فتنة المسلم عند مخالفة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-

قال الله سبحانه وتعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣ ] يقول الإمام أحمد -رحمه الله- في رواية الفضل بن زياد: (نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة وثلاثين موضعًا، ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}  [النور: ٦٣ ] وجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة؟ الشرك، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ فيهلكه، وجعل يتلو هذه الآية:  {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥ ])، فمخالفة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- تجر إلى ما فوقها، ولو كان المأمور به مندوبًا، فترك المندوبات يجرك إلى ترك الواجبات، وترك الواجبات يجرك إلى ما هو أعظم، كما أن الإكثار من المباحات يدعو إلى الوقوع في المكروهات، ثم الشبهات، ثم المحرمات، ولذا عُرف عن السلف أنهم يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، «ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» [البخاري: 52]، فعلى المسلم أن يحتاط لنفسه، ويضع سياجًا يحول دونه ودون الزيغ عن سبيل الله؛ لأنه إذا لم يحتط تساهل شيئًا فشيئًا ثم بعد ذلك يقع فيما هو أعظم منه، وقد ذُكر عن بشر المريسي أنه في سجوده يقول: (سبحان ربي الأسفل)! تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وهذا لا يمكن أن يقوله مسلم عاقل أول مرة مهما كان عنده من شبهات، بل لابد أن يكون قد قال قبلها عشرات من الجمل والكلمات مما لا يرضاه الله -جل وعلا- فاستُدرج حتى وصل إلى هذه المرحلة. ويقول ابن عربي:

بذكر الله تزداد الذنوب 

 

وتنطمس البصائر والقلوب

ولا يمكن أن تكون هذه أول زلة وقعت منه، بل لابد أن يكون قد قال قبلها آلاف من الكلمات، ثم بعد ذلك عوقب بما هو أشد، ثم عوقب بما هو أشد، إلى أن وقع في مثل هذا الكلام -نسأل الله العافية-.