القبلة للصائم

جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم» [البخاري: 1928] ثم رواه البخاري أيضًا [1929] من حديث أم سلمة-رضي الله عنها- قالت في حديث طويل: «كان يُقبِّلها وهو صائم».

قال المازري –رحمه الله-: (فإن كانت القبلة تثير من المقبّل الإِنزال كانت محرمة عليه؛ لأن الإِنزال المكتسب يُمنع منه الصائم، فكذلك ما أوقع فيه وأدى إليه، وإن كان إنما يكون عنها المذي فيجري ذلك على حكم القضاء منه، فمن رأى أن القضاء منه واجب أوجب الكفّ عن القبلة، ومن رأى أن القضاء منه مستحب استحب الكفّ، وإن كانت القبلة لا تُؤَدي إلى شيء مِمَّا ذكر ولا تحرّك لذة فلا معنى للمنع منها إلا على طريقة من يَحمِي الذريعة –سد الذريعة- فيكون للنَّهْي عن ذلك وجه)، وهذا الكلام للمازري –رحمه الله- من باب تعليق الحكم بالمظنة، ولا شك أن الشاب يختلف حكمه عن الشيخ، فالشاب أسرع بالنسبة لثوران الشهوة، وأسرع إلى إبطال الصوم من الشيخ الكبير، ولذا جاء التفريق بينهما في حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: «أن رجلاً سأل النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم فرخَّص له، وأتاه آخرُ فسأله فنهاه، فإذا الذي رخصَ له شَيْخٌ، والذي نهاه شابٌّ» [أبو داود: 2387]، وكذلك فقد شبه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبلة الصائم بالمضمضة،  فعن عمر -رضي الله عنه- قال: «هششت فقبّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبّلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فمه؟!» [أبو داود: 2385] وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وإسناده صحيح.

وللمازري كلام بديع حول هذا الحديث، يقول: (من بديع ما ورد في جواز ذلك –القبلة للصائم-  قوله -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن القبلة للصائم: «أرأيت لو تمضمضت»  فأشار بذلك إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة قد تقرر عندهم أنها لا تنقض الصوم؛ لأنهم كانوا يتوضؤون وهم صيام، والمضمضة أوائل الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصوم، فكذلك أوائل الجماع) وهذا تنظير مطابق من النبي -عليه الصلاة والسلام- شبّه فيه قبلة الصائم بالماء.

وعلى كل حال فإذا غلب على الظن أو خطر على البال أن الصوم يتعرض إلى خلل أو إبطال فإنه يُمنع من المقدمات، أما إذا كان الإنسان في مأمن من ذلك فإنه لا بأس به، والله أعلم.