كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 30

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:

وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "ولا يسلم إلا في آخرها".

آخرها وإلا آخرهن؟

سم يا شيخ.

آخرها وإلا آخرهن؟

لا في آخرها.

نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم.

وعنها -رضي الله عنها- قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم.

وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أولُه)).

أولَه، أولَه.

((فليوتر أولَه، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، ولفظه للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء، وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر.

وعن أم هانيء بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، فقال: ((من هذه؟)) فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرتَه.

أجرتُه.

أنه قاتل رجلاً أجرتُه فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرتُ من أجرتِ يا أم هانئ)) قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) رواه مسلم.

وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله.

وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه".

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسْبحها.

أسَبحها.

لأسبحها.

نعم يعني لأصليها.

وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. رواه مسلم أيضاً.

وعن مورق قال: "قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر قال: لا. قلت: فالنبي؟ قال: لا إخاله" رواه البخاري.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته. رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن".

يعني بسلام واحد، وهذا إذا أوتر بثلاث، إذا أوتر بثلاث قرأ بالركعة الأولى بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وربما أضاف إليها المعوذتين كما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يوتر بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين، يعني في الركعة الأخيرة، إذا أوتر بثلاث يقرأ بهذه السور الثلاث، وإذا أوتر بخمس يزيد عليها سورتين في الأولى والثانية، وإذا أوتر بسبع يزيد أربع سور أو ما تيسر من القرآن في الركعات الأربع، وإذا أوتر بتسع يزيد على ذلك ست لتكون قراءة هذه السور الثلاث في الركعات الثلاث الأخيرة، فإذا أوتر بثلاث فلا إشكال، وإذا أوتر بخمس زاد في الركعتين الأوليين غير هذه السور، وهكذا إذا أوتر بسبع أو تسع لتكون هذه السور الثلاث مما يختم به قيام الليل، فالوتر هو آخر قيام الليل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) كما تقدم، والتزام هذه السور في الغالب اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو السنة، وإذا أخل بها أحياناً لئلا يظن تعينها وتحتمها لا سيما للأئمة الذين يؤمون الناس في قيام رمضان، لو تركوها في بعض الليالي؛ لئلا يظن بعض العامة أنها حتم لازم كالفاتحة، وقد ظن ذلك بعضهم، فلما قرأ الإمام بسورة بدل سبح فتح عليه بعضهم، قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] لأنه يظن أن قراءة هذه السور الثلاث لازمة، ولذا ينبغي ألا يربى الناس على عدم ترك السنن أحياناً لئلا يظن وجوبها، كقراءة السجدة في صلاة الصبح من يوم الجمعة، جاء رجال الحسبة إلى بعض الفلاحين ووجدوهم يشتغلون يعملون وقت الصلاة، فقالوا لهم: الجمعة، قالوا: لا اليوم ما هو بجمعة؛ لماذا؟ ما سجد الإمام، والشيخ الألباني -رحمه الله- ذكر أنه قُدم لصلاة الصبح في يوم الجمعة فقرأ من أول سورة الكهف، فلما بلغ ما يوازي السجدة من سورة آلم السجدة سجد بعض الناس تلقائياً، آلياً، فترك السنن من أجل هذه الهدف وهذا المقصد سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك بعض ما يأمر به من أجل ألا يتعود الناس مثل هذا الأمر فيشبهوه بالواجبات، فإذا قرأ سبح، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] في غالب الليالي يكون طبق السنة، وإذا ترك ذلك في بعض الليالي لا سيما إذا كان إماماً فإنه يكون قد طبق السنة، وحصل ما هو أعلى منها؛ لئلا يظن غير الواجب واجباً كما ذكرنا.

قراءة سورتي الإخلاص في الوتر في آخره، وفي ركعتي الصبح على ما تقدم، وفي ركعتي الطواف، وفي بعض الصلوات كركعتي راتبة المغرب مثلاً، كل هذا من أجل أن يفتتح ويختتم أعماله بإخلاص، فركعتا الصبح هما أول الأعمال في اليوم، وركعتي المغرب هما أول الصلوات بعد الفريضة بالنسبة لليل، والوتر ختام صلاة الليل.

وبالنسبة لركعتي الطواف أبدى بعضهم مناسبة وهي أنه لما طاف بهذا البيت وهو من الحجارة قد يخيل لبعض الناس أن هذه الحجارة لها شأن، أو لها شيء من حقوق الرب -جل وعلا-؛ لأنه يطاف بها وتعظم، فقراءة سورتي الإخلاص تنفي هذا الوهم.

"لا يسلم إلا في آخرهن" الحنابلة يقولون: أدنى الكمال بالنسبة للوتر ثلاث ركعات بسلامين، وهنا يقول: "لا يسلم إلا في آخرهن" نعم جاء التشبيه تشبيه الوتر بصلاة المغرب، فلا يجلس بعد الثانية كما يجلس بعد الثامنة إذا أوتر بتسع يجلس بعد الثامنة، لكن إذا أوتر بثلاث لا يجلس بعد الثانية؛ لئلا يشبهها بصلاة المغرب، وكذلك إذا أوتر بخمس، أو أوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرهن.

لكن إن سلم من ركعتين، ثم جاء بالثالثة عملاً بحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) كان له وجه، ويختاره جمع من أهل العلم.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة" حديثها السابق: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يوتر بكم؟ ثلاث عشرة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر؟

طالب: ثلاث.

يعني بثلاث، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام... إلى آخره.

وسبق أيضاً حديث الوتر بثلاث عشرة، وافتتاحه بركعتين خفيفتين، حديث زيد بن خالد: "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين... إلى آخره، ثلاث عشرة ركعة، فإما أن تعد الركعتان ويكون الوتر خمس، أو لا تعد الركعتان الخفيفتان، فإما أن يبدأ بركعتين خفيفتين ويصلي ثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، ثم يصلي ركعتين بعد ذلك جالساً، أو يصلي كما في الحديث الذي معنا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة، يوتر من ذلك بخمس، يعني يصلي ثمان فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس.

يعني إذا أمكن الجواب عن الحديث الأول وما جاء في الإجمال أنه كان يصلي ثلاث عشرة أمكن الجواب عنه والجمع بينه وبين حديث: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا غيره عن ثلاث عشرة بأن الركعتين الأوليين لا تحتسبان من صلاة الليل، وكذلك ما يصلي في آخره غير محتسبة، فكيف نصنع بهذه الرواية؟ في صحيح مسلم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يعني الثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن كما جاء في حديثها الآخر، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول: إنه يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين، أو يصلي ركعتين بعد الوتر؟ لأنهم لما أرادوا أن يوفقوا بين حديثها الذي كان غالباً ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- إحدى عشرة، وما كان يزيد عليه في رمضان ولا في غيره، حاولوا أن يوفقوا بينه وبين الأحاديث الأخرى، كان يفتتح في صلاة الليل بركعتين خفيفتين فهذه لا تعد في الحساب، وتبقى الإحدى عشرة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، وأوتر صلى إحدى عشرة، ثم صلى ركعتين جالساً، لكن كيف نجيب عن هذا؟ هل في ركعتين خفيفتين في أوله؟ هل فيه ركعتين صلاهما وهو جالس؟ ما في، إذاً الصلاة بثلاث عشرة ثابتة عن عائشة -رضي الله عنها-، وهي التي ثبت عنها أنه لا يزيد على إحدى عشرة، فيحمل حديث لا يزيد على إحدى عشرة أن هذا غالب أحواله، بدليل أنها هي روت ثلاث عشرة، بحديث لا يمكن الجواب عنه، يعني إذا أجبنا عن الحديثين السابقين لا نستطيع أن نقول: إنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يأتي بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ست لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول هذا؟ لا، كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ويوتر من ذلك بخمس، وعادته -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، في حديثها الآخر: ثم يوتر بثلاث.

"لا يجلس في شيء إلا في آخرها" تعني آخر الخمس، يعني في آخر الوتر لا في آخر الثلاث عشرة؛ لأنه يفصلها كما جاء في الحديث المفسر يصلي أربعاً والأربع بسلامين؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر إما بثلاث وإما بخمس، ولو أوتر بسبع بعد ذلك الوتر بابه مفتوح يعني إلى الإحدى عشرة.

"رواه مسلم".

"وعنها قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" يعني استقر وتره في آخر الليل، وغايته طلوع الفجر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.

يعني نظير ذلك اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأول، ثم اعتكف في العشر الأواسط، ثم استقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان، وهنا: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل قبل أن ينام، ومن أوسطه بعد أن نام شيئاً ثم انتبه فصلى وأوتر، ثم بعد ذلك نام، ومن آخره فانتهى وتره إلى السحر" يعني وقت النزول الثلث الأخير من الليل انتهى وتره إلى السحر، وهو وقت الاستغفار بعد الوتر يستغفر المصلي الموفق، وجاء مدح المستغفرين بالأسحار.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم".

جاء مدح قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم الثلث، ثم ينام السدس، السدس الأخير الذي نامه واقع في حيز الثلث الأخير الذي هو وقت النزول الإلهي وإلا غير واقع؟ يعني هل الأفضل أن ينام السدس الأخير أو يتعرض للنفحات الإلهية؟ قال: ((أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس)) هذا مفضل بالنص، لكن أيضاً جاء الحث على التعرض لرحمة الله في الثلث الأخير بما فيه السدس الأخير؛ لأننا إذا قلنا: يقوم من نصف الليل كقيام داود نصف قيامه في غير وقت النزول، لا سيما إذا اعتبرنا الليل من غروب الشمس، لكن إذا اعتبرنا الليل من صلاة العشاء؛ لأنه لا يتمكن من النوم نصف الليل إلا من صلاة العشاء، فيكون الليل محسوباً من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، يعني من صلاة العشاء افترض من الساعة التاسعة مثلا ًنام والأذان الرابعة يعني سبع ساعات، اقسم السبع على اثنين، يعني ينام من تسع إلى اثنا عشر ونصف، ثم يقوم ثلثي ما تبقى وينام ثلثه، إذا قام من الليل في الساعة الثانية عشرة والنصف كم يبقى على أذان الصبح؟ ثلاث ساعات ونصف، إذا حسبنا الليل في حديث النزول من غروب الشمس، وفي حديث مدح قيام داود من صلاة العشاء تطابق الحديثان، فصار نصف الليل بالنسبة لقيام داود موافق لثلثه في حديث النزول؛ لماذا؟ لأننا حسمنا ساعتين بعد غروب الشمس، من غروب الشمس على صلاة العشاء، هذا ليس من الليل على حديث قيام داود، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يحتاج إلى إعادة؟

طيب.

الآن إذا حسبنا الليل من سبع إلى أربع وعشر صار عندنا كم الليل؟ تسع ساعات وعشر دقائق، نصفه يبدأ أربع ساعات ونصف من سبع يبدأ من إحدى عشر ونصف، وإذا حسبناه من صلاة العشاء على قيام داود يبدأ من اثني عشر ونصف الذي هو الثلث، هل يمكن أن نحسب نصف الليل في قيام داود من مغيب الشمس؟ ما يمكن، مستحيل، لا يمكن أن ينام أحد من غروب الشمس فتفوته صلاة المغرب والعشاء، إنما ينام ما يمكنه فيه النوم، وهو من صلاة العشاء، فإذا حسبنا هذا المقدار من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح، وقارناه بالليل في الأعراف كلها، في عرف أهل الهيئة، وفي عرف المتشرعة، وفي عرف عامة الناس أنه يبدأ من غروب الشمس، فإذا حسبناه من غروب الشمس ثلثي الليل إلى اثنا عشر ونصف وحسبنا نصف الليل من صلاة العشاء إلى اثنا عشر ونصف تطابق النصف مع الثلثين، فيكون القيام على مدح قيام داود -على قيام داود- موافق للنزول الإلهي، لكن يبقى أنه إذا نام قام من نصف الليل إلى..، اللي هو ثلث الليل الحقيقي، وبقي السدس يكون نام في وقت السحر الذي هو وقت الاستغفار، وأيضاً هو جزء من وقت النزول الإلهي، فمدحه على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه أفضل القيام يؤثر وإلا ما يؤثر؟ النوم مؤثر وإلا غير مؤثر؟ نقول: من قام على قيام داود يكفيه وهو أفضل القيام، إذا أراد أن يقوم من نصف الليل يكفيه، ثم بعد ذلك نام بنية الاستعانة على وظائف اليوم التالي هو في عبادة، لكن الإشكال من يسهر نصف الليل، ثم يسهر ثلثه، ثم ينام سدسه هنا الإشكال، كما هو حالنا ووضعنا الآن، يعني هذا حال كثير من الناس حتى من طلبة العلم، يعني بدلاً من أن ينام نصف الليل يسهر نصف الليل، وبعض الناس ينام بعد نصف الليل، لكن بعضهم لا، يضيف إليه الثلث يسهر، فإذا بقي على الصبح ساعة قال: أنام، وأقوم قبل الأذان فأوتر، هذا يضحك على نفسه، هذا لا شك أنه ما أوجد الأسباب ولا سعى في انتفاء الموانع للقيام، فمثل هذا إذا احتاج إلى مثل هذا السهر عليه أن يوتر قبل أن ينام وإلا سوف يفوته الوتر، كما سيأتي في حديث من خاف ألا يقوم من آخر الليل، مع أن السهر مذموم، مكروه، يكره النوم قبلها والحديث بعدها، يعني صلاة العشاء، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه سهر في مصالح الأمة، وفيما ترجحت مصلحته، فلا يمنع السهر بإطلاق، والسهر في العلم أفضل من النوم، السهر في العلم، وباب: السمر في العلم كما في صحيح البخاري هذا أفضل من النوم، لكن يبقى أن السهر في القيل والقال هو المكروه.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا))" يقال: أصبح أي دخل في الصبح، كما يقال: أظلم دخل في الظلام، وأتهم دخل في تهامة، وأنجد وهكذا.

((تصبحوا)) هو مضارع أصبح ((قبل أن تصبحوا)) يعني تدخلوا في وقت الصبح، فإذا دخل وقت الصبح انتهى وقت الوتر، وعلى هذا إذا طلع الصبح قبل أن يوتر الإنسان خلاص انتهى وقته، إن كان مفرطاً يقول: خلاص انتهى وقته، فإن قضاه لا سيما إذا كان معذوراً في فواته قضاه ما بعد طلوع الشمس إلى زوالها على أن يقضيه شفعاً لا وتراً، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نام عن وتره صلى في الضحى ثنتي عشرة ركعة، على ما سيأتي.

إذا شرع في الوتر وفي نيته أن يوتر بتسع، شرع فيه ثم سمع المؤذن دليل على أنه طلع الصبح خرج وقت الوتر يكمل وتره، لكن بأقل ما يمكن، إذا كان ما أتم ركعة يوتر بركعة، إن كان أتم ركعة وشرع في الثانية يوتر بثلاث، ويكون وتره أداءً، ما دام كبر قبل طلوع الصبح يكون أداء، كما لو كبر في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، أو كبر في صلاة العصر قبل غروبها.

"وروى -يعني مسلم- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله))" من خاف أن لا يقوم من آخر الليل إما لكون نومه ثقيلاً لا يستطيع إذا نام ما استطاع أن يقوم، أو لكونه احتاج إلى السهر، أو لكونه مريضاً، أو مثقلاً بما يدعوه إلى الإخلاد إلى الراحة مثل هذا يوتر من أول الليل.

((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع)) يعني غلب على ظنه ((أن يقوم آخره فليوتر آخره)) لكن هناك طمع غلبة ظن مؤيدة، وهناك غلبة ظن بل هي وهم ليست بغلبة ظن، يتوهم الإنسان وتسول له نفسه وتمنيه أنه يقوم ولا يقوم، وما ذلكم إلا لأنه فرط في بذل الأسباب وانتفاء الموانع، فالذي سهر السهر الطويل، ويمني نفسه فينام ساعة، ثم يقول: إنه يقوم ليوتر هذا وهم، وليس بغلبة ظن، ولا طمع حقيقي.

((ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة)) تشهدها الملائكة ((وذلك أفضل)) لا شك أن صلاة آخر الليل أفضل، أفضل الصلاة الصلاة في جوف الليل بعد المكتوبة؛ لأنها مشهودة، والبال فارغ من أعمال الدنيا وأشغالها، ومن هواجسها ووساوسها وخطراتها، يكون الإنسان قد ارتاح بدنه، وارتاح ذهنه، وتفرغ لهذه العبادة.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر))" يعني يشهد له ما تقدم ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) وانتهى وتره إلى السحر، وهنا الحديث بهذا اللفظ مضف.

((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) يعني جاء عن بعض السلف أنه يقضي الوتر ما بين طلوع الصبح وصلاة الفجر، لكن مع هذه النصوص لا يمكن أن يقال بأنه يقضى بعد طلوع الصبح، والحديث بهذا اللفظ ضعيف عند أهل العلم، لكن له شواهد كثيرة.

على كل حال قضاء الوتر من فاته الوتر بعضهم يفرق بين من فاته تفريطاً، ومن فاته من غير تفريط، فمن فاته من غير تفريط يقضي، ومن فاته مفرطاً فأنه لا يقضي كما يقول بعضهم في الفرائض، بعضهم يقول: الفريضة إذا فاتت عن عمد وإصرار فإنه لا يقضيها.

ونقل ابن حزم على ذلك الإجماع، مع أنه نقل الإجماع على ضده أنها تقضى، ولو فرط ولو تعمد، نقل الإجماع على أنها تقضى، وهو قول عامة أهل العلم أنها تقضى، فإذا أمر غير مفرط بالقضاء فلأن يؤمر المفرط من باب أولى.

يقول: "رواه الترمذي".

يقول: "((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير" يعني سليمان بن موسى راوي هذا الحديث عنده مناكير "وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" طيب يقول: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، قول البخاري وهو شيخ للترمذي: "عنده مناكير" ألا يستدرك به على قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟ أو البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له؟ أو لم يطلع على قوله؟ الترمذي يعتمد قول البخاري، ويقلده ويسأله عن الرواة وعن الأحاديث، فهل قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه يستدرك عليه بقول البخاري: عنده مناكير؟ أو نقول: إن البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له هو شيخه؟ والمتقدمين من هم في طبقة شيوخ البخاري فمن فوقهم؟ أو أن الترمذي ما اطلع على قول البخاري؟ نقول: هذا أو ذا؟

طالب: العبارة من كلام ابن عبد الهادي وإلا من كلام الترمذي يا شيخ؟

وين؟

طالب: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟

الذي يظهر أنه من كلام الترمذي، عندك فاصل.

طالب:.......

ويش يقول؟

طالب: كلام الترمذي يقول: وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ.

ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه.

طالب: هذا بس هذا كلام الترمذي؟

مفصول عندك؟

طالب: إيه مفصول بين قوسين يا شيخ، بين علامة تنصيص.

يعني حتى لو قلنا من كلام ابن عبد الهادي، يعني إذا كان من كلام ابن عبد الهادي ما له وجه إطلاقاً؛ لأن البخاري بالنسبة له متقدم، ويستحيل أن نقول: إنه لم يطلع عليه لأنه نقله، يعني كونه من كلام الترمذي أسهل.

على كل حال سواءً كان من كلام الترمذي أو من كلام ابن عبد الهادي هو مستدرك بقول البخاري: "عنده مناكير" وقول النسائي: "ليس بالقوي" يعني قول النسائي لا يمكن أن يستدرك به على الترمذي؛ لماذا؟ لأن الترمذي قبل النسائي، لكن يستدرك به على كلام ابن عبد الهادي، لا سيما وقد نقله، هذا مما يؤيد أن الكلام للترمذي.

عندك الترمذي؟

طيب.

"وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو مختلف فيه، وقول البخاري: عنده مناكير لا شك أنه وإن كان عند غيره ليس بشديد إلا أنه بالنسبة لاصطلاح البخاري -رحمه الله- يعني لورعه قد يقول هذه الكلمة كما يقول: تكلموا فيه، أو فيه نظر، يعني البخاري عفيف في العبارة، فتدل على أنه فيه خلل.

"وقول النسائي: ليس بالقوي" يعني ضعيف، إن كان ليس بالقوي ضعيف "وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، الحديث بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، وإن كان معناه صحيحاً له ما يشهد له.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به".

قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر))" هو داخل في عموم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) العموم يشمل، والخصوص: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) مفهومه أنه إذا تكره عمداً يعني هل لقوله: ((من نام عن صلاة أو نسيها)) مفهوم أنه إذا تركها عمداً لا يصليها؟ هل له مفهوم؟ ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) مفهومه أنه إذا تركها عمداً أنه لا يصليها إذا تاب؟ يمكن أن يستدل بهذا، يمكن، لكن الحديث حديث الباب هو جارٍ على عموم حال المسلم، أنه لن يترك الصلاة إلا نسياناً أو عن نوم، لن يترك الصلاة عمد ما دام وصف الإسلام لازماً له، ولذا بعض المغاربة في القرن السابع يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة خلاف نظري، لا يمكن أن يكون له وجود في الواقع، الخلاف في حكم تارك الصلاة هو خلاف نظري لا يمكن أن يتصور له وجود في الواقع، اللهم إلا إذا كان في آخر الزمان، في أيام الدجال، أو في..، كيف لو رأى حال المسلمين اليوم؟ كنا نسمع الفتاوى الشديدة قبل ثلاثين سنة، فلان يسأل يقول: ولده يتأخر عن الصلاة فيجاب بأن هذا الولد لا خير فيه، هذا يطرد، ولا يجوز مجالسته، ويجب هجره، وكان لائق في ذلك العصر؛ لأن هذا أسلوب من أساليب التأديب، والولد إذا عومل بهذه المعاملة تاب وأناب ورجع، أين يذهب؟ لكن الآن إذا قيل: يطرد من البيت وين يروح؟ يتلقفه ألف شيطان؛ لأن الناس في ذلك الوقت غايتهم غروب الشمس، يمكن يدبر نفسه والشمس طالعة، لكن إذا غابت الشمس وين يروح؟ لا هناك بيوت تستوعب، البيوت بقدر أهلها، ولا هناك استراحات ولا متنزهات، ولا شيء، تغيب الشمس يرجع إلى أهله على أي ذنب كان، يأتي تائباً منيباً وإلا ما يُفتح له، لكن اليوم تقول له: لا يجي؟! تطرده من البيت؟! تلقفه ألف شيطان، واستراحات ومتنزهات وأسفار في الداخل والخارج ولا رقيب ولا..، يروح كيفما شاء، والليل أفضل من النهار لمثل هؤلاء، يعني لا يظن أن هذه المدنية وهذا الترف وانفتاح الدنيا التي نعيشها خير من كل وجه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، لكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما فتحت على من قبلكم، وتهلككم كما أهلكتهم)) والله المستعان.

((من نام عن الوتر أو نسيه)) لأنه لا يتصور أن مسلم لا سيما طالب علم يبي يترك الوتر عن عمد فضلاً عن أن يترك الفرض ((فليصل إذا أصبح)) ومعلوم أنه إذا أصبح حتى ترتفع الشمس هو في وقت نهي لا يصلى فيه إلا فريضة الوقت صلاة الصبح وراتبتها، وما عدا ذلك لا يصلى فيه، فمتى يقضى الوتر؟ يقضى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى، فاته الوتر فصلاه ضحى ثنتي عشرة ركعة.

"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" والحديث له شواهد تشهد لمعناه، وأما لفظه فضعيف ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، أنا ذهب نظري إلى الحديث الذي قبله.

يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة" لماذا؟ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو مضعف، وأخوه عبد الله ثقة.

ثم قال الإمام المؤلف: "وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" وعلى كل حال النووي حسنه في المجموع، ولا يقل عن درجة الحسن.

يقول: "وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له))" ويش معنى لا وتر له؟ لأنه خرج وقته، ولا يمكن أن يصليه على هيئته وتراً وإنما يصليه شفع.

نظير ذلك من ذبح أو من أدى زكاة الفطر بعد الصلاة هي صدقة من الصدقات، لكن هل هي زكاة فطر؟ لا، ليست بزكاة فطر؛ لأنه فات محلها، لكنها صدقة له أجرها، وهنا: من فاته الوتر ولا يمكن أن يأتي به على صفته لا وتر له، وإنما له أجر الصلاة التي صلاها، وهي بالنسبة للوتر قضاء، وليس القضاء كالأداء، وهذا معنى النفي في قوله: ((لا وتر له)).

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، واللفظ للبخاري، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند مسلم، ومن حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي".

فالحديث مروي عن ثلاثة من الصحابة كلهم أوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الثلاثة؛ للدلالة على أهميتها.

"أوصاني خليلي" حبيبي، والخلة أعظم درجات المحبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)) فكيف يقول أبو هريرة: خليلي؟ يعني الممنوع أن يتخذ الرسول -عليه الصلاة والسلام- غير ربه خليلاً، ولا يمنع أن يتخذ خليل -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أعظم أنواع المحبة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، هي لله -جل وعلا- ((ولكن الله اتخذني خليلاً)).

"بثلاث" يعني بثلاث خصال "لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر" والحسنة بعشر أمثالها، كأنه صام الدهر كله، وجاء تبيينها إجمالها في مسلم وتبيينها في السنن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة أيام فرقها من الشهر بأن صام الاثنين الأول والثاني والثالث صح في حقه أنه صام ثلاثة أيام من كل شهر.

"وصلاة الضحى" صلاة الضحى المنسوبة لوقتها، فوقتها الضحى، وهو من ارتفاع الشمس وخروج وقت النهي إلى زوال الشمس، وإن كان الأفضل أن تؤخر حتى ترمض الفصال على ما سيأتي.

"ونوم على وتر" فينام قبل أن يوتر؛ لأنه لا يثق من نفسه أنه يقوم في آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عرف ذلك من عادته وحالته فأوصاه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا فيه دليل على استحباب صلاة الضحى، وقد تباينت فيها الأقوال، وتباينت فيها الأخبار والآثار، على ما سيأتي في حديث عائشة أنه صلى وأنه لم يصل -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك في حديث ابن عمر وصلاة الضحى جاءت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لثلاثة من صحابته بها، وجاء في الحديث الصحيح: ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة)) يعني المفاصل ثلاثمائة وستين مفصل، كل مفصل عليه صدقة، لكن إن تصدق أجزأ، وإن نفع بنفع متعد يصلح بين الناس هذه صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، يعني الحمد لله فرض علينا أشياء وأوجب علينا أشياء، وندبنا إلى أشياء، وجعل لنا الحلول السهلة الميسرة.

تسبح ثلاثمائة وستين تسبيحة تنتهي، تحمد الله ثلاثمائة وستين أو تكبر، تذكر الله ثلاثمائة وستين تنتهي، ((ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) فهذا دليل على فضل صلاة الضحى وأن شأنها عظيم.

"متفق عليه، واللفظ للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر".

"وعن أم هانئ" بنت أبي طالب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح سنة ثمان فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، قلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من هذه؟)) فقلت: أم هانئ" يعني أنا أم هانئ "فقالت: أم هانئ -بنت أبي طالب- فقال: ((مرحباً بأم هانئ))" يعني ولم ينقل في طريق من الطرق أنه رد عليها السلام، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: من هذه؟ قالت: أم هانئ؟ قال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولا نقل في طريق من الطرق أنه قال: وعليك السلام يا أم هانئ، فمن أهل العلم من يرى أنه يجزئ مرحباً عن رد السلام لهذا الحديث، وسلمت فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه، فقالت: السلام عليك يا أبت، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وهذا جعل بعض أهل العلم يقول: إن مرحباً تكفي، والله -جل وعلا- أمر برد السلام، نحيي بأفضل منها أو نردها على الأقل، فهل مرحباً أفضل من وعليكم السلام؟ نعم؟ أو توازيها؟ لا، لا توازيها، ولذا يرى بعضهم أنه لا بد من رد السلام، وإذا زيد مرحباً كان زيادة فضل، وكونه لم ينقل لا يعني أنه لم يقع، والحكم يثبت بنص واحد، ولا يلزم أن تتضافر النصوص على نقله، يعني في مواضع كثيرة ينقل السلام ولا ينقل رده.

يعني الملائكة لما قالوا لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وعلى نبينا {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [(25) سورة الذاريات] في سورة الذارايات، في الحجر {فَقَالُواْ سَلامًا} [(52) سورة الحجر] ما قال: سلام، نعم ما رد، هل معنى هذا أنه لم يرد أو يكفي النقل في موضع واحد عن بقية المواضع؟ يكفي، ولذلك من قال: السلام عليكم، تقول: وعليكم السلام فإذا زدت مرحباً كانت زيادة فضل، خلافاً لمن يقول: إن مرحباً تجزئ عن رد السلام، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، فمنهم من يقول: إن هذه صلاة الضحى لأنها وقعت في وقت الضحى، ومنهم من يقول: إن هذه صلاة الفتح.

"قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي" هو أخوها الشقيق علي بن أبي طالب "زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته" رجل من المشركين أجارته أم هانئ، فأراد علي أن يقتله لأنه مشرك ما أسلم "زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرت من أجرت يا أم هانئ))" الآن يستطيع علي أن يقتله؟ لا يستطيع، وفي الحديث الصحيح: ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) وإجارة الواحد والاثنين تكون للواحد من المسلمين حتى المرأة، أما الإجارة على سبيل العموم فهذه إنما هي للإمام فقط، الإجارة على العموم إنما هي للإمام، وأما إجارة الواحد والاثنين فهي لآحاد المسلمين ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني حتى المرأة تجير كما في هذا الحديث، ومنهم من يقول: إن المرأة لا تجير؛ لأن إجارتها إنما أجيزت بإجارة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال: ((أجرت من أجرت يا أم هانئ)).

"قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم".

"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء" زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء "فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل" يعني لو تأخروا عن أول النهار، صلاة الضحى تبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح خروج وقت النهي إلى الزوال، لكن كلما تأخرت كانت أفضل.

"أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال))" يعني الموظف والطالب قبل أن يخرج إلى عمله خشية أن تضيع عليه صلاة الضحى يصلي ركعتين؛ لأن وقت النهي قد ارتفع، أو نقول: الأفضل تنتظر حتى ترمض الفصال وتصلي صلاة الضحى في العمل؟ لا، نقول: تصليها في أول وقتها ولا تضيع شيء من العمل الموكول إليك، اللهم إلا إذا كان هناك فرصة تتاح لك نظاماً أن تترك العمل فيها وتصلي هاتين الركعتين، يعني كما هو شأن الطلاب لديهم فرص بين الدروس وبين المحاضرات يستطيع أن يصلي الضحى، فالأفضل أن يؤخروها، وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر حال الأبرار وحال المقربين ذكر حالهم في طريق الهجرتين ذكر أن الأبرار إذا ارتفعت الشمس جلسوا في مصلاهم الذي صلوا فيه الصبح حتى ترتفع الشمس، ثم يصلون ركعتين وينصرفون، وأما بالنسبة للمقربين وهم أفضل منهم يقول: "يجلسون حتى ترتفع الشمس، ثم ينصرفون إن شاءوا صلوا، وإن شاءوا لم يصلوا" لأنهم إذا انصرفوا ينصرفون إلى عبادات، وأولئك ينصرفون إلى أعمال، أولئك إن لم يصلوا في مكانهم ما صلوا الضحى، والمقربون إن ما صلوا في مكانهم صلوا في الوقت الفاضل حين ترمض الفصال.

"إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال))" صلاة الأوابين هم التوابون الرجاعون إلى الله -جل وعلا-، المحاسبون لأنفسهم النادمون على ما فرط منهم حين ترمض يعني يصيبها حر الرمضاء من شدة الحر وقوة الشمس، الفصال جمع فصيل، وهو ولد الناقة الذي فصل عنها بالفطام، ولا يتحمل مثل ما تتحمل أمه، أو يتحمل الجمل الكبير، لا، لكنه يتحمل أكثر من بني آدم، يعني إذا أصابتهم حر الرمضاء فقد حان وقت صلاة الضحى الأفضل، وهي صلاة الأوابين.

"رواه مسلم".

"وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" فيه إثبات صلاة الضحى من فعله -عليه الصلاة والسلام-، إضافة إلى ما تقدم في حديث أم هانئ، هناك في حديث أم هانئ: صلى ثمان، ولذا يقولون: إن أكثرها ثمان ركعات، وهنا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله ست، ثمان، عشر، أكثر.

"وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه" يعني يجيء مسافر، وقد تخفف من كثير من السنن في السفر إذا جاء مجرد ما يصل وينقطع عنه الوصف المقتضي للتخفيف يصلي "إلا أن يجيء من مغيبه" فهنا نفت عائشة أنه كان يصلي الضحى إلا لمناسبة وهي المجيء من السفر، وأثبتت في الحديث الذي قبله أنه كان يصلي أربعاً، وفي حديثها اللاحق قالت: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط" يعني الإثبات منقول، والنفي منقول، وتقول: "وإني لأسبحها" يعني لأصليها، يعني عائشة تخالف فعله -عليه الصلاة والسلام-؟ كونها ما رأت ما رأت، لكن لا يعني كونها ما رأت أنه ما صلى، بل قد يكون ثبت عندها أنه صلى بخبر غيرها، وهذا لا ينفي أنها ما رأت، ولذلك قالت: وإني لأسبحها، ولو لم يبلغها شيء من فعله -عليه الصلاة والسلام-، لا يمكن أن تخالفه وأن تفعل شيئاً لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يقول قائل: إن هذه معاندة، ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، كيف؟ يعني هذه مصادمة، لكن كونها ما رأت لا يعني أنه لم يفعل، ولا يعني أنه لم ينقل إليها عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل، ولذلك عملت بخبر من أخبرها عنه -عليه الصلاة والسلام- فقالت: "وإني لأسبحها" وذكرت العلة التي من أجلها كان يترك صلاة الضحى "وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورحمته ورأفته بأمته يترك الشيء خشية أن يفرض عليهم، وندم -عليه الصلاة والسلام- على دخول الكعبة لئلا يشق على أمته؛ لأن من رأى أو علم أو سمع أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة يحرص أشد الحرص على أن يدخل ثم يلحق الناس بذلك الضرر والمشقة.

"وعن مورق قال: قلت لابن عمر -رضي الله عنهما-: أتصلي الضحى؟ قال: لا" ابن عمر الصحابي المقتدي المقتفي المؤتسي بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- العادية فضلاً عن الشرعية تصلي الضحى؟ قال: لا، "قلت: فعمر؟" يعني: أباه "قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا" يعني لا يصلون الضحى "قلت: فالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا إخاله" يعني ما أظنه كان يصليها؛ لماذا؟ لأنه لو كان يصليها لصلاها أبو بكر، ولو كان يصليها لصلاها عمر، فعدم صلاة أبي بكر وعمر صلاة الضحى غلب على ظن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يصليها، وهذه النصوص فيها الإثبات وفيها النفي، ولذا يختلف أهل العلم في صلاة الضحى، وذكر ابن القيم -رحمه الله- فيها ستة أقوال، منهم من يرى أنها سنة مطلقاً، حديث عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى، حديث أبي هريرة أوصاني خليل -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الضحى، حديث أبي ذر، حديث أبي الدرداء ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة... ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) ألا يكفي هذا في تقرير شرعية صلاة الضحى؟ يكفي وإلا ما يكفي؟

طالب: بلى.

يقابل ذلك، يعني بهذه الأحاديث قال من قال: بسنية صلاة الضحى مطلقاً، ومنهم من قال: إنها تفعل إذا وجد سبب مناسب، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها يوم الفتح للمناسبة، ويصليها إذا قدم من مغيبه لمناسبة، ولا يواظب عليها، ولا يداوم عليها، وحمل على ذلك أحاديث النفي.

ومنهم من يرى أنها لا تصلى مطلقاً، وأنها بدعة، وعلى كل حال ما دام ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة التي حفظ فيها رواتها ما حفظوا من النصوص التي تدل على طلبها واستحبابها، ومن أثبت حجة على من نفى، فالمرجح أنها سنة مطلقاً، وعلى المسلم أن يحافظ عليها؛ لتكون كفارة لما يلزمه من شكر هذه المفاصل، المفاصل هذه وجودها في البدن لا يقدر قدرها ولا يعرف قيمتها إلا من تصلب عنده أصبع، أنت تصور أن عندك إصبع ما ينثني واقف دايم، فضلاً عن كون الركبة متصلبة، أو كون اليد متصلبة، أو الظهر هذه نعم تحتاج إلى شكر، وكل مفصل منها يحتاج إلى كفارة، صدقة، والصدقات متنوعة والأبواب واسعة -ولله الحمد- وميسورة، لكن يجزئ ويغني عن ذلك كله ركعتان تركعهما من الضحى.

جاب الترمذي؟

طالب:.......

ويش يقول؟

طالب:.......

قال أبو عيسى: "وسليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، وروي عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وتران بعد صلاة الصبح)) وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي... إلى آخره، ليس من كلام الترمذي صار من كلام ابن عبد الهادي، لكن مما يستغرب أن ابن عبد الهادي يقول: لم نر أحداً تكلم فيه من أهل العلم، والبخاري يقول: عنده مناكير، والنسائي يقول ما يقول، وهو الذي ينقل هذا الكلام، هذا غريب يعني.

بعد هذا ختم المؤلف -رحمه الله تعالى- صلاة التطوع بصلاة الاستخارة، قال -رحمه الله-:

"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة" الاستخارة: طلب الخيرة، طلب خير الأمرين من الإقدام أو الإحجام، طلب خير الأمرين؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب خير الأمرين من الإقدام على الأمر أو عن الإحجام عنه، أردت أن تتزوج تصلي صلاة الاستخارة، أردت أن تشتري هذا البيت تصلي صلاة الاستخارة، تشتري هذه السيارة تصلي صلاة الاستخارة، أما الواجبات فلا خيرة لأحد فيها، وأما المستحبات فإذا أراد أن يوازن واستغلق عليه الأمر، وأراد أن يطلب من الله -جل وعلا- خير الأمرين له، هذا الأمر واسع، لكن يبقى أن الاستخارة شرعية، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.

يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور" كلها، في الأمور، يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، في الأمور يعني الأمور المهمة أو في جميع الأمور؟ يعني (أل) هذه استغراقية وإلا عهدية؟ اللي يظهر أنها في جميع الأمور.

"يعملنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني يحفظهم إياها حرفاً حرفاً، كما علم ابن مسعود التشهد.

"كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر))" إذا هم، والهم مرتبة من مراتب القصد يسبقها الخاطر والهاجس وحديث النفس، ثم الهم ثم العزم، إذا هم استخار، ثم عزم.

((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)) وهي سنة قائمة بنفسها، تسمى ركعتا الاستخارة، فهل تدخل في غيرها من السنن؟ يعني جاء للصلاة فأدى ركعتين هما راتبة هذه الصلاة، ولتكن صلاة الصبح، صلى ركعتي الصبح تكفي عن ركعتي الاستخارة، أو نقول: هما ركعتان مقصودتان لذاتهما؟ لأنه يقول: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)) هما سنة كونها لا تدخل في صلاة الصبح لا تدخل في صلاة الصبح، هل يعني هذا أنها لا تدخل في راتبة الصبح؟

الأولى أن تفردا، لا راتبة الصبح ولا تحية مسجد ولا غيرها، هما ركعتان قائمتان، لكن كون تحية المسجد تدخل في ركعتي الاستخارة ظاهر.

((من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك)) يعني أطلب متوسلاً بعلمك خير الأمرين، فلا علم لي أنت الذي تعلم العواقب والخير المرتب على أحد الأمرين.

((وأستقدرك بقدرتك)) أطلب القدرة منك يا الله -جل وعلا- ((وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر)) انكسار وتوسل إلى الله -جل وعلا- بعلمه وقدرته، وانطراح بين يديه ((فإنك تقدر ولا أقدر)) اعتراف بالعجز ((وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب)) بعد هذه التوسلات يقول: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي)) يعني في ديني ودنياي ((في عاجل أمري وآجله)) كما في الرواية الأخرى ((وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله)) يعني عاجلاً وآجلاً، في الدنيا والآخرة، إن هذا الأمر يعينني على أمر الدين والدنيا ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي)) فاقدره يعني: اكتبه لي ويسره لي؛ لأنه قد يقدر الشيء للإنسان لكن مع شيء من العسر، إذا استخار من أجل الزواج من فلانة، وعلم الله أن فيها خير له يطلب منه أن يقدرها له، وأن يكتبها من نصيبه، ثم بعد ذلك ييسرها له؛ لأنه قد يكون فيها خير له، وتكتب له وتقدر له لكن يطلب عليها أمور متعسرة، مهر غالي مرتفع، فتكون متعسرة، وقال: ((ويسره لي، ثم بارك لي فيه)) يعني إذا حصلت عليه كتبته لي وقدرته لي يسرته لي بارك لي فيه، فأنا لا أستغني عن بركتك، اللهم لا غنى بي عن بركتك، كما قال من؟ أيوب لما نزل عليه الجراد من الذهب أخذ يجمع يحثو، فعوتب في ذلك، فقال: اللهم لا غنى بي عن بركتك.

((وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به)) يعني إذا تعلق بفلانة يريدها زوجة ثم يستخير ويرى أن الخير في تركها فلا تكتب له، ولا تيسر له، لكن قد يستمر متعلقاً بها، فتتكدر عليه حياته، ولذلك قال: ((فاصرفه عني)) لا تعلقه بي ((واصرفني عنه)) لا تعلقني به لأنه كونك أنت تصرف ترتاح من جهة، لكن كون الطرف الثاني لا يصرف يؤذيك ويقلقك، يرسل إليك الوسائط ويحرجك، أو يتأثم بسببك، وتتكدر عليه حياته، وهذا من النصح، ما يقول: علقها بي واصرفني عنها؛ لأن الإنسان يضع نفسه بهذه المنزلة؛ لأنه ليس الشأن أن تحِب الشأن أن تُحَب؛ لأنه قد تحب وتعذب بما تحب، لكن إن صارت المحبة من الطرفين تمت السعادة، وهنا إذا كان الانصراف من الطرفين تمت الراحة ((فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان)) يعني في أي امرأة كانت، في أي دار كانت، في أي سارة أو دابة كانت.

((ثم أرضني به)) لأنه قد يستخير في الزواج بفلانة التي ذكرت عنده ومدحت ووصفت بأوصاف فائقة من الخلق والعلم والدين والجمال، وكل ما يطلبه الإنسان في الزوجة، ثم استخار فلم تقدر له وصرف عنها، وصرفت عنه، ثم خطب أخرى أو ذكرت له أخرى أقل منها بكثير، ثم استخار ووجه إلى هذه الأقل، يطلب مع ذلك الرضا؛ لئلا يذكر تلك في يوم من الأيام إذا نظر إلى هذه.

قال: "((واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته" هنا قال: "ويسمي حاجته" وهناك قال: ((ثم ليقل)) يصلي يركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل، يعني بعد السلام؛ لأن العطف بـ(ثم).

طالب: تراخي.

بعد السلام تراخي، يسمي حاجته بعد ما ينتهي وإلا أثناء الدعاء؟ لأنه لو كان بعد الفراغ من الدعاء لقال: ثم يسمي حاجته كما قال: ((ثم ليقل)) لكنه أثناء الدعاء ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) يعني شرائي هذا البيت، أو شرائي هذه السيارة، أو زواجي بفلانة، أو كذا ((خير لي في ديني))... إلى آخره، يسمي حاجته أثناء الدعاء.

"رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به))" بهمزة القطع؛ لأنه إذا حصل الرضا تمت الراحة؛ لأنه قد ينصرف الإنسان لأمر من الأمور، ثم يعود إذا لم يرض، "((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به))" ثم ارضني بهمزة وصل التي في الأصل، وعند الترمذي ((ثم أرضني)) بهمزة قطع، وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)) بالتضعيف، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"