شرح حديث: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه))

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أخرج البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسألتهم، أو مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)).

راوي الحديث الصحابي الجليل أبو هريرة حافظ الأمة، من حفظ الله بسببه جل السنة، اختلف في اسمه واسم أبيه، كما هو الشأن فيمن اشتهر بشيء بحيث ينسى غيره، فكل من اشتهر بالكنية يخفى اسمه على الناس، ومن هؤلاء أبو هريرة، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، لكن الأكثر أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر، صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أربع سنوات، تأخر إسلامه، وحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يحفظه غيره، بسبب الدعوة النبوية له حيث أمره ببسط رداءه فبسطه فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فما نسي شيئاً بعد ذلك، ما نسي شيء -رضي الله عنه وأرضاه-.

وأيضاً من الأسباب ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً، لم يفرط بلحظة واحدة، لم يفرط بيوم واحد في صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا الملازمة تورث مثل هذا، أما الشخص الذي يجعل العلم وطلب العلم على تيسر الفراغ فمثل هذا لا يدرك، وقد أخبر -رضي الله عنه وأرضاه- عن سبب حفظه لما حفظه من السنة أن أصحابه من المهاجرين والأنصار، المهاجرون كان يشغلهم الصفق في الأسواق، والأنصار كان يشغلهم العمل بمزارعهم، أما هو فقد تفرغ لملازمة النبي -عليه الصلاة والسلام- فحفظ ما لم يحفظه غيره.

ومع ذلكم يقول: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت عنه -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان شأنه خطير، ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) فالكتمان شأنه خطير، وأيضاً الإكثار من التحديث، وتحديث المرء بكل ما سمع، هذا أيضاً خطير، كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؛ لأنه لا بد أن يقع في الكذب، فعلى الإنسان أن يتثبت عليه أن يتثبت ولا يسترسل، وعليه أيضاً إذا تعين عليه الجواب أن يجيب، وإذا تعين عليه التحديث أن يحدث، فلا استرسال وتساهل في شأن التحديث والفتوى، ولا إمساك ولا إحجام عند التعين، فأبو هريرة -رضي الله عنه- حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الدعوة وبسبب طول ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه، واشتد غضبه على من أبغضه وقلاه، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يحببه للناس، وأن يحبب الناس إليه، فصار -رضي الله عنه- من أحب الناس إلى الصحابة، ومع ذلكم يتهم أبو هريرة قديماً وحديثاً، وثبت عند أهل العلم بسند صحيح أن رجلاً تكلم في أبي هريرة، وقدح في أبي هريرة في مجلس فنزلت حية من سقف دار فلسعته فمات، يتهم أبو هريرة لماذا؟ لأنه إذا اتهم أبو هريرة وهو أحفظ الصحابة للسنة هدمت السنة؛ لأن العدو المغرض الذي يريد هدم الدين، والنيل منه، ومن أهله، ما يعمد إلى شخص ما يروي إلا شيء يسير؛ لأنه يتعبه ذلك؛ لأنه في مقابل أبي هريرة يحتاج إلى أن يقدح في ألف شخص، وإذا قدح في أبي هريرة هذا المغرض الذي يريد هدم الدين على حد زعمه يرتاح من كثير من السنة، ولذا كثر الكلام فيه -رضي الله عنه وأرضاه-، من قبل المفسدين المغرضين الذين يريدون هدم الدين والنيل منه.

ما تجد أحد من الزنادقة والملاحدة تكلم في المقلين من الصحابة، ما في أحد تكلم فيمن لم يروِ إلا حديث واحد أو اثنين، أبيض بن حمال ما تكلم فيه أحد، لماذا؟ لأن الذي يتكلم في مثل هؤلاء يحتاج إلى أن يتكلم في ألف من الصحابة، لكن إذا تكلم في أبي هريرة يهدم الدين؛ لأن أبا هريرة حافظ الصحابة، وعرفنا السبب في كونه حفظ، دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بسط رداءه فما نسي شيئاً بعد ذلك، وأيضاً لزم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالملازمة تورث المعرفة، ولذا أهل العلم يقدمون في الرواية بطول الملازمة للشيوخ، الراوي الذي يطيل الملازمة للشيوخ مقدم على من لم تطل ملازمته لهم، فأبو هريرة -رضي الله عنه- لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- على شبع بطنه، لا يريد غير ذلك، لا يريد إلا ما يقيم صلبه، ليس له غرض في شيء من أمور الدنيا أبداً، لماذا؟ لأنه عرف الهدف الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ونأى بهذا الحمل العظيم، وحمله على خير ما يرام، وعلى أكمل وجه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وبلغه إلى من بعده، واستحق الدعوة النبوية ((نضر الله امرأً سمع مني حديثاً فوعاه ثم أداه كما سمعه)) هذا أبو هريرة.

توفي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة.

والحديث جاء بألفاظ، ومما يذكر في سببه، سبب ورود الحديث ما خرجه الشيخان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا)) قام فيهم خطيباً فقال: ((أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا)) فقام رجل فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسألتهم واختلافهم على أنبيائهم)) هذا هو السبب، ولو نظرنا إلى حال الأمم السابقة وجدنا أنها ابتليت بما كان سبباً لهلاكهم، ابتلوا بالأغلال والآصار بكثرة مسائلهم، فعلى سبيل المثال اليهود، لما أمروا بذبح بقرة، أمروا بذبح البقرة، لو خرجوا إلى السوق واشتروا أي بقرةن أدنى بقرة، امتثلوا الأمر، لكنهم قالوا ماذا قالوا؟ نعم؟

طالب:......

لا، أولاً سنها، ثم لونها، ثم ما يميزها عن ما يشابهها، {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [(68) سورة البقرة] لا كبيرة ولا صغيرة، متوسطة في السن، لو ذهبوا إلى السوق بعد هذا........ ذهبوا قبل السؤال فذبحوا بقرة صغيرة أو كبيرة، سوداء وإلا بيضاء وإلا أي لون، لأجزأت عنهم، الآن سألوا عن السن فقيل لهم: لا فارض ولا بكر متوسطة، لو ذهبوا إلى السوق ووجدوا بقرة متوسطة السن من أي لون يكون امتثلوا الأمر، لكنهم قالوا: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} فضاقت الدائرة عليهم، فجاء التوجيه بأنها {بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} [(69) سورة البقرة] كم عندهم من بقرة قبل الأسئلة؟ أي بقرة على وجه الأرض تجزئ، ثم بعد السؤال الأول ضاقت الدائرة بقرة متوسطة في السن، فالكبيرة لا تصلح والصغيرة ما تصلح، ثم بعد السؤال الثاني اللون، ضاقت الدائرة، ما يصلح إلا هذا اللون، ثم بعد ذلك السؤال الثالث، {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [(70) سورة البقرة] حتى مع السن، ومع اللون تشابه عليهم، فجاء توصيفها بأنها {لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} [(71) سورة البقرة] ضيق عليهم بحيث لم توجد هذه البقرة إلا عند عجوز، فاشتريت بوزنها ذهب، شددوا فشدد الله عليهم، تعنتوا فضيق الله عليهم، هذه من الأسئلة، وطبعهم هذا، وشأنهم هذا، لا يمتثلون إلا بعد لأي شديد، أمة كاملة تؤمر بذبح بقرة، النتيجة إيش؟ {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] أمة كاملة تؤمر بذبح بقرة، النتيجة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] لماذا؟ لأن هذه الأسئلة هي التي أوقعتهم في الحرج، بينما انظر إلى الطرف الآخر الامتثال أمر بذبح ابنه فتله للجبين حالاً، فرق بين امتثال وامتثال، فهذا من شؤم كثرة المسائل.

((فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسألتهم أو مسائلهم)) إيش؟ ((مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) اختلفوا على الأنبياء، من كثرة السؤال تحصل الاختلافات، من كثرت الأسئلة تكثر الاختلافات على الأنبياء، ولذا جاء النهي في قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] جاءك الأمر امتثل، ولذا نعرف ارتباط آخر الحديث بأوله، مجرد ما تسمع الأمر امتثل، طبق، مجرد ما تسمع النهي كف، يسأل السائل فيقول للرسول -عليه الصلاة والسلام-: من أبي؟ أنت في غنية عن مثل هذا السؤال، ما حالك؟ وما عيشك؟ وما راحت نفسك لو نسبك النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير أبيك بالوحي المؤيد بالوحي؟ نعم، قال: أبوك حذافة، وسأل واحد قال: أين أنا يا رسول الله؟ قال: في النار، هذا سببه المخالفة {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] هذا من شؤم كثرة المسائل.

كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفرحون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ليستفيدوا، وهذا امتثال منهم -رضوان الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، والنهي عن السؤال لما يترتب عليه من التشديد، كما تقدم في قصة البقرة، ولذا جاء في الصحيح: ((أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل سؤاله)) ((من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل سؤاله أو مسألته)) هذا كلف الأمة بشيء كانوا في سعة بدونه، فهذا من أعظم الناس جرماً نسأل الله السلامة والعافية.

قد يقول قائل: هل يعيش الناس بدون سؤال؟ أما بالنسبة لما وقع من الحوادث والنوازل سواءً كانت العامة أو الخاصة لا بد من سؤال أهل العلم عنها، امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] ولذا سأل الصحابة أسئلة يحتاجونها، إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مدى؟ المقصود أن السؤال عما يحتاج إليه مما هو متحقق الوقوع إما واقع أو متحقق الوقوع هذا لا بد من السؤال، ولذا جاء الأمر به {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] شخص فعل محظور من محظورات الحج هل يتجه إليه قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] يقال له: يا رجال لا تسأل، تسأل شيخ يقول: عليك دم، لا تسأل عن شيء تخسر نفسك، يتجه إليه هذا السؤال؟ لا، لا يتجه إليه، إنما يتجه إليه قوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] فلا نخلط بين هذا وهذا، الكلام في السؤال عما لم يقع، إما على سبيل التعنت وتعجيز المسئول، وإظهار عجزه، أو على سبيل المراء والجدال، أو على سبيل الترفع والتعالي، قد يحصل من بعض السائلين يسأل ليبين منزلته، وأنه يسأل هذا السؤال الغريب الغامض المعجز، أو ليظهر عجز المسئول أمام الناس، ولذا جاء النهي عن الأغلوطات، يعني المسائل العويصة الصعبة التي لم تقع، وعموماً السؤال عما لم يقع كان السلف يتحاشونه، السلف يتحاشون السؤال عما لم يقع، ويسألون السائل: وقعت هذه المسألة أو ما وقعت؟ إذا وقعت أجابوه، مع أنهم يتدارؤن الجواب، كل واحد يبعثه إلى الآخر، يحيل على الآخر، يأتي إلى ابن عمر يقول: اذهب إلى ابن عباس، يأتي إلى ابن عباس يقول: اذهب إلى ابن مسعود وهكذا، بينما نجد من يبادر بالجواب ولو لم يُسأل، تجد طالب علم بحضرة شيخ كبير يُسأل الشيخ يبادر هذا الطالب بالجواب، فهل هذا علامة توفيق؟ والله ليست علامة توفيق، ما دام لك مندوحة يا أخي أنت معافى؛ لأن الفتيا لها تبعة، وأنت مسئول أمام الله -جل وعلا- عن عجلتك بالفتيا وأنت لم تتأهل، إذا وجد من يكفيك احمد ربك، لا تسارع، الصحابة يتدارؤن ويتدافعون الفتيا، لكن إذا تعينت أجابوا، لا يجوز كتمان العلم، فالسؤال عما لم يقع لا سيما إذا كان على سبيل التعالي والترفع من قبل السائل أو من أجل تعنيت المسئول وإظهار عدم علمه للسامع فهذا قد جاء النهي عنه.

طيب طلاب العلم مع شيخهم في درسهم أو الشيخ نفسه يذكر أحكام ويشقق مسائل لتربية هؤلاء الطلاب وتعليمهم وتمرينهم على الاستنباط، هل هذا من المذموم؟ كتب الفروع كتب الفقه مملوءة من المسائل التي لم تقع، ومنها ما يجزم بعدم وقوعه، ومنها ما يندر وقوعه، فهل مثل هذا ممدوح وإلا مذموم؟ هل هو مثل السؤال عما لم يقع؟ يعني اترك هذه المسائل حتى تقع فإذا وقعت فاسأل عنها، وإن كنت أهلاً فاستنبط حكمها من النصوص.

مثل هذه المسائل التي يفترضها أهل العلم لا سيما إذا كانت متصورة الوقوع، هذا لا يدخل في النهي، ولذا أهل العلم على مراتب، منهم من يعنى بحفظ النصوص من الكتاب والسنة، حفظ الآثار لكنه لا يكلف نفسه الاستنباط من هذه الآثار، إنما يحفظ هذه الأحاديث ويرى أن الاستنباط خلط للرأي بالأثر، يرى أن الاستنباط من هذه النصوص يكون فيها خلط؛ لأن الاستنباط إنما يكون بالرأي، الرأي المعتمد على هذا الأثر، يعني ليس الرأي المجرد، فهؤلاء يصدق فيهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب حامل فقه غير فقيه)) ((رب مبلغ أوعى من سامع)) هؤلاء يحفظون الدين، يحفظ الله بهم الدين إذا حفظوا الآثار، وهم قطاع كبير من الرواة، كثير منهم ليس بأهل للاستنباط إنما يحفظ، من أهل العلم وهم فقهاء الأمة الكبار، فقهاء أهل الحديث كمالك والشافعي وسفيان وأحمد وإسحاق وغيرهم، هؤلاء حفظوا لنا الدين، بحفظ النصوص واستنبطوا منها، هؤلاء استنبطوا منها، يعني هل مالك مجرد راوي؟ لا، راوي ويستنبط من النصوص فقيه، الشافعي، الإمام أحمد، سفيان، أبو عبيد، هؤلاء كلهم أئمة، أئمة حفاظ للأثر، وهم أيضاً من كبار فقهاء الأمة، وعليهم المعول بالنسبة لمن جاء بعدهم.

يقابل الطرف الأول، الطرف الأول اقتصروا على الحفظ، وما أتعبوا أنفسهم بالاستنباط إما تورعاً على حد زعم بعضهم أو عجزاً ما كل إنسان يستطيع أن يستنبط، من يليهم هؤلاء حفظ الله بهم الدين، فحفظوا المتون، هل يقال في مثل أحمد أنه لجأ إلى الاستنباط لعجزه عن الحفظ؟ يحفظ سبعمائة ألف حديث؛ لأنه يأتي في الطبقة الثالثة وهم أهل الرأي الذين أعيتهم النصوص، وأعجزتهم أن يحفظوها، هؤلاء اعتمدوا على الاستنباط، وأوغلوا فيه، اعتمدوا على الاستنباط، لماذا؟ لأن ما عندهم شيء يمشيهم قدام الناس، فأعملوا الفكر فيما بلغهم من نصوص، وصار جل علمهم مبني على الرأي، فهؤلاء في طرف والقسم الأول في طرف.

الطرف الأوسط الذين هم أهل الفقه والاستنباط المبني على الأثر، لا مجرد الرأي، هم العلماء وهم الفقهاء، وهم سادة الأمة، فينبغي لطالب العلم أن يتشبه بالطبقة الثانية، يعنى بحفظ الآثار ويعنى بالاستنباط منها، وبأسلوب آخر على طريقة أهل العلم يعنى بالرواية والدراية، لماذا؟ لأن عنايته بالرواية والرواية عليها المعول في العلم الشرعي المورث للخشية، فلا فقه دون نص، لا فقه بدون نص، والنص بدون تفقه واستنباط وتنزيل على الوقائع وإفادة منه نعم التفقه هي الغاية القصوى، استنباط الأحكام من النصوص هو الغاية القصوى، لكن لا يكون حامل آثار فقط، وإن كان فيه خير كثير، ولا يكون صاحب رأي ونظر واستنباط دون أن يعتمد على آثار وأخبار ونصوص؛ لأن مثل هذا ليس بفقيه، بل وليس بعالم؛ لأن الذي لا يعرف الحق بدليله ليس من أهل العلم، وهذا شأن كثير من المقلدين، فعلى طالب العلم أن يحرص على حفظ النصوص وعلى الاستنباط من هذه النصوص، والإفادة من هذه النصوص، وتنزيل هذه النصوص على الوقائع.

فالفقه هو الغاية القصوى من النصوص، والاستنباط هو الفائدة العظمى من هذه النصوص، ومع الأسف أنه وجد في الأمة من يفني عمره بالقيل والقال، ويعتبرون أنفسهم فقهاء، وهم أهل الرأي، وهم أهل النظر، واعتمادهم على مذهب بعينه برواياته ونصوص الإمام، وتخريج هذه النصوص والموازنة بين هذه النصوص ويعاملون النصوص معاملة الأحاديث، يعني يوجد في كتب المذاهب إذا روي عن الإمام أكثر من رواية فما الذي يعمل به؟ يقولون: إن أمكن العمل بالروايات كلها، يعني مثل ما يقال في النصوص في الأحاديث ولو بحمل عام على خاص أو مطلق على مقيد تعين، يعني مثل ما نعامل الأحاديث، وإن لم يمكن وعرف المتقدم من المتأخر، يعني مثل النسخ، وإلا فمذهبه أقربهما إلى أصوله.

فهؤلاء أضاعوا العمر في فهم أقوال العلماء من غير نظر في أدلتهم، والمقلد نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه ليس من أهل العلم، ويصرحون بأن قراءتهم لكتب السنة لمجرد البركة، وأن المتأخرين لا يستطيعون الاستنباط من النصوص، ولا يفهمون النصوص، وإنما تقرأ الكتب للبركة فقط، واعتماد هؤلاء على أقوال أئمتهم، فمثل هؤلاء لو أمضوا أعمارهم ما صاروا علماء، لماذا؟ لأن العلم معرفة الحق بدليله، وهؤلاء لا يعنون بالدليل، بل الدليل عندهم قول الإمام، ودليل ذلك قول فلان، نعم.

نسمع وتسمعون أحياناً عند القراء اقرأ يا فلان، فيقرأ قراءة، نعم، فيقول: الدليل على ذلك قول الشاطبي، ما سمعتم هذا؟ كثير هذا مما يذاع أيضاً، الدليل على ذلك قول الشاطبي، يعني هل قول الشاطبي مما يستدل به أو مما يستدل له؟ يستدل له، قول آدمي، قول بشر، فالدليل في الكتاب والسنة، وهؤلاء يقولون من المقلدة يقولون: الدليل قول أبي حنيفة كذا، الدليل قول أحمد كذا، طيب اجتهد يا أخي عندك نصوص، الإمام ليس بمعصوم، يقول: يا أخي متى نصل إلى درجة الإمام؟ يعني هل تظن أن الدليل المخالف ما بلغ الإمام أحمد؟ هل أنت أعرف من الإمام أحمد؟ أعرف من أبي حنيفة؟ ثم بعد ذلك يجمد، ويحرم بركة العلم والعمل، لماذا؟ لأنه ترك المصادر التي هي بالفعل المورثة للعلم الصحيح من الكتاب والسنة، وليس معنى هذا أننا نلغي كتب أهل العلم أبداً، ولا نطلع على أقوال أهل العلم، لا بد من معرفة أقوال العلماء ومعرفة مواضع الإجماع والخلاف لطالب العلم، يعني بعد معرفته للنصوص يقف على أقوال أهل العلم، كيف تعامل العلماء مع هذا النص؟ لماذا؟ لأن طالب العلم الذي لا يعرف أقوال العلماء قد يأتي بقول نعم يسبق فهمه إلى شيء من هذا النص لم يسبق إليه، فيكون بذلك قد خرق الإجماع، فيأتي بقول لم يسبق إليه، فلا بد من الاطلاع على أقوال العلماء، وكيف تصرفوا مع هذه النصوص؟ يعني لا يعني أننا نلغي كتب الفقه كما يطالب بعض من ينتسب إلى العلم، المصادر الأصلية عندنا الكتاب والسنة ولا ثالث لهما، الإجماع لا بد أن يعتمد على نص، القياس لا بد أن يكون الأصل له دليل، يعني فتعود الأدلة كلها إلى الكتاب والسنة، ومع ذلكم لا بد من الاطلاع على أقوال أهل العلم، ولا بد أن نؤطر فهمنا للنصوص بفهم السلف؛ لأنه طرأ على الأفهام ما يلوثها من علوم دخيلة، فإذا قرأت القرآن راجع ما يعينك على فهمه من أقوال سلف هذه الأمة؛ لئلا تضطر أن تفسر القرآن برأيك، وجاء التحذير والتنفير من تفسير القرآن بالرأي، إذا أردت أن تفهم السنة راجع كلام أهل العلم، لا تأتي بفهم لم يفهمه أهل العلم، فعلى هذا الأصل الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم لا سيما المتقدمين، لا يمكن أن يستغني عنها طالب علم.

وذكرنا مراراً أنه من باب المنهجية لطالب العلم أنه يحفظ النصوص، وهي العمدة وهي الأساس، ويعنى بمتن من المتون الفقهية، يدرسه يجعله خطة بحث، ما يجعله دستور ما يحيد عنه كعمل المقلدة، لا، يجعله خطة بحث، مسائله، كل مسألة في سطر أو في نصف سطر، يتصور هذه المسألة، يستدل لهذه المسألة، من وافق المؤلف من أهل العلم؟ من خالفه؟ دليل المخالف؟ يوازن بين الأدلة، ويكون محور البحث هذا الكتاب والعمدة على النص، فلا إفراط ولا تفريط، يعني لا نبالغ ونقول: يجب أن تحرق كتب الفقه وأقوال الرجال، وصدتنا عن...،  لا ما صدتنا، ما صدتنا عن الكتاب والسنة، عمدتنا الكتاب والسنة، ولا أيضاً الطرف المقابل يعتمد على هذه الكتب وتعامل على أنها دساتير لا يحاد عنها، لا، هي كتب البشر، يصيبون ويخطئون، فمن بحث عن الحق بدليله هذا هو العالم، وهو الذي يوفق ويسدد.

في أول الحديث يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) حسم للمادة، فإذا ثبت النهي عن أمر من الأمور لا مندوحة للشخص للمسلم، ولا خيار له في أن يفعل أو لا يفعل: ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يستثنى من ذلك المضطر، المضطر مستثنى، ولذا جاء تحريم الميتة وجاء إباحتها للمضطر، فالضرورات عند أهل العلم تبيح المحظورات، وما عدا ذلك هل للإنسان مندوحة في أن يفعل أو لا يفعل؟ هل له أن ينظر؟ لا، ليس له أن ينظر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لك مندوحة.

((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) يأتي الطرف الآخر ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) نعم، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] ((إن الدين يسر)) {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [(286) سورة البقرة] نعم المأمور به مقيد بالاستطاعة، المنهي عنه مجزوم بمنعه، من دون ثنية، ولا يستثنى من ذلك إلا المضطر، طيب.

المأمور به في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) فهو مأمور بالصلاة من قيام، مأمور بالصلاة من قيام، والصلاة من قعود مشروطة بعدم القدرة على القيام، فإن لم تستطع، ولذا جاء في حديثنا: ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) طيب قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- اشترط في صحة الصلاة من قعود عدم الاستطاعة ((صلِ قائماً)) وهذا نص يشمل جميع الصلوات ((فإن لم تستطع فقاعداً)) فإن لم تستطع ولا يجوز لك أن تعدل من القيام إلى القعود إلا مع العجز عن القيام، فماذا عن النافلة؟ هذا الحديث المقيد بالاستطاعة المشروط بالاستطاعة لصحة الصلاة من قعود قد يقول قائل: هو معارض بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) إذن تصح الصلاة من قعود، والنص الأول يشمل الفريضة والنافلة، والنص الثاني يشمل الفريضة والنافلة، إذن بينهما تعارض في الظاهر، ظاهر وإلا مو بظاهر يا إخوان؟ التعارض بين النصين ظاهر وإلا مو بظاهر؟ ظاهر؛ لأنه في حديث عمران قال: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) يعني الصلاة من قعود لا تصح إلا مع العجز، ومع الأسف أنه يوجد بعض الناس إذا أصابه شيء من المرض ولو كان يستطيع القيام يصلي قاعد، وبعض الناس إذا كبرت سنه وصعب عليه ثني رجله وإلا شيء ويستطيع القيام لأدنى سبب يجلس، هذه فريضة، شأنها عظيم، والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وتجده في المناسبات وما المناسبات وهو كبير سن يقول: لا أستطيع، أنا يتعبني القيام، يتعبني القعود، وفي المناسبات يقف عند باب قصر الأفراح له ساعة ينتظر الضيوف، نعم، ووجد شخص من سنين طويلة يصلي جالس ويوم العيد في العرضة واقف ساعتين متواصلتين، يعني هذا إشكال يا الإخوان، هذا خلل، يعني أرخصنا الدين إلى هذا الحد؟! يعني هل الدين بهذه المثابة بحيث يترخص الإنسان بأدنى سبب، وإذا جاءه مناسبة وإلا شيء صار من أنشط الناس وأشجع الناس؟ الدين رأس المال، دينك دينك، لحمك ودمك، يعني كل ما عدا الدين يهون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعمران وهو مصاب بالبواسير يصعب عليه القيام قال: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وقلنا: إن عموم الحديثين يعارض أحدهما الآخر، فلا بد من التوفيق بينهما ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) عمومه يشمل الفريضة والنافلة، كما أن عموم حديث عمران بن حصين يشمل الفريضة والنافلة، ولا بد من التوفيق بين النصين؛ لأنهما نصان صحيحان، ولا يوجد تعارض حقيقي في النصوص الصحيحة لا يمكن؛ لأنها من مشكاة واحدة.

أهل العلم حملوا حديث عمران بن حصين على الفريضة، وأنها لا تصح من قعود إلا للعاجز، وحملوا الحديث الثاني على النافلة لماذا؟ الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) متى قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة يعني فيها حمى، يعني الناس فيهم تعب، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، قاموا، لما سمعوا هذا الكلام، فهذه الصلاة التي كانوا يصلونها من قعود هل كانت فريضة وإلا نافلة؟ نعم؟

طالب:.......

فريضة وإلا نافلة؟ فريضة يصلون قبل ما يجي؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

من الإمام؟

طالب:.......

هم في المسجد، لكن نافلة وإلا فريضة؟

طالب:.......

نافلة قطعاً، هو الإمام، ما هم يصلون قبل ما يجي؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأتي على الإقامة، لماذا؟ لأنه يؤدي النوافل في بيته، ثم يؤذن بالإقامة فيأتي، نعم، فدخل عليهم وهم يصلون قطعاً نافلة؛ لأنهم صلوا قبل حضوره، فحمل هذا النص على النافلة، قصراً للعام على سببه، يقول قائل مثلاً: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ليش نلجأ إلى السبب واللفظ عام وأهل العلم يقررون: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ نعم؟ نقول: لا بد من اللجوء إلى السبب لدفع التعارض؛ لنحمل هذا الحديث على وجه، ونحمل الحديث الثاني على وجه، فيحمل هذا على الفريضة وهذا على النافلة.

((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) أيهما أشد من خلال هذا النص الذي معنا؟ أيهما أشد فعل محظور وإلا ترك مأمور؟ من خلال النص الذي معنا؟ السياق ويش يدل عليه؟ أيهما أشد فعل المحظور وإلا ترك المأمور؟ أيهما أشد؟

طالب:.......

فعل المحظور أشد من ترك المأمور، لماذا؟ لأنه هنا جزم ((فاجتنبوه)) ما في استثناء، بينما فعل المأمور ((أتوا منه ما استطعتم)) هذا يدل على أن الأمر أخف، ما قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوا منه ما استطعتم، نعم، وما أمرتكم به فافعلوه؛ لأن التعليق بالاستطاعة يدل على أن الأمر فيه شيء من الخفة، ولذا استنبط جمع من أهل العلم على أن فعل المحظور أشد من ترك المأمور، ظاهر من الحديث وإلا مو بظاهر؟ ظاهر من الحديث.

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقرر أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، لماذا؟

طالب:.......

نعم معصية إبليس ترك مأمور، ومعصية آدم فعل محظور، وأيهما أشد؟ نعم؟

طالب:.......

نعم ترك المأمور، ترك إبليس للسجود أعظم من أكل آدم من الشجرة، لكن هل هذه الشدة والخفة في الأمرين الذين ذكرهما شيخ الإسلام هل هو لذات المأمور والمحظور؟ أو لما احتف بمعصية آدم واحتف بمعصية إبليس؟ معصية آدم ما الذي احتف بها؟ الندم والتوبة والانكسار، ومعصية إبليس احتف بها استكبار، فهل يتم الاستدلال بمثل هذا؟ يتم؟ ما يتم، يعني شخص فعل معصية واقترن بفعله المعصية خوف ووجل من الله -جل وعلا-، ودفعته إليها غريزة، وشخص ترك مأمور مستهتر، نعم هذا أشد بلا شك؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً بلا شك، هذا أمر مقرر في الشرع، والقول المحرر المحقق في هذه المسألة أن الحديث يدل على ما ذهب إليه الأكثر، لكن ليس كل مسألة فيها تعارض بين مأمور ومحظور يكون ترك المأمور أعظم أو فعل المحظور أعظم.

نعم أذان؟

طيب.

يا إخوان هذه مسألة مهمة جداً ترى، نعم.

نعود إلى المسألة التي دل الحديث على أن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور، والسبب ما ذكر، واختيار الشيخ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- العكس، وحجته ما سمعتم، والذي يمكن أن يقال في هذه المسألة: إنه لا يمكن أن يحكم بحكم عام مطرد؛ لأن المسألة مفترضة في مأمور ومحظور، مأمور يترتب عليه من الثواب بقدر ما يترتب على ترك ذلك المحظور والعكس، أو يترتب على فعل ذلك المحظور بقدر ما يترتب على ذلك المأمور، إذا وجد أمران متساويان يمكن أن نفاضل، نعم لكن هذا يندر، افترض المسألة في وجوب صلاة الجماعة، صلاة الجماعة واجبة، في طريقك إلى المسجد، أو في المسجد نفسه تشاهد شخص عاصي حليق مثلاً وآخر مسبل، ولا تستطيع الإنكار عليهما، تقول: والله با أترك الجماعة من أجل وجود مثل هؤلاء؟ أنت عندك مأمور، أنت مأمور بالصلاة مع الجماعة حيث ينادى بها، وأنت ترتكب محظور في تركك الإنكار على مثل هؤلاء، نقول لك: اترك الجماعة من أجل هؤلاء؟ تعارض عندك فعل محظور وترك مأمور، نعم؟ يمكن أن يتعارض مثل هذا؟

نقول: يا أخي هذا المحظور أمر يسير بالنسبة لما أمرت به، افترض المسألة في معصية أخرى، أنت مأمور بفعل الصلاة جماعة في المسجد حيث ينادى بها، واجب عليك، ما حضرت تأثم، لكن في طريقك إلى المسجد بغي وعندها ظالم لا بد أن تقع عليها حتى تعبر إلى المسجد، تعارض عندك فعل مأمور وارتكاب محظور، ترك مأمور وإلا ارتكاب...، تقول: أبروح أصلي لو وقعت على هذه البغي لأني لا أستطيع أن أترك المأمور؟ نعم؟ لا يا أخي، فكل مسألة تقدر بقدرها، افترض المسألة في زواج أخيك، دعاك لزواجه، أنت مأمور بأن تجيب دعوته من وجوه، الصلة في مثل هذا واجبة، لا بد أن تحضر، نعم، افترض أن المسألة هذا العرس هذه الدعوة فيها منكر أنت لا تستطيع إنكاره، وإذا كان المنكر مما تراه في كل مكان واستمرأه الناس، وعمت به البلوى، حلق لحى وإلا إسبال وإلا شيء نقول: يا أخي الصلة أولى من هذا، ما تترك من أجل هذا، لكن افترض المسألة فيه ما هو أعظم من ذلك، زواج شخص يدعو أخته لحضور الزواج والزواج فيه تصوير، وفيه بلاء، وفيه أغاني، يا أخي ما يلزم، فكل مسألة تقدر بقدرها، لا نقول: مطلقاً ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور أو العكس، بل كل مسألة تقدر بقدرها.

يعني لو افترضنا مثلاً مثل المسألة الذي ضربناها في صلاة الجماعة، ضربنا المسألة في صلاة الجماعة، صلاة الجماعة واجبة وفي المسجد حيث ينادى بها، تقول لي: والله في المسجد واحد حليق أنا لا أطيق رؤية العاصي، وأنا لا أستطيع الإنكار عليه، تترك المأمور من أجل ارتكاب هذا المحظور؟ ما تترك يا أخي، لكن المسألة الثانية التي افترضت في بغي في طريقك إلى المسجد، ولا بد من الوقوع عليها فعل الفاحشة بها، بالقوة عندها ظالم، ما يمكن أن تتعداه إلا وتفعل، نقول: لا يا أخي صل في بيتك، فالمسائل تتفاوت، المحظورات متفاوتة، والمأمورات متفاوتة.

يعني نظير ما يقرره أهل العلم أن النفع المتعدي أفضل من القاصر صح وإلا لا؟ مو بيقررون هذا؟ نقول: ما يلزم يا أخي، الصلاة أعظم من الزكاة، الصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، هل يستطيع أحد أن يقول: إن الزكاة أفضل من الصلاة؟ قواعد عامة، لكن عند التطبيق لا بد أن ينظر في كل مسألة على حدة، عند التعارض مثل هذا لا بد أن ننظر في كل مسألة على حدة، هناك أمور مصالح ومفاسد، فننظر إلى التعارض في المصالح والمفاسد، فعندنا مصلحة محضة لا بد من الإتيان بها، مفسدة محضة لا بد من اجتنابها، هذا العمل الذي تريد أن تعمله انظر فيه، فيه مصلحة؟ نعم، فيه مفسدة؟ لا، لا بد أن تأتي به، هذا العمل الذي قررت وتخمر في ذهنك أنك تقدم عليه في مفسدة؟ نعم، في مصلحة؟ لا، إذاً لا بد أن تترك، فيه مصلحة راجحة ومفسدة مرجوحة يغلب جانب المصلحة لا سيما إذا كانت المفسدة يسيرة مثل ما نظرنا بشخص مسبل وإلا حليق وإلا في المسجد، تعمل هذه المصلحة، العكس لو كانت المفسدة هي الراجحة نعم، يترك العمل، إذا كانت المصلحة مساوية للمفسدة متساويتان هذه ما يقول فيها أهل العلم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أظن هذا ظاهر، نعم، هذا أمر مقرر عند أهل العلم.

ونكتفي بهذا، ونجيب على الأسئلة وإلا...؟، الأسئلة كثيرة جداً، ولعلنا نكتفي بما سمعنا، وإلا الحديث حديث قاعدة من قواعد الشرع، وعظيم ويحتاج إلى دروس ما هو بدرس، والله المستعان.

والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.