تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "وَهَذِهِ الصِّفَاتُ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ يُثْبِتُهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِنَفْيِ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي.

وَالْمُعْتَزِلَةُ يَنْفُونَهَا وَيُثْبِتُونَ أَحْكَامَهَا فَيَقُولُونَ: هُوَ تَعَالَى حَيٌّ قَادِرٌ، مُرِيدٌ عَلِيمٌ، سَمِيعٌ بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ بِذَاتِهِ لَا بِقُدْرَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ، وَلَا إِرَادَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ، وهَكَذَا فِرَارًا مِنْهُمْ مِنْ تَعَدُّدِ الْقَدِيمِ.

وَمَذْهَبُهُمُ الْبَاطِلُ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ وَتَنَاقُضُهُ عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ؛ لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ إِذَا عُدِمَ فَالِاشْتِقَاقُ مِنْهُ مُسْتَحِيلٌ، فَإِذَا عُدِمَ السَّوَادُ عَنْ جِرْمٍ مَثَلًا اسْتَحَالَ أَنْ تَقُولَ: هُوَ أَسْوَدُ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ سَوَادٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقُمِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ بِذَاتٍ، اسْتَحَالَ أَنْ تَقُولَ: هِيَ عَالِمَةٌ قَادِرَةٌ؛ لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُمْ بِهَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ:

وَعِنْدَ فَقْدِ الْوَصْفِ لَا يُشْتَقُّ

 

وَأَعْوَزَ الْمُعْتَزِلِيَّ الْحَقُّ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

قد تقدم كلام المؤلف على الصفات الثابتة لله –جلَّ وعلا- في كتابه وعلى لسان نبيه –عليه الصلاة والسلام- ومواقف الفِرق من هذه الصفات ومن هذه النصوص، فأهل الحق الذين هم أهل السُّنَّة والجماعة سادات الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان يثبتون جميع ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله –عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته، على ضوء قوله –جلَّ وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

وينفون الكيفية والمشابهة للمخلوق، وأن صفات الخالق تليق به –جلَّ وعلا-، كما أن المخلوق له صفات قد تكون بنفس اللفظ، لكن هي تليق به كما أن صفات الخالق تليق به- جلَّ وعلا-.

لذلك تعرض لذِكر من يُثبت بعض الصفات كالأشاعرة، وطريقتهم في الإثبات، وتقسيم الصفات عندهم.

وأما المعتزلة فهم ينفون جميع الصفات عن الله –جلَّ وعلا- يُثبتون الأسماء بطريقةٍ لا تثبت بها هذه الأسماء، يقولون: سميع نُثبت أنه سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، كيف؟! تناقض هذا.

والشيخ يقول: "وَمَذْهَبُهُمُ الْبَاطِلُ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ وَتَنَاقُضُهُ عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ" غنيٌّ بلا مال ممكن؟

إلا إذا أردنا تأويل الغنى بغنى النفس، أو كذا، وحملناه على محامل أخرى يُمكن حمله عليها، لكن مع اتحاد الجهة، وأن المراد بالغنى هو المال والعَرض لا نستطيع أن نقول: فلان غني، وهو ما عنده شيء، نقول: عالم وهو ما عنده علم، نأتي إلى أعمى ونقول: بصير، هذا خلل كثيرٌ من المجانين لا يُوافق على هذا فضلًا عن العقلاء، سميع بلا سمع!

المعتزلة فرقةٌ نشأت في القرن الأول وإمامهم واصل بن عطاء، فاعتزلوا الحسن البصري فسُمُّوا معتزلة.

ومن الغرائب هو المأثور والمعروف والمسلوك في كُتب الطبقات أن الفِرق والمذاهب كلها تدعي الكَمَلة من الرجال، فتجد البخاري مُترجَمًا له في كُتب الحنابلة وفي كُتب الشافعية، وفي كُتب المالكية، وليس بتابعٍ لأي مذهب من هذه المذاهب.

كتاب القاضي عبد الجبار وهو من أئمة المعتزلة (طبقات المعتزلة وفضل الاعتزال) الطبقة الأولى أبو بكر وعمر وأنا لا أستغرب، أستغرب أن يكون رأس الطبقة الثانية الحسن البصري هذا محل الاستغراب الذين انفصلوا عنه من أول الأمر وسُمُّوا معتزلة؛ لاعتزاله، يكون رأس الطبقة الثانية من المعتزلة!

الشيء الذي لا يُبنى على أساس، ويكون عند أهله ثقةٌ فيه ما يدعون دعاوى باطلة، الشخص الواثق من نفسه لا يتزيَّد، لكن إذا كان ما هو بواثق من نفسه تجده يدعي دعاوى أكثر الناس لا يقرونه عليها، فكونهم يقولون: الطبقة الأولى أبو بكر وعمر، وذكروا معهم من الصحابة ما ذكروا، كلامهم باطل لا شك فيه، لكن أنا لا أستغرب، إنما تستغرب أن يكون رأس الطبقة الثانية الحسن البصري، لماذا؟ لأنهم بسببه سُمُّوا معتزلة؛ لأنهم اعتزلوه، اعتزلوا حلقته.

هؤلاء المعتزلة لهم أصول يبنون عليها أقوالهم الباطلة، والأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار مطبوع ومتداول، وأيضًا له كتاب طُبِع منه عشرون مجلدًا، المغني للقاضي عبد الجبار مطبوع منه، ما هو بكامل في عشرين مجلدًا، كله مبني على قواعدهم وأصولهم المبنية على ضلالٍ مُبين.

يقولون عن صاحب الكبيرة: إنه خالد مُخلَّد في النار، وفي الدنيا في المنزلة بين المنزلتين.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .............

ما أسمعك.

طالب: .............

لا مؤمن ولا كافر منزلة بين المنزلتين، نسأل الله العافية.

ويخالفون الخوارج في الدنيا وأما في الآخرة فيتفقون معهم كلهم يُخلِّدونه في النار، نسأل الله العافية.

على كل حال لسنا بحاجةٍ إلى التفصيل في مذاهبهم وأقوالهم الباطلة، وهي معروفةٌ لدى الدارسين، وفيها مصنفات كثيرة، وهم يُشاركون بالنسبة للقدر قدرية، يعني نُفاة يُشاركون القدرية النُّفاة في نفي القدر، والرازي وهو من أئمة الأشاعرة يوافق القدرية الغُلاة في الإثبات الذين هم الجبرية أو جبري يقررون ذلك في تفسيرهم كثير من المواضع.

القول بالقدر نفيًا وإثباتًا على غير ما جاء عن الله وعن رسوله الغلو في الإثبات مثل قول الجبرية تجعل الإنسان مجبورًا، وحركته في طاعاته كحركة ورق الشجر، إذًا كيف يُعذَّب إذا صار مجبورًا؟

والنفاة الذين ينفون القدر يقول الشافعي: ناظروهم بالعلم، فإن أثبتوه خُصِموا، وإن نفوه كفروا.

القول الحق هو ما جاء عن الله وعن رسوله على مراد الله ومراد رسوله، وعلى فهم الصحابة والسلف هذا هو الذي نسأل الله –جلَّ وعلا- الثبات عليه.

بعض هؤلاء أصيبوا باضطراب في أفهامهم وفي النهاية في عقولهم؛ لأن الذي يُدافع عن الشيء الذي لا يُعقَل مع أنهم فيهم أذكياء، فيهم عباقرة، وما أوتي كثيرٌ منهم إلا من زيادة الفهم بحيث أوغل في تحكيم عقله وتقديمه على النص، فصار الحال إلى ما صار. 

"وَمَذْهَبُهُمُ الْبَاطِلُ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ وَتَنَاقُضُهُ عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ؛ لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ إِذَا عُدِمَ فَالِاشْتِقَاقُ مِنْهُ مُسْتَحِيلٌ".

 كيف تشتق من شيءٍ غير موجود أصلًا؟ كيف تشتق من شيءٍ لا يُوجد أصلًا؟ تبتكر لزيد وصفًا، وهو ما دار في باله، ولا عُرِف به، ويمكن هذا الوصف لا يُوجد له ما يشتق منه وتصفه به.

الآن إذا وصفت شخصًا بخلاف ما عُرِف عنه ماذا يقول الناس؟ إذا لم يُوجد أصلًا فهو كذب، أنا أعرف واحد من المشايخ إذا جاءه طلاب العلم دفعهم بيده، ورد الباب –رحمه الله-، فتعامله عليه ملاحظة، هذا الشخص لما تُوفي وتُرجِم له، هذا الشخص الذي استوعب الشباب، وفتح قلبه وبيته لهم، ويُوجههم فيقبلون، الشباب ما يقبلون مثل هذا، جِبلة الإنسان إذا طردته ما هو بقابلٍ منك، والطريقة المُثلى في تربية الشباب وتوجيه الشباب أن تستوعبه وتحتضنه، وترحب به، وتمدحه بما توافقه عليه، أنت تقول كذا، وتعتقد كذا جزاك الله خيرًا، وهذه أوصاف طيبة، لكن -أُدخل عليه من لكن- يُلاحظ كذا وكذا عند بعض الشباب لا تواجهه بعد بما يسوؤه لا يلبث أن يقبل قولك ويتمكن من قلبه.

فهذه الأوصاف التي اشتقوا منها أسماء وهم لا يثبتونها تناقضًا.

يقول: "فَالِاشْتِقَاقُ مِنْهُ مُسْتَحِيلٌ، فَإِذَا عُدِمَ السَّوَادُ عَنْ جِرْمٍ اسْتَحَالَ أَنْ تَقُولَ: هُوَ أَسْوَدُ"، عُدِم السواد، وجدت رجل أبيض عُدِم الوصف السواد، تستطيع أن تقول: هذا أسود؟ جنون هذا والعكس، يعني قد يكون من باب الاصطلاح الذين يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، يقول: أنا ما عليّ من الناس، أسمي الأسود أبيض، والأبيض أسود، وأشتق منه، يُقبل هذا الكلام؟ لا يُقبل؛ لأن الاصطلاح إذا تعارض مع ما استقر في النصوص أو ما اتفق عليه أهل العلم في اصطلاحاتهم يُضرَب به عرض الحائط، أما قولهم: لا مشاحة في الاصطلاح ليست على إطلاقها.

 أقول: أنا أصطلح لنفسي شيئًا، وأبينه في المقدمة، ولا عليّ من الناس، ما هو بصحيح، تقول: السماء تحت، والأرض فوق، يُوافق على ذلك؟ لا يمكن، تقول: اليمين شمال، والشمال يمين؟ لا يمكن.

في الأمور التي تتغير مع تغير الجهة، الآن الاصطلاح عند الجغرافيين أن الشمال في جهةٍ معلومة، والشرق في جهةٍ معلومة، هذا معروف، ما تغيرت الجهات، الجهات لا تتغير، هل تستطيع أن تقول: مكة شرق عنَّا أو الهند غربًا؟ ما يمكن، تقول: أنا أغير اصطلاحي، لكن الرسم في الخريطة الشمال فوق عند الجغرافيين، أليس كذلك؟ وبقية الجهات في أماكنها، ابن حوقل وهو إمام من الأئمة في الجغرافيا عكس الخريطة، جعل الجنوب فوق، يُشاحح أم ما يُشاحح؟ ما غيَّر من الواقع شيئًا، هي ورقة اقلبها أو ردها، لكن لو قال: أنا أصطلح أن الشمال عند الناس والجنوب عندي، نقول له: لا، هؤلاء يشتقون من لا شيء، من لا شيء يشتقون أسماء.

"اسْتَحَالَ أَنْ تَقُولَ: هُوَ أَسْوَدُ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ سَوَادٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقُمِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ بِذَاتٍ، اسْتَحَالَ أَنْ تَقُولَ: هِيَ عَالِمَةٌ قَادِرَةٌ اسْتِحَالَة اتِّصَافِهَا بِذَلِكَ" لاستحالة.

طالب: ...........

والصواب؟

طالب: ...........

لاستحالة.

"لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهَا بِذَلِكَ".

 لأنه قال: لا، في آخر الصفحة، استحالة في أول الصفحة.

"لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُمْ بِهَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ:

وَعِنْدَ فَقْدِ الْوَصْفِ لَا يُشْتَقُّ

 

وَأَعْوَزَ الْمُعْتَزِلِيَّ الْحَقُّ

أعوزهم الحق يعني: فقدوا الحق في هذه المسألة التي يشتقون من معدوم اسمًا موجودًا قائمًا بذات.

طالب: ...........

هم المبتدعة النفاة ما وصلوا إلى النفي إلا بعد التشبيه، شبَّهوا الخالق بالمخلوق، ثم قالوا: هذا لا يليق فنفوه، والعكس المُشبِّهة أغرقوا في التشبيه؛ خشية أن يقعوا في التعطيل، ووفق الله أهل السُّنَّة والجماعة فلم يقعوا في هذا ولا في هذا، ولله الحمد.

طالب: ...........

أين أنت؟

طالب: ...........

بكثرة كأن العقلانيين...

طالب: ...........

لا، موجود بكثرة، ويُدافع عنه بقوة، وأنه المذهب الموافق للعقل وأحزاب موجودة الآن.

يعني هل نُسمي من اعتنق، أو اعتقد بعض ما في مذهب المعتزلة من الأقوال الباطلة نُسميه معتزليًّا أو فيه اعتزال؟ إذا لم يكن متزعم المذهب بكامله يكون فيه اعتزال، إلا إذا كان شيء يسير، ترك شيئًا يسيرًا غير مؤثر؛ ولذلك حينما تُوصف طائفة بأنها خوارج، وهي لا تعتقد مذهب الخوارج تقول أو تعمل عملًا موافقًا لمذهب الخوارج، هل يُقال: هم خوارج أو فيهم خروج؟ فيهم خروج. 

طالب: ...........

ما يخالف، لكن إذا كانوا لا يُكفِّرون الناس، ووافقوهم في بعض أقوالهم.

مُنذر بن سعيد البلوطي من أئمة العلماء والفقهاء في الأندلس، ومحسوبٌ على أهل السُّنَّة، أين كان أهل السُّنَّة الذين هم الأشاعرة؟ يقول: بفناء الجنة والنار، يُوافق المعتزلة في هذا، هل نقول: إنه معتزلي؟ لا.

الماوردي الذي يجعل العقل حاكمًا ويقول: المشرِّع نصٌّ مسموع أو عقلٌ مطبوع يوافق المعتزلة في هذا، فلا يُقال: هو معتزلي، إنما فيه اعتزال، فيه شوب، وهكذا.

طالب: ...........

كل المعتزلة.

طالب: ...........

لا، الزيدية معتزلة حتى في القدر، هم يتفقون، تتفق المذاهب على شيء يُوجد في أكثر من مذهب، ثم يفترقون، كلٌّ يخصه ما يعتقده دون غيره، فالإباضية لهم اعتقادات تُخالف المعتزلة واعتقادات توافق، الزيدية كذلك، الروافض في باب القدر وفي باب الأسماء والصفات كلها متفقون.

طالب: ...........

الحالية ليست الحاكمة، لكن بعض... يعني نصر العقل الانتصار للعقل وجعله حاكمًا على النص، وأن ما لا يُوافق العقل من النص فهو لا أصل له عنده، هذا...

نعم، يا شيخ.     

"وَأَمَّا الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ عِنْدَهُمْ: فَهِيَ الْأَوْصَافُ الْمُشْتَقَّةُ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى: قَادِرًا، مُرِيدًا، عَالِمًا حَيًّا، سَمِيعًا بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا. 

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَيْفِيَّةِ الِاتِّصَافِ بِالْمَعَانِي، وَعَدُّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَهَا صِفَاتٍ زَائِدَةً عَلَى صِفَاتِ الْمَعَانِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ الْحَالَ الْمَعْنَوِيَّةَ، زَاعِمِينَ أَنَّهَا أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا مَعْدُومٍ".

كم عجبنا لما كنا ندرُس في كُتب شيخ الإسلام في المراحل الأولى من التعليم حينما يقول: إن هؤلاء يقولون: إن الله ليس بموجود ولا معدوم، ولا داخل العالم ولا خارجه، ماذا يصير؟ لا معدوم ولا موجود، لا داخل العالم ولا خارجه؟! كنا نتعجب أن يقول عاقل مثل هذا الكلام، ووجدناه في مؤلفاتٍ سطَّروه بأقلام.

وجاءنا نفرٌ من العامة الذين هاجروا من أجل طلب العيش إلى العراق وغيره، وذكروا لنا عن الشيعة أشياء، قلنا: يمكن هذه مبالغة، ثم رأيناها بحروفها في كُتبهم، شيء لا يقبلها عقل، لا يقبلها صبي، فضلًا عن عاقلٍ مُكلَّف، ثم بعد ذلك انتشرت أقوالهم، وصارت قنواتهم وبالًا عليهم- ولله الحمد والمنة- بحيث عرف الناس مذهبهم بأقوالهم وبأصواتهم، ودخلت بيوت الناس، وما يحتاجون إلى دعايةٍ ضدهم.

مُعمم من المعممين سمعته بأذني يقول –قاتله الله-: وعندي عهدٌ من أبي عبد الله –الحسين- أنه لا يسمع كلامي أحدٌ إلا بكى -ونضحك عليه-، لا يسمع كلامي أحدٌ إلا بكى، ولو نزل الجبار لبكَّيتُه –قاتلك الله-، والله إنه يقول هذا الكلام.

هل هذا كلام يقبله عقل... تنفر منه لا نقول: الحيوانات والجمادات، من له أدنى مسكة عقل أو دين، يعني حتى الكفار لا يقبلون مثل هذا الكلام.    

"وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْحَالَ الْمَعْنَوِيَّةَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ تَخْيِيلَاتٍ يَتَخَيَّلُونَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ الصَّحِيحَ حَاكِمٌ حُكْمًا لَا يَتَطَرَّقُهُ شَكٌّ بِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ألْبَتَّةَ، فَالْعُقَلَاءُ كَافَّةٌ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَا يَرْتَفِعَانِ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ألْبَتَّةَ، فَكُلُّ مَا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ قَطْعًا، وَكُلُّ مَا هُوَ غَيْرُ مَعْدُومٍ، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَطْعًا، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا تَرَى.         

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي اتِّصَافِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ بِالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ مُنَافَاةَ صِفَةِ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مِثْلَهُ فِي الِاتِّصَافِ بِالْمَعْنَوِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا صِفَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَى صِفَاتِ الْمَعَانِي، مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَيْفِيَّةِ الِاتِّصَافِ بِهَا.

وَأَمَّا الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ عِنْدَهُمْ فَهِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ عِنْدُهُمُ: الْقِدَمُ، وَالْبَقَاءُ، وَالْوَحْدَانِيَّةُ، وَالْمُخَالَفَةُ لِلْخَلْقِ، وَالْغِنَى الْمُطْلَقُ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِالْقِيَامِ بِالنَّفْسِ.

وَضَابِطُ الصِّفَةِ السَّلْبِيَّةِ عِنْدَهُمْ: هِيَ الَّتِي لَا تَدُلُّ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ عَلَى مَعْنًى وُجُودِيٍّ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ عَنِ اللَّهِ".

"وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ عَنِ اللَّهِ" فمثلًا القِدم تدل على سلب الحدوث، والبقاء يدل على سلب الفناء، والوحدانية -إلى آخره- تدل على سلب المشاركة والندية، والمخالفة للخلق تدل على سلب المشابهة، والغنى المطلق يدل على سلب الفقر والحاجة.

يعني هذه هي المقصودة أصالةً بالكلام أو أن المطلوب أصالةً بالكلام دلالة المطابقة للفظ؟ لا تُوجد صفة منفية عن الله –جلَّ وعلا- إلا إذا كان في إثباتها نقص، لكن هذه هم يجعلون هذا هو الأصل.

طالب: ...........

عندنا إثبات، وعندهم نفي، وعندنا أصل الإثبات تفصيلًا والنفي إجمالًا، هذا معروف عند أهل السُّنَّة والجماعة، لكن هم العكس، النفي هو التفصيل، والإثبات إجمالًا. 

"أَمَّا الصِّفَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وُجُودِيٍّ: فَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمْ بِصِفَةِ الْمَعْنَى، فَالْقِدَمُ مَثَلًا عِنْدَهُمْ لَا مَعْنَى لَهُ بِالْمُطَابَقَةِ، إِلَّا سَلْبَ الْعَدَمِ السَّابِقِ، فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ مَثَلًا تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ الْعَجْزِ، وَالْعِلْمُ يَدُلُّ عَلَى سَلْبِ الْجَهْلِ، وَالْحَيَاةُ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ الْمَوْتِ، فَلِمَ لَا يُسَمُّونَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ سَلْبِيَّةً أَيْضًا؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقُدْرَةَ مَثَلًا تَدُلُّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى مَعْنًى وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِالذَّاتِ، وَهُوَ الصِّفَةُ الَّتِي يَتَأَتَّى بِهَا إِيجَادُ الْمُمْكِنَاتِ وَإِعْدَامُهَا عَلَى وِفْقِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا سَلَبَتِ الْعَجْزَ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِأَنَّ قِيَامَ الْمَعْنَى الْوُجُودِيِّ بِالذَّاتِ يَلْزَمُهُ نَفْيُ ضِدِّهِ عَنْهَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ عَقْلًا، وَهَكَذَا فِي بَاقِي الْمَعَانِي.

أَمَّا الْقِدَمُ عِنْدَهُمْ مَثَلًا: فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْوُجُودُ، إِلَّا سَلْبُ الْعَدَمِ السَّابِقِ، وَهَكَذَا فِي بَاقِي السَّلْبِيَّاتِ".

مثل هذه التقريرات والمعتقدات عندهم هل التكليف بها من الله –جلَّ وعلا-، والأمر بتنزيل ما نزل عنه أو منه على هذا الفهم مناسبٌ لِما جاءت به الشريعة من التيسير والتسهيل؟ لأن التكليف بفهم هذا الكلام بمجرد فهمه فضلًا عن اعتقاده وتقريره والتنظير له، التكليف بمثل هذا الكلام والفهم من أين جاءنا؟ جاءنا من كُتب المتقدمين الذين هم الفلاسفة قواعدهم وتنظيراتهم، هم أخذوها وقرروها قواعد لفهم كلام الله وكلام رسوله –عليه الصلاة والسلام- كم يفهم هذا الكلام؟

نسبة من يفهم هذا الكلام من أهل العلم فضلًا عن المسلمين العامة وغيرهم لو قُدِّر أن هذا هو المطلوب كان من نوع التكليف بما لا يُطاق، هل العقول تحتمل مثل هذا الكلام، ولماذا اكتسب هذه الوعورة وهذه الصعوبة؟

لأنه لا قاعدة له صحيحة يرجع إليها؛ ولذلك الذين تمسكوا بالوحيين، واعتمدوا الوحيين في عملهم، في علمهم، في فتواهم، في تقريرهم للمسائل الأمور سمحة وسهلة، وكلامٌ يفهمه العامي قبل طالب العلم، لكن إذا نكَّبنا جانبًا وأخذنا بقواعدهم؛ ولذلك من أين جاءت الوعورة لبعض العلوم؟

حينما دخلها هذا العلم علم الكلام -الذي يسمونه- اكتسبت الصعوبة من هذه الحيثية، وإلا لو اقتصر المسلمون وعلماؤهم على ما جاء عن الله وعن رسوله على مراد الله ومراد رسوله كان الأمر سهلًا؛ لأن كلام الله واضح بلسانٍ عربيٍّ مُبين يفهمه كل أحد.

صعبت بعض الأمور التي هي وسائل لفهم كلام الله عند بعض العلماء الذين شاركوا في الدخول في هذه العلوم، وأقحموها في علومٍ أخرى، فجاءت الوعورة من هذه الحيثية، وإذا أرادوا أن يُطوِّعوا العلوم الشرعية لهذه القواعد دخلت عليها الصعوبة، وإلا فالأصل أن الكلام سمحٌ سهل، كلام الله وكلام رسوله يفهمه الناس كلهم.

قد يُوجد بعض الألفاظ، وقد وُجِدت بعض الألفاظ التي تخفى على بعض الناس من كلام الله وكلام رسوله، حتى الصحابة ابن عباس متى فهم كلمة فاطر؟ من محاورة أعرابي مع آخر، هذا لا يضير الأصل، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] وفاطر من كلام العرب، وإن لم تعرفه قريش.

ووجود مثل هذه الكلمات التي تحتاج إلى سؤال، وتحتاج إلى معاناة ما هو لصعوبة معناها وفهمها؛ إنما ليُرتَّب الأجر والثواب على هذا التعب الذي تطلبه معنى الآية أو الحديث.

طالب: ...........

هو الكلام يُكتفى ببعضه عن بعض؛ لأن مسلكهم وقاعدتهم ومنطلقهم واحد، سواءٌ في هذه الصفة أو في غيرها، فأنت إذا نقضت كلامهم في هذه الصفة يسري على الباقي؛ لأن المنطلق واحد.      

"فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقِدَمَ، وَالْبَقَاءَ اللَّذَيْنِ يَصِفُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهِمَا اللَّهَ تَعَالَى زَاعِمِينَ أَنَّهُ وَصَفَ بِهِمَا نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} الْآيَةَ [الحديد:3]، جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَصْفُ الْحَادِثِ بِهِمَا أَيْضًا، قَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْقِدَمِ: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39]، وَقَالَ: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:95].

وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} [الشعراء:75].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْبَقَاءِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77].

وَقَالَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]".

وصف الله –جلَّ وعلا- بالقِدم هل ثبت به خبر؟ أعوذ بالله العظيم وسلطانه القديم.

طالب: ...........

نعم القديم.

يعني هل يقتضي ذلك وصف الله –جلَّ وعلا- بالقِدم؟ لأنه يُقرر وأنت تقرأ مثل هذا الكلام على أنه أمر مسلَّم، الوارد في القرآن {هُوَ الْأَوَّلُ} [الحديد:3].

طالب: ...........

ما قصدك؟ أن الشباب أحسن من الشيخوخة؟

طالب: ...........

هذا قصدك؟

طالب: ...........

المقصود أنهم يُقررون الصفة على أنها ثابتة، والثابت {هُوَ الْأَوَّلُ} [الحديد:3]، وفي السُّنَّة «الذي ليس قبله شيء» هذا هو الثابت.

وأما الوصف بالقِدم فيأتون به على سبيل التنزُّل ومخاطبة القوم باصطلاحهم؛ ولذلك شيخ الإسلام يُضيف إلى القديم الأزلي المتناهي في القِدم، ومعناه لا شيء قبله. 

"وَكَذَلِكَ وَصَفَ الْحَادِثَ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْآيَةِ، قَالَ: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ} [المرسلات:16-17].

وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، قَالَ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:163].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِذَلِكَ: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد:4].

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْغِنَى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]، {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم:8]".

قال –جلَّ وعلا- في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، وجاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:163] ثعلب وهو من أئمة اللغة على مذهب أهل السُّنَّة لما أراد أن يُعرِّف الآحاد، العلماء يقولون: أن الآحاد جمع أحد، ثعلب يقول: حاشا أن يكون الآحاد جمع أحد، إذ لا جمع للأحد، فالله واحد، والواحد لا يُجمَع، فيُقال: يا ثعلب اليوم يوم الأحد، وبعد أسبوع يأتي يوم أحد، وبعد أسبوع... كم في الشهر من أحد؟ ماذاتقول؟ أربعة آحاد، فالمسألة إذا كان اللفظ من الأمور المشتركة التي تُطلق على الخالق، كما جاء عنه –عزَّ وجلَّ-، وتُطلق على المخلوق ومثله كثير: العزيز {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51]، والله –جلَّ وعلا- هو العزيز، وغير ذلك فالألفاظ المشتركة لا مانع من إطلاقها على المخلوق كما تُطلق على الخالق، وللمخلوق منها ما يختص به، ويليق به، وللخالق منها ما يليق به ويختص به.

طالب: ...........

نعم، قبل أربعين أو أكثر انتشر في استوديو ومصور يُصوِّر الناس عندما جاءت الحاجة إلى التصوير للأحوال والجوازات وكذا وكذا، انتشر هؤلاء المصورون، فقال: المصوِّر فلان باسمه، فقام الإخوان -من باب الغيرة- قالوا: المصوِّر من أسماء الله –جلَّ وعلا-، وهذا الذي يرتكبه محرَّم، فالأمر خف الآن، ما يكون اسمه اسم الله –جلَّ وعلا-، واستعانوا ببعض المشايخ، فغُيِّر قيل: استديو فلان بدل مصوِّر.

وهو من هذا النوع مما يُطلق على الخالق، ويُطلق على المخلوق، والمصورون «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ»، فجاء في النصوص إطلاقه على المخلوق كما أنه من أسماء الخالق، فمن باب الغيرة أن التصوير شأنه عظيم في السابق، وكيف يُقال: فلان بهذا الاسم الذي هو من أسماء الله، وغُيِّرت لوحات المصوِّر ذاك، لكن هو من هذا الباب.

"وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْغِنَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} الْآيَةَ [النساء:6]، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ} الْآيَةَ [النور:32]، فَهُوَ -جَلَّ وَعَلَا- مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ حَقِيقَةً عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَالْحَادِثُ مَوْصُوفٌ بِهَا أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُنَاسِبِ لِحُدُوثِهِ وَفَنَائِهِ، وَعَجْزِهِ وَافْتِقَارِهِ، وَبَيْنَ صِفَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذات الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي.

وَأَمَّا الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ عِنْدَهُمْ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ: الْوُجُودُ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِي إِطْلَاقِهَا عَلَى اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْوُجُودَ عَيْنَ الذَّاتِ فَلَمْ يَعُدَّهُ صِفَةً، كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَالِقَ مَوْجُودٌ، وَالْمَخْلُوقَ مَوْجُودٌ، وَوُجُودُ الْخَالِقِ يُنَافِي وُجُودَ الْمَخْلُوقِ، كَمَا بَيَّنَّا".

"وَوُجُودُ الْخَالِقِ يُنَافِي وُجُودَ الْمَخْلُوقِ" ما معنى يُنافي وجود المخلوق؟ يُخالف، فلكلٍّ منهما ما يخصه، أما يُنافي وجوده....  

طالب: ...........

التعبير ليس بدقيق.

طالب: ...........

لا، هو وجود الخالق يُنافي وجود... لأنهما لا يجتمعان؛ لأنهما لا يجتمعان، وهذا ما هو بصحيح.

طالب: ...........

لا، أنا أقول: يُنافي معناه أنهما لا يجتمعان، التعبير ليس بدقيق، يُخالف، إذًا يختلفان كلٌّ منهما له ما يخصه.

"وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ صِفَتَانِ نَفْسِيَّتَانِ".

طالب: ...........

لا لا، ما قال: أعوذ بالله القديم، الله يعفو ويسامح.

"وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ صِفَتَانِ نَفْسِيَّتَانِ زَاعِمًا أَنَّهُمَا طَرَفَا الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ فِي زَعْمِهِمْ.

وَأَمَّا الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ، فَإِنَّ وَصْفَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ بِهَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ الْخَالِقِ مُنَافٍ لِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ كَمُنَافَاةِ ذَاتِهِ لِذَاتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ وَصْفُهُ -جَلَّ وَعَلَا- نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَرْزُقُ خَلْقَهُ، قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} الْآيَةَ [الذاريات:58]، {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]، وَقَالَ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} الْآيَةَ [هود:6].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِذَلِكَ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} الْآيَةَ [النساء:8]، وَقَالَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} الْآيَةَ [البقرة:233].

وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ، فَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} الْآيَةَ [يس:71].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]".

كانوا عندنا بخط المصحف.

طالب: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32].

{نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:19].

طالب: ...........

قد يُوجد في القرآن آيتان بلفظٍ واحد، لكن السياق في هذه يختلف عن السياق في هذه، والمطلوب هنا موافق للسياق الأول لا السياق الثاني، مثل ما قلنا في: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ} [النور:61] الفرق بين الجهاد والطعام تسوق هذه مكان هذه، وهذه مكان هذه؟ ما يجيء.

طالب: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32].

لا لا {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، والملاحظة التي لاحظها الإخوان عند طبع الكتاب –جزهم الله خيرًا-؛ لأنه وُجِد أخطاء في الآيات، فقالوا: نتلافى هذا بطبع الآيات بحرف المصحف، برسم المصحف، ما أحد يقول: إن هذه الآية فيها تصحيف ولا تحريف، يبقى مسألة السياق.

طالب: ...........

هو الشيخ؟

طالب: ...........

بلا شك.

طالب: ...........

لا، الموجود معنىً لا يختلف فيه أحد في معنى الوجود، لكن هل يكفي ذلك في إثبات اسمٍ من أسماء الله كونه لا يُختَلف فيه؟ يكون من باب الإخبار لا من باب الوصف ولا التسمية، وهم يُريدونه اسمًا يُناقشونه على أنه اسم.

"وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِتَعْلِيمِ خَلْقِهِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الْآيَةَ [الجمعة:2].

وَجَمَعَ الْمِثَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4]".

الأول منسوب إلى المخلوق، والثاني إلى الخالق.

"وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يُنَبِّئُ، وَوَصَفَ الْمَخْلُوقَ بِذَلِكَ، وَجَمَعَ الْمِثَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3].

وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْإِيتَاءِ، فَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:258]، وَقَالَ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:269]، وَقَالَ: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3]، وَقَالَ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِذَلِكَ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء:20]، {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء:2]، {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا وُصِفَ بِهِ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةً عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَمَا وُصِفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْهَا فَهُوَ ثَابِتٌ لَهُ أَيْضًا، عَلَى الْوَجْهِ الْمُنَاسِبِ لِحَالِهِ، وَبَيْنَ وَصْفِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.

وَأَمَّا الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ، كَالْعِظَمِ وَالْكِبَرِ وَالْعُلُوِّ، وَالْمُلْكِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْجَبَرُوتِ، وَنَحْوِ ذَلِك، فَإِنَّهَا أَيْضًا يَكْثُرُ جَدًّا وَصْفُ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ بِهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا وُصِفَ بِهِ الْخَالِقُ مِنْهَا مُنَافٍ لِمَا وُصِفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ".

يعني على ما تقدم تفصيله.

"كَمُنَافَاةِ ذَاتِ الْخَالِقِ لِذَاتِ الْمَخْلُوقِ".

يعني القاعدة التي تجمع الجميع: الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات. 

"قَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِالْعُلُوِّ وَالْعِظَمِ وَالْكِبَرِ: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34]، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْعِظَمِ: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:63]، {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء:40]، {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23]، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْكِبَرِ: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود:11]، وَقَالَ: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]، وَقَالَ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]، وَقَالَ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة:143]، وَقَالَ: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْعُلُوِّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:57]، {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم:50] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْمُلْكِ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} الْآيَةَ [الجمعة:1]، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} الْآيَةَ [الحشر:23]، وَقَالَ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِ: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} الْآيَةَ [يوسف:43]، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف:50]، {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:79]، {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ} [البقرة:247]، {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران:26] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْعِزَّةِ: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:209]، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة:1] {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص:9].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْعِزَّةِ: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} الْآيَةَ [يوسف:51]، {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:23].

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَنَّهُ جَبَّارٌ مُتَكَبِّرٌ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِمَا: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:60]، {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:130]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهَا: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} الْآيَةَ [فصلت:15]، {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} الْآيَةَ [هود:52]، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} الْآيَةَ [الروم:54] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمْثَالُ هَذَا مِنَ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةً عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ، وَجَلَالِهِ، وَإِنَّ مَا وُصِفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْهَا مُخَالِفٌ لِمَا وُصِفَ بِهِ الْخَالِقُ، كَمُخَالَفَةِ ذَاتِ الْخَالِقِ -جَلَّ وَعَلَا- لِذَوَاتِ الْحَوَادِثِ".

"وَإِنَّ مَا وُصِفَ" وأن ما وُصِف.

"وَأنَّ مَا وُصِفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْهَا مُخَالِفٌ لِمَا وُصِفَ بِهِ الْخَالِقُ، كَمُخَالَفَةِ ذَاتِ الْخَالِقِ -جَلَّ وَعَلَا- لِذَوَاتِ الْحَوَادِثِ وَلَا إِشْكَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُتَكَلِّمُونَ، هَلْ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي أَوْ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ؟ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَنَارَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ أَنَّهَا صِفَاتُ مَعَانٍ أَثْبَتَهَا اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِنَفْسِهِ، كَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ.

قَالَ فِي وَصْفِهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِهِمَا: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:7].

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمَا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْحِلْمِ: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج:59].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهِ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114].

وَقَالَ فِي وَصْفِ نَفْسِهِ بِالْمَغْفِرَةِ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة:9] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِهَا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43]، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} الْآيَةَ [الجاثية:14]، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَوَصَفَ نَفْسَهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِالرِّضَى وَوَصَفَ الْحَادِثَ بِهِ أَيْضًا، فَقَالَ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119].

وَوَصَفَ نَفْسَهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِالْمَحَبَّةِ، وَوَصَفَ الْحَادِثَ بِهَا، فَقَالَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة:54]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].

وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَغْضَبُ إِنِ انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُهُ فَقَالَ: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ [المائدة:60]".

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} [المائدة:60].

طالب: قُل أؤنبئكم.

{قُلْ هَلْ} [المائدة:60].

طالب: الصحيح أُنبئكم.

أُنبئكم نحن عندنا برسم المصحف.

طالب: ..........

ولا يمنع أن يُوجد باللفظين آية في القرآن بهذا وبهذا، لكن الذي يُحدد المراد هو السياق.

طالب: أؤنبئكم.

إذا ذكر المائدة تعين أن تكون مَن الذي ذكر المائدة؟

طالب: {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً} [المائدة:60] هي المائدة.

ما عندنا ذكر المائدة، ذكر الآية {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} الْآيَةَ [المائدة:60].

طالب: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة:60].

هذا الذي عندنا.

طالب: .............

عندنا {وَغَضِبَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ [المائدة:60].

طالب: {قُلْ هَلْ} [المائدة:60].

هذا الصواب.

"{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ [المائدة:60] {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} الْآيَةَ [النساء:93].

وَقَالَ فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالْغَضَبِ {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف:150] وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.

وَالْمَقْصُودُ عِنْدَنَا ذِكْرُ أَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ إِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ مَا اتَّصَفَ بِهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ بَالِغٌ مِنْ غَايَاتِ الْكَمَالِ وَالْعُلُوِّ وَالشَّرَفِ مَا يَقْطَعُ عَلَائِقَ جَمِيعِ أَوْهَامِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ صِفَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَبَيْنَ صِفَاتِ خَلْقِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا".

اللهم صلِّ على نبيك محمد.

هذه أمثلة موافقة لما تقدم مما يُقرره الشيخ مما جاء في وصف الخالق –جلَّ وعلا- ووصف المخلوق، وأن للخالق من هذا الوصف ما يليق به، وأن للمخلوق ما يليق به، والله المستعان.

"