تعويد النفس على العبادة في أوقات الرخاء

نجد بعض طلاب العلم في الأوقات الفاضلة عشرَيْ رمضان وذي الحجة مثلًا، والأماكن الفاضلة في المسجد الحرام أو النبوي، وقد يكون قطع مسافات طويلة؛ رغبة في الخير والثواب، فتراه يصلي العصر ويمسك المصحف فيقرأ بضع دقائق، ثم يلتفت لعله يرى أحدًا ممن يعرفه يحدثه إلى الإفطار، فإن جاءه أحد وإلا قام يبحث عما يشغل به وقته من كلام أو نظر للذاهب والآيب، تخونه سابقته العملية؛ لأنه لم يتعوّد على الحزم، وليس له ورد يومي من كتاب الله لا يخل به سفرًا ولا حضرًا، بل ربما كان طول عامه لم يفتح المصحف، لم يتعرف على الله في السعة بالتقرب إليه بالطاعات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة» [أحمد في مسنده (2803)]، فكيف يُوفَّق لاستغلال الوقت الفاضل ولاغتنام المواسم المباركة من شَغَل وقته طيلة عامه بالقيل والقال، والاستراحات والطلعات، والتنزه والرحلات؟!

فمثل هذا لا يُوَفَّق لاغتنام الفرص ولا إلى استباق الخيرات، ومثل ذلك ما يقع لكثير من المخلطين الذين لا يحتاطون لمنطقهم، فإذا حجَّ أحدهم -وقد علم قوله صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [البخاري (1521) ومسلم (1350) واللفظ للبخاري]- يقول: الحج أربعة أيام فقط، والصبر عن اللغو والرفث والفسوق مدة أربعة أيام سهل، لكن هل يُوفَّق لمثل هذا؟! كلا؛ لأنه اعتاد على القيل والقال، ولا تطاوع نفسه إذا أراد الصبر عما اعتاد.