تعليق على البلبل في أصول الفقه (06)

من يقرأ؟

 تفضل.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ: "أَمَّا الْأَوَّلُ ، فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْأُولَى: مِنْ شُرُوطِ الْمُكَلَّفِ: الْعَقْلُ، وَفَهْمُ الْخِطَابِ. فَلَا تَكْلِيفَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ؛ لِعَدَمِ الْمُصَحِّحِ لِلِامْتِثَالِ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَصْدُ الطَّاعَةِ. وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالْغَرَامَاتِ فِي مَالَيْهِمَا غَيْرُ وَارِدٍ، إِذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَوُجُوبِ الضَّمَانِ بِبَعْضِ أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ.

وَفِي تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ، قَوْلَانِ: الْإِثْبَاتُ، لِفَهْمِهِ الْخِطَابَ. وَالْأَظْهَرُ: النَّفْيُ، إِذْ أَوَّلُ وَقْتٍ يَفْهَمُ فِيهِ الْخِطَابَ، غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَنُصِبَ لَهُ عَلَمٌ ظَاهِرٌ يُكَلَّفُ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْبُلُوغُ.

وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَصِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَعِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ وَنَحْوِهَا، مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ".

يقول: التكليف له شروط بعضها يتعلق بفعل المكلَّف، وبعضها الآخر يتعلق بالفعل المكلَّف به، "مِنْ شُرُوطِ الْمُكَلَّفِ: الْعَقْلُ، وَفَهْمُ الْخِطَابِ، فَلَا تَكْلِيفَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ" الصبي أليس بعاقل؟ عاقل، يفهم الخطاب أو ما يفهم الخطاب؟

طالب: ...

كيف؟

 صبي شامل للمميز وغير المميز، وإن كان يتكلم عن المميز، لكن الصبي وما قبل البلوغ شامل للمميز وغير المميز، فيقول: "مِنْ شُرُوطِ الْمُكَلَّفِ: الْعَقْلُ، وَفَهْمُ الْخِطَابِ"، لكن لو قال: من شروط المكلَّف: البلوغ والعقل، لماذا لم يقل من شروط المكلف: البلوغ والعقل؟

طالب: ...

الآن مناط التكليف فهم الخطاب أو البلوغ؟

طالب: فهم الخطاب.

يعني: صبي ابن عشر سنوات أذكى من شخص عمره ثلاثين سنة، نقول: هذا مكلف أو ليس مكلف؟

طالب: ليس بمكلف.

فهم الخطاب ورد الجواب ممكن ذو الخمس سنين يفهم الخطاب، فمناط التكليف العقل بلا إشكال، فلا تكليف على مجنون ألبتة، والسكران يأتي حكمه، وفهم الخطاب لا يكفي، بل مناط التكليف البلوغ، وكونه لم يذكر البلوغ في أصل المسألة وفي أولها وبدايتها؛ لأنه لو ذكر البلوغ قطع الطريق على بحث مسألة المميز فيما بعد، وهو يريد أن يذكر كلامًا يشمل المسائل المختلف فيها مما يذكره في الفصل، وإلا فالأصل إذا رجحنا أن المميز ليس بمكلَّف أن نقول: من شروط المكلَّف: العقل والبلوغ، وحينئذٍ لا تكليف على صبي؛ لأنه لم يبلغ، أو لأنه لا يفهم الخطاب؟ أدركنا العلة أو ما أدركناها؟  

كونه عدل من البلوغ إلى فهم الخطاب؛ ليدخل المميز في أصل المسألة في أصل البحث؛ إذًا فلا تكليف على صبي لأنه قلنا: لماذا عدل عن اشتراط البلوغ إلى فهم الخطاب؟

طالب: ...

لكي يدخل المميز في أصل المسألة، ثم يبحث الراجح من المرجوح؛ لأنه لو قال: العقل والبلوغ أخرج الصبي سواء كان مميزًا أو غير مميز، لكن من أجل أن يدخل الذي يفهم الخطاب سواء مكلفًا أو غير مكلف بلغ أو لم يبلغ، عدل من قوله أو عدل إلى فهم الخطاب عن البلوغ، وحينئذٍ لا تكليف على صبي ولا مجنون؛ لعدم المصحح للامتثال منهم وهو قصد الطاعة، المميز يقصد الطاعة أو ما يقصد؟

طالب: يقصد.

يصح منه قصد الطاعة أو ما يصح؟ أبو عشر سنين جاء للمسجد لماذا؟ يصلي، لماذا؟

طالب: طاعة وامتثال ...

يفهم أنه إذا صلى صار مرضيًا لربه، وإذا لم يصلِّ عرض نفسه لعقوبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا فهمه يفهم، بغض النظر عن مطابقة الواقع، فهم الخطاب يفهم ما يُلقى عليه من سؤال ويرد الجواب، هذا فهم الخطاب، يرد جواب مطابق، بعضهم يفهم السؤال، لكن ما يرد جوابًا مطابقًا، تقول لابن أربع سنين: من أبوك؟ فيقول: زيد، صحيح؟ لكن إذا قلت له: من أبوك؟ فهم أنك تسأله، ثم أجاب بجواب غير مطابق، فقال: فاطمة مثلاً، هذا مميز أو غير مميز؟

طالب: غير مميز.

هو فهم الخطاب، لكن رد الجواب أو رد جوابًا غير مطابق؟

طالب: غير مطابق.

على كلٍّ التمييز درجات، فكونه يفهم الخطاب جزء من التمييز، وكونه يرد جوابًا غير مطابق أحيانًا تكون فيه شيء من المطابقة، لكن يكون مثلاً عند زوج أمه، فتقول: من أبوك يا فلان؟ فيقول: زيد، هو أبوه عمرو في الحقيقة، لكنه عايش عند زوج أمه واسمه زيد، هذا فاهم للخطاب أو غير فاهم؟

طالب: فاهم. 

رد جوابًا مطابقًا أو غير مطابق؟

طالب: مطابق إلى حد ما.

فيه شيء من المطابقة على قدر مستواه، لكن ليس مثل من يقول: أبي فلان، يعني شخص تريه عملة عشرة ريالات، فيقول لك: هذه عشرة، وبين صبيٍ آخر يقول لك: عشرة ملغاة، كلهم ردوا الجواب، لكن فرق بين صبي وصبي، تمييز وتمييز، ولذا لكون التمييز وفهم الخطاب ورد الجواب المطابق وغير المطابق، وتفاوت الصبيان في التمييز، ما رُدَّ إلى التمييز في الأحكام العامة، فالأحكام العامة ما نيطت بالتمييز، وإنما عُلقت بسنٍ واحد للجميع، فقيل: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع» سواء ميز ذو الأربع أو ما يميز إلا ذو عشر، هم يتفاوتون في التمييز الصبيان، ولوجود التفاوت الكبير بين الصبيان في التمييز ما عُلق بالتمييز نفسه؛ لأن هذا شرع عام للناس كلهم، فتجد زيدًا من الناس تقول: لماذا ولدك ما يصلي، تقول: والله ما ميز، تنظر للآخر طفل نادانا والله مميز، يحصل هذا، واحد يأتي ولده ابن سنتين للمسجد يقول: مميز، يمكن، تأتي بالشخص ذي عشر سنوات جالس بالبيت، لكن ما يصلي، تقول: والله إلى الآن ما ميز، تقول: صحيح أن الأطفال منهم من يميز إلى الأربع سنوات، ومنهم من يميز قبل، منهم من لا يميز إلا عند العشر، لكن الشرع يضع قاعدة عامة تضم الناس كلهم، يعني ما فيه في الغالب، يندر من لا يميز في السابع، فلذلك عُلِّق بالسبع.

البلوغ: ممكن يبلغ قبل، لكن وضع هناك علامات ظاهرة يُعرف بها البالغ من غيره، لكن هناك حد الخمس عشرة يندر جدًّا ألا يبلغ في الخمس عشرة، ولذلك وضعت الحد الأعلى، بل قد يبلغ قبل الخمس عشرة.

طالب: أحسن الله إليك، نفس الطفل أبو ثلاث سنين أو أربع سنين، يجيبه أبوه للمسجد ويؤذي أحدهم، مميز..

لا، نقول: ما ميز هذا، هذا فرجة في الصف، هذا وجوده مثل عدمه؛ لأنه غير مأمور به.

طالب: يأثم ..؟

يأثم نعم.

طالب: ...

لا، جاء لك بالعلة: "لِعَدَمِ الْمُصَحِّحِ لِلِامْتِثَالِ"، الأمور الخاصة تربط بالتمييز، متى يصح سماع الصبي للحديث مثلاً؟ نقول: إذا ميَّز، يجيء به يسمع الحديث عمره أربع سنوات، يقول: مميز. نقول: أهلاً وسهلاً. مميز، اسمك يا فلان، نختبره، إذا كان مميزًا نعم، اقرأ كذا.

طالب: ...

لا، صار كل عيال الحارة تريد أن تجيء بهم وتسأل أنت مميز أو لا.

طالب: معروف ..

ما ينفع ما ينفع، ما يكفي الأذى، ما يتعلم، قبل سبع ما يؤمر بالصلاة، الشرع علق بالسبع.

طالب: يدرّبه.

ما ينفع، ما يدرِّبه إلا لسبع.

طالب: ...

نعم، لكن ما يجاء يصلي بأبي أربع سنين، يقال له: احفظ حديثًا، ما يخالف، عقل بخمس سنين، لكن ما يقال له: صلِّ، والرسول يقول: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع» مفهومه: أن الذي لا يبلغ السبع ما يؤمر، غير مميز حكمًا.

طالب: ... كونه يمنع؟

يمنع ولا شك.

طالب: الإمام الذي صار عمره سبعًا، أكيد ما أمهم إلا وقد صلى قبل وتعلم الصلاة.

المقصود: أن التمييز والبلوغ في الأحكام العامة محدد بسن شرعي، ولذلك يقول الفقهاء: "ويؤمر الصبي بالصلاة لتمام سبع سنين" ما هو بافتتاحها بعد، "لتمام سبع سنين".

طالب: في الثامنة.

نعم، لا بد أن يدخل في الثامنة، المقصود: أن الأحكام العامة تُعلق بشيء يبلغ به غالب الناس، يميز به غالب الناس، الأمور الخاصة ... كونك ترسل ولدك ابن أربع سنوات يشتري خبزًا، يقال له: لا ترسله يشتري خبزًا، يقول: ميز، صحيح بكيفه يعرف يشتري خبزًا، يحفظ حديثًا؟ يحفظ. يذكر في مصطلح الحديث قضايا لأطفال تدل على أنهم ميزوا وهم أبناء أربع سنين، حفظ القرآن وينظر في الرأي وإذا جاع يبكي، نعم، هذه القصة فيها نظر، نعم في سندها انقطاع.

جيء بابن سبع سنين أو ست سنين حفيد الإمام أبي بكر الإسماعيلي، يقول: يحفظ القرآن وأجاب في مسألةٍ فرضية أخطأ فيها بعض القضاة يقول، ما الذي يمنع؟ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54]، لكن الأمور في التشريع العام الذي يُطلب من الناس كلهم لا بد أن تكون العلامة واضحة، لا يتفاوت فيها الناس بحيث يتعللون، لو مثلاً ترك الناس للبلوغ: البلوغ ما فيه حد، متى ما أنبت، متى ما أنزل بلغ، لكن ما فيه حد، سقف الخمس عشرة، تجد والله الواحد ابن العشرين سنة يقول: والله ما بعد أنبت، أو يأتيك من يطالب بالقصاص من صبي ابن عشر سنين ويقول: بالغ هذا.

فالأمور العامة يحدد لها حد شرعي، سواء كانت في التمييز لسبع والبلوغ لخمس عشرة.

"لِعَدَمِ الْمُصَحِّحِ لِلِامْتِثَالِ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَصْدُ الطَّاعَةِ. وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالْغَرَامَاتِ فِي مَالَيْهِمَا غَيْرُ وَارِدٍ" تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟ عند جمهور العلماء خلافًا للحنفية. وهل هذا من باب التكليف؟ لا، إنما هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجد السبب يوجد المسبب، وجد السبب مع انتفاء المانع يوجد المسبَّب.

"إِذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَوُجُوبِ الضَّمَانِ بِبَعْضِ أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ" شخص يترك البهيمة تدخل دكاكين الناس وحوانيتهم وتأكل وهو راكب فوقها، يقول: والله هذه بهيمة، نقول: تضمن، أنت السبب، عليك كفها عن مثل هذا العمل، يقول لك: كيف يكون هذا؟ بهيمة غير مكلفة، كيف تضمن؟ نقول: هذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، نعم.

طالب: ...

الدية في ماله؛ لأن عمد الصبي والمجنون في حكم الخطأ، خطأ غيره، والخطأ موجب للدية والكفارة في ماليهما.

"وَفِي تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ قَوْلَانِ: الْإِثْبَاتُ، لِفَهْمِهِ الْخِطَابَ. وَالْأَظْهَرُ: النَّفْيُ، إِذْ أَوَّلُ وَقْتٍ يَفْهَمُ فِيهِ الْخِطَابَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ" أول الوقت الذي يفهم فيه الخطاب هل يعرف بالتحديد؟ لا يعرف بالتحديد، بل هو بالتدريج، وحينئذٍ يكثر تعذّر الناس، هذا ولدي ميز، ما ميز، أبدًا يحدد بسن معينة.

"غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَنُصِبَ لَهُ عَلَمٌ ظَاهِرٌ يُكَلَّفُ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْبُلُوغُ" يعني إذا بلغ خلاص، ما له عذر.

يقول: "وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَصِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَعِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ وَنَحْوِهَا، مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ" يعني على أصل تكليف المميز، هل الصلاة واجبة على المميز الذي بلغ سبع سنين؟

طالب: ليست واجبة، إنما يعلم ويدرّب عليها.

«مروا» الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟

طالب: نعم، لكن ما تعلق به مناط التكليف والوجوب وهو البلوغ.

الآن عندنا أمر، الرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يقول: «مروا أولادكم» هل الرسول أمر أولاده أو أمر الأولياء؟ أمر الأولياء، إذًا نجيب بقدر السؤال، «مروا»، ولذا المسألة خلافية، هل الأمر بالأمر بالشيء أمر به أو لا؟ الأمر بالأمر بالشيء أمر به؟

طالب: ...

إذا قلنا: أمر به صار متجهًا للأولاد، إذا قلنا: ليس بأمر به إنما هو أمر للأولياء أن يأمروا أولادهم، ولا شك أن أمر الولي ليس مثل أمر الرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

المسألة الثانية، نعم.

يقول: أذهب لشهود أو لسماع الخطبة بعد الصلاة؟ هذا جزء علة، فعلى هذا يقضين الصلاة ويقضي الرجال الصلاة ثم يشهدون الخير ودعوتهم للمسلمين، وإلا فالأصل الصلاة، بدليل أنه لو صلى مع الإمام حتى عند من يقول بوجوبها، لو صلى مع الإمام ثم انصرف ما شهد الخير ولا دعوة المسلمين، يأثم أو ما يأثم؟ ما يأثم، وقد جاء في الحديث: أني أخطب، إلى آخره، المقصود: أن العلة المنصوصة هي جزء علة وليست بعلة.

طالب: مثال مطرد يا شيخ، أحسن الله إليك، منصوصة في مثل هذا الحديث، لكن غير المطردة؟

تقصد مطردة؟

طالب: أو غير مطردة.

مطردة أنها ليست بنجس؟

طالب: ...

نعم، من الطوافين، بمعنى أن الهرة هذا شأنها وهذه صفتها، من الطوافين، هذه مطردة، فلا يقال: إن هذه الهرة بعضها طواف، وبعضها ليس بطواف، لا، ولذا يقال عليها كل ما جاء في حكمها من الطوافين، الفأر مثلاً مما يتعذر ويعسر ويشق التحرز منه؛ ولذا الفقهاء ...