كتاب الإيمان (57)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الطبعة الثانية هذه؟

طالب: نعم.

الطبعة الثانية وراجع الطبعة الأولى، كأني ما وهمت في الطبعة الأولى مصححة، صححوها والتصحيح خطأ، والتفسير كذلك صححوها بالتفسير. اطلعت عليها بالتفسير؟

طالب: نعم.

نعم.

طالب: في الطبعة الثانية عُدلت يا شيخ؟

والله أنا بزعمي أنها ما صُححت إلا بطبعة ابن كثير الأخيرة على الصواب، الطبعات السابقة كلها كتب: علي بن أبي طالب، وابن كثير يستدل به على أن هذا خطأ؛ لأن عليًّا لا يلحن.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فما زال الحديث أو الكلام في شرح حديث جبريل من رواية أبي هريرة.

(قوله: «متى الساعة؟» أي متى تقوم الساعة؟ وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع، واللام للعهد)، يعني الساعة المعهودة المشهورة التي جاءت بها النصوص القطعية من الكتاب والسنة، (والمراد يوم القيامة.

قوله: «ما المسئول عنها؟»، ما نافية، وزاد في رواية أبي فروة: فنكس فلم يجبه، ثم أعاد فلم يجبه ثلاثًا ثم رفع رأسه فقال: «ما المسئول؟»)، السائل جبريل، والمسئول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وعلم الساعة يستوي في عدمه.

طالب: النبي وغيره.

نعم. النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أفضل الأنبياء والمرسلين، وجبريل أفضل الملائكة، فعلمها محجوب عن كل مخلوق، ويستوي في ذلك النبي المرسل والملك المقرب. ومن المبالغة في إخفائها جاء قول الله -جَلَّ وعَلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، يعني مقتضى العبارة أنه علمها بعض الخلق، لكنهم قلة؛ لأن الله كاد أن يخفيها. هذا الأسلوب وهذا التعبير {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] مفهومه أنه أعلنها لبعض خلقه لكنهم قلة. لكن قال جمع من المفسرين مع جزم الجميع بالقطع على أنه لا يعلمها أحد، أن الله -جَلَّ وعَلا- كاد أن يخفيها حتى عن نفسه؛ مبالغة في إخفائها، وأما بالنسبة للخلق فإخفاؤها عنهم مقطوع به، وإذا كان صفوة الرسل -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- وأفضل الملائكة لا علم لهم بها، فمن دونهم من باب أولى.

(قوله: «بأعلمَ» الباء زائدة؛ لتأكيد النفي، وهذا وإن كان مُشعِرًا بالتساوي في العلم)، «ليس المسئول بأعلم» قد يُفهم منه نفي زيادة العلم، زيادة علم المسئول على السائل، فمفهومها أنهما يتساويان في علمها، يتساويان في العلم بها، وهما متساويان في عدم العلم بها، هما مستويان في عدم العلم بها.

(وهذا وإن كان مُشعِرًا بالتساوي في العلم، لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها؛ لقوله بعدُ: «خمس لا يعلمها إلا الله»)، المذكورة في آخر سورة لقمان: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]، مع أن الخلق تطاولوا على هذه الخمس الغيبيات، فحدد بعضهم وقتًا للساعة، {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} قالوا: نستطيع أن ننزل الغيث، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} قالوا: نعلم ما في الأرحام، والأطباء يعلمون ويخبرون عن الجنين عن نوعه وعن ما فيه من صحة أو تشويه قبل أن يُخلَّق، زعموا ذلك، مع أن إنزال الغيث في سورة الواقعة.

طالب: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ} [الواقعة: 69].

{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ} [الواقعة: 70]، وفي الزراعة: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} [الواقعة: 64].

طالب: {لَجَعَلْنَاهُ}.

{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} [الواقعة: 65]. فالزراعة التي فيها للمخلوق سبب بحيث يدعي أنه زرع، جاء النفي مؤكَّدًا. وهذه، وإنزال الغيث إنزال المطر: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة: 69]، هذا لا يمكن أن يُدعى، ليس للمخلوق فيه سبب، ولذلك لعدم وجود من يدعيه ما يحتاج إلى تأكيد، ما احتاج إلى تأكيد. والمشكل أن عامة الناس بسبب ما يُلقى إليهم من أخبار غيبية، زالت عندهم هيبة ادعاء الغيب، وهان عليهم أمر الكهان، واختلط عندهم الحق بالباطل، ويؤتى بالسحرة، ويسمون بأسماء إما محترفين أو سيرك أو ما أشبه ذلك، وإلا من يتردد في كون شخص يمشي على خيط، الخيط الذي يخاط به الثياب، على دباب مسافة كيلو مثلاً بسرعة هائلة على الخيط ويرجع للوراء بنفس السرعة، هل يقال: إن هذا احتراف أو مهارة أو خفة أو شيء من هذا؟

طالب: .......

محترف له دعايات، والدخول عليه ببطاقات وبأموال في صالة، يدخل عليه الناس يتفرجون ذكورًا وإناثًا، ويتصرف ويتحرك حركات ثم يطير ويدور رأسه في السقف وينزل، يقولون: هذا محترف، هذه خفة هذه مهارة.

طالب: ....... يا شيخ.

هذه التي يسمونها البرمجة، هذه مسألة ثانية البرمجة. لكن مثل هذا المحترف، كان يسمونه محترفًا، الآن يسمونه ساحرًا، ما عندهم مشكلة الآن، تجاوزوا مسألة الاحتراف ومسألة التصديق بهذه الأمور.

جيء للرشيد أو للمنصور -نسيت- برجل ذكر أن عنده خفة في الحركة، فيرمي الإبرة في الأرض، ثم يرمي أخرى فتدخل في جوفها، ثم ثانية كذلك إلى المائة، هذا شيء مشاهد ومتوقع يعني ما هو مستحيل، لكنه بعيد. ماذا صنع الخليفة؟ قال: أعطوه مائة دينار، واجلدوه مائة جلدة. صحيح محترف وموهوب، ويستحق المكافأة، لكن إضاعة الموهبة بمثل هذا يستحق الجلد عليه.

فهذه الأمور التي تلقى على عامة الناس، وهونت عليهم عظائم الأمور، لا شك أنها تحتاج إلى وقفة حازمة صارمة أن لو يقف في شارع من شوارع المسلمين ساحر ويقال: محترف قال: خلاص محترف.

البرمجة التي تسمونها البرمجة العصبية التي يقولون: يمشي على الجمر، ويوضع عليه لوح مملوء مسامير وتمشي عليه سيارة ولا يتأثر، هل يمكن أن يدرك مثل هذا بالمران؟ مستحيل. وأجريت دراسات في أمريكا وغيرها من علماء، وجيء بهذه الدراسات وترجمت، فإذا بهذه البرمجة مأخوذة من عبادة يتعبد بها بعض الوثنيين في اليابان، يتمرنون عليها، ونحن نتلقف كل ما قيل.

الآن هل يفرق، هل هناك فرق بين أن تطأ الجمر وأنت تعرف أنه جمر وتخاف منه وأنه حار، أو بين أن لا تعلم به ولا تلقي له بالاً ولا تلتفت إليه؟ حقيقته تختلف؟ ما فيه إلا إبراهيم- عليهِ السَّلامُ- الذي استثني من السنة الإلهية، ومسلم الخولاني بعد صار له نظير ذلك، إما معجزة وإما كرامة، ما عدا ذلك ما فيه أحد.

المقصود أن محمدًا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وجبريل ينفيان علمهما بالساعة، ويأتي من يأتي من يقول: الساعة سنة 1407، ومن يقول: 1400، ومن يقول: 2012، ومن يقول: بعد ألفين وخمسمائة ما أدري ترليون سنة أو اثنين ونصف ترليون. مضحكات! فلكيون هؤلاء ومن مشاهير علماء الهيئة على ما ذكروا، واحد يقول: 2012، وواحد يقول: بعد ألفين وخمسمائة ترليون، وما أدري كم؟ يعني بعد سنتين ونصف 2012، يعني الكلام قبل سنتين وأكثر، أو بعد اثنين ونصف ترليون. يعني الاختلاف، يعني لو شيء يسير قال: 12، 13، قبل 12 بشهر، يمكن أن يمشي، لكن... والإشكال أن الذي داخل على هذا الفلكي لما قال: بعد اثنين ونصف ترليون، قال: ما رأيك في فلان؟ قال: هذا يستسلم له جميع الفلكيين، هذا إمامهم. قال: يقول: إن العالم ينتهي سنة 2012، قال: والله هذا اجتهاده! ومحمد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يسأله جبريل، ما فيه أقرب من جبريل، وما فيه أشرف ولا أفضل ولا أعلم بالله من محمد- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، يقول: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل».

(وسيأتي نظير هذا التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله: «ما كنت بأعلم به من رجل منكم»، فإن المراد أيضًا التساوي في عدم العلم به)، ليس المراد به نفي زيادة العلم، إنما (المراد به التساوي في عدم العلم به، وفي حديث ابن عباس هنا: «فقال سبحان الله! خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله» ثم تلا الآية).

 كم من قضية يقرر الأطباء أن الجنين مشوه، ثم النتيجة يخرج في غاية اكتمال الخلق والجمال، هذا حصل كثيرًا. مشكلتنا أن العلماء يرتبون أحكامًا على مثل هذه الأحكام المضطربة، فيقولون: إذا كان تشويه ويصعب عليه العيش أو يشق على والديه فما فيه مانع من إجهاضه ما لم تُنفخ فيه الروح. غافلين أو متغافلين عن الحكمة الإلهية في وجود أمثال هؤلاء في المجتمع المسلم.

طالب: ...

 لا، الكتابات من زنادقة وملاحدة، وإن عاشوا بين المسلمين الذين يقولون: ما الحكمة الإلهية من وجود أمثال هؤلاء؟ وجودهم عذاب عليهم وعلى مجتمعاتهم، فلا حكمة في وجودهم. ونحن نستجيب بمثل هذا الكلام ونفتي بجواز إجهاضه، «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» وجود أمثال هؤلاء له حكم ومصالح بعضها ظاهر، وبعضها خفي، لكن منها الأجور العظيمة له ولوالديه ولمن يتعب عليه، ومن رآه أيضًا اعتبر وادكر وقال الذكر المشروع والدعاء المأثور، مصالح كبيرة.

يعني لو أن الأمة ما فيها ابتلاءات، طيب الشخص الذي يطرأ عليه هذا وهو حي ماذا يفعل هو؟ طيب صار عليه حادث وتعوَّق وصار عالة على أهله وعلى نفسه، وتأذى به كل من عرفه. هذه مشكلة ما تنتهي، ولذلك في البلاد التي تُحكَم بالقوانين الذين يلزمون من تسبب في إعاقة أن ينفق عليه بقية عمره، ماذا يصنع؟ يكمل عليه، يجهز عليه، فهذا لو صار معوقًا يرجع عليه وينتهي، فبدل ما ينفق عليه والتأمين يدفع...

طالب: ...

صحيح، هذا موجود في بعض الدول التي تزعم أنها.... والله المستعان. ما فيه أعدل ولا أحكم ولا أعلم بمصالح الخلق من خالقهم.

(قال النووي: يُستنبط منه أن العالِم إذا سئل عما لا يعلم يُصرح بأنه لا يعلمه، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته، بل يكون ذلك دليلاً على مزيد ورعه)، وهذا دليل على العلم، والثقة ثقة الإنسان بعلمه هو نفسه، الإشكال في أنصاف المتعلمين الذين ثقتهم بأنفسهم مهزوزة، يخافون أن يقال: والله ما يعرف، وإلا فالذي يثق من نفسه وعلمه ما يهمه أحد. الإمام مالك سئل عن مسائل فأجاب عن أكثر هذه المسائل بأنه لا يعلم، قال السائل: أنا قادم من العراق لدار الهجرة وأسأل إمام دار الهجرة؟ قال: رح لهم بالعراق وقل لهم: إن مالكًا لا يعرف، ماذا يصير؟ لأن ألزم ما على الإنسان خلاص نفسه، ثم إذا ضمن ذلك سعى في خلاص غيره.

يُعرض مسائل صحيح أنها مشكلة، ويترتب عليها آثار قوية، لكنها نتائج أخطاء ممن فعلها، كالزنا مثلاً والولادة من الزنا، ينشأ الولد ما له أب، الناس يعرفون، أمه تُعرف في المجتمع، ثم نذهب لنصحِّح نسبه، ننظر في شواذ الأقوال، كله خشية أن يقال... فهم الجناة، تصحح آثار جناية؟ هذه مشكلة. امرأة تصرفت تصرفًا وندمت عليه، ولدت في مستشفى في وقت في جوارها امرأة ثانية، هذه جاءت ببنت، وهذه جاءت بولد، فتقول: إنها قالت للممرضة: بدليهما، فبدلتهما قبل عشرين سنة، وتسأل الآن وتقول: الولد ما هو لي ولي بنتي، وهي من بلد ثانٍ، والولادة وقعت في غير بلدها!

يعني تصرفات تُظن يسيرة ثم آثارها في المستقبل، تنظر إلى هذا الولد عمرها كله ما هو لها، ماذا تفعل به؟ تسرحه خلاص، ما أنت بولد لنا، وبنتها ما تدري ماذا صار عليها بعد، يمكن صارت بغيًّا ما يدرى، نسأل الله العافية. ونسعى لتصحيح مثل هذه التصرفات، والله لو ضُبطت الأمور لقلَّت الشرور، لكن إذا أردنا أن نصحح، ومسألة الإجهاض هذا في الأربعين ما فيه أدنى إشكال، ويقال: ويالله افعلوا ما شئتم، ثم اذهبوا إلى المستوصفات، وأجهضوا ونزلوا!

يعني تسهيل الأمور بهذه الطريقة يساعد على انتشار الجريمة، ولذلك عند المالكية لا يجيزون الإجهاض ولا في الأربعين.

(وقال القرطبي: مقصود هذا السؤال كفُّ السامعين عن السؤال عن وقت الساعة).

طالب: ضابط يا شيخ تضبطون مسألة الإجهاض في الأربعين؛ لأن الحنابلة نصوا على أنه مباح .......

مباح، الحنابلة وغيرهم قالوا: مباح.

طالب: كيف يُضبط؟

مباح إلقاء النطفة قبل الأربعين بدواء مباح.

طالب: .......

يعني إذا وُجدت حاجة، ومن أبوين معروفين ومتضررة بالحمل، هناك مبررات. لكن بدون سبب؟ الأم ليس عليها أدنى ضرر؟

طالب: يمنع منه.

يمنع منه نعم.

(وقال القرطبي: مقصود هذا السؤال كفُّ السامعين عن السؤال عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث، فلما حصل الجواب بما ذُكر هنا حصل اليأس من معرفتها، بخلاف الأسئلة الماضية، فإن المراد بها استخراج الأجوبة؛ ليتعلمها السامعون، ويعملوا بها. ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن.

قوله: «مِن السائل؟» عدل عن قوله: لست بأعلم بها منك إلى لفظ يُشعر بالتعميم تعريضًا للسامعين، أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك)؛ لأنه لا يظن أن يأتي سائل أو يأتي مسئول لا يدخل في هذا العموم.

(فائدة: هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى ابن مريم وجبريل، لكن كان عيسى سائلاً وجبريل مسئولاً. قال الحميدي في نوادره: حدثنا سفيان، قال: حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء عن الشعبي، قال: سأل عيسى ابن مريم جبريل عن الساعة؟ قال: فانتفض بأجنحته وقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، وعلق شيخنا الشيخ ابن باز- رَحمةُ اللهِ عَليهِ- قال: لا ينبغي الجزم بوقوع هذا من عيسى؛ لأن كلام الشعبي لا تقوم به حجة، وإن كان نقله عن بني إسرائيل فكذلك، وإنما يُذكر مثل هذا بصيغة التمريض كما هو المقرر في علم مصطلح الحديث، والله أعلم.

(قوله: «وسأخبرك عن أشراطها»، وفي التفسير: «ولكن سأحدثك»، وفي رواية أبي فروة: «ولكن لها علامات تُعرف بها»، وفي رواية كهمس قال: فأخبرني عن أمارتها فأخبره بها، فترددنا، فحصل التردد هل ابتدأه بذكر الأمارات أو السائل سأله عن الأمارات؟)، «وسأخبرك عن أشراطها»، وفي بعض الروايات: أخبرني عن أشراطها، أو: ما أشراطها؟

(فحصل التردد هل ابتدأه بذكر الأمارات أو السائل سأله عن الأمارات؟ ويُجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله: «وسأخبرك»، فقال له السائل: فأخبرني)، يعني لو تأخر عليه شيء من الوقت قال له: أخبرني. (ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها: «ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها»، قال: أجل. ونحوه في حديث ابن عباس وزاد: فحدثني، وقد حصل تفصيل الأشراط من الرواية الأخرى وأنها العلامات، وهي بفتح الهمزة جمع شَرَط بفتحتين كقَلَم وأقلام)، وسبب وأسباب.

طالب: .......

لا لا، ما يلزم، التحريف وقع كما أخبر الله -جَلَّ وعَلا-، لكن هل يلزم أن التوراة والإنجيل مائة بالمائة محرفة؟

طالب: .......

هو إذا خالف ما عندنا، فالشرائع كلها متفقة على هذا، نجزم به أنه محرف.

طالب: .......

لا لا، ما له .......، عندنا ما يكفينا.

(ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والإخبار والإنباء بمعنًى واحد)، «سأخبرك»، «سأنبئك»، «سأحدثك»، وهذا رأي الإمام البخاري وأنه لا فرق بين صيغ الأداء. (وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحًا)، وأول من فرق بينهما بمصر ابن وهب، والإمام مسلم يعتمد التفريق بين التحديث والإخبار، فيجعل التحديث للسماع من لفظ الشيخ، والإخبار في العرض في القراءة على الشيخ، والإنباء خصه المتأخرون بالإجازة.

(قال القرطبي: علامات الساعة على قسمين؛ ما يكون من نوع المعتاد أو غيره، والمذكور هنا الأول، وأما الغير مثل طلوع الشمس من مغربها فتلك مقاربة لها أو مضايقة)، يعني بمعنى أنها تكون مباشِرة لها، بعدها مباشرةً، (والمراد هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم)، بعضهم يقسمها إلى علامات كبرى وعلامات صغرى.

(قوله: «إذا ولدت» التعبير بإذا للإشعار بتحقق الوقوع)، (بتحقق الوقوع)؛ لأن إذا شرط جزم معنوي دون اللفظي، بخلاف إن فإنها جزم لفظي دون المعنوي. ما معنى هذا الكلام؟ إن تجزم الشرط والجزاء، وإذا ما تجزم. لكن إن بالنسبة للمعنى شك ما هو بجزم، وإذا بالنسبة للمعنى جزم وليست بشك. ولذا يقول:

أنا إن شككت وجدتموني جازمًا        وإذا جزمت فإنني لم أجزم

(التعبير بإذا للإشعار بتحقق الوقوع، ووقعت هذه الجملة بيانًا للأشراط نظرًا إلى المعنى، والتقدير: ولادة الأمَة وتطاول الرعاة، فإن قيل: الأشراط جمع، وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان؟

أجاب الكرماني بأنه قد تُستقرض القلة للكثرة وبالعكس)، الآن كونه جمعًا وأقله ثلاثة على الأصح، قد يقول قائل: أقل الجمع اثنان، هذا معروف وله أدلته. وإذا كان مراده أنه جمع قلة أو جمع كثرة، فجمع الكثرة لا يمكن أن يطلق على اثنين. (أجاب الكرماني بأنه قد تُستقرض القلة للكثرة وبالعكس، أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط)، (أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط) ما معناه؟ (أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط)؟

طالب: .......

شرط يُجمع على أشراط وعلى شروط، يُجمع على أشراط، ويطلق أيضًا على شروط، وأحيانًا الشروط تبلغ جمع الكثرة فأكثر.

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

شروط غير أشراط، نعم، هم قالوا: الشرط جمعه شروط، والشَّرَط جمعه أشراط، لكن الأشراط واحدها هنا..

طالب: شَرْط.

شَرْط أم شَرَط؟ كسبب وأسباب وقلم وأقلام؟ أو يقال: أصله التحريك فخُفف؟ {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]، هو جمع شرط بلا شك، لكن يبقى هل الأصل شَرَط لنجري الجمع على القاعدة كسبب وأسباب وقلم وأقلام فخُفف بالتسكين، أو نقول: أصله شَرْط ويُجمع على أفعال؟

طالب: .......

لأن هذا حتى يرد على الشَّرْط الذي هو حكم من أحكام الوضع، يرد عليه.

(وفي جميع هذه الأجوبة نظر، ولو أجيب بأن)، معك الكرماني؟

طالب: .......

لا لا خله.

(ولو أجيب بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لَما بعُد عن الصواب)، لكن إذا جمعنا الروايات ألا يتحصل لنا من الشروط أكثر؟

طالب: بلى.

فلا نحتاج إلى هذه الأجوبة.

(والجواب المرضي أن المذكور من الأشراط ثلاثة، وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها؛ لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول، وفي التفسير ذكر الولادة وترؤُّس الحفاة، وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادَها، وساق ابن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة، وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن علية، وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع، ووقع مثل ذلك في حديث عمر، ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط، ووافقه عثمان بن غياث، وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخرساني، وكذا ذُكرت في حديث ابن عباس وأبي عامر)، فعلى هذا إذا كان الثلاثة هنا لا نحتاج إلى هذه الأجوبة، مع أنه بالإمكان أن يقال: إن أقل الجمع اثنان.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: نعم.

وما هي؟

طالب: .......

لا لا، لا، الجنس، المراد الجنس، جنس الشرط.

(قوله: «إذا ولدت الأمة ربها»، وفي التفسير: «ربتها» بتاء التأنيث، وكذا في حديث عمر، ولمحمد بن بشر مثله، وزاد يعني السراري، وفي رواية عمارة بن القعقاع: «إذا رأيت المرأة تلد ربها» ونحوه لأبي فروة، وفي رواية عثمان بن غياث: «الإماء أربابهن» بلفظ الجمع، والمراد بالرب المالك أو السيد، وقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في معنى ذلك)، كيف تلد الأمة ربها أو ربتها؟

(قال ابن التين: اختُلف فيه على سبعة أوجه، فذكرها، لكنها متداخلة)، يقول ابن حجر: (وقد لخصتُها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال؛ الأول: قال الخطابي: معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها؛ لأنه ولد سيدها)، لكن هذا موجود؟

طالب: .......

في عهد النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ماريا ولدت إبراهيم، فهل يمشي مثل هذا الجواب؟

طالب: .......

«أن تلد».

طالب: .......

نعم، في زمن الرسول، لكن هو الآن يُفهم منه في وقته أم فيما بعد في آخر الزمان؟

طالب: .......

في آخر الزمان.

(قال النووي وغيره: إنه قول الأكثرين. قلت: لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقعَ أكثره في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة. وقد فسَّره وكيع في رواية ابن ماجه بأخص من الأول، قال: أن تلد العجم العرب، ووجَّهه بعضهم بأن الإماء يلدن الملوك، فتصير الأُم من جملة الرعية، والملك سيد رعيته، وهذا لإبراهيم الحربي، وقرَّبه بأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبًا من وطء الإماء، ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكس الأمر ولا سيما في أثناء دولة بني العباس، ولكن رواية «ربتها» بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك).

 لأن الربة هذه البنت التي وُلدت من أَمة هذه لا يمكن أن تتولى أمر العامة، والكلام في أمر العامة.

(ووجَّهه بعضهم بأن إطلاق «ربتها» على ولدها مجاز؛ لأنه لما كان سببًا في عتقها بموت أبيه أُطلق عليه ذلك)، فكونها أُم ولد ولدت من سيدها وعتقت بموته بسبب هذا الولد، هذا هو الذي قلنا سابقًا: إنه موجود في وقت المقالة، ومن ذلكم إبراهيم أعتقها ولدها، ماريا. (وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يُسبى الولد أولاً وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسًا بل ملِكًا، ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفًا بها).

طالب: ...

جاء الحث على شراء، بل إلزام شراء من يعتق عليه.

(أو وهو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءةً أو يعتقها ويتزوجها. وقد جاء في بعض الروايات: «أن تلد الأمة بعلها» وهي عند مسلم، فحُمل على هذه الصورة، وقيل: المراد بالبعل المالك، وهو أَولى لتتفق الروايات.

الثاني)، يعني من الأجوبة (أن تبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولَدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية)، لكن يرد على هذا أن القول بجواز بيع أمهات الأولاد قول مشهور عند الصحابة ومن بعدهم.

هذا يقول: «أن تلد الأمة ربتها» هل هو على سبيل الذم أو المدح؟

أولاً هو بيان واقع، فلا يؤخذ منه حكم على الجواز أو المنع، هو بيان واقع، كما جاء بأنه في آخر الزمان: الظعينة تسير من كذا إلى كذا لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها، ليس معناه أنه في آخر الزمان يجوز أن تسافر المرأة بلا محرم، فهو بيان واقع.

(فإن قيل: هذه المسألة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها)، هذا الذي أشرت إليه (هذه المسألة مختلف فيها، فلا يصلح الحمل عليها؛ لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز. قلنا: يصلح أن يُحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها)، وما أبعدَ مثل هذا الكلام، يعني أشرت وعلامة من علامات الساعة يحاول أن يُنزل على صورة نادرة من صورة مختلف فيها. (فإنه حرام بالإجماع.

الثالث: وهو من نمط الذي قبله)، وإذا قلنا: يُحمل على صورة كبيعها في حال حملها، ثم يطؤها، ثم تنتج له سيدة، ما تحتاج إلى سيد ولا غيره، التحريم موجود في الصور كلها سواء كانت حرة أو سواء أَمة أنها لا توطأ وهي حامل. على كل حال هذا فيه بُعد شديد.

(الثالث: وهو من نمط الذي قبله، قال النووي: لا يختص شراء الولد أُمه بأمهات الأولاد، بل يُتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرًّا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقًا بنكاح أو زنًا ثم تُباع الأمة في الصورتين بيعًا صحيحًا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها، ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السراري؛ لأنه تخصيص بغير دليل)، ما تفسيره هذا؟

(ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السراري؛ لأنه تخصيص بغير دليل)؟ السراري الموطوءة تحت سيد، وهو يقول: (حرًّا من غير سيدها، أو رقيقًا بنكاح أو زنًا) بمعنى أنها ولدت من غير سيدها، وأما السرية فهي الموطوءة تحت سيدها. (لأنه تخصيص بغير دليل.

الرابع: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامِل الولد أُمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام)، وما أكثر هذا، نسأل الله العافية.

(فأطلق عليه «ربها» مجازًا لذلك، أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقةً. وهذا أوجه الأوجه عندي؛ لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغرَبةً، ومحصلُه الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور، بحيث يصير المربى مربيًا، والسافلُ عاليًا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى: «أن تصير الحفاة ملوك الأرض»).

يقول: (تنبيهان؛ أحدهما: قال النووي ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه)، يعني مثل ما قلنا سابقًا: إنه بيان واقع، لا يؤخذ منه حكم شرعي.

 (وقد غلط من استدل به لكل من الأمرين؛ لأن الشيء إذا جُعل علامةً على شيء آخر لا يدل على حظر ولا إباحة.

الثاني)، من ثاني التنبيهين: (يُجمع بين ما في هذا الحديث من إطلاق الرب على السيد المالك في قوله: «ربها»، وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي ومولاي» بأن اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة، أو المراد بالرب هنا المربي، وفي المنهي عنه السيد، أو أن النهي عنه متأخر أو مختص بغير الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

قوله: «تطاول» أي تفاخروا في تطويل البنيان).

طالب: .......

نعم، قبل أن يموت، ما تعتق إلا بموته.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، إذا مات صار الولد سيدًا لها بمنزلة أبيه، باعتبار ما كانت أَمة وهي عند الناس أمة، حتى الأمة في عرف الناس ولو تحررت ما هي مثل الحرة الأصلية، والمسألة مسألة اعتبارية، وإلا: «كلكم لآدم».

طالب: .......

لا، هي حرة، عتقت.

طالب: .......

يعني عُرف الناس وعادتهم أن هذا ولده وُلد من شخص حر فلان بن فلان بن فلان، وأمه أمة باعتبار ما كان.

(قوله: «تطاول» أي تفاخروا بتطويل البنيان وتكاثروا به)، الآن يبنون أبراجًا.

(قوله: «رُعاة الإبل» هو بضم الراء جمع راعٍ كقضاة وقاضٍ، و«البُهم» بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها)، «البَهم» نعم يسمون صغار الغنم الآن: بَهمًا. (ولا يتجه مع ذِكر الإبل، وإنما يتجه مع ذِكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم: «رعاء البهم»، وميم «البُهم» في رواية البخاري يجوز ضمها على أنها صفة الرعاة)، «رعاةُ البهمُ» الرعاة وصفهم أنهم بهمٌ، بمعنى أنهم لا يُعربون، شبه الأعاجم.

طالب: .......

وصفهم، من إضافة الموصوف إلى صفته.

طالب: .......

يكون أصله مرفوع؛ لأنه وصف، لكن لفظه مجرور.

(ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل، يعني الإبل السُّود).

طالب: .......

بُهم، بُهم.

طالب: .......

وصف الإبل البهم التي لونها أبهم أسود، (يعني الإبل السود، وقيل: إنها شر الألوان عندهم، وخيرها الحمر التي ضُرب بها المثل فقيل: «خير من حُمْر النعم»)، «من حُمْر» جمع أحمر وحمراء -لا حُمُر جمع حمار- «النَّعَم».

(ووصف الرعاة بالبُهم إما لأنهم مجهولو الأنساب، ومنه أُبهم الأمر فهو مُبهم إذا لم تُعرف حقيقته، وقال القرطبي: الأَولى أن يُحمل على أنهم سود الألوان؛ لأن الأُدْمة غالب ألوانهم)، إما أن يكون مجيئهم من بلاد يكثر فيها السواد كما هو كثير من رعاة اليوم، أو لأنهم لبروزهم إلى الشمس والهواء تأثرت ألوانهم.

(لأن الأدمة غالب ألوانهم، وقيل معناه: أنهم لا شيء لهم كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «يحشر الناس حفاةً عراةً بُهمًا»، قال: وفيه نظر؛ لأنه قد نسب لهم الإبل، فكيف يقال: لا شيء لهم؟)، رعاة الإبل هذا يحتمل أن يكونوا أجراء عند صاحبها، وليست مِلكًا لهم؟ (قلت: يُحمل على أنها إضافة اختصاص لا مِلك، وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة)، النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أشرف الخلق كان يرعى لقريش على قراريط بالأجرة.

(وأما المالك فقلَّ أن يباشر الرعي بنفسه. قوله في التفسير: «وإذا كان الحفاة العراة»، زاد الإسماعيلي في روايته: «الصم البكم»، وقيل لهم ذلك مبالغةً في وصفهم بالجهل، أي لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في الشيء من أمر دينهم، وإن كانت حواسهم سليمة)، قد يكونون من أسلم الناس حواسّ، لكن الذي لا يستفيد من هذه الحواس صم بكم، لهم حواس لكن السمع لا يسمعون به، والبصر لا يبصرون به، لا يستفيدون منه، فكأنه معدوم.

(قوله: «رؤوس الناس» أي ملوك الأرض، وصرح به الإسماعيلي وفي رواية أبي فروة مثله، والمراد بهم أهل البادية، كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره. قال: ما الحفاة العراة؟ قال: العُرَيْب، وهو بالعين المهملة على التصغير، وفي الطبراني من طريق أبي حمزة عن ابن عباس)، أو أبي جمرة؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: أبي جمرة.

عندك أبي جمرة؟

طالب: .......

نعم، هو قال: (أبي حمزة) وهذا خطأ، معروف أنه أبو جمرة نصر بن عمران الضُّبعي يروي عن ابن عباس ويترجم بين يديه كما سيأتي في كتاب العلم: كنت أترجم بين يدي ابن عباس، نصر بن عمران الضُّبعي.

(مرفوعًا: من انقلاب الدِّين تَفصُّح النَّبط واتخاذهم القصور في الأمصار. قال القرطبي: المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولي أهل البادية على الأمر، ويتملكوا البلاد بالقهر، فتكثر أموالهم، وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به، وقد شاهدنا ذلك في هذه الأزمان)، هذا يقوله ابن حجر في منتصف القرن التاسع! الآن ألف وخمسمائة سنة تقريبًا.

طالب: .......

القرطبي؟

لا، قبل القرطبي، القرطبي قبل ابن حجر.

طالب: .......

القرطبي، ما زال الكلام للقرطبي نعم، وينقله ابن حجر. المقصود أن القرطبي كم؟ ستمائة و...

طالب: ....... السابع.

نعم، بالسابع.

(وقد شاهدنا ذلك في هذه الأزمان)؛ لأن القرطبي التلميذ صاحب التفسير قبل شيخ الإسلام، وشيخه أبو العباس قبله.

(ومنه الحديث الآخر: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع»، ومنه: «إذا وسد الأمر» أي أسند «إلى غير أهله فانتظروا الساعة»)، وتلفت يمينًا وشمالاً، وانظر في الولايات والوظائف، («إذا وسِّد الأمر» أي أسند «إلى غير أهله فانتظروا الساعة» وكلاهما في الصحيح).

طالب: .......

لا لا، وصف وصف، ما تعرف البيت؟

 أطوف ما أطوف ثم آوي      إلى بيت قعيدته لكاع

(قوله: «في خمس» أي عِلم وقت الساعة داخل في جملة «خمس»، وحَذْف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12] أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، وفي رواية عطاء الخرساني: قال فمتى الساعة؟ قال: «هي في خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله». قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث)، لأنه قد يقول قائل: الآية آية لقمان {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، ما دام ما فيها حصر عليه ونفي لعلم غيره -جَلَّ وعَلا-. قد يقوله، لكن الأحاديث: «في خمس لا يعلمهن إلا الله».

(قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث)، وقد ذكرنا في أول الدرس ما في هذا. (وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- قول الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] بهذه الخمس وهو في الصحيح، فمن ادعى علم شيء منها غير مسنده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان كاذبًا في دعواه. قال: وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجِّم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم)، كيف؟ (وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجِّم وغيره)، يعني الذي ينظر في النجوم ويستدل بها على أمور.

طالب: .......

يعني مطردة، يطلع نجم كذا يصاحبه كذا، إذا أمن العاهة إذا طلعت الثريا. في بيع الثمر قبل زُهوه.

(إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم)، لكنه ظن، يبقى أنه ظن. (وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجُعل وإعطائها في ذلك، وجاء عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم -صلى الله عليه وسلم- علم كل شيء سوى هذه الخمس. وعن ابن عمر مرفوعًا نحوُه. أخرجهما أحمد. وأخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره، فأنكر عليه فقال: إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم، ويجهله قوم).

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"