التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإنسان (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً}[الإنسان:23]  ما افتريته ولا جئت به من عندك ولا من تلقاء نفسك كما يدعيه المشركون، ووجه اتصال هذه الآية بما قبل أنه سبحانه لما ذكر أصناف الوعد والوعيد بيَّن أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه فليس بسحر ولا كهانة ولا شعر، وأنه حق، وقال ابن عباس: أنزل القرآن متفرقًا آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة، فلذلك قال: {نَزَّلْنَا}[الإنسان:23] ، وقد مضى القول في هذا مبينًا، والحمد لله. قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}[الإنسان:24]  أي لقضاء ربك، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اصبر على أذى المشركين، هكذا قضيت، ثم نسخ بآية القتال، وقيل: أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات أو انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة. "

الصبر أعم مما ذُكر الصبر على الأقدار على ما قدره الله وقضاه، والصبر على الطاعة من الأحكام الواجبة، والصبر أيضًا عما حرمه الله -جل وعلا-، فجميع أنواع الصبر تجتمع في هذه الآية لحكم الله -جل وعلا- لحكمه وقضائه المقدر، ولحكمه المبرم في التحليل والتحريم، ولحكمه أيضًا الوضعي يشمل جميع ما تتناوله اللفظة من معانٍ سواء الحكم التكليفي والحكم القضائي والقدري والحكم الوضعي، بحيث لا يجعل من الأسباب سببًا لم يجعله الله سبحانه وتعالى سببًا، وهذا من الأحكام الوضعية، وكذلك ما يتناوله هذا اللفظ مما هو مفصل في كتب الأصول من الأحكام التكليفية والوضعية إجمالاً وما تتناوله كتب الفروع من الأحكام التفصيلية.

"{وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا}[الإنسان:24] أي ذا إثم، {أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24]  أي لا تطع الكفار، فروى معمر عن قتادة قال: قال أبو جهل. "

وقوله: { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24]  قد يُلمِح إلى ما قاله ابن عباس في معنى الآية من الصبر على أذى المشركين، وكان هذا في أول الأمر قبل الأمر بقتالهم، ولذلك قال: ثم هكذا قضيت، ثم نسخ بآية القتال يعني آية السيف التي نسخت سبعين آية على ما يقوله أهل العلم على خلاف ونزاع بينهم في بعضها.

" قال أبو جهل: إن رأيت محمدًا يصلي لأطأن على عنقه، فأنزل الله -عز وجل- {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24] "

يعني ولو هدد ولو أوعد فلا يجوز أن يطاع الكفار بحال، نعم في وقت الضعف قد يتطلب الأمر شيئًا من المداراة، لكنه لا يجوز بحال أن يداهن الكفار على حساب الدِّين، ولا يمالؤون ولا يمارون في ترك واجب أو فعل محرم.

" ويقال: نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة، وكانا أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوة، ففيهما نزلت:{وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24] "

وهذا يشمل عروضهم سواء كانت بالتهديد والوعيد أو كانت بالترغيب.

" قال مقاتل: الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة قال: إن بناتي من أجمل نساء قريش، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر، وارجع عن هذا الأمر. وقال الوليد: إن كنتَ صنعت ما صنعت لأجل المال فأنا أعطيك من المال حتى ترضى، وارجع عن هذا الأمر. فنزلت، ثم قيل: (أو) في قوله تعالى:{آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24] أوكد من الواو؛ لأن الواو إذا قلت لا تطع زيدًا وعمرًا فأطاع أحدهما كان غير عاصٍ. "

لأن الممنوع منه الجمع بين طاعة الاثنين.

" لأنه أمره ألا يطيع الاثنين، فإذا قال: لا تطع منهم آثمًا أو كفورًا، فأو قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يُعصى كما أنك إذا قلت: لا تخالف الحسن أو ابن سيرين، أو اتبع الحسن أو ابن سيرين فقد قلت: هذان أهل أن يُتبعا، وكل واحد منهما أهل لأن يتبع، قاله الزجاج، وقال الفراء: أو هنا بمنزلة لا كأنه قال: ولا كفورًا، قال الشاعر:

لا وجد ثكلى كما وجدت ولا

 

وجد عجول أضلها ربع

أو وجد شيخ أضل ناقته

 

يوم توافى الحجيج فاندفعوا

أراد ولا وجد شيخ.. "

المثالان اللذان ذكرهما من قوله: لا تخالف الحسن أو ابن سيرين أو اتبع الحسن أو ابن سيرين هذا تخيير اتبع أحدهما وكل منهما أهل لأن يتبع، فرق في المنفي والمثبت، فإذا قيل: جالس الحسن وابن سيرين أفضل من أن تقول جالس الحسن أو ابن سيرين بخلاف المنفي، المنفي يتجه فيه ما قاله، لكن المثبت يختلف عما قاله، وهنا ذكر المثال مثبتًا ومنفيًا من غير فرق.

" وقيل: الآثم المنافق، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر أي لا تطع منهم آثمًا ولا كفورًا، وهو قريب من قول الفراء. قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[الإنسان:25]  أي صل لربك أول النهار وآخره، ففي أوله صلاة الصبح، وفي آخره صلاة الظهر والعصر. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ}[الإنسان:26]  يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة.{وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}[الإنسان:26] يعني التطوع في الليل، قاله ابن حبيب، وقال ابن عباس وسفيان: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة، وقيل هو الذكر.. "

من باب ذكر البعض وإرادة الكل؛ لأن التسبيح جزء من الصلاة، والنافلة تُسمى سبحة، والصلاة تُسمى سبحة صلاة الضحى سبحة الضحى، وجاء بذلك بعض النصوص.

" وقيل: هو الذكر المطلق سواءً كان في الصلاة أو في غيرها، وقال ابن زيد وغيره: إن قوله: {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}[الإنسان:26] منسوخ بالصلوات الخمس، وقيل: هو ندب، وقيل: هو مخصوص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد تقدم القول في مثله في سورة المزمل، وقول ابن حبيب حسن وجمع الأصيل. "

مخصوص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الآية تدل على الوجوب {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} [المزمل:2]  {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}[الإنسان:26] كل هذه أوامر تدل على الوجوب، وقيام الليل واجب عليه -عليه الصلاة والسلام- دون أمته فإنه مستحب ومن أفضل الأعمال.

" وجمع الأصيل الأصائل والأصل، كقولك: سفائن وسفن، قال:

.............................

 

ولا بأحسن منها إذ دنى الأصل

وقال في الأصائل، وهو جمع الجمع

لعمري لأنت البيت أكرم أهله

 

وأقعد في أفيائه بالأصائل

وقد مضى هذا في آخر الأعراف مستوفىً، ودخلت مِن على الظرف للتبعيض، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ}[الأحقاف:31] قوله تعالى.. "

التبعيض باعتبار أنه لا يمكن أن يستغرق الليل كله بالتسبيح سواء كان بالذكر أو بالصلاة، وإنما يقام منه ما تيسر، فهذه تبعيضية {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ}[الإنسان:26]  قال: كما دخلت على المفعول في قوله: يغفر لكم من ذنوبكم إذا أطاعوا نوحًا وانقادوا له يغفر لهم ذنوبهم أو من ذنوبهم؟ ذنوبهم، لتكون من هذه تبعيضية كما قال أو بيانية؟ بيانية الأقرب أن تكون بيانية؛ لأنه يغفر لهم من ذنوبهم، ثم ماذا عن الباقي يُعذبون عليه وهم قد أطاعوا وانقادوا؟

" قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاَء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}[الإنسان:27]  توبيخ وتقريع، والمراد أهل مكة. والعجلة الدنيا.. "

العاجلة هي العاجلة.

" والعاجلة الدنيا {وَيَذَرُونَ} [الإنسان:27] أي ويدعون { وَرَاءهُمْ } [الإنسان:27]  أي بين أيديهم {يَوْمًا ثَقِيلاً} [الإنسان:27]  أي عسيرًا شديدًا كما قال: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأعراف:187] أي يتركون الإيمان بيوم القيامة، وقيل: {وَرَاءهُمْ}[الإنسان:27]  أي خلفهم أي ويذرون الآخرة خلف ظهورهم، فلا يعملون لها، وقيل: نزلت في اليهود فيما كتموه من صفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحة نبوته وحبهم العاجلة أخذهم الرشا على ما كتموه، وقيل أراد.. "

الرُّشا.

" أخذهم الرُّشا على ما كتموه، وقيل: أراد المنافقين؛ لاستبطانهم الكفر. "

لأن هذا من المثلث ذكره قطرب وغيره، الرُّشا جمع رشوة، والرِّشا الحبل الذي يُستخرج به الماء في الدَّلو، والرَّشا ولد أيش؟ الغزال يسمونه رشا.

طالب: ...........

الرُّشا جمع رشوة.

" وقيل: أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا، والآية تعم، واليوم الثقيل يوم القيامة، وإنما سُمي ثقيلاً لشدائده وأهواله، وقيل: للقضاء فيه بين عباده. قوله تعالى:{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ}[الإنسان:28]  أي من طين {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}[الإنسان:28] أي خلقهم، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم، والأسر الخلق قال أبو عبيد: يقال: فرس شديد الأسر أي الخلْق، ويقال: أسره الله -جل ثناؤه- أي شدد خلقه، قال لبيد:

ساهم الوجه شديد أسره

 

مشرف الحارك محبوك الكتد

وقال الأخطل..

ومنه أيضًا الأسير؛ لأنه يشد عليه وثاقه، فالشدة موجودة في هذه المادة.

وقال الأخطل:

من كل مجتنب شديد أسره

 

سلس القياد تخاله مختالاً

وقال أبو هريرة والحسن والربيع: شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. وقال مجاهد في تفسير الأسر هو الشرج أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع. وقال ابن زيد: القوّة، وقال ابن أحمر يصف فرسًا:

يمشي بأوظفة شداد أسرها

 

صم السنابك لا تقي بالجدجد

واشتقاقه من الإسار وهو القِدّ الذي يُشد به الأقتاب يقال: أسرت القتب أسرًا أي شددته وربطته، ويقال: ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه، ومنه قولهم: خذه بأسره إذا أرادوا أن يقولوا: هو لك كله، كأنهم أرادوا تعكيمه وشده لم يفتح ولم ينقص من شده شيء، ومنه الأسير؛ لأنه يُكتف بالإسار، والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنِّعَم حين قابلوها بالمعصية أي سويت خلقك وأحكمته بالقوى ثم أنت تكفر بي.{وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً}[الإنسان:28] قال ابن عباس: يقول.. "

كأنهم أرادوا إذا قالوا: خذ هذا بأسره، كأنه شيء وضع في كيس وشُد فم الكيس؛ لئلا يخرج منه شيء، قال: كأنهم أرادوا تعكيمه يعني شد فوَّهة الظرف؛ لئلا يخرج منه شيء أو ينتثر منه شيء.

{وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً}[الإنسان:28]

" قال ابن عباس: يقول: لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وعنه أيضًا: لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها. كذلك روى الضحاك عنه، والأول رواه عنه أبو صالح. "

لغيرنا محاسنهم إلى أسمج والله -جل وعلا- قادر على كل شيء، فقد مسخ أقوامًا قردة وخنازير يعني من أقبح الصور، من أحسن تقويم إلى أقبح صورة، نسأل الله العافية.

" قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ}[الإنسان:29]  أي السورة{تَذْكِرَةٌ}[الإنسان:29]  أي موعظة،{فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}[الإنسان:29] أي طريقًا موصلاً إلى طاعته وطلب مرضاته، وقيل: سبيلاً أي وسيلة، وقيل: وجهة وطريقًا إلى الجنة، والمعنى واحد.{وَمَا تَشَاؤُونَ}[الإنسان:30]​​​​​​​ أي الطاعة والاستقامة واتخاذ السبيل إلى الله.{إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ}[الإنسان:30]  فأخبر أن الأمر إليه سبحانه ليس إليهم، وأنه لا تنفذ مشيئة أحد ولا تتقدم إلا أن تتقدم مشيئته. وقرأ ابن كثير.. "

يدل قوله: {فَمَن شَاء}[الإنسان:29]  أن للمخلوق مشيئة في قوله: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ}[الإنسان:30]  أن هذه المشيئة مقيدة بمشيئة الله وتابعة لها، فله مشيئة، لكنها ليست مستقلة، بل هي تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، فله مشيئة، وله حرية، وله اختيار، لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته، وهذا خلاف للجبرية الذين يقولون ليس له مشيئة أصلاً، وحركته مثل حركة ورق الشجر في مهب الريح، ومخالف أيضًا لقول المعتزلة الذين يرون أنه يستقل بأفعاله، وأنه يشاء، ولا راد لمشيئته، ولا مقنن لها، وهذا إثبات خلق مع الله -جل وعلا-، ولذلك سموا مجوس هذه الأمة، وأن العبد يخلق فعله، والذي عليه أهل الحق أن الله -جل وعلا- يخلق العبد ويخلق فعله؛ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون}[الصافات:96].

" وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: وما يشاؤون بالياء على معنى الخبر عنهم، والباقون بالتاء على معنى المخاطبة لله سبحانه، وقيل: إن الآية الأولى منسوخة بالثانية، والأشبه أنه ليس بنسخ، بل هو تبيين أن ذلك لا يكون إلا بمشيئته، قال الفراء: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله جوابٌ لقوله: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}[الإنسان:29]، ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم فقال: وما تشاؤون ذلك السبيل إلا أن يشاء الله لكم، إن الله كان عليمًا بأعمالكم حكيمًا في أمره ونهيه لكم، وقد مضى في غير موضع {يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ}[الإنسان:31] أي يدخله الجنة راحمًا له، {وَالظَّالِمِينَ}[الإنسان:31]  أي ويعذب الظالمين، فنصبه بإضمار يعذب، قال الزجاج: نصب الظالمين؛ لأن قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين أي المشركين، ويكون (أعد لهم) تفسيرًا لهذا المضمر، كما قال الشاعر:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا

 

أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به

 

وحدي وأخشى الرياح والمطر

أي أخشى الذئب أخشاه، قال الزجاج: والاختيار النصب، وإن جاز الرفع، تقول: أعطيت زيدًا وعمرًا أعددت له برًّا، فيختار النصب أي وبررت عمرًا أو أبر عمرًا. "

لكن ما المانع أن يكون والظالمين العطف على نية تكرار العامل يدخل من يشاء في رحمته، ويدخل الظالمين ما أعد لهم من عذاب من العذاب الأليم في ناره الذي هو عبارة عن النار، العذاب الأليم بالنار.

" وقوله في:{حم * عسق}[الشورى:1-2] {وَالظَّالِمُونَ}[الشورى:8] ارتفع؛ لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فيُنصب في المعنى، فلم يجز العطف على المنصوب قبله، فارتفع بالابتداء، وهاهنا قوله:{أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا}[الإنسان:31]  يدل على ويعذب، فجاز النصب، وقرأ أبان بن عثمان: والظالمون رفعًا بالابتداء، والخبر {أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الإنسان:31] أي مؤلمًا موجعًا، وقد تقدم هذا في سورة البقرة وغيرها، والحمد لله. "

هذا إن صحت به الرواية القراءة قراءة أبان بن عثمان المعنى ما يختلف، والواو حينئذ تكون استئنافية لاسيما وأنه جاء في سورة الشورى:{يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ}[الشورى:8] ، فمن حيث الإعراب ما فيه ما يمنع، تكون الواو استئنافية بدلاً من أن تكون عاطفة أو عاطفة جملة منصوبة على جملة منصوبة، ما فيه ما يمنع، لكن الكلام في ثبوته قراءة.

"