الخلاف في مسافة السفر المبيح للترخص

اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله- أن كل ما يطلق عليه سفر عرفا أنه يترخص فيه، وأن النصوص مطلقة فلا تقيَّد بغير مقيِّد شرعي. والجمهور على أن المسافة لا بد منها، فلا يسمى سفرًا إلا إذا بلغ هذه المسافة، إما يومان قاصدان على قول الحنابلة والشافعية، أو يوم وليلة على رأي الإمام البخاري، أو خمسة عشر يومًا على رأي الحنفية، وابن عباس يقول في مسافة القصر: ما بين مكة وجدة، وما بين مكة والطائف، وما بين مكة وعسفان [الموطأ: 342]، يعني ثمانين كيلًا، مسيرة يومين قاصدين. وابن حزم يقول ميل واحد، فإذا خرج الإنسان أقل من كيلوين يجمع ويقصر. فالمسألة خلافية. ولا شك أن القول بالإطلاق هو الأصل، إذ لا يوجد مقيِّد من فعله أو من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أهل العلم التمسوا أدلة قد لا تنهض للتقييد، من أقوال الصحابة، ومن أفعاله -عليه الصلاة والسلام-، التي لا يدرى هل تقبل الزيادة أو لا؟ لأن اتفاقه أنه مكث بمكة أربعة أيام، لا يعني أنه لو مكث خمسة ما جمع ولا قصر. لكن مع ذلك يُفتي بالتقييد جمع من أهل التحقيق، وأهل التحري والاتباع؛ من أجل الاحتياط للصلاة والصيام والعبادة، ومن أجل الخروج من العهدة وبراءة الذمة. وإلا لو قيل بالإطلاق، وألقي مثل هذا الكلام على عموم الناس، فإنهم لا يقدرون الأمور قدرها. بل وجد من يجمع ويقصر ولا يصوم السنين المتعددة. وترتب على هذا ضياع هذه العبادات. والشيخ ابن باز –رحمه الله- قال في مجموع فتاواه: إنه كان يفتي بقول شيخ الإسلام ثم رجع عنه إلى قول الجمهور؛ لأنه يرى أن هذا أبرأ للذمة ولا يتحقق الاحتياط لهذه العبادات إلا بهذا.