التعليق على تفسير القرطبي - سورة الجاثية (01)

نعم.

سُورَةُ الْجَاثِيَةِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَجَابِرٍ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَةً، هِيَ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ وَالنَّحَّاسُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمَر-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، شَتَمَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. فَأَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]، ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].

فَالسُّورَةُ كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ عَلَى هَذَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَهِيَ سَبْعٌ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {حم} مُبْتَدَأٌ وَ{تَنْزِيلُ} خَبَرُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" حم" اسْمُ السُّورَةِ. وَ" تَنْزِيلُ الْكِتابِ" مُبْتَدَأٌ. وَخَبَرُهُ" مِنَ اللَّهِ". والكتاب القرآن. و"الْعَزِيزِ" الْمَنِيعُ. " الْحَكِيمِ" فِي فِعْلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جميع هذا."

طالب: .....

 نعم.

 طالب: أحسن الله إليك.......بعض .... يشككون في القرآن .... وهذه الآية والله أعلم مثل القسم بعض الصحابة...

في ماذا؟

طالب: .....

هذا يذكر في الاختلاف في عدد الآيات، هذا كررناه مرارًا أن مرده في جعل بعض الآيات آيتين كما في الفاتحة، من حيث إن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، هذا ما أجمع عليه الصحابة، وكتبوه بين الدفتين، هذا محل إجماع واتفاق، لكن كون المؤلف يقول: سبع وثلاثين أو ست وثلاثين على اختلاف في عد البسملة وعدم عدها من جهة، وبعض الآيات قد تكون آية أو آيتين عند بعض القراء، ليس محل النظر، كما قيل في الحديث الصحيح، ثم قرأ العشر آيات من سورة آل عمران: {إن في خلق السموات...} إلى آخر السورة، وإذا نظرت في المصحف وجدتها إحدى عشرة آية، هل نقول: إنه زيد فيها آية؟ مستحيل، القرآن مصون من الزيادة والنقصان، لكن السبب في هذا جعل الآيتين آية، والعكس.

طالب: .....

 عند بعض القراء.

طالب: .... اختصار..

أو اختصار على العقد؛ لأنه قد يترك الكسر ما فوق العشر والعشرين والثلاثين، وهكذا.

طالب: .....

 نعم.

طالب: أو الحروف المقطعة يا شيخ؟

يعني ما تعد؟

طالب: .....

 يعني هل هي بعدها تابع لها فتعد ءاية واحدة أو آيتين، يعني مثل ما مضى في كهيعص آية واحدة، وحم عسق آيتان، فهذا محل نظر واختلاف بين القراء.

طالب: .....

 في العدد نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ فِي خَلْقِهِمَا {لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ} يَعْنِي الْمَطَرَ {فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ مُسْتَوْفًى فِي "الْبَقَرَةِ" وَغَيْرِهَا."

في الأول قال: لآيات للمؤمنين، والثاني: لقوم يؤمنون، والثالث: لقوم يعقلون، خلق السماوات والأرض أمر ظاهر، يشاهده كل أحد، فالمؤمنون يشتركون في الاعتبار بهذا الآيات الكبار، ما بعدها أدق، من خلق السموات والأرض، في خلقكم، في أنفسكم، الإنسان يتأمل في نفسه، لكنه قد يغفل عن نفسه، بينما السماوات والأرض ما يمكن أن يغفل عن مشاهدته، نعم قد يغفل عن الاعتبار، عن الاتعاظ، عن الادكار، لكن ما يمكن أن يخفى عليه جزء من السماء، جميع السماوات والأرض تخفى عليه؟ ما يمكن، بل لابد أن ينظر إلى شيء منها بحيث لا تخفي على أحد؛ لعظم حجمها وكبره، فقال: للمؤمنين، يعني لعموم المؤمنين، بينما في خلقكم هذه أمور دقيقة، وما يبث من دابة، النظر في مخلوقات الله الصغيرة والكبيرة، يعني ما دون السماوات والأرض فيها آيات لقوم يوقنون، وهم أخص من المؤمنين، ثم بعد ذلك أمور تمر، الأولى محسوسة، والثانية غير محسوسة، يعني تمر مرورًا من غير أن يشعر بها الإنسان، اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها، فيها شيء محسوس، لكنه في غاية الدقة، وتصريف الرياح ءايات لقوم يعقلون، من ينتبه لهذه الأمور إلا أصحاب العقول؟

 ولذا جاء التفاوت بين المؤمنين الذين هم العموم، والموقنين والذين هم أخص، وأصحاب العقول وهم أيضًا أخص، العقول التي تنفع أصحابها، وليس كل عقل ينغي أن يسمى عقلًا، إذا كان لا ينتفع به صاحبه فلا يسمى عقلاً في الحقيقة.

" وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: {وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ}، {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ} بِالرَّفْعِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ " إِنَّ" وَخَبَرِهَا " فِي السَّماواتِ". وَوَجْهُ الْكَسْرِ فِي " آيَاتٍ" الثَّانِي الْعَطْفُ على ما عملت فيه. التقدير: وإن فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ. فَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ: إِنَّ وَجْهَ النَّصْبِ فِيهِ تَكْرِيرُ " آيَاتٌ" لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ زَيْدًا، زَيْدًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ " إِنَّ" عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ" فِي"، التَّقْدِيرُ: وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ آيَاتٌ. فَحُذِفَتْ" فِي" لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا.

وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ في الحذف:

أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً ... وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ

نَارَا فَحَذَفَ" كُلَّ" الْمُضَافَ إِلَى نَارٍ الْمَجْرُورَةِ".

عندنا آيات الأولى منصوبة، اسم إن مؤخر، وهي تنصب بإيش؟

طالب: .....

بالكسرة، جمع مؤنث، وآيات الثانية يجوز فيها الوجهان الرفع والنصب، والثالثة كذلك، أما بالنسبة للنصب فمن باب عطف الجمل، معطوف على اسم إن السابق، والرفع يجوز؛ لأنك إذا عطفت على اسم إن إذا استكملت إن خبرها  جاز الرفع، إن زيداً قائمٌ، وعمرًا جالسٌ، يجوز وعمرو جالس، لماذا؟ لأن إن استكملت.

 وجائز رفعك معطوفًا على         منصوب إن بعد أن تستكمل

يعني إذا استكملت الخبر في الآية الأولى استكملت الخبر، جملة كاملة، وحينئذ لا تعطف عليها، تستأنف؛ لأن الجملة استكملت أركانها، لكن لو لم يوجد الخبر في الجملة الأولى لتعيَّن نصب المبتدأ في الجملة الثانية عطفًا على معمول إن في الجملة الأولى.

" فَحَذَفَ" كُلَّ" الْمُضَافَ إِلَى نَارٍ الْمَجْرُورَةِ؛ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا.

 وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ. وَلَمْ يُجِزْهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ وجماعة من الكوفيين، فعطف " واختلاف" عَلَى قَوْلِهِ: {وَفِي خَلْقِكُم}، ثُمَّ قَالَ: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ}، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ قَبِيحٌ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ تَنُوبُ مَنَابَ الْعَامِلِ، فَلَمْ تَقْوَ أَنْ تَنُوبَ مَنَابَ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ إِذْ لَوْ نَابَ مَنَابَ رَافِعٍ وَنَاصِبٍ لَكَانَ رَافِعًا نَاصِبًا فِي حَالٍ، وأما قراءة الرفع.."

أهل العلم يقررون أن العطف على نية تكرار العامل، العطف على نية تكرار العامل، "واختلافِ" العامل في الجملة الأولى "في"، والجملة الثانية "في"، فليكن العامل في الجملة الثالثة "في" أيضًا؛ لأنهم قرروا أن العطف على نية تكرار العامل مقتضاه أن نقول: اختلاف الليل أي في اختلاف الليل والنهار، وفيما أنزل الله من السماء من رزق، وفي تصريف الرياح آيات.

" وَأَمَّا قِرَاءَةُ الرَّفْعِ فَحَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ " إِنَّ" مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ. وَقَدْ أَلْزَمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْعَطْفَ عَلَى عاملين؛ لأنه عطف " وَاخْتِلَافِ" عَلَى " وَفِي خَلْقِكُمْ"، وَعَطَفَ " آياتٌ" عَلَى مَوْضِعِ "آياتٌ" الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى تَكْرِيرِ " فِي". ويجوز أن يرفع عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ فَيُرْفَعُ بِالِابْتِدَاء، وما".

يجوز؛ لأن الجملة الأولى استكملت أركانها.

" وَمَا قَبْلُهُ خَبَرُهُ، وَيَكُونُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ. وحكى الفراء رفع" اختلاف" وَ " آياتٌ" جَمِيعًا، وَجَعَلَ الِاخْتِلَافَ هُوَ الْآيَاتُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ} أَيْ هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ، أَيْ حُجَجُهُ وَبَرَاهِينُهُ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ. {نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}".

أي الإشارة لآيات الله الموجودة والقريبة مما يشار به إلى البعيد إنما هو بعد مكانه ومنزلة ورفعة؛ لأنه قال: تلك آيات الله أي هذه آيات الله، الأصل أن يشار إليها بالقريب؛ لأنها قريبة من كل أحد، لاسيما الآيات التي تقدمت في متناول كل أحد، والإشارة إليها بما يشار إلى البعيد: تلك، قالوا: بعد مكانة، وإن لم يكن بعد مكان؛ لأن من الآيات ما هو أقرب إلى الإنسان من كل شيء.

طالب: .....

نعم.

طالب: ك"ذلك الكتاب لاريب فيه".

مثل ذلك الكتاب.

"{نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا باطل ولا كذب فيه. وقرى: " يتلوها" بالياء." فبأي حديث بعد اللَّهِ، وَقِيلَ بَعْدَ قُرْآنِهِ. {وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ} وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيِّ: " تُؤْمِنُونَ" بالتاء على الخطاب.

اللهم صلي على محمد.