شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 22

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية حلقتنا نرحب بضيف اللقاء صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في باب الحجامة والقيء للصائم، وأشرتم إلى شيء من أقوال العلم في حكم الحجامة هل تفطر أم لا؟ نستكمل ما يتعلق بهذه الأحكام بالذات ما يتعلق بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فلا زلنا في المقدمات الممهدات لبيان الحكم من أقوال أهل العلم في حيثيات الأحاديث المتعارضة، وما يحتف بها سواء كانت الأحاديث التي فيها التنصيص على الفطر أو حديث الباب الذي فيه أن الحجامة لا تفطر كما هو ظاهره.

ذكرنا في آخر الحلقة السابقة عن أبي الأشعث الصنعاني إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ لأنهما كانا يغتابان، وليس إفطارهما ذلك كالإفطار،... إلى آخر كلامه، وسيأتي رد هذا الكلام من قول ابن خزيمة في صحيحه، ثم ذكرنا قول جماعة من الصحابة أنه إنما كُرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف، وبينا في آخر الحلقة السابقة أنها إما أن يكون المآل للفطر بتناول المفطر بسبب الضعف، أو أن هذا الضعف مظنة فيعلق به الحكم؛ لتعذر العلم باليقين، لتعذر العلم باليقين، فيعلق الحكم بالمظنة ما دامت تؤدي إلى الضعف إذًا هي مفطرة، يعني حسمًا للمادة؛ لئلا يحتجم الصائم، فتحسم هذه المادة؛ لئلا يؤول به الأمر إلى الضعف فيفطر، يفطر محتاجًا إلى الفطر فتكون الحجامة مفطرة كما كان النوم ناقضًا؛ لأنه مظنة للنقض.

وقال الطحاوي: وأما طريق النظر -والطحاوي يوجه عدم الفطر بالحجامة-، وأما طريق النظر فرأينا خروج الدم أغلظ أحواله أن يكون حدثًا تنتقض به الطهارة، وقد رأينا الغائط والبول خروجهما حدث تنتقض به الطهارة، ولا ينقض الصيام، يعني إذا كان خروج الدم أشد ما جاء فيه أنه يكون حدثًا ينقض الطهارة، مع الخلاف فيه، يقول: وقد رأينا الغائط والبول خروجهما حدث تنتقض به الطهارة ولا ينتقض الصيام، فالنظر على ذلك أن يكون الدم كذلك، ورأينا الصائم لا يفطره فصد بالعروق، فالحجامة فى النظر كذلك، وبالله التوفيق.

كلامه الأول في التنظير بالبول والغائط تنظير غير مطابق؛ لأنه لا ارتباط للبول والغائط في الصيام، لا ارتباط له بالصيام، فلا يضعف ولم يرد فيه نص بخصوصه بخلاف الحجامة، فواقعها تضعف وورد بها النص، فكلامه في مقابلة النص فلا اعتبار له.

يقول الإمام مالك في الموطأ -رحمه الله-: لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، يعني إذا كان الشخص جرب، احتجم مرارًا ولا يضعف وهو صائم، مثل هذا لا تكره في حقه، أما من كانت الحجامة تضعفه فعلى رأي مالك أنها تكره، وعنده الكراهة تحريم، عنده الكراهة في مثل هذا تحريم، لا تُكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، ولو أن رجلًا احتجم في رمضان، ثم سَلِم من أن يفطر لم أر عليه شيئًا، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، يعني تعريض الصيام للإبطال؛ لأن الحجامة إنما تُكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئًا، وليس عليه قضاء ذلك اليوم. هذه وجهة نظر الإمام مالك، وهي مسبوقة بما تقدم ذكره من قول بعض السلف.

في اختلاف الحديث للإمام الشافعي، وهذا الكتاب موضوعه الجمع والتوفيق بين الأحاديث المختلفة المتعارضة، والخلاف بين أهل العلم هل هو كتاب مستقل أو هو باب وكتاب من كتب الأم؟

المقدم: وهو الآن ملحق بالكتاب؟

هو مطبوع بهامش الأم في الجزء السابع، مطبوع بهامش الجزء السابع من الأم، يقول الإمام الشافعي- رحمه الله- حدثنا الربيع، في الكتاب يعني، لا أقول: يقول الشافعي، في الكتاب: حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي، هذا اختلاف الحديث للإمام الشافعي، مجزوم به مقطوع بنسبته إلى الإمام الشافعي، وفيه حدثنا الربيع قال: حدثنا الشافعي، وهذه مسألة لا بد من الانتباه لها، المسند حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبي، ومقطوع بكونه للإمام أحمد، الموطأ حدثنا يحيي قال: حدثنا مالك، كيف من الذي قال: حدثنا الربيع؟ ومن الذي قال: عبد الله، ومن الذي قال: حدثنا يحيى؟ الرواة -رواة الكتب- هم الذين قالوا هذا، وإلا؛ فالكتاب لا يشك في نسبة الموطأ للإمام مالك، ولا في نسبة المسند للإمام أحمد، ولا في نسبة الأم للإمام للشافعي، لكن الذي لا يعرف طرائق المتقدمين في التصنيف يلتبس عليه مثل هذا، كيف الإمام الشافعي، الإمام الشافعي مؤلف هذا الكتاب يقول: حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي؟ الذي لا يعرف طرائق المتقدمين يلتبس عليه هذا، حتى جاء من لا ناقة له في ذلك ولا جمل فصنف كتابًا اسمه، اسمه إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي، أديب لا يمت إلى العلم الشرعي بصلة.

المقدم: ومستنده هو هذا؟

هذا الذي يظهر؛ لأن عمل الشخص الذي ما يعرف ما يشك؟

المقدم: بلى.

يعني كيف تستسيغ في المسند أن يقول: حدثني عبد الله قال: حدثني أبي، والمسند للإمام أحمد، يعني على ما جرى عليه المتأخرون بعد استقرار الأمور في التأليف في انضباط الترتيب، المتقدمون لا يعتنون بمثل هذا، يملون العلم إملاءً ويكون الكتاب لهم ومن جمعهم وتصنيفهم.

المقدم: لكنه يُملى على مجموعة؟

يملى على مجموعة، كلٌّ له روايته، فننتبه لهذا، الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- تصرف في المسند، تصرف في المسند، وليته لم يفعل، يحذف حدثني عبد الله قال حدثني أبي يحذفها، ويبدأ من شيخ الإمام أحمد، ولا شك أن مثل هذا تصرف لا يحسن مثله.

نعود إلى ما نحن فيه في اختلاف الحديث للإمام الشافعي في هامش الأم، وكتب الاختلاف لا بد من الاطلاع عليها، التوفيق بين النصوص المتعارضة لا بد منها، فن من فنون علم الحديث، من أهم ما يدرس في علوم الحديث.

المقدم: الذي يسمونه: مختلف الحديث؟

مختلف الحديث، واختلاف الحديث كله واحد، فيه مختلف الحديث لابن قتيبة، واختلاف الحديث للشافعي، وفيه كتب ألفت في هذا، ابن خزيمة برع في هذا الباب، برع في التوفيق بين النصوص وصحيحه شاهد على ذلك، ونقل عنه الحاكم وغيره أنه لا يوجد من يحسن صناعة السنن ويوفق بين الأحاديث المتعارضة حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق ابن خزيمة، يجيد مثل هذا، وهذا أمر لا بد منه للعالم فضلًا، أقول لطالب العلم فضلاً عن العالم، كيف يتصرف؟ كيف يتعامل مع النصوص؟ إلا إذا عرف مثل هذا، وقرينه معرفة الناسخ والمنسوخ، وابن خزيمة مع علمه بذلك وشهادة الأئمة يسمونه إمام الأئمة، ابن خزيمة أشكل عليه حديثان متعارضان، مثل حديث: «لا يؤمَّنَّ أحدكم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم»، مع حديث: «اللهم اهدني فيمن هديت»، النبي -عليه الصلاة والسلام- في دعاء الاستفتاح خص نفسه، والحديث في الصحيحين، وذاك في بعض السنن، فحكم عليه بأنه موضوع.

المقدم: على الذي في الصحيحين؟

لا.

المقدم: على الذي في السنن؟

على الذي في السنن، ولم يصححه، أبطله لماذا؟ لأنه معارض لما في الصحيحين، لكن الجمع ممكن، الجمع ممكن، شيخ الإسلام ابن تيمية حمل الحديث على الدعاء الذي يؤمن عليه، يعني لا يليق بالإمام في القنوت مثلًا أن يقول: اللهم اهدني فيمن هديت، والناس يؤمنون: آمين، لا يليق بها أبدًا، مثل هذا يرد فيه النهي.

المقدم: والذي في الصحيحين ألم يكن يعلم الحسن والحسين؟

لا، «اللهم اهدني»، الذي في الصحيحين، لا، ليس هذا في الصحيحين، ليس هذا المقصود، المقصود: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي» دعاء الاستفتاح، لا، هذاك ليس في الصحيحين، بل مضعف عند جمع من أهل العلم، وحسنه بعضهم، المقصود -يعني سبق لسان، الحديث الذي في الصحيحين، والذي ضعف به بل أبطل ابن خزيمة الحديث الثاني: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، خص نفسه بالدعوة دونهم، شيخ الإسلام حمل ذلك على الدعاء الذي يؤمن عليه وقوله وجيه، والسخاوي له رأي في المسألة يقول: إن ذلك في الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم، الدعاء الذي يقوله الإمام والمأموم لا يجمع في الضمير، يعني ما يقول الإمام بين السجدتين: ربنا اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، إلى آخره، لماذا؟ لأن المأموم سوف يقوله.

المقدم: يقول نفس الدعاء.

نعود إلى ما نحن فيه، في اختلاف الحديث للإمام الشافعي بهامش الأم في الجزء السابع يقول: حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ زَمَانَ الْفَتْحِ، فَرَأَى رَجُلًا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- احْتَجَمَ مُحْرِمًا صَائِمًا.

هذان حديثان متعارضان.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وسماع ابْنِ أَوْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِم قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذكرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فِي سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ- يعني الحديثين-، فإن كانا ثابتين، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ، وَحَدِيثُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» مَنْسُوخٌ؛ لأنه متقدم، قَالَ: وَإِسْنَادُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا مُشْتَبَهٌ؛ لأن «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» مروي عن جمع من الصحابة، الآن معنى إسناد الحديثين يعني مشتبه متقارب في القوة، هل يمكن أن يقال: إن، لماذا يقول الشافعي هذا والحديث في البخاري مثلًا؟ هو قبل البخاري حينما كان الناس يتداولون الأحاديث بالرواية، فما يرويه شداد ليس فيه أقوى مما يرويه ابن عباس في التداول برواية الثقات لا سيما وأن حديث شداد مروي من طرق، بل من روايات، بل فيه أحاديث على ما سيأتي بيانها.

قال: وإسناد الحديثين معًا مشتبه، ولذلك ننتبه لهذا، الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: ليس، لا يوجد تحت أديم السماء أو على ظهر الأرض كتاب أصح في العلم من كتاب مالك -يعني الموطأ-، وهذا قبل تأليف الصحيحين.

قال: وإسناد الحديثين معًا مشتبه، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمْثَلُهُمَا إِسْنَادًا، فَإِنْ تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ احْتِيَاطًا، وَلِئَلَّا يُعَرِّضَ صَوْمَهُ أَنْ يَضْعُفَ فَيُفْطِرَ، وَإِنِ احْتَجَمَ فَلَا تُفْطِرُهُ الْحِجَامَةُ، وَإِنِ احْتَجَمَ فَلَا تُفْطِرُهُ الْحِجَامَةُ، إِلَّا أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَهَا مَا يُفْطِرُهُ مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْتَجِمْ فَفَعَلَهُ فَطَّرَهُ.

فَإِنْ تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ احْتِيَاطًا، وَلِئَلَّا يُعَرِّضَ صَوْمَهُ أَنْ يَضْعُفَ فَيُفْطِرَ، يعني يتناول مفطرًا، وإن احتجم، فيفطر بتناول مفطر لا بالحجامة، وإن احتجم فلا تفطره الحجامة إلا أن يحدث بعدها ما يفطره مما لو لم يحتجم ففعله فطره.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -احتجم وهو صائم-، ومع حديث ابن عباس القياس، أَنْ لَيْسَ الْفِطْرُ مِنْ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدٍ إِلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الصَّائِمُ مِنْ جَوْفِهِ مُتَقَيِّئًا، وَأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُنْزِلُ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ، فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ، يُنْزِلُ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ، فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ، يعني ينزل من مرض مثلًا، أو شدة برد، فلا يبطل صومه، وَيَعْرَقُ وَيَتَوَضَّأُ، وَيخرجُ الْخَلَاءُ وَالرِّيحُ وَالْبَوْلُ، وَيَغْتَسِلُ وَيَتَنَوَّرُ، فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ، وَإِنَّمَا الفطر مِنْ إِدْخَالِ الْبَدَنِ، أَوِ التَّلَذُّذِ بِالْجِمَاعِ، أَوِ التَّقَيُّؤِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ جَوْفِهِ كَمَا عَمَدَ إِدْخَالَهُ فِيهِ، قَالَ: وَالَّذِي أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَحَدٌ بِالْحِجَامَةِ.

الآن استفدنا من كلام الإمام الشافعي أنه كالإمام مالك لا يرى الفطر بالحجامة، وأن كلامه يدل على أن حديث شداد بن أوس منسوخ؛ لأنه في زمن الفتح سنة ثمانٍ، وحديث ابن عباس متأخر في حجة الوداع، ثم قال: وَالَّذِي أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَحَدٌ بِالْحِجَامَةِ.

نأتي إلى كلام ابن خزيمة الذي وعدنا به يقول ابن خزيمة في صحيحه في الجزء الثالث [ص 227- 230] قد ثبت الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، يعني ذكرنا وجهة من لا يرى الفطر، ونأتي من الكلام النظري يعني من جهة النظر والرأي الداعم للخبر في وجهة النظر الأخرى ممن يرى الفطر بالحجامة، ابن خزيمة يقول: ثَبتَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، احتجم وهو صائم محرم، وَهَذَا الْخَبَرُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي سَفَرٍ لَا فِي حَضَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ، يعني كونه احتجم وهو محرم، وهو صائم، كونه محرمًا يدل على أنه كان مسافرًا قطعًا؛ لأنه لن يحرم وهو بالمدينة مقيم، يقول: احتجم وهو صائم محرم، وهذا الخبر غير دال على أن الحجامة لا تفطر الصائم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما احتجم وهو صائم في سفر لا في حضر؛ لأنه لم يكن قط محرمًا مقيمًا ببلده، إِنَّمَا كَانَ مُحْرِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ -وَإِنْ كَانَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ- قَدْ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ يُفَطِّرَانِهِ، لَا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ الصَّوْمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِلَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ، يعني كأنه يستدل بقول الله -جلَّ وعلا-: {لاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، إذا كان له أن يفطر بالأكل والشرب، أليس له أن يفطر بالحجامة؟

المقدم: بلى.

لا سيما وقد تكون الحجامة، الحجامة الداعي إليها أقوى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر في السفر، وشرب، لما بلغ كراع الغميم تناول اللبن وشربه على مرأى من أصحابه، فالمسافر له أن يفطر، وهي رخصة.

لَا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ الصَّوْمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِلَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ، فإذا كان الراوي له، فإذا كان يعني المسافر الصائم له أن يأكل ويشرب، فَإِذَا كَانَ لَهَ أَنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ وَقَدْ نَوَى الصَّوْمَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي بَعْضِ نَهَارِ الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ مُفَطِّرَةً.

لأنه يتناول ما لا خلاف في كونه يفطر به، الأكل والشرب.

إلى أن قال -رحمه الله-: فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ، فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ، هَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ، وهو يريد أن يرد على هذا العراقي الذي احتج بمثل هذا، وإلا؛ فالكلام معروف عن ابن عباس، فهل نقول: إن ابن خزيمة يقول: كلام ابن عباس جهل وإغفال أو يرد على هذا العراقي الذي يريد أن يرد السنة في مثل هذا؟

المقدم: على العراقي.

على العراقي، ولا يرد على ابن عباس، ونظير ذلك أننا إذا رددنا على المعتزلة في ردهم خبر الواحد، نرد عليهم، لماذا؟ لأنهم إذا ردوا خبر الواحد لهم هدف، وهو إبطال أكثر السنة؛ لأنها أخبار آحاد، ونحن نرد عليهم بذلك لا نرد على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي يتثبت في السنة، فرد خبر أبي سعيد حتى شهد له أبو موسى، العكس، رد خبر أبي موسى حتى شهد له أبو سعيد، فلا يقال: إن ابن خزيمة في هذا الكلام يرد على ابن عباس؛ كما أننا إذا رددنا على أبي الحسين البصري أو الجبائي أو غيرهم من أئمة المعتزلة، فإننا لا ننقض كلام عمر ولا نرد عليه، فرق بين من يحتاط للسنة، وبين من يستغل هذا الاحتياط  لرد السنة، ونظير ذلك رد الإمام مسلم، وتشنيعه في مقدمة صحيحه على من يشترط  ثبوت اللقاء، وممن يشترط ثبوت اللقاء البخاري وعلي بن المديني فيما استفاض عنهما، والإمام مسلم شنع ورماه بالابتداع، هل يعني هذا البخاري، أو يرد ويشنع على من يجير كلام البخاري واحتياط الإمام البخاري لرد السنة؟ فننتبه لمثل هذا. يقول.

المقدم: عفوًا، لأن البخاري -رحمه الله- لم يرد أحاديث لم يتحقق فيها شرط اللقاء؟

ما رد، لكنه في شرطه يحتاط.

المقدم: يحتاط لكتابه فحسب، ولكن لم يرد الأحاديث الأخرى؟

لا، قد يكون يحتاط للتصحيح جملة، لكنه ثبت عنه أنه صحح أحاديث فيما نُقل عنه؛ كما نقل عنه الترمذي وغيره مما هي دون شرطه.

المقدم: كلام مسلم يتوجه في أنه يرد على أولئك الذين يريدون رد السنة؟

بلا شك، مستغلين هذا الاحتياط من الإمام البخاري، يعني مثل ما قلنا عن رد المعتزلة خبر الآحاد احتجاجًا برد عمر -رضي الله عنه- يعني هذا مثل ما يقال: الصيد في الماء؟

المقدم: العكر.

العكر، يعني تحسس أشياء وأمور، أشياء لها ظروفها التي تحتف بها مما لا ينبغي أن تطرد، فلا تكون قواعد مطردة، إنما احتف بها ما يقتضي الرد فلا تؤخذ قواعد، ويترك المحكم الكثير الكثير الذي لا يمكن الإحاطة به من قبول، مما يدل على قبول خبر الواحد، ولو لم يكن في ذلك إلا إرسال النبي -عليه الصلاة والسلام- أفرادًا آحادًا إلى الآفاق يبلغون دعوته ولو كان خبر الواحد غير مقبول كان بعث واحد إلى الآفاق عبثًا.

المقدم: مثل من يا شيخ يعني وقتنا انتهى، لكن نختم بهذه القضية، مثل من يتعلق بفعل عائشة -رضي الله عنها- في الرد على أبي هريرة في بعض الأحاديث مثل: «دخلت امرأة النار في هرة»، أو ردها بعض الأحاديث، فيعتمد على هذا الفعل من عائشة -رضي الله عنها-، فيقول: أنا لا أقبل الأحاديث إلا إذا وافقت عقلي.

عائشة ما اعتمدت على العقل، اعتمدت على نصوص أخرى، اعتمدت على عمومات من الكتاب والسنة، ومع ذلك الراجح قد يكون مع غيرها، هذه مسائل اجتهادية، والنصوص تحتمل مثل هذا، النصوص فيها المختلف، ومع ذلك الاختلاف في الظاهر، الاختلاف في الظاهر، لا يوجد خبران صحيحان سواء كانا من السنة الآحاد أو المتواترة فضلًا عن القرآن متناقضان تناقضًا حقيقيًّا، إنما هو في الظاهر، بحسب ما يظهر للمجتهد، وإلا فمنبعهما واحد، فكيف يتناقضان؟ كما أنه لا يوجد خبر صحيح صريح يناقض العقل الصريح؛ كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بهذا نصل وإياكم أيها الإخوة والأخوات إلى ختام هذه الحلقة، سوف نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.