شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك (02)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تتميماً لما بدأنا به في الفصل الأول:

يقول -رحمه الله تعالى-:

الحج والعمرة واجبان على المسلم الحر المكلف القادر في عمره مرة واحدة على الفور" هذا انتهينا منه، ثم قال -رحمه الله-:

"فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة أو في العمرة قبل طوافها صح فرضاً" هذه الموانع التي ذكرت من الكفر والرق وعدم التكليف المانعة من الإجزاء أو الإجزاء والصحة، فإذا زال المانع من الإجزاء كالرق والصبا أو من الصحة كالجنون، بأن عتق العبد محرماً، أو أفاق المجنون وأحرم إن لم يكن محرماً قبل جنونه؛ لأنه حال جنونه لا يتصور منه الإحرام، أو بلغ الصبي وهو محرم بالحج في عرفة قبل الدفع منها مع غروب الشمس، أو بعد الدفن إن عاد ووقف في الوقت قبل طلوع الفجر يوم النحر، ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، أو حصل ذلك من الحرية والبلوغ والإفاقة قبل طواف العمرة صح كل من الحج والعمرة، فرضاً فيسقط به الواجب ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام وعمرته، المقصود أنه إذا زال المانع قبل عمل ركن من أركان الحج غير الإحرام باستثناء الإحرام؛ لأنه يصح الحج وإن وقع الإحرام مع وجود المانع، فإنه حينئذٍ يجزئ، أما إذا لم يزل المانع إلا بعد انتهاء وقت الوقوف بأن طلع الفجر يوم النحر، ثم زال المانع كلف الصبي، عتق العبد، فاق المجنون، بعد انتهاء وقت الوقوف بطلوع الفجر فإنه حينئذٍ لا يصح فرضاً، ولا يجزئه عن حج الإسلام وعمرته، ومثله لو كان بلوغه أو إفاقته أو حريته بعد سعيه للحج بعد طواف القدوم فإنه حينئذٍ لا يجزئ ولو أعاد السعي بعد طواف الإفاضة، قد يقول: أنا أعتبر السعي الذي سعيته بعد طواف القدوم لاغي، فأطوف للحج بعد طواف الإفاضة، نقول: لا يجزئ ولو أعاد السعي، لماذا؟ لأنه لا يشرع مجاوزة عدد السعي، لا تشرع مجاوزته، ولا يتعبد به في غير ما شرع له، بخلاف الطواف، لا تشرع مجاوزته، لو نصح شخص بأن يمشي، نصحه الطبيب بأن يمشي قال: بدلاً من أن أمشي في الشوارع أمشي في المسعى لتحصيل الأجر والثواب، نقول: لا أجر لك، امشِ في المطاف صحيح، الطواف رتب عليه الثواب، لو طاف أو شرع في طواف العمرة ثم كلف أو عتق شرع في طواف العمرة وقلنا: إن الطواف عبادة يشرع تكرارها، قال: أعيد الطواف، نقول: كذلك لا يجزئ لأنك طوفت بنية طواف الركن، لكن إذا تحايل وأبطل هذا الطواف، عتق في أثناء الطواف ثم تحايل فأبطل هذا الطواف، نقول: لا يجزئه هذا الطواف عن ركن العمرة الذي هو أعظم أركانها؛ لأنه أبطلها، وهل يجزئه ركناً للعمرة التي افترضت عليه؟ إذا أعاده أبطل الطواف الأول ثم شرع في طواف ثاني اعتبره هو الركن، بمعنى أنه تحايل على أن تكون العمرة مجزئة، مثل هذا يقول العلماء يعامل بنقيض قصده فيلزم بعمرة أخرى.

بعض أهل العلم يقول: إذا كان سعى بعد طواف القدوم، ثم أعاد السعي بعد طواف الإفاضة كان قد أدرك الوقوف يرى بعض أهل العلم أنه يجزئه ولا مانع من ذلك، يعني ومن باب أولى إذا أعاد طواف العمرة؛ لأن العمرة أخف من الحج، فإذا أعاد السعي بعد طواف الإفاضة وإن كان قد سعى بعد طواف القدوم فإنه يجزئه لحصول الركن الأعظم وقت التكليف وهو الوقوف بعرفة، وقوله: "صح فرضاً" أي من حين زوال المانع، وما قبله تطوع لم ينقلب فرضاً، فعلى هذا يكون أول عبادته نفل، وأخرها فرض، كيف؟ هذا كلام أهل العلم، يكون أول العبادة نفل نية الدخول في النسك على أنها نفل، ثم انقلب إلى فرض بقية الأركان فرض، والركن الأول وهو نية الدخول في النسك نفل، لا غرابة في هذا، فإن النية في الحج أمرها أخف من النية في غيره العبادات، بدليل أنه لو نوى النفل وهو ما حج الفرض تنقلب النية إلى فرض، ولو أحرم ناوياً عن غيره -على ما سيأتي- صحت النية عنه، كما في حديث ابن عباس في قصة الرجل الذي أحرم عن شبرمة ولم يحج عن نفسه -على ما سيأتي إن شاء الله تعالى-.

قد يقول قائل: كيف يفرق بين الصبي والمجنون؟ فالصبي وإن كان غير مميز يصح إحرام وليه عنه بخلاف المجنون فإن لا يصح منه إحرام حال الجنون، ولذا قولهم: "فإن زال الرق والجنون والصبا بعرفة أو في العمرة قبل طوافها صح فرضاً" يعني ممن أحرم، فيقولون: بالنسبة للصبي يحرم عنه وليه، والمميز يحرم عن نفسه، والعبد يحرم عن نفسه، والمجنون لا يصح منه الإحرام فتتصور مثل هذه المسألة إذا كان قد أحرم قبل الجنون ثم أفاق بعد ذلك، قد يقول قائل: ما الفرق بين الصبي غير المميز وبين المجنون؟ الفيصل في هذا النص، حيث صح، صحح النبي -عليه الصلاة والسلام- حج الصبي الذي لم يميز، وإن كان في حكم المجنون لا يعقل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم سئل عن الصبي الذي رفع، وكونه رفع دل على أنه صغير، ألهذا حج؟ قال: ((نعم)) وأيضاً فالصبي عند أهل العلم عاقل بالقوة وأن لم يكن عاقلاً بالفعل؛ لأنه من شأنه أن يعقل بخلاف المجنون، والعقل مناط التكليف، فالصبي عاقل بالقوة القريبة من الفعل وإن لم يكن عاقل بالفعل.

طالب:........

نعم؟

طالب: السفيه يا شيخ إنسان عنده خفة عقل ليست جنون.

عته، عته.

طالب: يعني يدرك الأمر والنهي، لكن لا يضبط تصرفاته.

على كل حال هو مكلف وإلا غير مكلف؟ القدر الذي عنده من خفة العقل ترفع عنه التكليف وإلا ما زال التكليف باقي؟

طالب: هو يعقل لكن ما.......... خفة العقل هذه الناس في تعامله معهم.

على كل حال إذا صدر منه تصرف من غير إرادة منه فإنه لا يكلف به، لكن ما يعقله من تصرفاته هو مكلف به، ولذا كان هناك الجنون المتقطع، وهناك الجنون المطبق، وهو درجات -نسأل الله العافية والسلامة-.

طالب: لكن وجوبها على وليه لو كان هو يعقل الأمر والنهي لكن وليه يخاف لو بعثه إلى الحج قد يضر نفسه أو نحو ذلك؟        

لا، لا مثل هذا ما يوثق به يبعث للحج.

طالب: لكنه يفهم الأمر والنهي.

ما يكفي، ما يكفي.

طالب: مثلاً يؤدي الصلوات.

الصلوات ما عليه خطر، ولا على غيره خطر منه.

طالب: لكن أقصد في جواز أنه يحج عنه بما معه من التمييز البسيط.....

الكلام في عقد النية؟ نعم؟ السؤال عن عقد النية؟

طالب: إيه نعم.

إذا كان يعقل ويعقد عن نفسه بـ.... نعم؟

طالب: هو مثل البزر.

إذا كان عنده من التمييز ما يعقل به عقد النية يعقد عن نفسه مثل الصبي، لكن أبله تأمره بشيء ولا يفهم ما تقول، هذا ما يكلف بشيء ولا يحرم ولا يصح منه الإحرام.

الصبيان لا شك أنهم متفاوتون منهم من يحصل منه شيء من التمييز قبل الثالثة، يأتمر إذا أمر، يفهم السؤال، ويرد الجواب المطابق، وبعضهم قد لا يميز حتى تكتمل السبع.

يقول: "وفعلهما من الصبي والعبد نفلاً" تقدم أن البلوغ والحرية شرطان للوجوب والإجزاء دون الصحة، فإذا حج الصبي أو اعتمر ومثله العبد فإنه يصح نسكه نفلاً، لكن عليهما حجة أخرى، وكذلك العمرة؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم اعتق فعليه حجة أخرى)) تقدم أن الحديث مختلف في رفعه ووقفه، وصحح الحافظ ابن حجر في فتح الباري إسناده، وصححه أيضاً الألباني في الإرواء مرفوعاً وموقوفاً، وعلى كل حال هذا الحديث لا بأس به، فهو عمدة في هذه المسألة، في حج العبد أثناء الرق، وأنه يؤمر بإعادة الحج، حجة الإسلام، نعم يصح منه الحج، ويؤجر عليه، ويثاب عليه، لكن لا تجزئه عن حجة الإسلام، ومثله الصبي.

وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب حج الصبيان، وأورد في الباب ثلاثة أحاديث، حديثين عن ابن عباس، وأنه حج مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الاحتلام، والثالث عن السائب بن يزيد قال: "حج بي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن سبع سنين"، وفي صحيح مسلم من طريق كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "رفعت امرأة صبياً لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)) قال ابن بطال: "أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ" يسقط عنه الفرض لا يطالب بفريضة الإسلام حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعاً عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه، ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام، وإنما يحج به على جهة التدريب، وشذ بعضهم فقال: إذ حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام؛ لظاهر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم)) في جواب: ألهذا حج؟ في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم)) أي له حج، لكن هل هذا الحج صحيح بغض النظر عن الإجزاء وإسقاط الطلب أو أنه صحيح مجزئ مسقط عن الطلب؟ اللفظ محتمل، له حج، فهل هذا الحج المقصود به الحج المجزئ المسقط عن الطلب أو المقصود به الصحيح؟ بغض النظر عن سقوط الطلب به، جماهير أهل العلم حملوه على الثاني حجه صحيح، وينعقد إحرامه، وتترتب أثاره عليه، ويلزمه ما يلزم المكلف، وهذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، لا نقول: إنه غير مكلف فكيف يلزم بالتكاليف لا، كما تجب الزكاة في ماله حكم وضعي وليس حكم تكليفي، يعني هذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، وعلى هذا يحرم العبد عن نفسه، ويحرم الصبي المميز كذلك وأما غير المميز فيحرم عنه وليه، وإذا أحرم الصبي فإنه يلزم بإتمام النسك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أمر بإتمام الحج والعمرة، وإن كانا نفلاً، فكذا هنا {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] هذا يشمل الفرض والنفل، وقلنا: إن حج الصبي نفل فإذا عقد نية الدخول في النسك لزمه إتمامه، كما يلزم الكبير أن يتم حج النفل؛ لأن الله أمر بإتمام الحج والعمرة، نعم؟

طالب:........

حتى غير المميز.

يجهل كثير من الناس هذا الحكم فيحجون بالصبيان، فإذا وجدوا المشقة قالوا: هذا غير مكلف فكيف نتعبه ونتعب به وهو غير مكلف، يلبس ثيابه ويرجع، وهذا حصل من شباب ناهزوا الاحتلام، في مكتبة اعتمر بهم المشرف على المكتبة لما رأوا الزحام أمرهم بالتحلل ورجعوا، على قول الأكثر ما زالوا محرمين تلزمهم ما يلزم المحرم بالنسبة لارتكاب المحظورات ولو تزوج أحدهم ففي صحة عقد النكاح نظر، نظر ظاهر، هذا يحصل وسببه الجهل، نعم على مذهب الإمام أبي حنيفة المسألة فيها سعة، على مذهب أبي حنيفة لا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير مكلف، ولا ملزم بالواجبات، والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- يميل إلى مذهب أبي حنيفة؛ لأنه أرفق بالناس، كما أن الشيخ -رحمة الله عليه- رجح أن العبد إذا حج بإذن سيده ونواه عن الفريضة فإنه يجزئه، وقاسه على الفقير الذي لا يجب عليه الحج إذا حج حال فقره وتكلف المشقة فإنه يسقط عنه الفرض، يقول: فكذلك العبد إذا حج بإذن سيده فإنه يسقط عنه الفرض، وبه قال شيخه -رحمه الله تعالى- ابن سعدي، وقبلهما ابن حزم.

إن صح حديث ابن عباس: ((أيما عبد حج ثم اعتق فعليه حجة أخرى)) فلا كلام؛ لأنه قاطع للنزاع، والشيخ يشك في ثبوته، الترمذي -رحمه الله- قال: أجمع أهل العلم على أن المملوك إذا حج في حال رقه ثم عتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيل، ولا يجزأ عنه ما حج في حال رقه، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، فإن صح الإجماع الذي حكاه الترمذي فلا كلام أيضاً، لكن الإجماعات التي ينقلها الترمذي فيها ما فيها، كما أن غيره ممن ينقل الإجماع قد ينقل الإجماع والخلاف قد يكون معروفاً كالنووي كثيراً ما ينقل الإجماع وينقض الإجماع بنفسه، هو بنفسه يذكر الخلاف، ومثله ابن المنذر بعض إجماعاته، وابن عبد البر وغيرهم مما يحكي الإجماع بعد تفرق الأمة في الأمصار، وأكثر من هذا من يصرح بنفي الخلاف، أو على حد علمه على الأقل حينما يقول: لا أعلم مخالفاً، مثل هذا كثير، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الموطأ قال: لا أعلم أحد قال برد اليمين، مع أن قضاة عصره يقولون به، ابن شبرمة وابن أبي ليلى، الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- قال: لا أعلم أحد أوجب في أقل من ثلاثين من البقر زكاة، مع أن القول معروف عن عثمان وابن عباس، على كل حال هم بشر، وليسوا بمعصومين، والإحاطة بجميع العلم مستحيلة، وهؤلاء أئمة كبار لكنهم لن يخرجوا مهما بلغوا من العلم عن قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فالترمذي -رحمه الله تعالى- يقول: أجمع أهل العلم على أن المملوك إذا حج في حال رقه ثم عتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، لا شك أن مثل هذه العبارات سواء صدرت من الترمذي أو النووي أو ابن المنذر لا شك أن لها هيبة، لها هيبة تجعل طالب العلم يتحرى ويتثبت فلا يخالف مثل هذه الكلمة إلا بشيء واضح وضوح الشمس، وإن قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: إن كثير من الإجماعات التي يدعيها ابن المنذر والنووي وأمثالهما تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، نقول: لا، ومع ذلك على طالب العلم أن يهاب الإجماع.

طالب: عفواً يا شيخ.

نعم.

طالب: لو ثبت بسند صحيح عن أحد التابعين أن الصحابة أجمعوا على قضية مثل قول شقيق بن عبد الله في قضية ترك الصلاة ثبت سندها؟

أما إجماع الصحابة فمتصور، ونقله ممكن، والإمام أحمد في رواية عنه لا يرى الإجماع إلا إجماع الصحابة، فإذا ثبت عن تابعي أنه نقل إجماع الصحابة، وهذا التابعي ممن تسنى له أن يلتقي بالصحابة كلهم، أو أهل الفتوى منهم على الأقل لا شك أن قولهم معتبر.

طالب: إذا حدث الخلاف -خلاف هذا الإجماع- هل يعتد بهذا الخلاف؟

بعده، بعد الانعقاد.

طالب: إيه.

هنا بنشير إلى هذا، ابن حزم يقول: يجزئ الحج ولا يلزمه حجة أخرى؛ لأن العبد إذا حج في حال رقه ثم عتق يقول: يجزئه، لا شك أن هذا قول حادث بعد الإجماع الذي نقله الترمذي، فلا عبرة به، مع أن المسألة في ارتفاع الخلاف وانعقاد الإجماع بعده هل يرتفع الخلاف والأقوال تموت بموت أصحابها فينعقد الإجماع بعد الخلاف أو العكس؟ خلاف بعد الإجماع، أما بالنسبة للإجماع بعد الخلاف فله وجه، ولذا يختلف أهل العلم في حد ناكح المتعة هل يحد أو يعزر؟ من قال بأن الخلاف يرتفع إذا انعقد الإجماع بعده قال: يحد، ويؤيد هذا قول ابن عمر -رضي الله عنه-: لا يؤتى بأحد تمتع إلا جلده الحد، والذي يقول: إن الأقوال لا تموت بموت أصحابها يقول: ما يزال الإجماع..، مثل هذا الإجماع لا يرفع الخلاف، المقصود عندنا العكس إذا وجد الخلاف بعد الإجماع فإنه لا عبرة به، لكن يبقى مسألة ثبوت الإجماع، نعم؟

طالب: ترك الصلاة...... شقيق بن عبد الله نقل الإجماع بسند صحيح.

طيب.

الخلاف ما عهد إلا في كتب المتأخرين من الفقهاء؟ يعني في عصر الأئمة القرون الثلاثة الأولى من قرأ في كتب الاعتقاد جعلوا قضية ترك الصلاة أنها ليست كفر من علامات المرجئة؛ لأن عندهم إجماع، ولذلك كلهم بوبوا حتى الترمذي وغيره يعني باب الإيمان وكتاب الإيمان.....

لكن المذاهب الإسلامية المعتبرة، مذهب الشافعية والحنفية والمالكية، كتب الأئمة المتقدمين منهم نصوا؟ الشافعي نص في الأم على أن تركها كفر مثلاً أو أبو حنيفة أو صاحباه؟

طالب: نقل عن الشافعي أنه يقول بكفره.

على كل حال تحتاج المسألة إلى استقراء ولا إشكال في أن ترك الصلاة خطر عظيم، والنصوص الصحيحة الصريحة تدل على كفره، هذا أمر مفروغ منه، لكن هل المسألة هل نقول: إنها إجماع؟ نعم ثم وجد الخلاف بعد ذلك؟ وهل مثل هذا الخلاف معتبر أو غير معتبر؟ المسألة....

طالب:........ القاعدة من أتى يخالفهم من المتأخرين.

هو إذا ثبت الإجماع لا عبرة بقول المخالف؛ لأنه لا يجوز إحداث قول يخالف الإجماع، حتى إحداث قول ثالث في مسألة محصورة بقولين فقط مسألة خلافية بين أهل العلم، هل يجوز إحداث قول ثالث" يعني إذا اختلف أهل العلم على قولين يجوز إحداث قول ثالث مركب من هذين القولين أو خارج عنه؟ المسألة تطول في مثل هذه المسائل يطول الكلام فيها، ابن حزم يرى أنه يجزئه الحج ولا يلزمه حجة أخرى، وحديث ابن عباس قلنا: إنه صريح في أنه لا يجزئ؛ لأنه إذا ألزم بحجة أخرى دل على أن الحجة الأولى غير مجزئة.

هنا مسألة: إذا كان المخالف مثل ابن حزم أو أهل الظاهر عموماً؟ اختلف أهل العلم في الاعتداد بهم، أما طوائف المبتدعة فإنهم لا يعتد بهم، لا يعتد بقولهم في مواطن الإجماع والخلاف، قد تنقل أقولهم للعلم بها أو لردها، لكن الظاهرية وهم بغض النظر عن مخالفات ابن حزم في مسائل الاعتقاد محسوبون على أهل السنة، هل يعتد بقول الظاهرية؟ النووي نص في شرح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة تسع وعشرين على أنه لا يتعد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وقريب منه قوله في تهذيب الأسماء، وابن حجر أيضاً أشار إلى شيء من ذلك، فهل يعتد بقول أهل الظاهر باعتبار أنهم اعتمادهم على النصوص أو لا يعتد بقولهم لأنهم لا يرون القياس؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، المسألة خلافية، وسمعنا كلام النووي، ومن أهل العلم من يرى أنهم أولى من يعتد بهم؛ لاهتمامهم بالنصوص التي هي أصول الأحكام، على كل حال إذا كان عمدة المسألة نص فينبغي أن يعتد بهم؛ لأنهم يقدرون النصوص قدرها، ويعتنون بها، ويهتمون بها، إذا كان عمدة المسألة اجتهاد، قياس ونظر، فلا عبرة بقولهم.

"والقادرُ"

سم.

وقفنا على قوله: "والقادر"

السطر الثالث نعم، والقادر.

طالب: إن أمكنه.

إن أمكنه الركوب نعم.  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسيلماً كثيراً.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"والقادر من أمكنه الركوب ووجد زاداً وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية".

يكفي.

سبق في كلام المؤلف اشتراط القدرة لوجوب الحج ولزومه، وتقدمت الإشارة إلى أن غير القادر لو تكلف وحج حال عجزه وفقره أنه يصح حجه ويجزئه، ويسقط به الفرض، وهنا يعرف المؤلف القادر وأنه من يمكنه الركوب، ولا شك أن إمكان الركوب معتبر، كما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- حينما سألت الخثعمية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) فكونه لا يثبت على الرحلة يدل على أنه غير قادر، لا يمكنه الركوب، فإذا كان لا يمكنه الركوب فإنه حينئذٍ عاجز فلا يلزمه الحج بنفسه، إن كان مستطيعاً ولا يرجى برؤه فإنه يناب عنه، فدل على أن الثبات على الراحلة معتبر إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يلزم شده؛ لكي يثبت على الراحلة، وهذا لما كانت وسائل النقل الإبل والحمر والدواب، أما الآن بعد تغير الوسائل فالسيارات والطائرات يندر أن يوجد من لا يستطيع مواصلة السفر فيها، وإن كان الناس في أو الأمر أول مجيء السيارات بعضهم لا يطيق مواصلة السير فيها، كثير من الناس يصاب بغثيان، وبعضهم يصاب بدوخة وإغماء، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فإنه يعذر؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها، بعد أن اعتادها الناس وألفوها يندر أن يوجد من يحصل منه شيء من ذلك.

قوله: "ووجد زاداً وراحلة" الزاد هو الطعام والشراب كما هو معروف، والراحلة المركوب، وقوله: "صالحين لمثله" يعني زاد وراحلة يناسبانه، والناس يتفاوتون في هذا، تأتي إلى شخص من علية القوم، وتقول له: يلزمك الحج وهذه السيارة موجودة، نعم؟ قد تعود على السيارات الفارهة والمراكب الوثيرة تأتي له بسيارة دون ما راضي، ومثله لو كان الأكل والشرب لا يناسبه، نعم إذا كان لا يطيقه شيء وكون لا يرتفع إلى مستواه شيء أخر، وكون الزاد الموجود يضره شيء أيضاً تنبغي ملاحظته، لكن بعد توافر النعم في العصور المتأخرة قد لا يرد مثل هذا الكلام على أن من أهل من يرى أنه إذا وجد راحلة توصله إلى المشاعر لزمه الحج مهما كان التفاوت بينها وبين ما كان يركبه، ومثله الزاد تعود على آكل معين يأكل المرققات، يأكل الجوارش والمقبلات ثم عاد إذا حج تنقطع هذه الأمور، ولا يجد إلا البلغة يلزمه الحج؛ لأن طبيعة السفر تختلف عن طبيعة الحضر، فالسفر كما في الحديث الصحيح قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فعلى الإنسان إذا انتهى من سفره، وقضى نهمته، يعجل إلى أهله؛ لكي يعيش عيشته العادية، على كل حال عليه أن يتحمل، وهي أيام لا سيما في مثل هذه الأزمان، نعم قد توجد المشقة الشديدة في السابق الطريق شهر والرجوع شهر، والمكث هناك أيضاً طويل، أما الآن الحج أربعة أيام، الحج كله أربعة أيام من أوله إلى أخره، مهما تحمل من المشقة لن يضره -إن شاء الله تعالى-.

 روى الترمذي بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: ((الزاد والراحلة)) وقال: هذا حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج، يقول الترمذي: "وإبراهيم -يعني راويه- هو ابن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه".

كلام الترمذي خفيف، تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، الرجل متروك يكفي أن يقال فيه: تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه؟ لا يكفي، وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقاً من تساهل الترمذي في أحكامه على الأحاديث وعلى الرواة.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: ((الزاد والراحلة)) رواه الدارقطني، وصححه الحاكم، ورجح ابن حجر في البلوغ ارساله، لكن ذهب إلى هذا التفسير جماهير الأمة، فالزاد شرط مطلقاً، والراحلة لمن داره على مسافة لا يستطيع معها الوصول مشياً.

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في شرح العمدة لما سرد ما ورد في ذلك قال: فهذه الأحاديث مسندة من طرق حسان، ومرسلة وموقوفة، تدل على أن مناط الحكم الزاد والراحلة، مع علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن كثير من الناس يقدرون على المشي، وأيضاً فإن الله -سبحانه وتعالى- قال في الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] إما أن يعني القدرة المعتبرة في جميع العبادات وهو مطلق المكنة، مجرد ما يتمكن الإنسان أو قدر زائداً على ذلك، فإن كان المعتبر هو الأول لم يحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة، فعلم أن المعتبر قدر زائد في ذلك، وليس هو إلا المال {مَنِ اسْتَطَاعَ} [(97) سورة آل عمران] ما جاء في الصلاة من استطاع، في الصيام من استطاع؛ لأن الاستطاعة شرط معروف إذا كان مجرد قدرة الإنسان ومكنته من عمل العبادة، فالتنصيص عليها في الحج يعني الاستطاعة تعني أن الاستطاعة قدر زائد على مجرد التمكن من فعلها، يقول: وليس هو إلا المال، وأيضاً فإن الحج عبادة تفتقر إلى مسافة فافتقر وجوبها إلى ملك الزاد والراحلة كالجهاد، وذهب ابن الزبير وجماعة من التابعين إلى أن الاستطاعة هي الصحة لا غير، لقوله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [(197) سورة البقرة] فإنه فسر الزاد بالتقوى، وأجيب بأنه غير مراد من الآية كما يدل له سبب نزولها.

قال الصنعاني: "وحديث الباب يدل على أن المراد بالزاد الحقيقة" يقول: وهو وإن ضعفت طرقه فكثرتها تشد ضعفه، والمراد به كفاية الفاضلة عن كفاية من يعول حتى يعود؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)) رواه أبو داود، وهو حديث جيد، ولا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الواجبات من الديون الحالة، يقول بعضهم: والمؤجلة، الحالة والمؤجلة، المؤجلة إن كان يغلب على ظنه الوفاء إذا حلت فإنها لا تمنع من وجوب الحج، وأيضاً الديون إذا كان لا أثر للحج عليها فإنها أيضاً لا تمنع، الشخص المدين بالملايين يحتاج في حجه إلى ألفين أو ثلاثة، لو أعطاها إلى أهل الديون يقبلونها أو يردونها؟ مثل هذه لا أثر لها، على كل حال الدين الحال الذي يؤثر فيه الحج لا بد من تقديمه على الحج، مثله ديون الله -سبحانه وتعالى- فهي أحق بالوفاء من الزكوات والكفارات والنذور، وبعد الحوائج الأصلية من كتب يحتاجها، فلا يأمر طالب العلم ببيع الكتب التي يحتاجها لكي يحج لا؛ لأنها حوائج أصلية بالنسبة له، ولذا يقول شيخ الإسلام بجواز أخذ الزكاة ممن مثل هذا ليشتري به ما يعينه على الطلب.

ولا بد من التقييد بكونه يحتاجها، إذا كان هناك من الكتب قدر زائد على الحاجة فإنه يلزمه بيعه والحج بثمنه، إذا كان يعتني بنسخ مثلاً أو طبعات أو هذه أفضل من هذه، أو هذه نحتاجها أو هذه قد نحتاجها لا؛ لأن الحج ركن من أركان الإسلام، فلا يعارض بمثل هذا الترف، من الحوائج الأصلية المسكن ما يقال: بع البيت وحج، لا ما يلزم، الخادم إذا كان مثله يخدم لباس مثله، ما يقال: بع الثوب اللي عليك واشترِ بأقل منه من قيمته إذا كان ما يلبسه مثله.

طالب:........

نعم؟

طالب:........

على كل حال إذا كانت تناسبه وتليق به يلزمه بيعه، قد يقول قائل: عنده مسكن لو باعه بمليون واشترى بنصف قيمته وحج، وحجج معه عدد كبير، هل يلزمه بيعه؟ ومثله إذا كان عنده بيت بهذه المثابة، ويحتاج في تكميل نفقته إلى شيء من الزكوات له ولمن يمون، هل يلزمه بيع البيت الذي يمكن أن يشتري بأقل من قيمته ويتعفف عن الزكاة؟ افترضنا شخص بيته بسبع مائة ألف، وهناك بيت بخمسمائة ألف يكفيه ويكفي أسرته، وإذا استمر على بيته المقدر بسبعمائة ألف يحتاج في تكميل نفقته ونفقة أسرته إلى الزكوات.

طالب:........

نعم، هنا يلزمه بيعه، إذا توقف الحج على مثل هذا يلزمه بيعه؛ لأن هذا قدر زائد على الحاجة الأصلية، قال الفقهاء: ولا يصير مستطيعاً ببذل غيره له، بشخص غير مستطيع غير مطالب بالحج قال صاحب حملة: ............ الله يحيك، أسقط فرضك، هل يلزمه الحج؟ لا يلزمه؛ لما يترتب على ذلك من المنة، ولو كان الباذل له –ولو هنا للخلاف القوي- ولو كان الباذل له قريبه كأبيه ونحوه؛ لوجود المنة أيضاً بخلاف ولده فيلزمه الحج ببذل الولد؛ لأن مال الولد مال له، إذا كان الولد قد أدى الحج عن نفسه، وإلا فلا يجوز له أن يبذل المال لوالده، ولا يجوز له أن يؤثره بهذا المال ليحج به مع وجوبه عليه، كما أن مما يعتبر عند أهل العلم أمن الطريق، لا بد أن يكون الطريق أمن، فإذا غلب على الظن أنه يهلك في هذه الطريق لوجود سباع أو أعداء فإنه حينئذٍ لا يلزمه، أين القارئ؟

اقرأ، اقرأ.

قال: "وإن أعجزه كِبْرٌ أو مرض..."

كِبَر، كِبَر.

"وإن أعجزه كِبَر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه من حيث وجبا ويجزأ عنه وإن عوفي بعد الإحرام".

يكفي.

"ويجزئ عنه وإن عوفي بعد الإحرام".

يقول -رحمه الله تعالى-: "وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر... من حيث وجبا" وجب عليه الحج في الرياض يلزمه أن يقيم من يحج عنه من الرياض، ما يقول: يحجج عني من الطائف أرخص أو من مكة "من حيث وجبا ويجزأ عنه -حج الغير عنه- وإن عوفي بعد الإحرام" أي وإن أعجز المستطيع بالزاد والراحلة كبر سن أو مرض قرر الأطباء أنه لا يرجى برؤه، ولا السلامة منه مستقبلاً فإنه يلزمه الحج، لكن بالنائب لا بنفسه، وهو قول الشافعي، وكثير من العلماء، واختيار شيخ الإسلام وابن القيم؛ لعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ويلزمه حينئذٍ أن يقيم من يحج من ماله، ويعتمر عنه من حيث وجبا، أي من بلده؛ لحديث ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت: "يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة" فأمرها أن تحج عنه، وقال مالك وأبو حنيفة: المعضوض الذي لا يقدر على الحج بنفسه لا يلزمه الحج؛ لأن الوجوب قيد بالاستطاعة وهذا غير مستطيع، لا يلزمه الحج ولو كان ذا مال، قاله ابن هبيرة وابن رشد، وقوله: "من حيث وجبا" أي من بلده لا من الميقات أو ما قرب منه، وهو اختيار الشيخ، وعند الشافعي يجزئ من الميقات، هل يجزئ من مكة؟ المسافة بين بلده وبين المشاعر هل هي مقصودة لذاتها؟ نعم؟ لو بحث عن من يحج عنه من الرياض قال: أريد خمسة ألاف، من الطائف ثلاثة ألاف، وجد ثلاثة ألاف من الطائف، وجد من مكة بألف، بألف ريال، قال: أحجج بألف الحمد لله، الدين يسر، هنا المؤلف يقول: من حيث وجبا؛ لأن البدل يأخذ حكم المبدل، النائب حكمه حكم الأصل، لكن هل المسافة ثمانمائة كيلو مثلاً من الرياض إلى الميقات مثلاً مقصودة لذاتها؟ نعم؟

طالب:........

غير مقصودة، غير مقصودة لذاتها، عند الشافعي يجزئ من الميقات، وهذا القول فيه قوة؛ لأن ما بين بلده والميقات ليس من مقاصد الحج، وإنما ثبوته تبعاً لا أصالة له، يجزئ الحج والعمرة عن المنوب عنه، وإن عوفي بعد إحرام نائبه، وقبل فراغه من النسك تلبس بالإحرام، لماذا؟ لأنه لو تلبس بالإحرام ثبتت الأجرة، ثبتت الأجرة، لأنه لا يجوز له أن يفسخ، وإذا ثبتت الأجرة في مال المنوب عنه فلا يمكن أن يلزم بهذه الأجرة مع إلزامه بحجة أخرى؛ لأن الواجب الحج مرة واحدة، فإذا ألزمناه بحج النائب، وحجه هو كأننا ألزمناه بحجتين لماذا؟ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة، الذي لا يجد نائب، الذي يبحث عن نائب ينوب عنه فلم يجد، قالوا: يسقطان، يعني الحج والعمرة يسقطان عنه.

كثير من أهل العلم يرون أنه لا يجزئ حج النائب إذا عوفي الأصل ولو بعد الإحرام، لماذا؟ لأنه بعد الشفاء تبين أنه غير ميئوس منه، قال في المبدع: وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين، وقال الموفق: ينبغي ألا يجزئ؛ لأن الأصل هو المطالب، ولا يصح حج النائب مع قدرة المنوب عنه، وإذا عوف المنوب عنه قدر على الحج فتبين أن النيابة باطلة، وحينئذٍ لا يجزئ، يشترط في النائب أن يكون قد حج على نفسه، أما من لم يحج عن نفسه فإنه لا يصح أن يحج عن غيره؛ لما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجل يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((من شبرمة؟)) قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: ((حججت عن نفسك)) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) وحديث اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، لكن الإمام في رواية ابنه صالح رجح الرفع، وإن قال في رواية غيره إن رفعه خطأ، قال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، وقال الدار قطني: المرسل أصح، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: هو كما قال لكنه يقوي المرفوع؛ لأنه عن غير رجاله، نعم؟

طالب:........

تأتي -إن شاء الله-، هنا اختلف في الحديث في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله من جهة أخرى، وإذا تعارض الوقف مع الرفع والوصل مع الإرسال فمن أهل العلم من يرجح الإرسال لأن فيه زيادة علم؛ لأنه من رفع معه زيادة علم، وهذه طريقة كثير من المتأخرين، منهم من يرجح الإرسال لأنه هو المتيقن، وبالمقابل منهم من يرجح الرفع بمقابل الوقف، ومنهم من يرجح الوقف، منهم من يرجح بالكثرة يرجح الأكثر، ومنهم من يرجح بالحفظ والضبط والإتقان، فيرجح قول الأحفظ أو رواية الأحفظ، لكن ذكرنا مراراً أن طريقة المتقدمين في مثل هذا أنه لا يحكم بحكم عام مطرد، بل الحكم بما تؤيده القرائن، فالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- رجح أنه مرفوع في رواية ابنه صالح، وفي رواية غيره رجح أنه موقوف، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، الدارقطني يقول: المرسل أصح، عندنا مرسل وعندنا موصول، المرسل رجاله أوثق، ابن حجر يرى أنه لا تعارض حينئذٍ بين الوصل والإرسال؛ لأن رجال السند غير المرسل غير رجال السند الموصول، والشافعي -رحمه الله تعالى- ذكر مما يتأيد به المرسل ويقبل بحيث يحتج به يصير حجة أن يثبت من طريق أخرى إما مرسلة أو موصولة، وهنا الطريقة الأخرى موصولة، قال بعضهم: إذا ثبت من طريق أخرى موصولة فلا حاجة لنا بالطريق المرسلة، لكن الصواب أن لنا به حاجة؛ لأنهما حينئذٍ يصير..، عندنا أكثر من طريق، كثرة الطرق نحتاجها، وإذا كان رجال الموصول غير رجال المرسل فإن الرواية المرسلة لا تعل بالمرسل حينئذٍ، إذا عرفنا هذا فالحديث دليل على أنه لا يصح أن يحج المرء عن غيره وهو لم يحج عن نفسه، فإذا أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يجعله عن نفسه ((حج عن نفسك)) بعد أن لبى عن شبرمة، فدل على أن النية لم تنعقد عن غيره، وبهذا قال الشافعي، وكره ذلك مالك وأبو حنيفة، فصل بعضهم فقال: إن كان النائب ممن لا يلزمه الحج، النائب فقير لا يلزمه الحج، ثم أعطي ما يسمى بحجة، أُنيب أعطي مبلغ يحج به تصح النيابة، إن كان ممن يلزمه الحج لكونه مستطيعاً فإنه لا تصح نيابته، وعموم الحديث يمنع النيابة ممن لم يحج عن نفسه سواء كان مستطيعاً أو غير مستطيع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستفصل من هذا الذي أحرم عن شبرمة، هل قادر؟ هل هو مستطيع أو غير مستطيع؟ المرأة تنوب عن الرجل، والمرأة تنوب عن المرأة؛ لأن المرأة سألت عن أبيها نعم، فإذا نابت المرأة عن الرجل فنيابة الرجل عن المرأة من باب أولى.

يمدينا على المحرم؟ نعم؟

طالب:........

إيه نقف على المواقيت......

طالب:........

اقرأ إيه.

قال: "ويشترط لوجوبه على المرأة وجود محرمها، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وإن مات من لزماه أَخرجا من تركته....

أُخرجا، أُخرجا.

إيش؟

"وإن مات من لزماه أُخرجا من تركته".

نعم.

يقول -رحمه الله تعالى-: "ويشترط لوجوبه على المرأة وجود محرمها، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سبب مباح" يشترط لوجوب الحج على المرة شرط زائد على ما يشترط بالنسبة للرجال وهو وجود المحرم، وهو قول جمهور العلماء، واختيار الشيخ شيخ الإٍسلام -رحمه الله تعالى-، وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث كثيرة أنه نهى أن تسافر المرأة من غير محرم ((لا يحل لامرأة أن تسافر مسافة يوم إلا مع ذي محرم)) والحديث في الصحيحين، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب ويقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقال رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) والأدلة على ذلك كثيرة جداً، ولا فرق في ذلك بين الشابة والعجوز، ولا فرق بين قصير السفر وطويله، وبين ما يغلب على الظن سلامته وبين ما يغلب على الظن عدم السلامة فيه؛ لأنه إذا ثبتت النصوص لا مجال للاجتهاد، لا يقول قائل: إن السفر في الطائرة ساعة يجوز أن تسافر بغير محرم، لا، لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، إلا في حال ضرورة قصوى، يعني مات المحرم في الطريق ماذا تصنع؟ تجلس في أثناء الطريق تسافر، لكن في غير مثل هذه الحالة وهذه الضرورة الحمد لله الشرع لم يوجب علينا ما يقتضي تناقض، لم يوجب على المرأة حج من غير محرم ويلزمها بالمحرم لا، أسقط عنها الحج إذا لم تجد المحرم، ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وكم من شخص أودع امرأته أو موليته في المطار، ووكل من يستقبلها في المطار الآخر ثم حصل ما حصل، في الطائرة نفسها، وفي المحطات التي تكون بين المطار الأول والثاني، ومثله القطار والسيارات عاد حدث ولا حرج، القطار تجد النساء كثر بالمئات والرجال عددهم قليل، تتبعوا الرخص، ووجدوا من يفتيهم بأنه إذا سلمها للطائر أو للقطار واستقبلها أحدهم فهي في مأمن، كلام غير صحيح، العامل الماضي تعطل القطار في أخر الشهر، ليس في منتصفه، المسألة يعني في ظلام دامس، ماذا يصنع هؤلاء النسوة بالمئات، والرجال عددهم قليل، وهذا يضعف قول من يقول: إن للمرأة أن تسافر مع جمع من النسوة، فالخطر موجود، منهم من قال: تسافر مع امرأة ثقة، كل هذا توسع غير مرضي، مخالفة للنصوص الصريحة إلا مع ذي محرم يعني لها، وإن قال بعضهم: إن المراد بالمحرم له، يعني من أهله، ظاهر النص أن المحرم لها؛ لأن الحديث عنها، على كل حال هذا التوسع الذي يصنعه كثير من الناس، ويفتي به بعض أهل العلم، لا شك أن الاحتياط خلافه مع موافقة النص.

التحديث بيوم وليلة، وفي رواية: ثلاث، وفي رواية: مسيرة يومين، وفي حديث: ثلاثة أميال، وفي لفظ: بريد، يقول النووي: ليس المراد من التحديد ظاهر التحديد، بل كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه.

فهم من كلام المؤلف أن وجود المحرم شرط للوجوب؛ لأن وجوده داخل في الاستطاعة التي اشترطها الله -عز وجل- لوجوب الحج، والتي لا تجد محرم عاجزة غير مستطيعة، عجز حكمي شرعي وإن كانت من أقوى النساء، كما قالوا في الرق: إنه عجز حكمي ولو كان الرقيق من أقوى الناس في البدن، فهو عاجز حكماً، وإن لم يكون العجز حسياً، قال بعضهم: إن المحرم شرط لوجوب الأداء لا للوجوب، ورواية عن أحمد، هناك شرط للوجوب وهنا شرط لوجوب الأداء لا للوجوب ذاته، الفرق بينهما أنه على القول الأول إذا ماتت قبل أن تجد المحرم فإنه لا شيء عليها، ولا يلزم أن يخرج من تركتها شيء، على القول الثاني: أنه شرط لوجوب الأداء أنه يحج عنها من تركتها.

"والمحرم هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح" المحرم هو الزوج أو من تحرم عليه تحريم مؤبد لا مؤقتاً، يعني برضاع أو مصاهرة، نسب أو رضاع وله حكم النسب أو بالمصاهرة كأبيها وابنها وأخيها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها سبعة من النسب، ومثلهم من الرضاعة، وكأبي زوجها وابنه، وزوج أمها، وزوج بنتها يعني أصول الزوج وفروعه، أما السبب المحرم كالزنا واللواط عند من يقول بأنه ينشر الحرمة فإنه لا يكون محرماً، من أهل العلم من يقول: إذا زنا بامرأة حرمت عليه أمها وحرمت عليه بنتها على التأبيد، حرم عليها الزواج بها، لكن مثل هذا لا يكون محرماً؛ لأن السبب غير مباح، مثله الملاعنة بالنسبة للملاعن، تحرم عليه تحريماً مؤبداً إلا أنه لا محرمية بينهما، فلا يكون محرماً لها، اشترط في المحرم أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً، الكافر ليس بمحرم للمسلمة، والصغير الذي لم يكلف لا يكون محرماً، وغير العاقل المجنون ليس بمحرم، بعضهم اشترط أن يكون المحرم إيش؟ ها يا أشرف؟ هات، غافل إلا تدري لكن أنت غافل أو متغافل، اشترط بعضهم أن يكون مبصراً صح وإلا لا؟

طالب: نعم يا شيخ.

إيه أنت غائب عنك وإلا......

طالب: لا ما فهمت إيش تقصد؟

لكن هذا الشرط لا عبرة به.

طالب:........

خلاص ما ينفع، لا بد أن يكون مسلماً؛ لأنه لا يبعد الذي أرخص دينه أن يرخص عرضه، نعم لا يبعد عليه مثل هذا، اشترط بعضهم أن يكوم المحرم مبصراً لكن لا عبرة بهذا الشرط؛ لأنه يوجد من المبصرين من هو أشد تساهل من العميان، ويوجد من العميان من هو أشد في التحري والتثبت والحيطة والحذر من كثير من المبصرين.

طالب: يا شيخ المميز.

ما يكفي، ما يكفي، يعني داخل بلد وإلا شيء يعني شيء يسير جداً يرفع الخلوة لا بأس، أما بالنسبة للسفر لا.

طالب: حتى لو ناهز قارب البلوغ أو شيء؟

ولو كان؛ لأنه غير مكلف، المناط التكليف بالبلوغ، فإذا كان غير مكلف يعرف أنه لا يكتب عليه سيئات فقد يتساهل في مثل هذا، نعم.

طالب:........

لا المقصود به الطريق، أما في نفس البلد فالممنوع الخلوة، على أنه إذا لم تؤمن الفتنة امتنع بقاؤها ولو في البلد، إذا خيف عليها لا يجوز بقاؤها في بلد لا محرم لها فيه.

طالب:........

أي لكن هناك تنقلات وهناك خلوة وهناك أشياء، لا شك أن مثل هذا لا تؤمن معه الفتنة.

قوله في نهاية الباب: "وإن من مات من لزماه أُخرجا من تركته" بهذا قال الشافعي وكثير من العلماء، وقال أبو حنيفة ومالك يسقط بالموت، فلا يلزم الورثة أن يحجوا عنه إلا أن يوصي فإن أوصى أخرج من ثلثه، دليل القول الأول حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه؟ قال: ((أرأيت لو أن أباك ترك ديناً عليه أتقضيه عنه؟)) قال: نعم قال: ((فاحجج عن أبيك))، وعن ابن عباس أيضاً: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفحج عنها؟ قال: ((نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ أقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) وعلى هذا فحكم مثل هذا الحج اللازم في حال الحياة حكمه حكم الديون، وعلى هذا يقدم على الوصايا وعلى الإرث كما هو معروف في الحقوق المتعلقة بالتركة الخمسة تقدم مئونة التجهيز ثم الديون المتعلقة بالتركة ثم الديون المطلقة، ومنها مثل هذا الحج الذي لزم والكفارات وغيرها، ثم الوصايا ثم الإرث، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"