مسألة اللفظ بالقرآن

مسألةُ اللفظ بِالقرآنِ، هي المسألةُ العُظْمَى التي تَكَلَّمَ بها السلَفُ، وَرَمَوْا مَنْ قَالَ: ( لفْظِي بِالقرآنِ مخلوقٌ) بِالبدعةِ؛ لأنَّ هذا كلامٌ لمْ يَقُلْهُ النبيُّ ﷺ ولا قَالَهُ سلفُ الأمةِ، وهو في الحقيقةِ يَحْتَاجُ إلى تفصيلٍ، يَقُولُ ابن القيم –رحمه الله-:

الكُلُّ مخلوقٌ وليسَ كلامُهُ

 

المَتْلُوُّ مخلوقًا هما شيئانِ

فَعليْكَ بِالتفصيلِ والتمييزِ فَال

 

إطلاقُ والإجمالُ دونَ بيانِ

قد أفْسَدَا هذا الوُجودَ وخبَّطا الـ

 

أذهانَ والآراءَ كُلَّ زمانِ

وتلاوةُ القرآنِ في تعريفِهَا

 

بِاللامِ قدْ يُعنَى بها شيئانِ

يُعْنَى بها المَتْلُوُّ فهو كلامُه

 

هو غيرُ مخلوقٍ كَذِي الأكْوَانِ

ويُرَادُ أفعالُ العبادِ كصوْتِهم

 

وأدائِهِم وكِلاهُمَا خَلْقَانِ

هذا الذي نَصَّتْ عليهِ أئمةُ الـ

 

إسلامِ أهلُ العلمِ والعِرْفَانِ

وهو الذي قَصَدَ البخاريُّ الرَّضِى

 

لكنْ تَقَاصَرَ قاصِرُ الأذهانِ

عَنْ فَهْمِهِ كتقاصُرِ الأفهامِ عَنْ

 

قوْلِ الإمامِ الأعظمِ الشيْبانِي

في اللفظِ لمَّا أنْ نَفَى الضِّدَّيْنِ عن

 

هُ واهْتَدَى للنفْيِ ذو عِرْفَانِ

الإمامُ أحمدُ –رحمه الله ما يَقُولُ بأن اللفْظ بِالقرآنِ مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوقٍ، وليس مَعْنَى هذا أنَّهُ تَوَقَّفَ في كونِ أفْعَالِ العبادِ مخلوقةً للهِ؛ وإنَّما هو حسْمٌ للمادةِ، وسَدٌّ للبابِ، واحتياطٌ للاعتقادِ الصحيحِ؛ لأنَّك إذا قُلْتَ: (لفْظِي بِالقرآنِ مخلوقٌ)، واللفظُ مُحْتَمِلٌ، فقدْ يَسْمَعُها شخصٌ فَيُلْقِيها على إطلاقِها، لكنَّ البخاريَّ صَرَّحَ بِأنَّ عبارة (لفْظِي بِالقرآنِ مخلوقٌ) بِاعتبارِ أنَّهُ كَلامِي، والكلام من فعل العبد وهو مخلوق، والإمامُ أحمدُ –رحمه الله- سَدَّ البابَ بِاعتبارِ أنَّهُ يُحتَمَلُ أن يكونَ المرادُ اللفظَ الذي هو صوتُ القارئِ، ويُحتَمَلُ أنَّهُ الملفوظُ المقروءُ المَتْلُوُّ، وهو كلامُ اللهِ، وما دَامَ الاحتمالُ قائمًا فسدُّ البابِ أحوطُ كباقي الألفاظِ المُجْمَلَةِ التي تَحْتَاجُ إلى بيانٍ. والإمامُ الذُهْلِيُّ –رحمه الله- احْتَاط لهذه المسألةِ مِثلَ ما احْتَاط الإمامُ أحمدُ، فَصَارَ بيْنَه وبين البخاري مِنَ العداوةِ ما صَارَ، وحَصَلَ ما حَصَلَ، وامْتُحِنَ البخاريُّ وطُرِدَ مِنْ نَيْسَابورَ.

فاللفظُ يَصلُحُ مصدرًا هو فِعْلُنا

كتَلفُّظٍ بِتلاوةِ القرآنِ

وكذاك يَصلُحُ نَفْسَ ملفوظٍ بِهِ

وهو القرانُ فذان مُحتَمَلانِ

فَلِذاكَ أنْكَرَ أحمدُ الإطلاقَ في

نفْيٍ وإثباتٍ بِلا فُرْقَانِ