التعليق على تفسير القرطبي - سورة نوح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

سورة نوح مكية، وهي ثمان وعشرون آية، بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى:     نوح: ١  قد مضى القول في الأعراف أن نوحًا- عليه السلام- أول رسول أُرسل، ورواه قتادة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أول رسول أُرسل نوح، وأرسل إلى جميع أهل الأرض»."

ويدل عليه أيضًا حديث الشفاعة، لما تُطلب منه الشفاعة يقال له: أنت أول الرسل، مما يدل على أنه على ما ذكره المؤلف -رحمه الله-.

" فلذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعًا، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس- بن يرد بن مهليال بن أنوش بن قينان بن شَيث بن آدم."

شِيث.

" ابن شيث بن آدم -عليه السلام- قال وهب: كلهم مؤمنون، أُرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة. وقال ابن عباس: ابن أربعين سنة. وقال عبد الله بن شداد."

يعني صاروا على التوحيد عشرة قرون ثم حدث الشرك، فبُعث إلى هؤلاء المشركين نوح -عليه السلام-.

" وقال عبد الله بن شداد: بُعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة. وقد مضى في سورة العنكبوت القول فيه، والحمد لله."

معروف أن بلوغ الأشد عند أربعين سنة، ولكن بالنسبة لأعمارهم مدة الدعوة تسعمائة وخمسون سنة، وعاش بعد ذلك، قالوا: أربعمائة وخمسين سنة، ويمكنه يوم يبعث يعني إذا قلنا بالتناسب إن كان له أصل هذا التناسب وإلا قد يقول قائل: كم بقاؤه أيضًا في بطن أمه؟ إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ما يقول واحد أربعين سنة إذا قلنا بالتناسب، هذا كله ما له.. المجزوم به المقطوع به أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وما قبل ذلك ما فيه ما يدل عليه، ولا ما بعد إغراق قومه.

" أن أنذر قومك أي: بأن أنذر قومك، فموضع (أن) نصب بإسقاط الخافض، وقيل: موضعها جر؛ لقوة خدمتها مع أن. ويجوز أن بمعنى المفسرة، فلا يكون لها موضع من الإعراب؛ لأن في الإرسال معنى الأمر، فلا حاجة إلى إضمار الباء، وقراءة عبد الله."

يكون أن أنذر قومك هو معنى أرسلنا أن أنذر قومك، هو بمعنى أرسلنا، فالإرسال هو الإنذار، مع أن الإرسال يحمل الإنذار والبشارة، فهو أعم.

" وقراءة عبد الله: أنذر قومك بغير أن بمعنى: قلنا له أنذر قومك، وقد تقدم معنى الإنذار في أول البقرة. نوح: ١  قال ابن عباس: يعني عذاب النار في الآخرة. وقال الكلبي: هو ما نزل عليهم من الطوفان. وقيل: أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا، فكان يدعو.."

هو أعم من أن يكون العذاب في الدنيا أو في الآخرة، عذاب الآخرة مجزوم به لمن مات على الكفر، وعذاب الدنيا الله -جل وعلا- ينتقم ويغار ويملي ويترك ويمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، أخذ عزيز مقتدر.

طالب: ....................

يعني ولو حُذفت ولو لم تذكر، هي قوية ولو لم تذكر.

طالب: ....................

لا لا.

" فكان يدعو قومه وينذرهم، فلا يرى منهم مجيبًا، وكانوا يضربونه حتى يُغشى عليه فيقول: رب اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون، وقد مضى هذا مستوفىً في سورة العنكبوت، والحمد لله. قوله تعالى:     نوح: ٢  أي مخوِّف مبين أي مظهر لكم بلسانكم الذي تعرفونه أن اعبدوا الله واتقوه، وأن المفسِّرة على ما تقدم في أن أنذر اعبدوا أي وحِّدوا واتقوا خافوا وأطيعون أي فيما آمركم به، فإني رسول الله إليكم، {يغفر لكم من ذنوبكم} جُزم يغفر بجواب الأمر."

اعبدوه واتقوه يغفر، فهو مجزوم بجواب الطلب، جواب الأمر أو بشرط مقدر أي بشرط إن تعبدوه وتتقوه يغفر.

" ومِن صلة زائدة، ومعنى الكلام: يغفر لكم ذنوبكم، قاله السُّدي، وقيل: لا يصح كونها زائدة؛ لأن من لا تزاد في الواجب.."

يعني في الواجب يعني المثبت، ما في البيت من أحد، تزاد في سياق النفي، أما أن تزاد في سياق المثبت كما هنا يقول إنها لا تزاد؛ لأنها لا تزاد في الواجب، الكلام الموجب الذي يقابله المنفي، لكن علامة اللفظ المزيد أنه إذا حُذف استقام الكلام، وهل المراد إن تتقوه وتعبدوه يغفر لكم ذنوبكم جميعها أو يغفر لكم بعضها أو تكون من البيانية، لكنه هنا ما تقدمها عموم على ما سيأتي.

" وقيل: لا يصح كونها زائدة؛ لأن من لا تُزاد في الواجب، وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين، وقيل: هي لبيان الجنس، وفيه بُعد؛ إذ لم يتقدم جنس يليق به، وقال زيد بن أسلم: المعنى يخرجكم من ذنوبكم، وقال ابن شجرة: المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها، ويؤخركم إلى أجل مسمّى قال ابن عباس."

يعني هذا معنى الكلام كله، هل العبادة والتقوى سبب لمغفرة الذنوب جميعها أو لبعضها دون بعض، ويبقى الباقي إما أن يُتاب منه أو يكون مما يتعلق بحقوق العباد؟ هذا كله محل بحث، يترتب على من يقول زائدة أنه يغفر الذنوب جميعًا، وليس فيه إشارة إلى التوبة، لكن مقتضى التقوى التوبة، فإذا تاب تاب الله عليه.

" ويؤخرْكم إلى أجل مسمى قال ابن عباس: أي ينسئ في أعماركم. ومعناه أن الله تعالى كان قضى قبل خلقهم أنهم إن آمنوا بارك في أعمارهم، وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب، وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية، فلا يعاقبكم بالقحط وغيره، فالمعنى على هذا: يؤخرْكم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم. وقال الزجاج: أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب، وعلى هذا قيل: أجل مسمى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقًا ولا حرقًا ولا قتلاً، ذكره الفراء، وعلى القول الأول أجل مسمى عند الله."

الكلام في تأخير الأجل عن الأمد المحدد المكتوب للإنسان وهو في بطن أمه حين يرسل إليه الملك ويؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، المقصود أن الأجل مكتوب، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ولا يستقدمون، كيف قال: يؤخركم، وقال في الحديث: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه»؟ هل هذه الزيادة حقيقية بحيث تكون مخالفة لما جاء في الآية والحديث؟ أو أنها معنوية؟ من أهل العلم من يقول هي حقيقية، يُزاد، مكتوب له مائة سنة يزاد عشر أو عشرين على حسب صلته لرحمه، وهؤلاء لو آمنوا لزيد في آجالهم، لكن قوله: ﮫﮬ نوح: ٤ ، فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة، يقول أهل العلم: إنه إذا جاء، لكن قبل مجيئه ممكن أن يزاد فيه، فلا معارضة بين هذا القول وبين ما في الآية والحديث، ومنهم من يقول: إن الأجل لا يزيد ولا ينقص، وإنما الزيادة البركة، فيكون انتفاعه بهذه المدة المحددة ولو كانت قصيرة أعظم من انتفاع غيره بضعفها، وهذا ظاهر وواضح، يعني لو هؤلاء آمنوا ولا عوجلوا بالعقوبة وحق لهم أو حل بهم ما وعدوا به إذا استغفروا وتابوا وأنابوا كانت حياتهم أطول من حيث المعنى، لا من حيث المدة، وكذلك الواصل واصل الرحم ترون عنده من الطمأنينة والراحة في القلب والزيادة في الأوقات والبركة فيها ما ليس عند غيره، وبعض الناس مثل ما تشوفون النووي -رحمه الله- عمره كم؟ قريب من نصف قرن، ومع ذلك أنتج إنتاجًا ما يُنتج ولا بثلاثة قرون. عمر بن عبد العزيز تسع وثلاثون سنة عمره، وخلافته سنتان إلى يوم القيامة والناس تتحدث عن عمر بن عبد العزيز، وإنجازات عمر بن عبد العزيز، وأعمال عمر بن عبد العزيز، وهكذا تجد العمر من حيث الزمن قصير، لكن الإنتاج فيه كثير، وهذه زيادة في البركة زيادة معنوية، وهذا يجنح إليه كثير من أهل العلم باعتبار أن العمر محدد ولا يزاد إذا جاء الأجل، لكن منهم من يقول: إنه لا يزاد إذا جاء، أما قبل مجيئه فإنه قابل للزيادة على الوعد في الآية والحديث، ومنهم من يقول: إنه يكتب أجله ثمانون عامًا إن لم يصل رحمه، ومائة إن وصل رحمه، فتكون هذه الزيادة مشروطة بالصلة، هذا قول معروف عند العلماء، وهؤلاء لو آمنوا بدل ما هم ألف سنة يصيرون ألفًا ومائة، وألفًا ومائتين لو آمنوا، أو ألفًا وخمسمائة مثلاً، وعلى كل حال المسألة خلافية، والأقوال معروفة عند أهل العلم، والزيادة في البركة أفضل من الزيادة في المدة؛ لأنه ما الفائدة من أن تكرر الليل والنهار؟ تكرر روتيني لا فائدة فيه، ولا فائدة منه، لكن إذا قُدِّر أن يعيش الإنسان ولو مدة يسيرة، مدة ينتفع بها في دنياه وأخراه، هذا هو العمر.

عمر الفتى ذكره لا طول مدته

 

وموته خزيه لا يومه الداني

فإذا ذُكِر بذكر حسن ولو كان قصير العمر يستمر ذكره الحسن فهو من عمره، أما إذا كان لا يُذكر بخير، أو يذكر بشر مهما طالت مدته.

طالب: ....................

واضح ولذلك قال: ﮫﮬ نوح: ٤  لكن المراد بالمجيء هذا محل اختلاف عند أهل العلم، هل مجيئه حضوره، أو مجيئه نهاية ما كُتب له؟

طالب: ....................

نعم هاهنا ﮣﮤ نوح: ٤.

طالب: ....................

نعم عمر بن عبد العزيز تسع وثلاثون سنة، يعني الحافظ الحكمي -رحمة الله عليه- خمس وثلاثون له مؤلفات كثيرة جدًّا ونافعة ومحررة، وغيره، التاريخ مليء، ابن عبد الهادي سبع وثلاثون سنة إمام من أئمة الحديث، وهكذا.

" ﮫﮬ نوح: ٤  أي إذا جاء الموت لا يُؤخر بعذاب كان أو بغير عذاب، وأضاف الأجل إليه سبحانه؛ لأنه هو الذي أثبته، وقد يضاف إلى القوم كقوله تعالى: الأعراف: ٣٤ ؛ لأنه مضروب لهم، ولو بمعنى إن."

يعني الإضافة تكون لأدنى ملابسة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في عائشة وحفصة «لأنتن صواحب يوسف» ما علاقتهن بيوسف؟ يعني فيه مشابهة بينهن وبين صواحب يوسف، المقصود أن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، فإذا جاء أجلهم، إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، فإضافتها إلى الله باعتبار أنه هو الذي قدَّره وأثبته، والإضافة إلى المخلوق؛ لأنه هو المعنيّ به، وهو المحدد له.

" ولو بمعنى إن أي إن كنتم تعلمون، وقال الحسن: معناه لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاءكم لم يؤخر. قوله تعالى:     نوح: ٥  أي سرًّا وجهرًا، وقيل: أي واصلت الدعاء."

سيأتي ما يدل على السر والجهر، ويبقى أنه يدعوهم في الليل، ويواصل الدعوة في النهار، ثم يدعوهم في الليل، وهكذا، فالوقت مستمر، والدأَب دائم في الليل والنهار، والطريقة والأسلوب أيضًا جرَّب معهم كل الوسائل، واستنفذ كل ما يمكن أن يقوم به مخلوق، أما قوله: ليلاً ونهارًا سرًّا وجهرًا سيأتي ما يدل على السر والجهر.

وقيل: أي واصلت الدعاء، فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا أي تباعدًا من الإيمان، وقراءة العامة بفتح الياء من دعاء، وأسكنها الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو..

قراءة العامة دعائيَ، وأما قراءة دعائيْ بالسكون فقراءة الكوفيين ويعقوب والدوري عن أبي عمرو، طيب ماذا عن قراءتنا؟ ماذا نقرأ؟

طالب: ....................

نحن نفتح؟

طالب: ....................

لكن هل هي القراءة المأثورة أم الجادة التي مشينا عليها؟ لأنه ما أثبت عاصم منهم.

طالب: ....................

" قوله تعالى: نوح: ٧  أي إلى سبب المغفرة، وهي الإيمان بك والطاعة لك. نوح: ٧ ؛ لئلا يسمعوا دعائي. نوح: ٧  أي غطوا بها وجوههم؛ لئلا يروه، وقال ابن عباس: جعلوا ثيابهم على رؤوسهم؛ لئلا يسمعوا كلامه، فاستغشاء الثياب إذًا زيادة في سد الآذان؛ حتى لا يسمعوا، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت، أو ليعرفوه إعراضهم عنه، وقيل: هو كناية عن العداوة، يقال: لبس لي فلان ثياب العداوة. وأصروا أي على الكفر فلم يتوبوا، واستكبروا عن قبول الحق؛ لأنهم قالوا: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون؛ (استكبارًا) تفخيم."

يعني الإتيان بالمصدر من أجل تفخيم الفعل وتأكيده.

" قوله تعالى نوح: ٨  أي مُظهرًا لهم الدعوة، وهو منصوب بدعوتهم نصب المصدر؛ لأن الدعاء أحد نوعيه الجهار، فَنُصِبَ بِهِ نَصْبَ الْقُرْفُصَاءِ بِقَعَدَ."

قعد القرفصاء مصدر مؤكِّد للمعنى؛ لأن القرفصاء نوع من القعود، والجهار فرع من الدعوة.

" لكونها أحد أنواع القعود، أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا أي دعاءً جهارًا أي مجاهرًا به، ويكون مصدرًا في موضع الحال، أي دعوتهم مجاهرًا لهم بالدعوة، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا أي لم."

أبقِ.

" لم أُبقِ مجهودًا، وقال مجاهد: معنى أعلنت صحت، وأسررت لهم إسرارًا بالدعاء عن بعضهم من بعض، وقيل: أسررت لهم: أتيتهم في منازلهم، وكل هذا من نوح -عليه السلام- مبالغة في الدعاء لهم وتلطف في الاستدعاء، وفتح الياء من إني أعلنت لهم.."

الحرميون.

" الحرميون وأبو عمرو، وأسكن الباقون."

ما هم اثنان الحرميان؟

طالب: ....................

لكنهم اثنان أم جمع؟

طالب: ....................

هذا الذي نحفظ، أما حرميون فما عرفتها جمعًا، لا.

طالب: ....................

لا، ما لهم قيمة الرواة، الرواة تبع لأصولهم، هما الحرميان.

" وفتح الياء من إني أعلنت لهم الحرميان وأبو عمرو، وأسكن الباقون. قوله تعالى.."

طالب: ....................

نعم لكن في الكتب كتب القراءات الحرميان، ما أعرف أحدًا قال: حرميون إلا هنا، مصحح أين؟

طالب: ....................

مصحح من النسخة أم من أيش؟

طالب: ....................

هكذا؟! والله هذي غريبة! حِرمي!

طالب: ....................

غريبة هذي!

" قوله تعالى: ﯿ              نوح: ١٠  فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: نوح: ١٠  أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. ﯿ              نوح: ١٠  وهذا منه ترغيب في التوبة، وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الاستغفار ممحاة للذنوب. وقال الفضيل: يقول العبد أستغفر الله، وتفسيرها أقلني. الثانية.."

لأن السين والتاء للطلب، فالاستغفار طلب المغفرة.

الثانية..

الاستغفار ممحاة الذنوب، مخرّج؟

طالب: ....................

على كل حال الأحاديث في الاستغفار كثيرة جدًّا تغني عن هذا.

" الثانية: قوله تعالى: يرسل السماء عليكم مدرارًا أي يرسل ماء السماء، ففيه إضمار، وقيل: السماء المطر أي يرسل المطر، قال الشاعر:

إذا سقط السماء بأرض قوم

 

وعيناه وإن كانوا غضابًا

ومدرارًا ذا غيث كثير، وجُزم يرسل؛ جوابًا للأمر، وقال مقاتل: لما كذبوا نوحًا زماًنا طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح -عليه السلام- واستغاثوا به فقال: ﯿ              نوح: ١٠  أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه، ثم قال ترغيبًا في الإيمان:              نوح: ١١ - ١٢  قال قتادة: علم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم أهل حرص على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن في طاعة الله درْك الدنيا والآخرة. الثالثة."

نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يعني نوحًا يتحدث عن نوح في هذا الموضع.

" الثالثة: في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار، قال الشعبي: خرج عمر يستسقي، ولم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر ثم قرأ: ﯿ                نوح: ١٠ - ١١  وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: ما على المحسنين من سبيل، وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه، ورفعوا أيديهم، فسُقوا، وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدب."

الجدوبة.

" شكا رجل إلى الحسن الجدوبةَ فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقرَ فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: ﯿ                           نوح: ١٠ - ١٢  وقد مضى في سورة آل عمران كيفية الاستغفار، وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب، وهو الأصل في الإجابة."

الاستغفار من موانع العذاب، أمان من العذاب    ﯰﯱ           الأنفال: ٣٣ ، لكنه الحرمان، تجد الإنسان تتغير رائحة فمه من السكوت، ما عنده شغل ولا شيء يقوله، هذا إذا سلم من الكلام المُحرّم الذي يأثم به ويهوي به قد يقول كلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا، وقد يكون كلامه في القيل والقال يضره ولا ينفعه، وأقل الأحوال يسكت، يتغير فمه من السكوت، ولا يستطيع أن يقول: أستغفر وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهو أمان من العذاب.

" قوله تعالى: نوح: ١٣ - ١٤  قيل: الرجاء هنا بمعنى الخوف أي ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة أي أيُّ عذر لكم في ترك الخوف من الله؟ وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح: ما لكم لا ترجون لله ثوابًا، ولا تخافون له عقابًا، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: ما لكم لا تخشون لله عقابًا وترجون منه ثوابًا؟ قال الغالبي والعوفي عنه: ما لكم لا تعلمون لله عظمة؟ وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد: ما لكم لا ترون لله عظمة؟ وعن مجاهد والضحّاك: ما لكم لا تبالون لله عظمة؟ قال قُطرب: لغةٌ حجازية، وهذيل وخزاعة ومضر يقولون: لم أرجُ لم أبالِ، والوقار: العظمة، والتوقير: التعظيم، وقال قتادة: ما لكم لا ترجون لله عاقبة؟ كأن المعنى: ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان؟ وقال ابن كيسان: ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرًا؟ وقال ابن زيد: ما لكم لا تؤدون لله طاعة؟ وقال الحسن: ما لكم لا تعرفون لله حقًّا ولا تشكرون له نعمة؟ وقيل: ما لكم لا توحِّدون الله؟ لأن من عظَّمه فقد وحّده، وقيل: إن الوقار الثابت."

الثبات.

" وقيل: إن الوقار الثبات لله -عز وجل-، ومنه قوله تعالى: الأحزاب: ٣٣  أي اثبتن."

الوقار غير القرار، الذي يظهر أن الوقار التعظيم ورجاء تعظيم الله بفعل ما خُلق من أجله وهو عبادته وتوحيده وطاعته.

" ومنه قوله تعالى: الأحزاب: ٣٣  أي اثبتن، ومعناه: ما لكم لا تثبتون وحدانية الله تعالى وأن إلهكم.."

وأنه.

" وأنه إلهُكم لا إله لكم سواه؟ قاله ابن بحر، ثم دلهم على ذلك فقال: نوح: ١٤  أي جعل لكم من أنفسكم آية تدل على توحيده، قال ابن عباس: أطوارًا يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة أي طورًا بعد طور إلى تمام الخلق، كما ذكر في سورة المؤمنون، والطَّور في اللغة المرة أي مَنْ فِعْلُه هذا وقدر عليه فهو أحق أن تعظّموه، وقيل: أطوارًا صبيانًا ثم شبابًا ثم شيوخًا وضعفاء ثم أقوياء، وقيل: أطوارًا أي أنواعًا صحيحًا وسقيمًا وبصيرًا وضريرًا وغنيًّا وفقيرًا، وقيل: إن أطوارًا اختلافهم في الأخلاق والأفعال."

يعني أنواع وأشكال، واللفظ يحتمل كل ما قال سواء كان الأطوار قبل الولادة أو بعدها، سواء كانت الأطوار قبلها مثل ما جاء نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق، ثم يولد، ثم يبدأ بأطوار الحياة من طفولة إلى شباب إلى كهولة إلى شيخوخة، إلى غير ذلك، إلى الوفاة، نسأل الله حسن الختام.

طالب: ....................

أين؟

طالب: ....................

ثم شبابًا ثم شيوخًا ضعفاء بدون واو لكن..

طالب: ....................

أو أنه هذا طور شباب شيوخ أقوياء ضعفاء ما فيه إشكال إن شاء الله؛ لأن هذا طَور، وهذا طَور.

طالب: ....................

نعم لكن ثم شيوخًا وضعفاء ثم أقوياء هذا نوع ثانٍ، شبابًا ثم شيوخًا صبيانًا ثم شبابًا ثم شيوخًا هذه أطوار معروفة، وضعفاء ثم أقوياء، ما هنا ارتباط بالذي قبله.

" قوله تعالى:       نوح: ١٥  ذكر لهم دليلاً آخر أي ألم تعلموا أن الذي قدر على هذا فهو الذي يجب أن يُعبد؟ ومعنى طباقًا: بعضها فوق بعض، كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب، قاله ابن عباس والسُّدي، وقال الحسن: خلق الله سبع سموات طباقًا على سبع أرضين، بين كل أرض وأرض وسماء وسماء خلق وأمر. وقوله: ألم تروا على جهة الإخبار لا المعاينة، كما تقول: ألم ترني كيف صنعت بفلان كذا؟ وطِباقًا نصب على أنه مصدر أي مطابِقة طباقًا أو حال بمعنى ذات طباق، فحذف ذات وأقام طباقًا مقامه.         نوح: ١٦  أي في سماء الدنيا كما يقال: أتاني بنو تميم، وأتيت بني تميم، والمراد بعضهم، قاله الأخفش، قال ابن كيسان: إذا كان في إحداهُن فهو فيهن، وقال قُطرب: فيهن بمعنى معهن، وقاله الكلبي أي خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض، وقال جلةُ أهل اللغة في قول امرئ القيس:

وهل ينعمَنَّ مَن كان آخرُ عهدِه

 

ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال

في بمعنى مع."

قوله: إذا كان في إحداهن فهو فيهن، كما تقول: ولدت في رمضان، أنت مولود في يوم منه، ما في كله، ومادام ولدت في يوم منه فأنت مولود فيه، أو ولدت في سنة كذا، ولدت في يوم منها.

"قال النحاس: وسألت أبا الحسن ابن كيسان عن هذه الآية فقال: جواب النحويين أنه إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن، كما تقول: أعطني الثياب المُعلمة، وإن كنت إنما أعلمت أحدها، وجواب آخر أنه يُروى أن وجه القمر إلى السماء، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسموات، ومعنى نورًا أي لأهل الأرض، قاله السدي، وقال عطاء: نور لأهل السماء والأرض."

        نوح: ١٦  الظرفية هذه هل تقتضي أن يكون القمر فيها وهي ظرف له بمعنى أنها داخل في السماء، أو أن نوره يصل إلى السماء ويضيء فيها؟ وإن كان دونها وجعل القمر فيهن أصل الظرفية أن يكون الشيء وعاءً، وبهذا يستدل من يقول: إنه يستحيل الوصول إليه من قبل البشر؛ لأن القمر في السماء والسماء محفوظة، ومن يقول: إن المقصود نوره في السماء وهو خارج السماء ودونها، ولا يمكن أن يقال إن السماء هنا جهة العلو، إنما يراد بالسماء الأجرام الحقيقية؛ لأن قوله:       نوح: ١٥  ما يقال هذه جهة العلو، إنما يقال الأجرام المعروفة وجعل القمر فيهن في هذه الأجرام، ولا يقال إنه كان في جهة العلو أو جعل القمر في جهة العلو؛ لأن العدد يعين المراد (سبع) جهة العلو لا تحد بعدد، وعلى كل حال كونهم وصلوا أو ما وصلوا هذا لا يعنينا بشيء، ولن نسأل عنه يوم القيامة، ومازلت في شك من ذلك.

وقال عطاء..

طالب: .............

على كل حال هذا القرآن         نوح: ١٦  فيهن يعني في السبع المذكورات في السموات.

" وقال عطاء: نورًا لأهل السماء والأرض. وقال ابن عباس وابن عمر: وجهه يضيء لأهل الأرض، وظهره يضيء لأهل السماء.    نوح: ١٦  يعني مصباحًا لأهل الأرض؛ ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم، وفي إضاءتها لأهل السماء القولان الأولان، حكاه الماوردي، وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس وجهها في السموات، وقفاها في الأرض، وقيل على العكس، وقيل لعبد الله بن عمر: ما بال الشمس تقلينا أحيانًا، وتبرد علينا أحيانًا فقال: إنها في الصيف في السماء الرابعة، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن، ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء."

وثبت في الحديث الصحيح أنها في كل ليلة تذهب وتسجد تحت العرش، وتستأذن في كل ليلة في الطلوع من المغرب، فلا يؤذن لها حتى يأتي وقته، المقصود أنها في كل ليلة تسجد تحت العرش، أما كونها في الشتاء في السماء السابعة عند العرش فهذا ليس بصحيح.

" قوله تعالى:   ﭿ       نوح: ١٧ - ١٨  يعني آدم- عليه السلام- خلقه من أديم الأرض كلها، قاله ابن جريج، وقد مضى في سورة الأنعام والبقرة بيان ذلك، وقال خالد بن مُعدان: خلق الإنسان من طين، فإنما تلين القلوب في الشتاء، ونباتًا مصدر على غير المصدر؛ لأن مصدر أنبت إنباتًا."

هو اسم مصدر، يسمونه اسم مصدر، إذا نقصت حروفه وزادت فهو اسم مصدر، وهنا نقصت المصدر إنباتًا، أنبت ينبت إنباتًا، قال: نباتًا، فجعله اسم مصدر.

" لأن مصدر أنبت إنباتًا، فجعل الاسم الذي هو النبات في موضع المصدر، وقد مضى بيانه في سورة آل عمران وغيرها، وقيل: هو مصدر محمول على المعنى؛ لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتًا، قاله الخليل والزّجاج، وقيل: أي أنبت لكم من الأرض النبات، فنباتًا على هذا نصب على المصدر الصريح، والأول أظهر، وقال ابن جريج: أنبتهم في الأرض بالكِبَر بعد الصغر، والطول بعد القصر، ثم يعيدكم فيها أي عند.."

يعني جعلهم كالنبات ينمون، تكبر أجسامهم مثل النبات.

" وقال ابن جريج: أنبتهم في الأرض بالكِبر بعد الصغر، وبالطول بعد القصرن ثم يعيدكم فيها أي عند موتكم بالدفن، ويخركم إخراجًا بالنشور للبعث يوم القيامة. قوله تعالى:    نوح: ١٩  أي مبسوطة.    نوح: ٢٠  السبل الطرق، والفجاج جمع فج، وهو الطريق الواسعة، قاله الفراء، وقيل: الفج المسلك بين الجبلين، وقد مضى في سورة الأنبياء والحج."

الأرض بساط، والسماء سقف، والشمس سراج، هذه أسماء وحقائق شرعية لهذه الأشياء، لكن لو حلف ألا يجلس على بساط فجلس على الأرض، ولا يستظل بسقف، ولا يستنير بسراج، ولم يخطر على باله لا الأرض ولا السماء ولا الشمس فإنه لا يحنث؛ لأن الأيمان على العرف، والعرف يجعل البساط خاصًّا بما يبسطه ويفرشه الآدمي، والسقف كذلك ما يبنيه الآدمي يستظل به، والسراج ما يوقد للاستضاءة به، وأما هذه فلا يطلق عليها أسماءً ولا حقائق عرفية، وإنما هي حقائق شرعية، وقد تساعد اللغة على ذلك، لكن العبرة في الأيمان والنذور بالأعراف، ولذلك يقولون: لا يحنث إذا حلف ألا يجلس على بساط وجلس على الأرض، والله -جل وعلا- جعل لكم الأرض بساطًا، وجعلنا السماء سقفًا إلى آخره.

طالب: ...............

لا لا لا، هذا ما يبعث؟! متى شاء..

طالب: ...............

نعم متى يعني في الوقت الذي يشاؤه، والمراد الجنس، لا، ما فيه إشكال، هذا كلام باطل.

" قوله تعالى:                       نوح: ٢١  شكاهم إلى الله تعالى، وأنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به من الإيمان، وقال أهل التفسير: لبِث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا داعيًا لهم، وهم على كفرهم وعصيانهم، قال ابن عباس: رجا نوح- عليه السلام- الأبناء بعد الآباء، فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون، ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم، وعاش بعد الطوفان ستين عامًا حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين، حكاه الماوردي.                نوح: ٢١  يعني كبراءهم وأغنياءهم الذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولادهم إلا ضلالاً في الدنيا وهلاكًا في الآخرة، وقرأ أهل المدينة والشام وعاصم: وولده بفتح الواو واللام، والباقون وُلْده وُلْدُه."

وُلْدَه.

"وُلْدَه بضم الواو وسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعًا للولد، كالفلك فإنه واحد وجمع، وقد تقدم قوله تعالى: نوح: ٢٢  أي كبيرًا عظيمًا يقال: كبيرٌ وكُبَار وكُبَّار مثل عَجِيب وعُجَاب وعُجَّاب بمعنى، ومثله طَوِيل وطُوَال وطُوَّال، يقال رجل حسن وحُسَّان، وجَميل وجُمَّال، وقُرَّاء للقارئ، ووضَّاء للوضيء، وأنشده ابن السكيت:

بيضاء تصطاد القلوب وتستبي

 

بالحسن قلب المسلم القرَّاء"

لا يراد بالقراء هنا جمع قارئ، وإنما على صيغة فُعَّال مثل كُبَّار مبالغة.

طالب: ....................

يعني سبعة قرون يذهب قرن ويجيء قرن.

طالب: ....................

ما يظهر يجيئهم الولد بعد الولد، الجيل بعد الجيل، سبعة قرون، ما صاروا تسعة؟

طالب: ....................

لا، هو المتوسط سبعة إلا إن كان بالنسبة لهم منهم من يعيش مائتين، ومنهم من يعيش مائة، الله أعلم.

طالب: ....................

كان في السابق امرأة مات ولدها عن ثلاثمائة سنة من الأمم السابقة، وهذا مما يُذكر في الإسرائيليات عن ثلاثمائة سنة، وبكت بكاءً شديدًا عليه، ووجدت عليه وجدًا؛ لأنه في ريعان شبابه على ما تذكر، ما أدري والله ألفان عمرها أو أكثر بعد، قالوا لها: سيأتي أقوام أعمارهم بين الستين والسبعين فقالت: لو أدركتهم لأمضيتها في سجدة، ما هي بشيء بالنسبة لهم، الله المستعان، هذا مما يُذكر في الإسرائيليات، والله أعلم بصحته، المقصود أنه مشتهر ومستفيض أن الأمم السابقة والقديمة أعمارهم طويلة، حتى أجسامهم طويلة.

" وقال آخر:

والمرء يلحقه بفتيان الندى

 

خلق الكريم وليس بالوُضَّاء

وقال المُبرِّد: كبارًا بتشديد للمبالغة، وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد: كُبَارًا بالتخفيف، واختُلف في مكرهم ما هو؟ فقيل: تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل: هو تغريرهم الناس بما أوتوا من الدنيا والولد حتى قالت الضعفة: لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم، وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقيل: مكرهم كفرهم، وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سُواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} قال ابن عباس وغيره: هي أصنام وصور كان قوم نوح يعبدونها، ثم عبدتها العرب، وهذا قول الجمهور، وقيل: إنها للعرب لم يعبدها غيرهم، وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، فلذلك خصّوها بالذكر بعد قوله تعالى."

فعلى هذا يكون السياق قد خرج عن قصة نوح وقوم نوح ثم يعود إليها فيما بعد، لكن مقتضى السياق أن تكون هذه الأصنام لقوم نوح وإن انتقلت بعد ذلك إلى العرب.

" فلذلك خصّوها بالذكر بعد قوله تعالى: نوح: ٢٣  ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم: نوح: ٢٣  قالت العرب لأولادهم وقومهم: نوح: ٢٣  ثم عاد بالذكر إلى قوم نوح -عليه السلام-، وعلى القول الأول الكلام كله منسوق في قوم نوح، وقال عروة بن الزبير وغيره: اشتكى آدم -عليه السلام- وعنده بنوه ودٌ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان ود أكبرهم وأبرهم به، قال محمد بن كعب: كان لآدم -عليه السلام- خمس بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكانوا عُبّادًا، فمات واحد منهم فحزنوا عليه، فقال الشيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا: افعل، فصوره في المسجد من صفر ورصاص، ثم مات آخر فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم، وتنقصت الأشياء كما تنتقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين."

يعني لما طال عليهم العهد ونسوا ودُرس العلم الناس عبدوهم كانت البشرية عشرة قرون على التوحيد لما طال بهم الأمد.

كانوا على التوحيد ثم دخل الشرك عليهم من هذا الباب، أدخله الشيطان من باب التصوير، وهو أول سبب لفتنة بني آدم كانت أول ذلك التصوير، ومع ذلك الناس لا يهتمون به، ولا يعتنون بشأنه، ويتتابعون على صنيعه سواء كان منه مُجسمًا له ظل أو ما لا ظل له، وعلى كل حال مضاهاة خلق الله في التصوير ظاهرة، والله المستعان.

" فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئًا؟ قالوا: وما نعبد؟ قال: آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله حتى بعث الله نوحًا فقالوا: نوح: ٢٣  الآية، وقال محمد بن كعب أيضًا ومحمد بن قيس: بل كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها، فصورهم. فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا! هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها؟ فجاءهم الشيطان فقال: كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر. فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت. قلت: وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية، فيها تصاوير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أولئك إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصورًا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»."

نعم يخاطب عائشة فالكاف مكسورة.

أولئكِ.

نعم.

"«إن أولئكِ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة»، بل كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها، فصورهم. فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا! هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها؟ فجاءهم الشيطان فقال: كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر. فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت. قلت: وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية، فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فهو أول صنم معبود سُمي ودًّا لودِّهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم:

حياك ودٌّ فإنا لا يحل لنا

 

لهو النساء وإن الدين قد عزما"

وهذا لا ينفي أن تكون في الأصل لقوم نوح، هذا منطوق القرآن نوح: ٢٣  إلى آخره، هذا نص في كونها في قوم نوح، والسياق يدل على ذلك، ومن أراد أن يختزل هذه الآيات ويجعلها في قريش أو في العرب دون قوم نوح ثم يعود للسياق فهذا لا يساعده نسق الآيات.

" وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر في قولهم، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ في قول قتادة، وقال المهدوي لمراد ثم..."

الجوف باليمن، ما هو الجوف التي بالشمال، ولها ذكر في الأخبار، الآن الجوف لها ذكر..

طالب: ..............

على كل حال الجوف لها ذكر في الأخبار، وأنها من بلاد اليمن من سبأ.

" وقال المهدوي: لمراد ثم لغطفان. وقال الثعلبي: وأخذت أعلى وأنعم وهما من طيء وأهل جرش من مذحج يغوث، فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانًا، ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم، ففروا به إلى الحصين أخي بني الحارث بن كعب من خزاعة. وقال أبو عثمان النهدي."

خاب الطالب والمطلوب، أرادوا أن ينتزعوا منه هذا الصنم ففروا به.

" وقال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث، وكان من رصاص، وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه ولا يهيِّجونه حتى يكون هو الذي يبرُك، فإذا برك نزل وقالوا قد رضي لكم المنزل، فيضربون عليه بناءً ينزلون حوله."

الاحتفاظ بهذه الأصنام وانتقالها من أمة إلى أخرى ومن مكان إلى مكان ومثل ما سمعتم فروا بها والعناية بها هذا لا شك أنه أمر مُحزن، حيث يُعتنى بهذه الأصنام، ولكل قوم وارث، الآن يُعتنى بها في المتاحف، وتوجد وتُصان وتنظّف، وما بقي إلا أن تطيَّب من أجل أيش؟ يخشى أنه يندرس العلم ويُنسى ثم تُعبد، تعود عبادتها من جديد، وهذا الشيطان هذا ديدنه ودأبه، وإلا فالأصنام بصدد أن تكسر، وقد كسرها النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل مكة..

عندكم متاحف كبرى للأصنام، صح؟

طالب: ..............

يقولون عندكم ثلثا تراث العالم.. هذا التراث- الله المستعان- أصنام يُعتنى بها ويهتم بها، وعند غيرهم في جميع الأقطار.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

على كل حال كل ما يُخشى منه أن يكون مردّ الناس إلى مثل ما صنع قوم نوح يُنسى العلم ويُدرس ثم يقال: يوحي الشيطان إلى بعض أوليائه مثل ما أوحى إلى أولئك، ثم تُعبد من دون الله، وهي محل عناية في كثير من البلدان، الآثار والتراث من أجل السياحة والاستمتاع، الله المستعان.

" وأما يعوق فكان بهمدان ببلخع في قول لعكرمة وقتادة وعطاء، ذكره الماوردي، وقال الثعلبي: وأما يعوق فكان لكهلان من سبأ، ثم توارثه بنوه الأكبر فالأكبر، حتى صار إلى همْدان، وفيه يقول مالك بن.."

نمط.

"ابن نمط الهمداني:

يريش الله في الدنيا ويبري

 

ولا يبري يعوق ولا يريش

ما يصنعون شيئًا، لا يدفعون عن أنفسهم، ولا ينفعون ولا يضرون

أربٌّ يبول الثعلبان برأسه

 

لقد هان من بالت عليه الثعالب

جاء ليعبد حجرًا كان يعبده، يوم جاء الثعلب يبول على رأسه، على رأس هذا الحجر الذي هو يعبده ثم قال:

أربٌّ يبول الثعلبان برأسه

 

لقد هان من بالت عليه الثعالب"

الله المستعان.

" وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة، ونحوه عن مقاتل، وقال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر من الطير، فالله أعلم. وقرأ نافع: ولا تذرن وُدًا بضم الواو، وفتحها الباقون، قال الليث: وَد بفتح الواو صنم كان لقوم نوح، ووُد بالضم صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن وُد، وفي الصحاح: والوَد بالفتح الوتِد في لغة أهل نجد، كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال، والود في قول امرئ القيس:

تظهر الود إذا ما أشذجت

 

وتواريه إذا ما تعتكر

قال ابن دريد: هو اسم جبل، وود صنم كان لقوم نوح -عليه السلام-، ثم صار لكلب، وكان بدُومة الجندل، ومنه سموه عبد وُد، وقال: نوح: ٢٣  ثم قال: نوح: ٢٣  الآية خصها بالذكر؛ لقوله تعالى: الأحزاب: ٧.."

كقوله تصلح لقوله؟! ماذا عندكم كقوله؟

طالب: ..............

خصها بالذكر؛ لقوله تعالى: الأحزاب: ٧  كقوله ما تصلح لقوله؟ يعني من باب العطف الخاص على العام.

" خصها بالذكر كقوله تعالى: الأحزاب: ٧   ﯖﯗ نوح: ٢٤  هذا من قول نوح أي أضل كبراؤهم كثيرًا من أتباعهم، فهو عطف على قوله: نوح: ٢٢  وقيل: إن الأصنام أضلوا كثيرًا أي ضل بسببها كثير، نظيره قول إبراهيم:        ﭶﭷ إبراهيم: ٣٦  فأجرى عليهم وصف ما يعقل؛ لاعتقاد الكفار فيهم ذلك.        نوح: ٢٤  أي عذابًا، قاله ابن بحر، واستشهد بقوله تعالى: ﯿ   القمر: ٤٧  وقيل: إلا خسرانًا، وقيل: إلا فتنة بالمال والولد، وهو محتمِل. قوله تعالى:   نوح: ٢٥  ما: صلة مؤكِّدة، والمعنى من خطاياهم، وقال الفرّاء: المعنى من أجل خطاياهم، فأدت ما هذا المعنى، قال: وما، تدل على المجازاة، وقراءة أبي عمرو: خطاياهم على جمع التكسير، الواحدة خطية، وكان الأصل في الجمع خطائي على فعائل.."

خطائي، أحسن الله إليك؟

خطائي.

" والأصل في الجمع خطائي على فعائل، فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياءً."

يعني الهمزة مع الألف، يعبر عن الألف بالهمزة، والهمزة يعبر عنها بالألف؛ لأنها ترسم الهمزة على الألف فتأخذ شكلها، وهنا قال: همزتان، المراد الهمزة والألف.

"لأن قبلها كسرة ثم استُثقلت، والجمع ثقيل، وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفًا، ثم قلبت الهمزة الأولى ياءً؛ لخفائها بين الألفين، والباقون: خطيئاتهم على جمع السلامة، قال أبو عمرو: قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إلا خطيات يريد أن الخطايا أكثر من الخطيات، وقال قوم: خطايا وخطيات واحد، جمعان مستعملان في الكثرة والقلة، واستدلوا بقوله تعالى:      ﰃﰄ لقمان: ٢٧  قال الشاعر:

لنا الجفِنات الغر............

 

.........................."

الجفَنات.

"لنا الجفْنات.................

 

..........................."

الجفَنات.

"لنا الجفَنات الغر يلمعن بالضحى

 

وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دمًا

وقرئ خطيئاتهم وخطياتهم بقلب الهمزة ياءً وإدغامها، وعن الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبي حيوة وأشهب العقيلي: خطيئتهم على التوحيد، والمراد الشرك نوح: ٢٥  أي بعد إغراقهم، قال القشيري: وهذا يدل على عذاب القبر، ومنكروه يقولون: صاروا مستحقين دخول النار أو عرض عليهم أماكنهم من النار كما قال تعالى: ﮢﮣ غافر: ٤٦  وقيل: أشاروا إلى ما في الخبر من قوله: البحر نار في نار."

البحر نار في نار.. ضعيف؟

طالب: ..............

نعم، يُذكر مرفوعًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن البحر نار أو تحته نار.

طالب: ..............

لا، ضعيف جدًّا.

" وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى: نوح: ٢٥  قال: يعني عُذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة، كانوا يغرقون في جانب، ويحترقون في الماء من جانب، ذكره الثعلبي، قال: أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال: أنشدني أبو بكر بن الأنباري:

الخلق مجتمع طورًا ومفترق

 

والحادثات فنون ذات أطوار

لا تعجبن لأضداد إن اجتمعت

 

فالله يجمع بين الماء والنار

نوح: ٢٥  أي من يدفع عنهم العذاب. قوله تعالى:       نوح: ٢٦  فيه أربع مسائل؛ الأولى: دعا عليهم حين يئس من اتباعهم إياه، وقال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. فأجاب الله دعوته وأغرق أمته. وهذا كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم»، وقيل: سبب دعائه أن رجلاً من قومه حمل ولدًا صغيرًا على كتفه، فمر بنوح فقال: احذر هذا، فإنه يضلك، قال: فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه، فحينئذٍ غضب ودعا عليهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد: إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة، وقيل: بأربعين. قال قتادة: ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب، وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابًا من الله لهم وعدلاً فيهم، ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب، بدليل قوله تعالى: ﭿ الفرقان: ٣٧ . الثانية: قال ابن العربي: دعا نوح على الكافرين أجمعين، ودعا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على من تحزّب على المؤمنين وألَّب عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة، فأما كافر معيَّن لم تعلم خاتمته فلا يُدعى عليه؛ لأن مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة، وإنما خص النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما؛ لعلمه بمآلهم، وما كشف له من الغطاء عن حالهم، والله أعلم. قلت: قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة البقرة، والحمد لله."

وقد حكى الإجماع على جواز الدعاء على الكافرين بعامة، وإن كان في علم الله -جل وعلا- أن منهم من يؤمن، لكن التعامل معهم على المشيئة الشرعية، أما المشيئة القدرية الكونية التي قد يوجد ممن لا يستحق هذا الدعاء فلسنا مطالبين بها ندعو عليهم حال كفرهم كما ندعو للمسلمين جميعًا، وإن كان في علم الله أن منهم من يرتد، ومن كتب الله له السعادة فلا تضره هذه الدعوة، نقل القرطبي الاتفاق في سورة البقرة الجزء الثاني صفحة مائة وثمان وثمانين، وذكر قول الأعرج مخرّجًا في الموطأ بسند الصحيح: أدركنا الناس يعني الصحابة، وهم يلعنون اليهود والنصارى في رمضان، وقد ذكر بعض المعاصرين أن الدعاء لا يجوز مطلقًا على الكفار، وأن دعوة نوح على قومه خطيئة تاب منها-نسأل الله العافية-، الله -جل وعلا- يستجيب ويهلك جميع من في الأرض من أجل خطيئة، والله -جل وعلا- لا يستجيب إذا كان هناك إثم أو قطيعة رحم! إذا دعا بإثم يستجاب؟ لا يستجيب، الله أحكم وأعلم وأعدل من أن يستجيب لمخطئ على غيره، يدعو على من لا يستحق الدعاء له، يستجيب الله له؟ يقول: أخطأ نوح وتاب من خطئه، -نسأل الله العافية-، كل هذا سببه أيش؟ الضعف والجبن والخوَر كله من أجل أن يغضب فلان أو لا يرضى فلان أو نخشى من فلان أو علَّان، والله المستعان، أدركنا الناس يعني الصحابة وهم يلعنون اليهود والنصارى في رمضان، هذا إذا كانوا أهل كتاب، فغيرهم من أمم الكفر من باب أولى.

" الثالثة: قال ابن العربي: إن قيل: لم جعل نوح دعوته على قومه سببًا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة."

نعم قد يكون الشيء مباحًا ولا إشكال فيه وغيره أولى منه، فيكون من باب خلاف الأولى، ويكون في حق الأنبياء أشد منه في حق غيرهم، يعني للإنسان أن يزاول ما أباح الله له، لكن كونه يتركه ويفعل ما عداه أولى به.

" قلنا: قال الناس: في ذلك وجهان أحدهما: أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة، والشفاعة تكون عن رضًا ورقة، فكان أن يعاتب بها ويقال: دعوت على الكفار بالأمس، وتشفع لهم اليوم؟ الثاني: أنه دعا غضًبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك، فخاف الدرك فيه يوم القيامة كما قال موسى -عليه السلام-: إني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، قال: وبهذا أقول. قلت: وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصًّا فقد قيل له: إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فأُعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك، كما دعا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال: «اللهم عليك بهم» لما أعلم عواقبهم، وعلى هذا يكون فيه معنى الأمر بالدعاء، والله أعلم. الرابعة: قوله تعالى:         ﯿ نوح: ٢٦ - ٢٧  أي من يسكن الديار قاله السدي، وأصله ديوار على فيعال من دار يدور، فقُلبت الواو ياءً وأدغمت إحداهما في الأخرى مثل القيّام أصله قيوام ولو كان فعالاً."

فعَّالا.

" ولو كان فعَّالا لكان دوَّارًا، وقال القتبي: أصله من الدار أي نازل بالدار، يقال: ما بالدار ديَّار أي أحد، وقيل: الديار صاحب الدار. قوله تعالى         نوح: ٢٨  دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنَين وهما لكبن متلوشخ."

لمك.

وهما لمك بن متلوشخ.

متوشلخ.

متلوشخ.
متوشلخ هذي مضبوطة، متوشلخ.

" لمك بن متوشلخ، وشمخا بنت أنوش، ذكره القشيري والثعلبي، وحكى الماوردي في اسم أمه منجل، وقال سعيد بن جبير: أراد بوالديه أباه وجده، وقرأ سعيد بن جبير: لوالدي بكسر الدال على الواحد، قال الكلبي كان.."

هذه مسألة مهمة جدًّا، وهي أن يكثر الدعاء بقول: ربنا اغفر لنا ولوالدِينا، الأصل لوالدَينا؛ ليشمل الأم، الوالد غير الوالدَين، الوالد الأب، فإذا دعا لوالدِيهم هو ومن حضر معهم فكأنه دعا للآباء دون الآمهات، وإذا قال لوالدَينا شمل الأم، وفي التثنية من المعنى ما ليس في الإفراد.

" قال الكلبي: كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمنون. وقال ابن عباس: لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم -عليهما السلام-. نوح: ٢٨  أي مسجدي ومصلاي مصليًا مصدقًا بالله، وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن منهم، فجعل المسجد سببًا للدعاء بالغفرة."

بالمغفرة.

" وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه ما لم يحدِث فيه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» الحديث، وقد تقدم."

وهو في الصحيح.

" وهذا قول ابن عباس، بيتي مسجدي، حكاه الثعلبي، وقاله الضحاك، وعن ابن عباس أيضًا: أي ولمن دخل ديني، فالبيت بمعنى الدِّين، حكاه القشيري، وقاله جويبر، وعن ابن عباس أيضًا: يعني صديقي الداخل إلى منزلي، حكاه الماوردي، وقيل: أراد داري، وقيل: سفينتي."

هو الظاهر أن المراد الدار التي هي البيت، بيت الإنسان.

" وللمؤمنين والمؤمنات عامة إلى يوم القيامة، قاله الضحاك."

يعني يكون نظير من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، هذا من دخل بيت نوح يغفر له بهذه الدعوة حال كونه مؤمنًا، أما من دخل من الكفار فإنه لا ينتفع بهذه الدعوة.

" وقال الكلبي: من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: من قومه، والأول أظهر. ولا تزد الظالمين أي الكافرين إلا تبارًا إلا هلاكًا، فهي عامة في كل كافر ومشرك، وقيل: أراد مشركي قومه. والتبار: الهلاك، وقيل: الخسران، حكاهما السدي، ومنه قوله تعالى:    الأعراف: ١٣٩  وقيل: التبار الدمار، والمعنى واحد، والله أعلم بذلك، وهو الموفِّق للصواب."

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...

"