شرح الموطأ - كتاب الصيام (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب من أجمع الصيام قبل الفجر. حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر. وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، عن عائشة، وحفصة زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب من أجمع الصيام قبل الفجر، الإجماع يراد به هنا إحكام النية والقصد والعزيمة، تقول: أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه، بمعنى المقصود أن الصيام هل تشترط له النية متقدمة على أول أجزائه كسائر العبادات، وهل يشمله حديث عمر المتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات» أو لا يشمله ولا يحتاج إلى نية؟ المؤلف يقول: باب من أجمع الصيام قبل الفجر، حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر، أي عزم عليه وقصد له، فالنية شرط لصحة الصيام كغيره من العبادات؛ لعموم حديث عمر -رضي الله تعالى عنه-: «إنما الأعمال بالنيات إنما الأعمال بالنيات» وهذا الخبر -كما ترون- موقوف على ابن عمر وأردفه بالمرفوع من حديث عائشة وحفصة زوجي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولفظه: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» فدل على أن النية شرط لصحته، الترمذي رجح الموقوف، ومقتضى ترجيح الموقوف إعلال المرفوع به، لكن المرفوع أيضًا مرجح من قبل جمع من أهل العلم كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم، جمع من أهل العلم المقصود، أنه لو لم يكن في الباب إلا حديث عمر: «إنما الأعمال» و(ال) هذه جنسية تشمل جميع الأعمال التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، فلا تصح إلا بالنية، من أجمع الصيام قبل الفجر لا بد أن تكون هذه النية قبل أول أجزاء ما اشترطت له، لا بد أن تكون متقدمة عليه وتستصحب هذه النية حتى يفرغ من العبادة، الصوم ترك للأكل والشرب والشهوة: «يدع طعامه وشرابه من أجلي» فهو ترك، فكيف يدخل وهو ترك في حديث: «إنما الأعمال»؟ وهذا ترك، نقول: هو ترك، والترك عمل قلبي؛ ولذا قال الصحابي:

لئن قعدنا والنبي يعمل        .

 

فذاك منا العمل المضلِّل .

يسمي تركهم مشاركة النبي -عليه الصلاة والسلام- في بناء المسجد تركًا، وسماه عملاً، فالتروك داخلة تحتاج إلى نية لتترتب عليها آثارها من الصحة والثواب، فلا بد فيها من النية، وبالنسبة لصيام الفرض لا بد أن تكون النية قبل مباشرة العبادة قبل الفجر، جاء ما يخص النافلة ويخرجها من عموم هذه النصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل على أهله فيسألهم: «هل عندهم شيء مما يؤكل؟» فإذا قالوا: لا، قال: «إني صائم»، فاستثنى جمع من أهل العلم النفل، وأنه يصح بالنية من النهار، والأكثر على أنها لا بد أن تكون قبل زوال الشمس؛ ليكون الحكم للغالب، ومنهم من طرد ذلك إلى آخر لحظة من النهار ما لم يأكل، وفضل الله واسع، وهل يحتسب له الأجر من نيته أو من أول النهار؟ يعني هل تنعطف النية على ما قبلها أو لا تنعطف على ما مضى؟ دخل الساعة تسع قال: أعطونا  الفطور، قالوا: ما فيه شيء، قال: أنا أجل صائم.

طالب: ...............

فضل الله واسع؛ لأن الصيام لا بد أن يكون كاملاً لا يقبل التجزئة؛ ولذا الذي لا يستطيع أن يصوم النهار كاملاً يفترض أن عنده علاجًا محددًا، كل ثمان ساعات حبة ثلاث مرات باليوم، أو كل اثنتي عشرة ساعة تبدأ الاثنا عشر من بعد صلاة الفجر إلى غروب الشمس يصح صيامه والا ما يصح؟ ما يصح؛ لأنه لا يقبل التجزئة، فالنية عند جمع من أهل العلم تنعطف على ما قبلها، ونظير ذلك من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومثل هذا في صلاة الصبح من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، الركعة الأولى التي أدركها في الوقت أداء بلا شك والركعة الثانية التي فعلها بعد طلوع الشمس قضاء، عند الأكثر أداء؛ لأن الصلاة لا تقبل التجزئة، وفضل الله واسع مادام أدرك المقصود أن مثل هذا النية تنعطف ما لم يأكل قبلها أو يشرب، فله أن ينوي الصيام من أثناء النهار.

طالب: ...............

بالنسبة للنفل؟

طالب: ...............

النافلة تصح من النهار، الحديث نص فيها من النهار.

طالب: ...............

ما يظهر هذا خلاف الأصل هذا حتى لو انعزم وطلب الأكل من نوى الإفطار أفطر عند أهل العلم، من نوى الإفطار أفطر؛ لأن المطلوب استصحاب النية في كل عبادة، لا بد أن تستصحب النية، استصحاب ماذا؟ حكم النية لا استصحاب الذكر؛ ولذا يقولون في الوضوء: يشترط استصحاب حكمها ولا يشترط استصحاب ذكرها، استصحاب الحكم ألّا ينوي القطع قبل تمام الطهارة، يعني لما غسل الوجه واليدين أحس بريح في جوفه فأراد إخراجها فلم تخرج، ثم أكمل يكمل والا يستأنف؟ يستأنف ولا بد؛ لأنه لم يستصحب حكم النية، لكن لما انتهى من الوضوء غسل رجليه وأحس بريح، فأراد أن يخرج هذه الريح فلم تخرج يؤثر والا ما يؤثر؟ ما يؤثر ما لم يحدث، إذا أحدث «لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» فهو لم يحدث، فالمسألة في أثناء العبادة لا بد من استصحاب الحكم، وقُل مثل هذا في الصيام، نعم.

طالب: ...............

يا أخي فضل الله واسع ولا يحد، يعني يمكن الإنسان أن يصوم من يبيت النية قبل الفجر ولا يكتب له من أجره شيء؟ نعم؛ لأنه لم تترتب الآثار عليه صيامه صحيح ومسقط للطلب، لكن ليس له عليه أجر؛ لأنه زاول فيه بعض المنكرات من قول الزور والكذب والغيبة وما أشبه ذلك، الصيام جنة ما لم يخرقها.

يقول: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك، والحديث مخرج في السنن، مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من طريق أمي المؤمنين -رضي الله تعالى عنهما- مرفوعًا.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في تعجيل الفطر

حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيَّب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب ما جاء في تعجيل الفطر من الحث عليه والتأكيد.

حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم سلمة بن دينار الزاهد المعروف، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير» وفي حديث أبي هريرة: «لا يزال الدين ظاهرًا» يقول الحافظ ابن حجر: ظهور الدين مستلزم لدوام الخير، يعني فالمعنى واحد، ظهور الدين مستلزم لدوام الخير: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» زاد أبو ذر في روايته: «وأخّروا السحور» أخرجه أحمد عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون الفطر، وتأخيرهم -كما جاء في بعض الروايات- إلى أن تشتبك النجوم، يؤخرون الفطر، وجاء من يقلدهم ويحذو حذوهم ممن ينتسب إلى الإسلام فيؤخرون المغرب، صلاة المغرب إلى أن تشتبك النجوم، ويؤخرون الفطر، وهذا من وجوه مشابهتهم لليهود، فيقول ابن عبد البر -رحمه الله-: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة، لا شك أنها استفاضت واشتهرت شهرة، بحيث لا تخفى على أحد، والتأخير الذي يفعله بعض الناس احتياطًا يفعله بعض الناس احتياطًا؛ لأن الشيطان يسوّل لهم ويملي، وقد يكون بعضهم في البر بحيث يرى قرص الشمس وهو يسقط ويختفي بالكلية، ومع ذلك يؤخر زاعمًا أنه يحتاط لهذه العبادة ويعجل السحور احتياطًا لهذه العبادة، والاحتياط كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- إذا أدّى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتعجيل، تعجيل الفطر، ونحن نقول هذا من باب الاحتياط؟! والشيطان لا يزال بالعبد يوسوس له بمثل هذه الأعذار حتى يسترسل، وإذا أجابه في خطوة حاوله بالخطوة التي تليها وهكذا إلى أن يصل المسألة إلى حد الوسواس، وهذا من شؤم مخالفة السنة؛ تجد بعض الناس لا يصفو له من الوقت الذي يأكل فيه على حد زعمه ولا ساعة يقدم السحور ويؤخر الفطور تأخيرًا بالغًا، ولا شك أن مثل هذا من شؤم مخالفة السنة، بحيث يبتلى الإنسان بمثل هذا والوساوس التي كانت قبل ذلك خواطر وهواجس وحديث نفس لا يزال الشيطان بالمسلم حتى يصل به الحد إلى أن يترك العبادة، أحدٌ يقول: ما ارتحت إلى أن تركت الصلاة، ما ارتاح إلى أن ترك الصلاة، لماذا؟ الشيطان يحاول به أن يترك الصلاة من أول الأمر ما يستطيع؛ لأنه نشأ على الفطرة وعاش بين المسلمين وهو في الأصل ملتزم مستقيم، لكنه إذا لم يستطع أن يجره إلى الوراء دفعه إلى الأمام فيوسوس له في الوضوء ويمكث الساعات، هل نوى أو ما نوى وهل سمى أو لم يسمِّ؟

فيمكث الساعات ليتوضأ ثم بعد ذلك يمكث وقتًا طويلاً من أجل ماذا؟ من أجل أن يصلي، كلما شرع في الصلاة قطعها قال: ما نويت، تظنون أن المسألة سهلة يا إخوان، هذا شخص ترك العمل لماذا؟ لأنه يحتاج أن يتوضأ من الساعة تسع إلى قرب وقت صلاة العصر، ترك الدوام، طرق علي الباب مرة في الثامنة من الصباح، الساعة الثامنة في الشتاء وصلاة العشاء مر عليها كم ساعة؟ أكثر من اثنتي عشرة ساعة يقول: إلى الآن ما استطاع أن يصلي العشاء؛ ولذا في النهاية قال قائلهم: إنه ما ارتاح حتى ترك الصلاة. فأقول: خطوات الشيطان هذه على المسلم أن يقطعها من أولها ولا يلتفت إليها، فإذا قال لك: تحتاط، كيف تحتاط؟ الاحتياط في ترك هذا الاحتياط الذي يجرك إلى مثل هذه المحظورات، فمجرد ما يسقط قرص الشمس ويقبل الليل من هاهنا ويدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم شاء أم أبى.

يقول: وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» الأول من حديث سهل بن سعد، والثاني أرسله الإمام مالك -رحمه الله تعالى- وهو مخرَّج في المسند من حديث أبي هريرة من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة، كلاهما عن أبي هريرة، فهو موصول، ومالك -رحمه الله- تكرر منه الإرسال، مر بنا مرارًا أن الأحاديث يوردها مرسلة وهي في الصحيحين موصولة من طريقه رحمه الله، من طريقه موصولة، وهذا بناء على ما يذهب إليه من أن المسند والمرسل سواء ويحتج بالمرسل كما يحتج بالمسند.

واحتج مالك كذا النعمان   .

 

به وتابعوهما ودانوا     .

والتعجيل إنما يكون بعد تيقن غروب الشمس، فلا يجوز فطر الشاك في غروبها؛ لأن الأصل بقاء النهار، الشك لا يبنى عليه حكم، لكن إذا تيقن غروب الشمس يبادر بالفطر.

 

طالب: .................

يعني بالنسبة للحائض؟

طالب: .................

الحائض معروف أنها إذا طهرت قبل طلوع الفجر يصح صيامها كالجنب على ما سيأتي قريبا في الجنب، يصح صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان، سيأتي والحائض مثله، لكن أنت تريد أن تقول: إن هذه المرأة حاضت بعد أذان الصبح، بعد الأذان، والصبح في الحقيقة لم يدخل حاضت أو طهرت وجودًا وعدمًا.

طالب: .................

لا، هل تقضي هذه الصلاة أو لا تقضي؟

طالب: .................

الصيام؟

طالب: .................

على كل حال لو لو طَهُرت بعد الأذان بزمن يسير يقال لها من باب الاحتياط: تلزم؛ لئلا تفطر يومًا من رمضان، وقضاؤه احتياطًا حتى يثبت الخبر القطعي، ولا بد أن يشكل لجنة تنظر في الموضوع؛ لأن بعض أعضاء اللجنة الأولى حصل عندهم تردد التي بُنيت عليها الفتوى السابقة، وإلا معروف عند أهل العلم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وعلى كل حال مادام عوام المسلمين أفتوا بشيء تبرأ الذمة بتقليد من أفتاهم، ويبقى أن المسألة لا بد من النظر فيها من إعادة النظر فيها.

طالب: .................

أفتى بأن التقويم مطابق بناء على الفتوى السابقة التي اعتمدت على تقرير اللجنة الأولى، وبعض الناس ما زال التشكيك؛ لأن بعض من يقول بأن التقويم متقدم على طلوع الصبح ثقات وعندهم خبرة.

طالب: .................

كلموا المشايخ، كلموا الإفتاء.

 

 

يقول: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- وعثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهما- كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، يعني بعد تيقن غروب الشمس قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان، يعني هل فعل هذين الخليفتين، وهما إمامان من أئمة الهدى ممن أمرنا بالاقتداء بهما وسننهما سنن معتبرة شرعًا، لكن معروف هذا أنه إذا لم يخالف المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أما إذا خالف قول واحد من الأربعة قول النبي -عليه الصلاة والسلام- فالعبرة بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، هنا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان، كانا يعجلان صلاة المغرب. يقول الشراح: لأنه مشروع اتفاقًا يعني تعجيل المغرب، وماذا عن تعجيل الفطر؟ مشروع والا ليس بمشروع؟ مشروع بلا شك، والأدلة صحاح متواترة كما قال ابن عبد البر: يقولون وليس من تأخير الفطر المكروه؛ لأنه إنما يكره إلى اشتباك النجوم على وجه المبالغة، فهم أخروا هذه العبادة من أجل المبادرة إلى عبادة أخرى أُمر بتعجيلها، هذا قاله الباجي وغيره، لكن هل هو متجه؟ يعني من أخّر بعد الأذان نصف ساعة مثلاً إلى أن فرغ من الصلاة أصاب السنة والا أخطأ السنة؟ لم يؤخر إلى أن تشتبك النجوم، إنما أخر لمدة نصف ساعة بحيث يتوضأ ويتجهز للصلاة ويصلي، أو ثلث ساعة أو ربع ساعة، يعني مع ما عرفنا من النصوص السابقة التي فيها الأمر بتعجيل الفطر والحث عليه، يعني هل كلام الباجي وغيره متجه؟ في أن التأخير إلى ما بعد الصلاة لا يعد تأخيرًا، وإنما التأخير المذموم إلى أن تشتبك النجوم الذي فيه المشابهة لليهود، أو نقول: إن المذموم مطلق التأخير بعد تيقن غروب الشمس، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص أن المذموم مطلق التأخير والممدوح التعجيل، طيب، ماذا نصنع فيما ذكره المؤلف بسند صحيح إلى عمر وعثمان، مالك عن ابن شهاب عن حميد أن عمر، حميد بن عبد الرحمن هذا أدرك عمر وعثمان والا ما أدرك؟

طالب: .................

ماذا قالوا في الشروح؟

طالب: .................

حميد بن عبد الرحمن بن عوف.

طالب: .................

لم يثبت له سماع منهما، يعني لم يدركهما، من الذي قاله؟

طالب: .................

من هو؟

طالب: .................

أما بالنسبة لعمر فهو متقدم، إدراكه فيه ما فيه، أما عثمان احتمال على كل حال الواسطة أن عمر، قال: أن عمر، ما قال: رأيت عمر أو سمعت عمر، يعني لم يصرح بالإدراك لا بمشاهدة ولا سماع، وأن هذه حكمها عند أهل العلم حكم العنعنة تقبل مع المعاصرة أو ثبوت اللقاء على على الخلاف المعروف، وإذا لم يكن هناك لقاء مع تعذر المعاصرة، أو المعاصرة مع تعذر اللقاء، فإنه لا يثبت الخبر، فإذا لم يثبت إدراك حميد بن عبد الرحمن لعمر بن الخطاب وأنه قال: أن عمر، فهو يحكي قصة لم يشهدها، ولا بد هناك من واسطة، والواسطة مجهولة لا يدرى من هي، فلا يثبت الخبر بهذه الطريقة.

..........................           .

 

وحكم أنّ حكم عن فالجل          .

سووا وللقطع نحى البرديجي       .

 

حتى يبين الوصل في التخريج.

روى والا أدرك وسمع؟ كونه روى لا بأس، لكن لا يلزم أن يكون مع الرواية إدراك، هنا روى عنهما، والصيغة تأتي لذكر القصة، ولا يلزم منها الاتصال، مثل هذه الصيغة تأتي لذكر القصة عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أدرك القصة والا ما أدرك؟ ما أدرك القصة قطعًا، فتأتي هنا لمجرد ذكر القصة، ومثلها عن عن أبي الأحوص أن نفرًا من الخوارج خرجوا عليه فقتلوه، عن أبي الأحوص، الراوي هذا يروي عن أبي الأحوص، أو عن قصة أبي الأحوص يروي عن قصته، ولا يلزم أن يكون أدركها وكما هنا فإن لم يثبت أن حميد بن عبد الرحمن أدرك صنيع عمر وعثمان، إن لم يثبت فالمسألة لا تحتاج إلى تكلف وإن ثبتت فيحمل الفطر المذكور على الأكل والمبادرة والتعجيل بالفطر على ما يحصل به الفطر ولو بالنية، نعم.

طالب: .................

ما ساق لفظها؟

طالب: .................

ما يلزم، سهل ما فيه اختلاف، ما يختلف، تكون مختصرة سهلة، يعني ما فيه اختلاف مع هذه الرواية، المقصود أنهما يصليان المغرب قبل أن يفطرا يعني إن ثبتت هذه الرواية فمحمولة على أن المراد بالفطر هنا الأكل، والأكل الذي يترتب عليه تأخير المغرب غير الأكل الذي يحصل به الفطر، وحصول السنة ابن أبي شيبة يروي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء، على كال حال العبرة بما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، وأما ما ذكره المؤلف هنا فعلى الاحتمالين، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان. حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على الباب، وأنا أسمع: يا رسول الله إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم» فقال له الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي». وحدثني عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما قالتا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبح جُنبًا من جماع، غير احتلام في رمضان. ثم يصوم. وحدثني عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فذكر له أن أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أُمَّي المؤمنين؛ عائشة وأم سلمة، فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبد الرحمن وذهبت معه، حتى دخلنا على عائشة، فسلّم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة، يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع؟ فقال عبد الرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُصبح جنبًا من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم. قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة -رضي الله عنها- فسألها عن ذلك، فقالت مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها، قال: فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر له ذلك، فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذاك، إنما أخبرنيه مخبر. وحدثني عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عائشة، وأم سلمة -رضي الله عنهما- زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما قالتا: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصبح جُنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان، يصبح أصبح يصبح إذا دخل في الصباح، ومثله إذا أمسى يعني إذا دخل في المساء، وإذا أتْهم وإذا أنْجد إذا دخل في تهامة أو في نجد، فالذي يصبح يدخل في الصباح يدركه الصبح وهو جنب لم يغتسل، عليه الحدث الأكبر من جماع كما في هذه الأحاديث أو من احتلام، ومثل هذا في الحائض والنفساء تطهران قبل طلوع الصبح وتؤخران الاغتسال إلى ما بعد طلوع الصبح، والجنب تحصل له الجنابة من الجماع قبل طلوع الصبح، ولا يغتسل إلا بعد طلوع الصبح ما جاء في صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان لكنه لا يغتسل إلا بعد أن يصبح.

الجنب هو الذي تلبس بالجنابة ووجد عليه أثرها وهو الغسل وليس معناه أنه يصبح متلبسًا بسببه وهو مزاولة الجماع، فرق بين أن يكون متلبسًا بالأثر وبين أن يكون متلبسا بالسبب، إذا طلع عليه الصبح وهو يجامع ما صح صيامه، حتى يقول جمع من أهل العلم: إن النزع جماع، وأما بالنسبة لمن جامع أو طهرت قبل طلوع الصبح فإنه يصح صيامه ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح؛ عملاً بنصوص الباب.

يقول: حدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر بن حزم الأنصاري، أبو طوالة قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز عن أبي يونس، مولى عائشة، عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على الباب وأنا أسمع، يعني من وراء الباب كما في صحيح مسلم: يا رسول الله إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام، فهل يصح صيامي؟ يصبح جنبًا وهو يريد الصيام هل يصح صيامه؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم» على هذا فلك فيّ أسوة، يعني هل هذا أبلغ أو لو قال: نعم يصح صيامك؟ بلا شك هذا أبلغ لأنه سيق جوابًا بالفعل المتضمن للقول، فكأنه تضافر عليه الجواب بالقول والفعل؛ لأنه لما كان جوابًا لسؤال فكأنه قال: نعم، يصح صيامك؛ لأني أنا أصبح جنبًا وأصوم، وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم، فلك في أسوة فأجابه بالفعل؛ لأنه أبلغ مما لو قال: اغتسل وصم، هذا الرجل اقتنع والا لم يقتنع؟ يعني اعتقد أن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- يعني كأنه رأى أن هذا فيه شيء من التفريط، ما معنى أنه يصوم وهو جنب؟ ما يقدم الغسل قبل دخول وقت الصيام؟ كأنه رأى أن في هذا شيء من التفريط، وهذا التفريط بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومنه هذا التفريط، لكن السائل لم يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخره، فحاله تختلف عن حال النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا قال الرجل: يا رسول إنك لست مثلنا غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، يعني هذا التفريط الذي مقتضاه تأخير التلبس بالجنابة إلى أن يدخل وقت الصيام هذا من ضمن ما غفر لك يا رسول الله، ونحن لسنا مثلك، نحن ما غفر لنا، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني كيف يُفهم منه أن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- وأنه داخل في إطار ما غفر له -عليه الصلاة والسلام- وقد أجاب به سؤاله؟ يعني لو كان من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- يجيب به السائل؟! لو كان من خصائصه أن يصبح جنبًا قال: لا أنت لا تصبح جنبًا؛ لأن هذا من خصائصي، فلما أجابه به دل على أنه ليس من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف يفهم؟ ما الذي حمله على هذا: العناد والا الاحتياط؟ بلا شك الاحتياط، لكن الاحتياط الذي يتضمن الزيادة على ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل في حيّز الابتداع؛ ولذا غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «والله والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله» يعني إذا لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق بالله، إن لم يكن أخشاهم فمن الأخشى؟ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْ }  فاطر: ٢٨  وهو أعلم الخلق بربه، ومن لازم هذا العلم أن يورثه الخشية -عليه الصلاة والسلام-: «إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» يعني بما آتي وما أذر، يعني أنا أعرف منكم، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس بحاجة إلى مثل هذا التصديق؛ لأنه لم يصلنا أي خير ولا فضل ولا علم إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يكتسب علمًا أو يزعم أنه يتلقى معارف من غير طريقه -عليه الصلاة والسلام- لا سيما ما يختص بعلم الدين وما يتعلق به، مثل هذا الذي يزعم أنه يتلقاه من غير مشكاة نبوته -عليه الصلاة والسلام- هذا لا شك أنه ضال.

يقول: فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «والله إني لأرجو» وهذا الرجاء محقق ومقطوع به، مقطوع به أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأعلمهم وأتقاهم وأكرمهم على الله.

يقول: وحدثني عن مالك عن عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري، أخي يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أحد الفقهاء السبعة.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم   

 

سعيد أبو بكر سليمان خارجة .

هذا أحد الفقهاء السبعة من التابعين عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما قالتا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبح جنبًا من جماع، غير احتلام، تأكيد وهي صفة كاشفة، إذا كان من جماع فمعلوم أنه من غير احتلام، جنبًا من جماع غير احتلام تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا كونه من غير احتلام عُرف من كونه جنبًا، يقول النووي: استدل بهذا الحديث أو احتج به من أجاز الاحتلام على الأنبياء. وجه الاستدلال: أنه لو لم يَجز لما نبه عليه، لكن المشهور عند عامة أهل العلم امتناع الاحتلام؛ لأنه من تلاعب الشيطان، وقد يُنفى الشيء مع عدم وقوعه للمبالغة: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» ما فيه أحد يقول: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، إنما قالوا: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، ما فيه أحد يقول: إن البسملة في آخر القراءة، لكن قد ينفى الشيء مع العلم بانتفائه للتأكيد كما هنا من غير احتلام في رمضان، ثم يصوم في رمضان يعني في الفرض؛ لئلا يقول قائل: إن هذا في النافلة والنافلة يتوسع في أمرها، ويجوز فيها ما لا يجوز في الفريضة، ثم يصوم في هذا جواز الجماع في رمضان، وهو ثابت في قوله جل وعلا: أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡ } البقرة: ١٨٧ ، وفيه أيضًا تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر بيانًا للجواز وإذا جاز هذا بالنسبة لمن نوى الصيام فلأن يجوز لغيره من باب أولى.

يقول: وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، الفقيه المعروف الذي سبق التنبيه عليه، أنه سمع أبا بكر مولاه أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي، يعني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عند مروان بن الحكم الأُموي، وهو أمير المدينة من قِبَل معاوية -رضي الله تعالى عنه- فذُكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، هذا رأي كان يراه أبو هريرة، أن من أصبح جنبًا، من لم يتمكن من الغسل قبل طلوع الفجر دخل عليه الفجر وهو متلبس بالجنابة يصبح مفطرًا، وهذا جاء ما يدل عليه من حديث الفضل بن عبّاس وأسامة وغيرهما، ذُكر له أن أبا هريرة، في رواية مسلم فذكر له عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وفي رواية البخاري أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان؛ لأن أبا هريرة جار لعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فبلغه أن أبا هريرة يقول بهذا القول، فذكر ذلك لمروان وعبد الرحمن بن الحارث جار لأبي هريرة، ولا يرغب في أن يواجهه بمثل هذا التوجيه أو مثل هذا الاستدراك الذي يتصدر له بعض الصغار يكون في نفسه شيء، أو يبلغه شيء من العلم فيذهب ليناقش به الكبار، نعم مع مراعاة الأدب والاحترام، يسأله عن رأيه، فإذا وافق بها ونعمت، أو يقول له: ما رأيك في كذا أو كذا، مع الأدب التام، لا بد من هذا وهذا. عبد الرحمن بن الحارث بن هشام لا شك أنه يكن لهذا الصحابي الجليل كل تقدير ومودة واحترام، فيرى أن نفسه ليست أهلاً لأن يناقش هذا الصحابي الجليل الذي هو حافظ الأمة على الإطلاق، فذهب يناقش مروان، ومروان باعتبار أن له سلطة وله ولاية بإمكانه أن يناقش أبا هريرة، لكن هل حصل هذا من مروان؟ أراد أن يتأكد مروان ماذا صنع؟ فذكر له أنا أبا هريرة يقول: من أصبح جُنبًا أفطر ذلك اليوم، وعرفنا أن له ما يدل عليه كما سيأتي في آخر الخبر، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أميّ المؤمنين، تثنية، أم عائشة وأم سلمة، فلتسألنهما عن ذلك، الآن هذا رأي الصحابي الجليل المطّلع الذي أحاط بِجل السنة اذهب؛ لأن هذه من المسائل الخاصة التي قد تخفى على أبي هريرة، لكنها لن تخفى على أمهات المؤمنين، هذه المسألة يعني نذهب نتأكد من صحة ما نسب إلى أبي هريرة من قبل أهل الشأن أهل الاختصاص؛ لأن هذه الأمور التي تخفى على الرجال لن تخفى على الأزواج. يقول: فلتسألنهما عن ذلك، قال أبو بكر: فذهب عبد الرحمن وذهبت معه، عبد الرحمن من هو هذا؟ أبوه هل يحسن أن يقول -وهو الفقيه الكبير التابعي الجليل، من سادات التابعين ومن فقهائهم- فذهب عبد الرحمن؟! نعم.

طالب: ..............

لا، هذا وقع من هذا التابعي الجليل، يعني الأصل أن يسمى الأب تسمية أو يُكّنى أو ذهب أبي.

طالب: ..............

ماذا قال؟

طالب: ..............

نعم، هذا حصل حتى من الصحابة.

طالب: ..............

لا، هو الأدب المطلوب مع المواجهة إذا كان بحضرته يتأدب معه، إذا كان يخبر عنه فلا مانع من أن يخبر عنه باسمه، إذا كان يخبر عنه يخبر عنه باسمه، لكن مع المواجهة ما يقول: يا فلان، حتى ولا يحسُن أن يقول: يا أبا فلان، يكنيه وهو أبوه، أما إذا مجرد الإخبار عنه باسمه فلا بأس، وحصل هذا أيضًا من الصحابة. قال أبو بكر: فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة، فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذُكر له أن أبا هريرة يقول، عبد الرحمن المتكلم، هو الذي ذكر لمروان كما جاء بذلك الروايات الصحيحة، فذُكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة، يعني ليس الأمر كما ذكر أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع؟! أتت بذلك مبالغة في الرد على هذا الرأي وثقة بما تقول، أترغب عما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع؟! فقال عبد الرحمن: لا والله، يعني لا أرغب عنه، لماذا؟ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة، ولا كلام لأحد مع كلامه، مع قوله، مع فعله، مع تقريره عليه الصلاة والسلام، لا والله، قالت عائشة: فأشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والشهادة إنما يحتاط لها ويحترز لها، فلا يُشهد إلا على ما يتأكد منه، أشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام، وهذا فيه ما تقدم، ثم يصوم ذلك اليوم الذي أصبح فيه جنبًا. قال: ثم خرجنا، يعني من عند عائشة -رضي الله تعالى عنها-، حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عبد الرحمن عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة، قال أبو بكر: فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد، هذه كنية عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كنيته أبو محمد، وسبب القسم أن عبد الرحمن كره مواجهة أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بالرد عليه، استصغر نفسه عن مناقشة هذا الصحابي الجليل، ولا شك أن في هذا فيه هضم للنفس، مع أن الأمر يتأدّى بغيره، أما لو تعين عليه ولا يوجد من يقوم به فالتبليغ والبيان أمر لا بد منه بالأسلوب المناسب، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم. تردد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في مناقشة أبي هريرة في هذه المسألة؛ لأنه هضم نفسه وتقالّها بالنسبة لذلك الصحابي الجليل، فأقسم عليه مروان. الآن ما فيه مندوحة مروان ولي أمر أمير مولى من قِبَل من يملك الإلزام ينوب منابه، فلا مندوحة الآن من القَبُول، أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه ذلك الذي قالتاه، لتخبرنه بالقول الذي قالتاه مما يخالف ما نُسب إليه وما رآه، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، يعني من المناسب -هذه طريقة وأسلوب مناسب جدًّا- أنك إذا طلبت من أحد حاجة لا سيما إذا كان أكبر منك أن تنبسط معه في الحديث مدة طويلة، حتى تجد الفرصة المناسبة للحديث، وابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- مكث سنة يتحيّن الفرصة المناسبة ليسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة كاملة يتحيّن الفرصة، والآن من أبسط الأمور يتكلم الشيخ يقول: لا يا شيخ، سهل يعني عند آحاد الطلاب، فنحن بأمس الحاجة إلى الأدب مع الكبار، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، وفي البخاري فقال عبد الرحمن لأبي هريرة بعد أن تحدث ساعة: إني ذاكر لك أمرًا، يعني ما باشر حتى بالأمر، ولو مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك، فذكر قول عائشة وأم سلمة، نحن الآن والله أحيانًا بعض بعض الطلاب الكبار يأتون إلى شيوخهم وفي أنفسهم أشياء، يرجعون بدون بيان لا وبعضهم يدخل عنده عشرة أسئلة، يسأل سؤالاً واحد ويترك تسعة، الأدب لا بد منه، فذكر له قول عائشة وأم سلمة ذكر له ذلك، فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذلك، يعني هذا مما يخفى علي هذا مما يختص به أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا خفي على أبي هريرة يخفى على غيره من باب أولى؛ لحرصه على الخير ولتتبعه الأخبار والآثار النبوية وللدعوة النبوية التي ما نسي بعدها شيئًا. لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر. في البخاري فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس، وهن أعلم، فرجح قول أميّ المؤمنين على قول الفضل بن عباس لا طعنًا بالفضل، الفضل صحابي جليل وإنما هو من باب الترجيح، والترجيح له وجوه وهذا منها، يعني إذا كان الأمر مما يخفى على الرجال يرجَّح فيه قول النساء، وإذا كان مما يخفى على النساء يرجَّح فيه قول الرجال، وهن أعلم. أبو هريرة كان يحدث ويتبنى هذا القول ولم يسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بواسطة، وكان يحذف الواسطة، ولم يذكر الواسطة إلى أن جاءت الحاجة إلى ذكره، مما يدل على أنهم يرسلون الأخبار ولا يلتزمون بذكر من حدثهم؛ لأن العصر عصر الصحابة، وكلهم ثقات أثبات، ومرسل الصحابي مقبول عند الجميع ولم يخالف إلا من شذ كأبي إسحاق الإسفراييني، وإلا فالكل على قبوله، بل نقل عليه الاتفاق.

أما الذي أرسله الصحابي     .

 

فحكمه الوصل على الصواب  .

خبر الفضل يحتمل أن يكون ثابتًا، وبعض طرقه عند مسلم تشير إلى وقوع شيء من هذا، وعلى هذا يكون منسوخًا خبر الفضل والذي يفتي به أبو هريرة؛ لأن المسألة صحيحة، يعني إلى أبي هريرة وينسبه إلى الفضل، والفضل صحابي، إذًا هو ثابت، وإذا كان ثابتًا وما يعارضه ثابت فيحمل على أنه منسوخ كما قال الخطابي.

يقول: وحدثني عن مالك عن سُمي مولى أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما قالتا: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام، وعرفنا أنها صفة كاشفة، تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا ذكرها من باب التأكيد فقط، ثم يصوم، هنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة، وهناك القصة كلها على لسان الأب، المحاورة كلها حصلت بين الأب ومروان، بين الأب وأمي المؤمنين، بين الأب وأبي هريرة، وهنا طوى أبو بكر ذكر أبيه لماذا؟ لأنه لا حاجة لذكره، لماذا؟ لا حاجة لذكر الأب؛ لأنه حضر القصة بتفاصيلها، كان مع أبيه بالتفصيل، يعني كون عائشة أو كون مروان أو كون أبي هريرة واجه الأب بالكلام ينفي أن ينقل هذا الكلام من سمعه ممن لم يواجَه؟! لا ينفي أن ينقله من لم يواجَه به ممن سمعه؛ ولذا يقولون: إن سمعت أقل من حدثني، سمعت محمولة على الاتصال اتفاقًا، ما فيها إشكال، لكن حدثني أقوى منها لماذا؟ لأن قوله: حدثني، مقصود بسماع الخبر، أما سمعت يسمع وهو غير مقصود، لكن القصد لا أثر له، فمن سمع ولو لم يقصد سماعه صحيح، ولو اختفى خلف جدار أو خلف سارية ثم سمع سماعًا، كلامًا لا يشك فيه، له أن ينقله ولو مُنع من نقله يعني لو حدث مثلاً الشيخ يحدث والطلاب يستمعون، ثم قال: أنت يا فلان لا تروي عني يا فلان، أنت على وجه الخصوص لا تروي عني، ليس له أن يمتنع بل له أن ينقل عنه ويروي عنه ما سمعه، وإذا قال: سمعت فلانًا فكلامه صحيح، وهنا أبو بكر حذف ذكر أبيه؛ لعدم الحاجة إليه.

بعد الخلاف القديم في هذه المسألة، المعروف من قِبَل أبي هريرة ومن قال بقوله، أجمع العلماء بعد ذلك على صحة صوم الجنُب، سواء كان من احتلام أو جماع؛ عملاً بهذه الأحاديث، وهذا الإجماع حجة على كل مخالف، ومثل الجنب الحائض والنفساء إذا طهرتا قبل طلوع الفجر، لكن هنا مسألة يبحثها أهل الأصول أن الإجماع هل ينعقد بعد الخلاف أو لا ينعقد؟ يعني هل الأقوال تموت بموت أصحابها، أو نقول: إن المخالف رجع عن قوله وهذه مسألة تختلف عن الأولى، يعني هل نقول: انعقد الإجماع بعد وجود الخلاف وانقرض الخلاف فثبت حكم الإجماع، بمعنى أن المسألة اكتسبت القطعية، أو نقول: إن الأقوال لا تموت بموت أصحابها ولا يمكن أن ينعقد إجماع بعد وجود خلاف، المسألة خلافية في الأصول، لكن عندنا المخالف رجع عن قوله.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"

هذا يقول أن كثر الحديث بين طلبة العلم عن تقدم أذان الفجر في التقويم، حتى أن بعض طلبة العلم جزم بعد التحري بأن الفجر متقدم بحوالي سبع عشرة دقيقة،

فما رأيكم مع التوجيه، وبيان الموقف الصحيح، لا سيما مع قرب رمضان، فإن الأئمة يقدمون صلاة الفجر بعد عشر دقائق من الأذان؟
الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- كلف لجنة ترقب الفجر؛ لأنه هو الذي كثر فيه الكلام أكثر من غيره، خرجت هذه اللجنة وكتبت تقريرًا مفاده أن التقرير مطابق للواقع، وعلى ضوء هذا التقرير كتب الشيخ في الصحف -رحمة الله عليه- اعتماد التقويم، وأنه مطابق، والكلام ما يزال موجودًا من ثقات وأهل خبرة ومعرفة، ويقررون أن التقويم متقدم على الوقت بدرجات متفاوتة من فصل لآخر قد يصل إلى ثلث ساعة، وأحيانًا ربع ساعة، وأحيانًا عشر دقائق، المقصود أنهم يتفقون على أنه متقدم، ومثل هذه الأخبار التي تصدر عن مثل هؤلاء الثقات مع وجود الفتوى على التقويم الأصل أن عموم المسلمين تبرأ ذمتهم بما أُفتوا به، تبرأ الذمة بتقليد من أفتاهم؛ لأن العامي فرضه التقليد، وقد أفتي ممن تبرأ الذمة بتقليده فهذا فرضه، لكن يبقى أن اللزوم على التقويم على ضوء الفتوى والصلاة تؤخر ثلث ساعة ليصلي الناس صلاة الصبح بعد طلوع الفجر بيقين، والمبادرة بها ليست من المصلحة.
طالب: .................
الراتبة تكون قرب الإقامة، نعم.

هذا يقول: هل يكفي في صوم رمضان نية واحدة، أم لكل ليلة نِيَّة؟

هذا تابع للمسألة الطويلة التي اختلفوا فيها، وهي أن رمضان عبادة واحدة أو كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة؟ إذا قلنا: إنه عبادة واحدة، قلنا: تكفي نية واحدة وتسري على جميع رمضان ما لم يقطع هذه النية، بمعنى أنه يصوم اليوم الأول والثاني والثالث، ثم يطرأ عليه سفر، ويقرر في نفسه أنه يفطر في هذا السفر مثلاً، ثم يعدل عن سفره، هنا يحتاج إلى نية جديدة، أما بالنسبة لقول من يقول: إن كل يوم عبادة مستقلة فلا بد من أن يجمع الصيام قبل طلوع الصبح من كل ليلة.