المُقدَّم في الهوي إلى السجود

السؤال
ما المقدم في الهوي إلى السجود: اليدان أم الركبتان؟
الجواب

في الباب حديثان أحدهما حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» [أبو داود: 840]، وفيه أيضًا حديث وائل بن حجر –رضي الله عنه-: «رأيت النبى-صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه» [أبو داود: 838]. هذان الحديثان أحدهما يدل على تقديم الركبتين وهو حديث وائل –رضي الله عنه-، والثاني يدل على تقديم اليدين وهو حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، والحافظ ابن حجر في (البلوغ) رَجَّح حديث أبي هريرة على حديث وائل، وهو أمثل منه، لكن في حديث أبي هريرة كلام لابن القيم -رحمه الله- فهو يرى أن الحديث مقلوب وأن آخره يُعارض أوله ويناقضه، فمن المعلوم أن البعير يُقدِّم يديه قبل ركبتية إذا برك، والحديث فيه: النهي عن مشابهة البعير «فلا يبرك كما يبرك البعير»، وفيه أيضًا الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين «وليضع يديه قبل ركبتيه». يقول ابن القيم: إن هذا تناقض، وإن في الحديث قلبًا على الراوي، فالحديث مقلوب، وإلا فالأصل (وليضع ركبتيه قبل يديه)؛ ليوافق آخر الحديث أوله.

والحديث الثاني مِن فِعْله -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان مِن أهل العلم مَن يُضَعِّف الحديثين، وحينئذٍ يستوي عنده الأمران، إن شاء قدَّم اليدين وإن شاء قدَّم الركبتين، وهذا كأنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فالذي يُضعِّف الحديثين أو يصححهما يكون الأمران عنده على السواء، قدَّم هذا أو قدَّم ذاك لا إشكال، لكن مَن يُرجح حديث أبي هريرة -كما فعل الحافظ- يَرد عليه كلام ابن القيم أنه مقلوب، والذي يُرجح حديث وائل يقول: يُقدِّم الركبتين، والحديث سليم من القلب لا إشكال فيه، ومُعارضُه قيل فيه: إنه مقلوب.

والذي عندي أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث وائل، والسُّنة في هذا أن تُقدَّم اليدان على الركبتين، وحديث أبي هريرة ليس فيه قلب ألبتة. كيف لا يكون فيه قلب والبعير يُقدِّم يديه قبل ركبتيه؟

نقول: لا يبرك كما يبرك البعير، فالمنهي عنه هو البروك كما يبرك البعير، ومَن وضع يديه قبل ركبتيه هل يصح أن يقال: إنه برك كما يبرك البعير؟

متى يقال: برك البعير؟ يقال: برك البعير، وحَصْحَص البعير: إذا نَزَل على الأرض بقوة، وأثار الغبار، وفرَّق الحصى.

نعم مَن نزل بيديه على الأرض بقوة - كما نسمع من بعض الناس حينما ينزل سواء على يديه أو على ركبتيه وهو أشد، فبعضهم يُخَلْخِل البلاط الذي تحته!- فهذا نقول: إنه برك كما يبرك البعير، وإذا قدَّم ركبتيه بقوة أشبه حيونات كثيرة كالحمار مثلًا، والمصلي منهي عن مشابهة الحيوانات، فالحديث في تقديري ليس فيه قلب، وأول الحديث يشهد لآخره، وأنه لا يَبرك كما يبرك البعير فينزل على الأرض بقوة، وإنما يَضع يديه قبل ركبتيه، والوضع غير البروك، كما أنهم يفرِّقون بين مَن وضع المصحف على الأرض وبين مَن ألقى المصحف على الأرض، فشتان بينهما، وهذا الذي ينزل على الأرض بقوة فيُشبه البعير إذا قدَّم يديه أو يُشبه غيره من الحيوانات إذا قدَّم ركبتيه هذا الفعل منهي عنه في الصورتين، سواء قدَّم اليدين أو قدم الركبتين، لكن مَن وضع يديه مجرَّدَ وضع على الأرض فقد وافق الحديث: فلم يَبرك كما يبرك البعير، وامتثل الأمر في قوله: «وليضع يديه قبل ركبتيه»، ولا إشكال في هذا –إن شاء الله تعالى-.

والذين تكلموا على الحديث ومنهم مَن صححه مِن الأئمة ما أشاروا إلى هذا القلب، ولو كان مقلوبًا لأشاروا إليه! والقلب علِّة من العلل التي يُعل بها الحديث، فالذي عندي وفي تقديري أن الحديث ليس فيه قلب وأنه يُمكن أن يُطبق من غير تناقض، بل هو أولى ما يفعله المصلي، فيقدِّم يديه قبل ركبتيه برفق، بحيث يضعهما مجرَّدَ وضع، وليس بروكًا ولا نزولًا بقوة، فالنزول بقوة مخالف للخشوع في الصلاة، وفيه مشابهة للحيوانات، وقد جاء النهي عن مشابهة الحيوانات في الصلاة.