإمام ابن خزيمة في صحيحه، فإنه لا يُقدِّم المتن على الإسناد إلا وفيه علة خفية، هذا عند ابن خزيمة خاصة، فيه مغمز، لكن عند غيره لا يختلف الأمر.

فإجازة الرواية بالمعنى عند جماهير أهل العلم؛ نظرًا للحاجة، وإلا لَتعطَّل الاستدلال من كثير من الناس الذين لا يستطيعون أن يستحضروا الألفاظ عند الحاجة إليها، فأجازوا الرواية بالمعنى واشترطوا لذلك شروطًا، لكن إذا كان ينقل عن الكتاب مباشرة كـ(صحيح البخاري) -مثلًا-، فالآن (صحيح البخاري) أمامك! ولذا قالوا: إذا كان ينقل من الكتاب مباشرة فما الذي يدعوه إلى الرواية بالمعنى؟ والمسألة فيها مزلة، فمهما اشترطنا واحتطنا في الشروط -وهذا جارٍ على طريقة جمهور أهل العلم؛ للحاجة الماسة إلى ذلك- لكن لا يمكن أن يسوِّي أحد بين الرواية باللفظ وبين الرواية بالمعنى، فكونه يأتي به بلفظه هذا لا شك أنه أوفى وأكمل وأحوط، لكن إذا تعذَّر اللفظ في وقت يحتاج فيه إلى هذا الحديث من عالمٍ عارفٍ فاهمٍ بما يحيل المعاني ومدلولات الألفاظ أجازه جمهور أهل العلم، ومنعه ابن سيرين ونفرٌ يسير من أهل العلم.