الستر على أهل المعاصي

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) فإن رأيت أخاك المسلم في وضع لا يحب أن يعرف الناس عنه أنه يزاول هذا العمل أو يتصف بهذا الوصف تستر عليه ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة))، لكن الستر ليس على إطلاقه -كما قرر ذلك أهل العلم-، فمن الناس من يستحق الستر، من حصلت منه هفوة أو زلة، وعرف منه أنه لا يعاود ذلك ولا يتكرر منه؛ مثل هذا يستحق الستر، لكن من عُرِف بالفواحش والمنكرات فهذا لا يستحق الستر، هذا لا بد من إيقاع حد الله عليه، لا بد من ردعه؛ لأننا إذا سترنا مثل هذا عطلنا الحدود. الحدود ما شرعت إلا لردع مثله، فلا يستر عليه حينئذٍ. ونسمع من يطالب بالستر المطلق استدلالاً بمثل هذا الحديث، نقول: الستر المطلق توطئة للإباحية، إذًا لا داعي أن تشرع حدود، وأنت إذا وجدت من يزاول المنكر تركته مطلقًا، هذا توطئة للإباحية، فلا بد من أن يردع مثل هذا، وأن يكف شره عن المجتمع، فيرتدع هو ويرتدع غيره ممن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذا المنكر؛ ولذا شُرِع إعلان الحدود: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [(2) سورة النــور] ليرتدع بنفسه في إقامة الحد عليه، ويرتدع أيضًا غيره، وبعض الناس يقول: إن عدم الستر من باب إشاعة المنكر، من باب إشاعة الفاحشة. نقول: لا، إن الستر في بعض أحواله هو الذي يحقق شيوع الفاحشة، إذا سترت على فلان وعلان وبدون قيد ولا شرط شاعت الفاحشة بين الناس، لكن إذا أقيم الحد على هذا المرتكِب للمنكر امتنع، وقَلَّتِ الفاحشة، وقد تنتهي الفاحشة من المجتمع، يعني بعض الناس يستعمل النصوص في غير مواردها، فالذي يطالب بالستر المطلق لا شك أن هذا يطالب بإلغاء الحدود، ويطالب أيضًا بانتشار الفاحشة بين الناس؛ لأنه لا يكف عن الفواحش إلا هذه الحدود التي شرعها الشارع الحكيم.