التدرج في طلب العلم

تصنيف الطلاب وتقسيمهم إلى مبتدئين ومتوسطين ومنتهين على الطرق المعروفة عند أهل العلم، وتأليف العلماء للكتب على قدر عقول كل فئة، هذا ليس عبثًا، بل جُرّب من مئات السنين، ووجد من أنفع الأمور، إلى طبقة شيوخنا المبرزين في العلم والعمل ولله الحمد وهم على هذه الجادة، وهي جادة مثمرة، وأنتجت فحولًا.

قد يقول قائل: إن هذه التقسيمات لا توجد عند سلف الأمة! فيقال له: سلف الأمة عندهم من الأذهان الصافية، وسلامة الفطرة، ومعرفة اللغة، ومعاصرة النصوص على وجهها ما يؤهلهم للاستنباط مباشرة، لكن الشخص الذي لا يعرف العام من الخاص، ولا المطلق من المقيد، ولا الناسخ من المنسوخ، هذا كيف يتعامل مع النصوص؟ لا يستطيع أن يتعامل حتى يتأهل؛ لأن العلم ينمو في ذهن الإنسان كما ينمو جسمه، فلا يقال: (هذا شاب كامل القريحة، تجاوزوا به المراحل، وأعطوه كتب المتقدمين)، لا، حتى ولو كان من أذكى الناس وأنبلهم، لا بد أن يتدرج؛ لأن العلم سلّم يصعد عليه، حتى يصل بصاحبه إلى السقف.