كتاب الوضوء (21)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "حدثنا إسماعيل" وهو ابن أبي أويس ابن أخت مالك، "قال: حدثني مالك عن مخرمة بن سليمان عن كُريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته"، حديث المبيت لابن عباس عند النبي -عليه الصلاة والسلام- وقيامه معه في تلك الليلة تقدَّم في كتاب العلم، واستدل به الإمام البخاري هناك على السمر في العلم؛ لأنه كلّم ابن عباس في مسائل أو في مسألة أو مسألتين، المقصود أن البخاري استدل به على أنه لا مانع من السمر في العلم، بخلاف السمر الذي يترتب عليه ضياع الوقت من الليل في غير ذلك من القيل والقال، فإنه مكروه؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبلها، يعني صلاة العشاء والحديث بعدها، أما إذا كان في مصلحة عامة أو خاصة، فإن الكراهة حينئذٍ تزول عند أهل العلم بأدنى حاجة.

 قال: وهي خالته، فاضطجعت، يقول ابن عباس: إنه بات، عن ابن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته، بات، ثم الكلام عن ابن عباس عنه، ثم انتقل من باب الالتفات فقال: فاضطجعتُ، عاد الكلام إليه بعد أن كان عنه، "فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها" الوسادة معروف أنها مستطيلة، في عرضها بات أو اضطجع عليه ابن عباس في العرض، وفي الطول بات النبي -عليه الصلاة والسلام- واضطجع عليه هو وزوجته ميمونة بنت الحارث.

 "فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل" يعني نام بعد أن أدى الراتبة في بعض الروايات أنه صلى أربعًا، "حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل" والقيام في نصف الليل هو قيام داود –عليه السلام-، وهو أنه ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، مع أن ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- في القيام قد لا يتفق مع قيام داود من كل وجه أو في كل الأحوال فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ينام نعم.

طالب: ......

 ماذا؟

طالب:...

نعم، معروف هذا كله، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقوم من يقوم الليل إلا قليلاً امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [سورة المزمل: 2-4]، المقصود أنه لا يحدّد ساعة معينة لا يتجاوزها في جميع أحواله، فقد يزيد وقد قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، وإذا صلى ليلة في ركعة بالبقرة والنساء وآل عمران فهذه الركعة تحتاج إلى وقت طويل، مع الترتيل لا تقل عن ساعتين، فماذا عن الركعات الباقية، والله المستعان.

 "حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده" يمسح النوم عن وجهه بيده، النوم له جرم يمسَح؟ شيء محسوس؟

طالب: ......

ماذا؟

طالب: ......

هو، نعم، مسح وجهه، النوم يخيم على الإنسان، ويغشى بدنه، ويبقى له أثر، هذا واضح إذا انتبه الإنسان وما فعل شيئًا لا ينفك من النوم من كل وجه، لكن إذا تحرك حركة مؤثرة في الوجه أو غسل وجهه، أو تصرف تصرُفًا يذهب عنه النوم هذا منه، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، "ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران" العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ومعلوم أن العدد غير مراد، العدد غير مراد؛ لأنها إحدى عشرة آية من قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة آل عمران: 190]، الذي جاء التصريح به في بعض الروايات، من آل عمران.

 "ثم قام إلى شَنٍّ معلقة" الشَن هي القربة القديمة التي لو خلت من الماء ليبست وتكسرت، هذا الشّن، "ثم قام إلى شَن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، فأحسن وضوءه ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع" قمت فصنعت مثل ما صنع، هو ما نام عنده إلا من أجل أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، "ثم ذهبت فقمت إلى جنبه" إلى جنبه الأيسر بدليل، "فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها" بعد أن حوله إلى جهة اليمين، وإن لم يذكر في الرواية، "وأخذ بأذني يفتلها، فصلى ركعتين" نعد الركعات، "فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين" اثنتا عشرة ركعة، اثنتا عشرة ركعة، "ثم أوتر" لو قلنا: إنها ركعة واحدة وتر، وهي أقلُّه، صار المجموع ثلاث عشرة ركعة، مما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يلزم حالة واحدة.

طالب:...

ست ركعات، اثنتا عشرة، ست، ثم أوتر بواحدة، افترض أنها واحدة، ثلاث عشرة، وقبل النوم صلى الراتبة ومعها ركعتين، المقصود أن العدد لم يتحدد عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في المسند ما يدل على أنه صلى خمس عشرة ركعة، وحديث عائشة في الصحيحين: ما كان- عليه الصلاة والسلام- يزيد في سفر ولا إقامة عن إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا في غيره ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، هذا هو الكثير الغالب الذي شاهدته عائشة -رضي الله عنها-، وشاهد غيرها غير ذلك، والأصل في المسألة قوله -عليه الصلاة والسلام-: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة»، أو «فصل واحدة توتر لك ما قد صليت»، ثم أوتر.

 "ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين" ركعتي الصبح اللتين هما خير من الدنيا وما فيها، ومن صفتهما الخفة، بعض الناس يطيل في هاتين الركعتين، وهو خلاف السُّنَّة، وعائشة تقول: لا أدري هل قرأ فاتحة الكتاب أم لا؟ يعني مبالغة في تخفيفها، "ثم خرج فصلى الصبح".

قوله: حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس، قوله: مخرمة بفتح الميم وإسكان المعجمة والإسناد كله مدنيون.

 قوله: فاضطجعت قائل ذلك هو ابن عباس، وفيه التفات؛ لأن أسلوب الكلام كان يقتضي أن يقول: فاضطجع؛ لأنه قال قبل ذلك: إنه بات، قوله: في عَرض بفتح أوله على المشهور، وبالضم أيضًا، وأنكره الباجي من جهة النقل، ومن جهة المعنى أيضًا، قال: لأن العُرض بالضم هو الجانب، وهو لفظ مشترك.

 قلت: لكن لما قال في طولها تعيّن المراد، تعيّن المراد، والعرض بالفتح هو ما يقابل الطول، والعرض يشمل الطول والعرض لكن لما قال: في طولها تحدد، تعيّن المراد وقد صحّت به الرواية فلا وجه للإنكار، وقد صحّت به الرواية فلا وجه للإنكار، قوله: يمسح النوم أي يمسح بيده عينيه من باب إطلاق اسم الحال على المحل، اسم الحال على المحل العين حالّة في الوجه العين حالّة في الوجه، فهذا من باب إطلاق الحال على المحل، ولو قيل: من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، الوجه يشمل العين وغير العين، فتكون من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهذا أوضح.

طالب: ......

ماذا؟

طالب: ......

 يمسح وجهه، والمراد من الوجه العين، يمسح النوم أي يمسح بيده عينيه عن وجهه. يمسح النوم عن وجهه، يعني النوم حالّ في الوجه، هذا قصدك؟ لكن في الحديث الوجه، يمسح النوم عن وجهه، على كل حال الأمر سهل، يعني سواء كان هذا هو المراد أو ذاك فالخطب سهل، من باب إطلاق اسم الحالّ على المحل أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبَّب، ثم قوله: ثم قرأ العشر آيات أولها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة آل عمران: 190]  إلى آخر السورة.

قال ابن بطال ومن تبعه: فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهارة، على غير طهارة، ولا شك أنه على الطهارة أكمل ولو كان من غير مسٍّ للقرآن، لكن لا يمنعه عنه -عليه الصلاة والسلام- عن القرآن إلا الجنابة، الحدث الأصغر ما يمنع بلا شك، لكن إذا تيمم النبي -عليه الصلاة والسلام- لردّ السلام، فلا شك أن القرآن هو ذكر من باب أولى، لكن يبقى أن ذلك جائز لا إشكال فيه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ.

 وتعقَّبه ابن المنيِّر وغيره بأن ذلك مفرّع على أن النوم في حقه ينقض، على أن النوم في حقه ينقض، وقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، وليس كذلك؛ لأنه قال: «تنام عيناي ولا ينام قلبي»، وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء، أو أحدث بعد ذلك فتوضأ.

 قلت: وهو تعقّب جيد بالنسبة إلى قول ابن بطال بعد قيامه من النوم؛ لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم، لكن لما عقّب ذلك بالوضوء كان ظاهرًا في كونه أحدث؛ لأن الظاهر أن الوضوء عن الحدث أظهر وأقرب من تجديد الوضوء بدون حدث، ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه، ألا يقع منه حدث وهو نائم، نعم خصوصيته أنه إن وقع شعر به بخلاف غيره؛ لأنه لا ينام قلبه، وما ادعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه الأصل أن الوضوء لاستباحة ما لا يباح إلا به، وذلك يكون برفع الحدث، وهذا هو الأصل، قد يكون للتجديد، لكن الأصل أنه لاستباحة ما لا يستباح إلا به.

وقد سبق الإسماعيلي إلى معنى ما ذكره ابن المنيِّر، والأظهر أن مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة، ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول ابن عباس، فصنعتُ مثل ما صنع، ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول ابن عباس، فصنعتُ مثل ما صنع؛ لأن ابن عباس لما نام أحدث؛ لأن النوم بالنسبة لابن عباس إذا كان بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينقض الوضوء، فإنه بالنسبة لابن عباس كغيره، وصنع مثل ما صنع، قرأ القرآن مثل ما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يقل له: لا تقرأ إلا بعد الوضوء، ولم يرد المصنف أن مجرد نومه -عليه الصلاة والسلام- ينقض؛ لأنه في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء: ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى، ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر أن- الفوائد الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر اعتراض الإسماعيلي-: لعل البخاري احتج بفعل ابن عباس بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو اعتبر اضطجاع النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أهله واللمس ينقض الوضوء. قلت: ويؤخذ من هذا، قلت: ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيّدتُ الحديث به في ترجمة الباب.

طالب: ......

 أين؟

طالب:...

ما قيدتُ الحديث به في ترجمة الباب، قراءة القرآن بعد الحدث أي الأصغر وغيره من مظان الحدث، التقييد بالحدث يعني الأصغر، الحدث صحيح، هو قيّد الحدث في الترجمة، الترجمة فيها: باب قراءة القرآن بعد الحدث أي الأصغر، فقيّد الحدث بأنه أصغر.

طالب:...

ماذا؟

طالب: ......

لا، واضح؛ لأنه في الترجمة الحدث، ما الطبعة التي معك؟ الرسالة؟

طالب: ......

لا، الرسالة جيدة، أنا اقتنيتها أخيرًا، ووجدت فيها تصحيحات كثيرة ما هي بقليلة على الطبعات كلها.

 ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيّدتُ الحدث به في ترجمة الباب، وأن المراد به الأصغر، إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى، بل كان يغتسل.

 قوله: إلى شنٍّ معلقة قال الخطابي: الشّن القربة التي تبدت للبلى يعني بدأت تبلى، ولذلك قال في هذه الرواية: معلقة فأنَّث لإرادة القربة وإلا فلفظ الشَن مذكر، فأنَّث لإرادة القربة.

 قوله: فقمت فصنعت مثل ما صنع، تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع، فليُراجَع من ثمَّ، تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع، فليُراجَع من ثمَّ، وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر، إن شاء الله تعالى.

طالب: ......

 طيب. ماذا؟

طالب: ......

 تخفيف الوضوء.

طالب:...

لا، تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع، يعني أحال على الموضع عندك؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الحديث؟

طالب:...

مئة وثمانٍ وثلاثين.

طالب:...

نعم باب التخفيف في الوضوء، مئة وثمان وثلاثين، الحديث مائة وثمان وثلاثين. بل كان إذا روى الحديث مطولاً، قال: اضطجع فنام كما سيأتي، وإذا اختصره قال: نام أي مضطجعًا، أين الحال؟

طالب:...

لا، يقول: أحيل وأشار إلى أن في هذا الحديث إحالة على موضعنا.

طالب:...

لا. ما قال: وسيأتي في باب الذي معنا.

طالب:...

هو حديث ابن عباس، لكن عندنا أشار تقدَّمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع، فليُراجع من ثَمَّ. أليس هذا هو المطلوب؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، لعل هذا مراده، أخرجه بعد أبواب بلفظ: معلقة، لكن هل هذا الموضع يقتضي مراجعة؟

طالب: ......

لا لا لا، أنا أريد الإحالة على هذا الموضع، فيه إحالة؟

طالب:...

صلى ولم يتوضأ؟ نحوًا مما توضأ قال الكرماني: وقد ثبت في الحديث كما سيأتي بعد أبواب فقمتُ فصنعت مثل ما صنع، ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة في كل جهة، هذه الإحالة كما سيأتي بعد أبواب.

طالب: ......

ماذا؟

طالب:...

الظاهر أنه هذا الموضع.

طالب:...

نعم، من كل جهة. لا يلزم من إطلاق مثل ما صنع صنعت، مثل ما صنع، مهما بالغ ابن عباس وبلغ من المشابهة فلن يصل أن يصنع مثل ما صنعه النبي -عليه الصلاة والسلام- في وضوئه وفي صلاته وفي أحواله كلها. وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر، إن شاء الله تعالى.

تنبيه: روى مسلم من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث، لكنه على غير شرط المصنف.

طالب: ......

كراهة، إني أكره، عندما تيمم لردّ السلام -عليه الصلاة والسلام-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

 قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المُثقِل.

 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة عن جدتها أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: سبحان الله، فقلت: آية؟ فأشارت: أي نعم، فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي ماءً، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تُفتنون في القبور مثل أو قريب من فتنة الدجال»، لا أدري أي ذلك قالت أسماء «يُؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن»، لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال له: نَم صالحًا، قد علمنا إن كنت لمؤمنًا، وأما المنافق أو المرتاب»، لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته»".

يقول الإمام البخاري رحمة الله عليه: "باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المُثقل"، المثقل يعني المثقل للبدن، المثقل للرأس مثلاً، الذي لا يحصل معه الشعور، لا يبقى معه الشعور، هناك غشي، لكنه يدرك ما حوله، وهذا وهو كالنوم، في حكمه كالنوم، منه الخفيف، ومنه الثقيل، قال: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس كما في الإسناد السابق، قال: "حدثني مالك" إمام دار الهجرة، مع أن إسماعيل بن أبي أويس يقول: حدثني مالك، والمعروف أن مالكًا -رحمة الله عليه- لا يقرأ على أحد، وإنما يُقرَأ عليه، ومقتضى الصيغة عند من يفرِّق كمسلم أن يقول: أخبرني مالك ما يقول: حدثني مالك؛ لأن طريق الرواية العرض، وليس السماع من لفظ الشيخ، لكن الإمام البخاري لا يفرِّق بين حدثنا وأخبرنا، عندنا حدثنا أو أخبرنا سواء.

 قال: "حدثني مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة" بنت المنذر هي زوجة هشام بن عروة "عن جدتها أسماء بنت أبي بكر"، هي جدتها وجدة زوجها، جدتهما معًا، يعني في الفرائض في كتب الفقه في قسم الفرائض إذا تزوج ابنة عمته.

طالب:...

فجدته جدتها، فتكون أمًّا بالنسبة لها، وأم أم أب بالنسبة له، أو أم أب، "عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون" يعني صلاة الكسوف؛ لأنه لما حصل الكسوف خرج النبي- عليه الصلاة والسلام- يجر رداءه فزعًا، يظنها الساعة، فصلى بالناس الصلاة التي جاءت الأحاديث الصحيحة بصفتها في أربعة ركوعات، أربعة ركوعات في ركعتين، في أربعة ركوعات.

 "فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي" تعني عائشة مع الناس، "فقلت: ما للناس؟" يعني أولًا تصلى الصلاة لا يعرفها أحد، غريبة أن يصلي الناس ضحى؛ لأن الكسوف حصل وقت الضحى، "فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: سبحان الله، فقلت: آية؟" الكسوف آية من آيات الله، «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»، ولذلك قالت: آية، "فقلت: آية؟ فأشارت: أي نعم" برأسها، "فقمت حتى تجلاني الغشي" شيء غريب، الناس يتأثرون من هذه الآيات، {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [سورة الإسراء: 59] الآن يتأثرون؟ يخرجون إلى المتنزهات والبراري ويصورون، والله المستعان. أشارت بيدها إشارة.

طالب:...

سبحان الله مقبولة في الصلاة، ذكر، مشروع جنسه في الصلاة.

طالب:...

ماذا؟ نعم، سمعت، قالت: سبحان الله.

طالب:...

سمعت.

طالب:...

ومجرد السماع لا يضر، الذين صلوا إلى بيت المقدس بعد تحويل القبلة وجاءهم من جاءهم وقال: إن القبلة تحولت إلى جهة الكعبة، سمعوا كلامه واستجابوا، ما يضر.

طالب:...

ماذا؟

طالب: ......

هو منافاة الخشوع ظاهرة، لكن يبقى أنها راجحة، مصلحة راجحة، يعني لمصلحة الصلاة مثلاً، لو ما عرف الإمام ما المطلوب من المأمومين، ثم تكلم أحد منهم بكلام فيه مصلحة الصلاة قالوا: هذا لا يضر في الصلاة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يفتح الباب، ويصنع أشياء، وحمل أمامة بنت زينب وهو يصلي، إذا قام حملها وإذا سجد وضعها نعم. وأشار برد السلام بيده -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ......

 نعم. هو الأصل أن التصوير.. لكن ما فيه داعٍ للتصفيق، ما يفيد في هذه الحالة، ما يفيد، ولعلها بصوت لا يسمعها إلا هي؛ لقربها منها.

 "فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: سبحان الله، فقلت: آية؟ فأشارت: أي نعم، فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي ماءً" يعني دليل على أن الغشي ليس مثقلاً، خفيف؛ لأنها تصب على رأسها الماء، ولو كان مثقلاً فلازم أن يصبه غيرها.

 "فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة الدجال»" يعني تُسألون، ولا شك أن هذا السؤال فتنة لما يترتب عليه، تختبرون، الفتنة الاختبار والامتحان، والاختبار يكون بالسؤال والجواب.

"لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «يُؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن»، لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «فيقول: هو محمد رسول الله»" جواب ثابت لا تردد فيه، "«جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال له: نَم صالحًا، قد علمنا إن كنت لمؤمنًا»".

 والمسألة ما تحتاج إلى مثل هذا السؤال؛ لأن الله يعلم ما كان وما يكون، ويعرف اعتقاد القلوب، وما تنطوي عليه السرائر، لكن مثل هذا ليخرج إلى عالم الشهود، فتنقطع به الحجج، تنقطع به الحجج، وإلا فما الفائدة من كتابة الأعمال والميزان والحساب، إلا لأجل هذا؟

 "«وأما المنافق أو المرتاب» لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته»". يقول: لا أدري، قد يقول مثل هذا المرتاب أو المنافق: أحفظ الأصول الثلاثة، وأضبطها وأرددها كما أردد الفاتحة، وأحفظ الجواب وأجيب به، يستطيع أن يجيب إذا كان عنده نفاق أو ارتياب؟ لا، لا يستطيع أن يجيب، هذه المسألة ما هي مسألة غش في الامتحان أو أمر سهل يمشيك حتى ولو حفظت الأجوبة عن ظهر قلب ورددتها في كل يوم، إلى أن تموت، ثم سئلت عنها هاه لا أدري، والحوادث تثبت أن من الناس من إذا لُقِّن فقيل له: قل: لا إله إلا الله، وهو يقول: لا إله إلا الله في حياته ويعرفها وقد يحفظ الحديث: «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»، ثم بعد ذلك لا يستطيع أن يقولها، وهو في وعيه، الله المستعان.

طالب:...

نعم. الملَك الملَك.

 قوله: باب من لم يتوضأ أي من الغشي إلا من الغشي المُثقِل فالاستثناء مفرغ، يعني لم يذكر المستثنى منه، والمُثقِل بضم الميم وإسكان المثلثة وكسر القاف، ويجوز فتحها المثقَل، وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء من الغشي مطلقًا، من الغشي مطلقًا، يعني بمجرد زوال العقل أو بعضه يجب الوضوء، وأنه ناقض من نواقض الوضوء، والتقدير: باب من لم يتوضأ من الغشي إلا إذا كان مثقلاً.

 قولنا: حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس أيضًا والإسناد كله مدنيون أيضًا وفيه رواية الأقران، هشام وامرأته فاطمة بنت المنذر، قوله: فأشارت أي نعم كذا لأكثرهم بالنون، ولكريمة: أي نعم، وهي رواية وهيب المتقدمة في العلم، وبيّن فيها أن الإشارة كانت برأسها، وما زالت الإشارة بالرأس كناية عن نعم، ما زالت موجودة.

قوله: تجلاني أي غطاني، قوله: تجلاني أي غطاني، قال ابن بطال: الغشي مرضٌ يعرض من طول التعب والوقوف، التعليق: وقد يعرض للإنسان أيضًا عند رؤيته أو سماعه ما يدهشه كما في هذا الحديث، الأمور التي لا يحتملها من شدة حزن أو شدة فرح قد يحصل به الغشي، وهو ضرب من الإغماء إلا أنه دونه، وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعة له، مدافعة له ولو كان شديدًا لكان كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بالإجماع انتهى. لأنه قد يحدث ولا يشعر مثل النوم، مثله، وكونها كانت تتولى صبّ الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء في محل ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان يرى الذي خلفه وهو في الصلاة، جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يراهم من خلفه، ولم ينقل أنه أنكر عليها، وقد تقدَّم شيء من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم، وتأتي بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف، إن شاء الله تعالى.