تعليق على تفسير سورة البقرة (97)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259].

تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة:258] وَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ؛ وَلِهَذَا عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:259] اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَارِّ مَنْ هُوَ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عِصَامِ بْنِ رَوَّادٍ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عُزَيْرٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ نَاجِيَةَ نَفْسِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبيد بن عُمير: هُوَ أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا".

مفتوح عندك؟ الهمزة فوق أم تحت؟

طالب: فوق.

طالب: تحت عندي.

إرميا.

"هُوَ إِرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق، عمَّن لا يُتهم عن وهب بن مُنبه".

عمَّن لا يَتَّهِم يعني هو.

"عمَّن لا يَتَّهِم عن وهب بن مُنبه أنه قال: هو اسْمُ الْخِضْرِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

كثير في أساليب أهل العلم في أسانيدهم قولهم: حدَّثني من لا أتهم، وهذه مشهورة عندهم، وعُني العلماء بجمع هؤلاء الذي نُفي عنهم الاتهام من الآخذين عنهم، وذكرو نماذج؛ حتى إن ابن إسحاق إذا قال: من لا أتهم، فالمراد فلان الشافعي، وكثيرًا ما يقولها: المراد فلان، وهذا موجود في أساليب أهل العلم، وهو ينفي اتهام نفسه، لا ينفي اتهام غيره، قد يكون متهمًا عند غيره، الشافعي إذا قال: من لا أتَّهِم، فشيخه إبراهيم بن أبي يحيي، وعامة أهل العلم يتهمونه، فهو لا يتهمه هو، لكن هو متهمٌ عند أهل العلم.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْيَسَارِيَّ الْجَارِيَّ مِنْ أَهْلِ الْجَارِ ابْنَ عم مُطرِّف، قال: سمعت سلمان يقول".

"الْجَارِيَّ مِنْ أَهْلِ الْجَارِ" نسبةً إلى الجار الجارِي، أنت عندك كلهن الجاري؟

طالب: ..............

النسبة إلى الجار سواءً كان بقعة أو شخصًا اشتهر بهذا اللقب، المقصود أن الذي يُنسَب إليه جاري تُزاد إليه ياء النسب.

طالب: ..............

هذا هو الأصل، أما الجارِ من أهل الجارِ فما تجيء.

طالب: ..............

اشتهر بهذا اللقب أو بقعة، الله أعلم.

طالب: ..............

هذه عندنا بعد نُسِب إلى هذه القرية.

طالب: من أهل الجار؟

نعم احتمال قائم أنه منسوبٍ إلى رجلٍ لُقِّب بهذا اللقب، واشتهر به، الجار من الجوار المعروف، أو لهذه البلدة التي ذكرها المعلق. 

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْيَسَارِيَّ الْجَارِيَّ مِنْ أَهْلِ الْجَارِ ابْنَ عم مُطرِّف، قال: سمعت سلمان يقول: إن رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَقُولُ".

من مطرِّف هذا؟

هو ابن عبد الله بن الشخير؟

طالب: ..............

الله أعلم، ابن عمه يصير الاسم مطابقًا.

طالب: ..............

لكن مطرِّفًا هو ابن عبد الله ظاهر، لكن الاسم ما يُطابق سليمان بن محمد اليساري. 

"قال: سمعت سلمان يقول: إن رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ اسْمُهُ حزقيل بن بورا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فكلام المصنِّف أو المفسر -رحمه الله تعالى- على هذه الآية في أولها الاسم المبهم، والمبهمات في القرآن كثيرة، المبهمات كثيرة في القرآن، وصُنِّف فيها مؤلفات تُبين هذه المبهمات، وتكلَّف المؤلفون لهذه المصنفات إثبات ما أثبتوه بأسانيد كثيرٌ منها لا يثبت، وليس في الأخبار الصحيحة إلا الشيء اليسير جدًّا.

وأما ما ذُكِر في المؤلفات من السهيلي له مؤلف، والسيوطي له (مُفحمات الأقران في مُبهمات القرآن) وغير ذلك.

قد يقول قائل: لماذا ما جاءت هذه الأشياء بأسانيد صحيحة؟ لأن المسلم ليست لها حاجة ماسة إلى وجودها، فالسياق يُفهَم، والآية المراد منها واضح، ويُعمَل بها ولو لم يُعرَف هذا المبهم، لكن حينما تكون معرفته مما يهم طالب العلم تجد فيه الأسانيد الثابتة، لكن كثيرًا من هذه المبهمات لا يُحتاج إليها، لو ما عرفنا المار هذا ينقصنا شيء؟ لا.

على كل حال كون المسلم ليس بحاجةٍ إليها لم تثبت، وما المسلم بحاجةٍ إليه ثبت؛ لأنه لن يضيع من دين الله شيء.

ونهم الناس في معرفة هذا المبهم؛ حتى يثبتوه ويذكروه بأسانيد صحيحة وضعيفة وموضوعة وإسرائيليات هذا طمع النفس عند الناس كلهم وده أن يدري ما الذي وراء هذا؛ حتى إنهم تكلموا عن الكلب كلب أصحاب الكهف بحثوا له عن اسم ولون، ما الفائدة؟

لكن هذا مما فُتِن به كثيرٌ من الناس من محبة معرفة المجهول، ويظن أن هذا اكتشاف ما سُبِق إليه.

وعلى كل حال سواءً عرفناه أو لم نعرفه المقصود من الآية ظاهر وواضح، لا نحتاج معه إلى تكلُّف، ما جاءنا بأسانيد صحيحة قبِلناه، وما جاء من الإسرائيليات أمررناه وحدَّثنا به من غير أن نجزم بنفيٍ أو إثبات إلا إذا كان مما يتعارض مع ما عندنا أو يؤيده ما عندنا، فننفي أو نُثبت، يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ»، في رواية البزار «فإن فيهم الأعاجيب».

فنحن نقرأ هذه الأشياء ولا نقول: نحتاج إلى سندٍ صحيح مثل الشمس كما يُطلَب للأحكام، لا، ما يضيرنا ثبت أو لم يثبت سواءً كان في المار أو الذي أماته الله.

فالذي سيأتي قالوا عنه: أنه عُزير هذا عُزير قول مشهور، والثاني حزقيل بن بورا أنه الذي أماته الله مائة عام.

فيه واحد وقف عليه، أول من وقف عليه.

طالب: ..............

ابن يسار يصير اليساري، هو إلى هذا أقرب، هذا ابن عمه.

طالب: ..............

لا لا، اليساري، صوابه اليساري.   

"وَقَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بني إسرائيل، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَبَعَثَهُ اللَّهُ".

هذا سيأتي وإلا فبعد ذلك: "وَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ"، ما عندك؟

طالب: بعدها.

هو ذاك عندنا بعد هذا الكلام الذي قيل، تقديم وتأخير.

"وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَبَعَثَهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ".

وهو ابن أربعين وقَّف عمره، ما يمشي، مات لهذا السن، وبُعِث لهذا السن بعد مائة سنة، لو تصورنا وقد قيل: إن له ولدًا -حال موته وهو ابن أربعين- عمره عشرون، لما بُعِث أبوه الأب أربعون، والولد مائة وعشرون؛ ولهذا يُقال أو قال القرطبي: إن هذه يُعايا بها ابنٌ أكبر من أبيه بسبعين سنة أو ثمانين، وأظن القرطبي قال؛ لأنه جعل الرجل تُوفي وعمره خمسون، وبُعِث يكون له مائة وخمسون، والمولود عمره حين الوفاة ثلاثون إلى آخره، سواءً كان هذا أو ذاك ما يهمنا، المقصود أن المعاياة حاصلة أن الابن أكبر من أبيه، بل الحفيد أكبر من أبي أبيه، الحفيد أكبر من جده.

"وَكَانَ لَهُ ابْنٌ فَبَلَغَ مِنَ السِّنِّ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَلَغَ ابْنُ ابْنِهِ تِسْعِينَ، وَكَانَ الْجَدُّ شَابًّا وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ قَدْ بَلَغَا الْهرَمَ".

عندك؟

طالب: ..............

ما هو موجود عندنا.

طالب: ..............

نعم.

"وَأَنْشَدَنِي بِهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ".

كل هذا ما هو موجود.

واسوَدّ رَأْسُ شَابٍّ مِنْ قَبْلِ ابْنِهِ
 

 

وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ ابْنِهِ فَهُوَ أَكْبَرُ
 

يَرَى أَنَّهُ شَيْخًا يَدُبُّ عَلَى عَصَا
 

 

وَلِحْيَتُهُ سَوْدَاءُ وَالرَّأْسُ أَشْعَرُ
 

وَمَا لِابْنِهِ حَبْلٌ وَلَا فَضْلُ قُوَّةٍ
 

 

يَقُومُ كَمَا يَمْشِي الصَّغِيرُ فَيَعْثُرُ
 

وَعُمُرُ ابْنِهِ أَرْبَعُونَ أَمَرَّهَا
 

 

وَلِابْنِ ابْنِهِ فِي النَّاسِ تِسْعِينَ غُبَّرُ
 

وَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، مَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ تَخْرِيبِ بُخْتَنَصَّرَ لَهَا وَقَتْلِ أَهْلِهَا وَهِيَ خاوِيَةٌ أَيْ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، مِنْ قولهم: خوت الدار تخوي خويًا".

تخوى.

"مِنْ قولهم: خوت الدار تخوى".

خواءً وخويًّا.

"تخوى خواءً وخويًّا.

وَقَوْلُهُ: {عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:259] أَيْ: سَاقِطَةٌ سُقُوفُهَا وَجُدْرَانُهَا عَلَى عَرَصَاتِهَا، فَوَقَفَ مُتَفَكِّرًا فِيمَا آلَ أَمْرُهَا إِلَيْهِ بَعْدَ الْعِمَارَةِ الْعَظِيمَةِ وَقَالَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]".

استبعاد بلد من أعظم البلدان يُسوى بالأرض تسوية كاملة، ويهجره أهله، ولا يسكنه أحد، البلد هذه كيف تُعمَر؟ استبعاد {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]، فأراه الآية العجيبة؛ لئلا يستبعد شيء على قدرة الله- جلَّ وعلا-.

"وَقَالَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]؛ وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ دُثُورِهَا وَشِدَّةِ خَرَابِهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَه} [البقرة:259] قَالَ: وَعَمُرَتِ الْبَلْدَةُ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِهِ".

يعني قبل بعثه وإحيائه بثلاثين سنة.

"بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِهِ، وَتَكَامَلَ سَاكِنُوهَا وَتَرَاجَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْيَا اللَّهُ فِيهِ عَيْنَيْهِ؛ لِيَنْظُرَ بِهِمَا إِلَى صُنْعِ اللَّهِ فِيهِ كَيْفَ يُحْيِي بَدَنَهُ؟ فَلَمَّا اسْتَقَلَّ سَوِيًّا قَالَ اللَّهُ لَهُ -أَيْ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ-: {كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم} [البقرة:259]، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ النَّهَارٍ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَاقِيَةً ظَنَّ أَنَّهَا شَمْسُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَقَالَ: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259] وَذَلِكَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ".

يعني: لم يتغير.

"وَذَلِكَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِيمَا ذُكِرَ عِنَبٌ وَتِينٌ وَعَصِيرٌ، فَوَجَدَهُ كَمَا فَقَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، لَا الْعَصِيرُ اسْتَحَالَ".

يعني لا استحال فصار خمرًا، ولا التين حمض.

"وَلَا التِّينُ حَمِضَ وَلَا أَنْتَن، وَلَا الْعِنَبُ تَعَفَّنَ.

{وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِك} [البقرة:259] أَيْ: كَيْفَ يُحْيِيهِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَنْتَ تَنْظُرُ.

{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} [البقرة:259] أَيْ: دَلِيلًا عَلَى الْمَعَادِ.

{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:259] أَيْ: نَرْفَعُهَا فَتَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْم، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: {كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة:259] بِالزَّايِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَقُرِئَ: (نُنْشِرُهَا) أَيْ: نُحْيِيهَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

{ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} [البقرة:259].

وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: تَفَرَّقَتْ عِظَامُ حِمَارِهِ حَوْلَهُ يَمِينًا وَيَسَارًا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَلُوحُ مِنْ بَيَاضِهَا فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَجَمَعَتْهَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ، ثُمَّ رَكَّبَ كُلّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَ حِمَارًا قَائِمًا مِنْ عِظَامٍ لَا لَحْمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ كَسَاهَا اللَّهُ لَحْمًا وَعَصَبًا، وَعُرُوقًا وَجِلْدًا، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَنَفَخَ فِي مَنْخَرَيِ الْحِمَارِ فَنَهَقَ بِإِذْنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَرْأَى مِنَ الْعُزَيْرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ هَذَا كُلُّهُ {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] أَيْ: أَنَا عَالِمٌ بِهَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَيَانًا".

العلم مستقر عند كل مسلم ومؤمن أن الله عزيزٌ حكيم، وإن لم يرَ من العلامات ما رأى، لكن إذا انتقل هذا العلم من عالم الغيب الذي تُوصِّل إلى معرفته بالأخبار إلى أن يُعرَف ويُرى بالأعيان فليس الخبر كالعيان، وسيأتي في الآية اللاحقة أن إبراهيم لم يشك في قدرة الله –عزَّ وجلَّ- {كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، لكن أراد أن يطمئن أكثر؛ لأن العلم بالمشاهدة أقوى من العلم بالسماع؛ ولذا جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- في الصحيح أنه قال: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيَمَ»؛ لئلا يُظَن أن {كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260] شك من إبراهيم –عليه السلام- في البعث على ما سيأتي، ولكن طلب الترقي من الغيب إلى الشهادة، بحيث لا يُساوره أدنى تردد.

طالب: ..............

نعم كلها متكسرة، كل الأبيات متكسرة، ولا هي بكل النسخ، ما هي بعندك أنت حتى الأزهرية.

طالب: ..............

مزيدة حتى أولاد الشيخ...

طالب: ..............

الطبعة الطيبة فيها يا أبا عبد الله؟

طالب: ..............

الطبعة الطيبة التي معك.

طالب: ..............

الأبيات التي راحت.

طالب: ..............

ونفس اللفظ الذي قرأه الشيخ؟

طالب: نعم.

على كل حال ليست موجودة في جميع النسخ.

"أَيْ: أَنَا عَالِمٌ بِهَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَيَانًا، فَأَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِي بِذَلِكَ، وَقَرَأَ آخَرُونَ: (قَالْ اعْلَمْ) عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ له بالعلم.

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260].

ذَكَرُوا لِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَسْبَابًا، مِنْهَا: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِنُمْرُود: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] أَحَبَّ أَنْ يَتَرَقَّى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ بذَلِكَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، وَأَنْ يَرَى ذَلِكَ مُشَاهدَةً فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]".

اليقين له مراتب أولها: علم اليقين، فإذا جاءك مجموعة من الثقات وأخبروك عن شيء رأوه وخبرهم يُفيد اليقين؛ لأنه يستحيل تواطؤهم على الكذب صار عندك علم اليقين، لكن إذا رأيته بعينيك صار عين اليقين، فإذا أكلت منه حق اليقين يقين لك، العسل موجود في السوق أو السمن أخبرك الثقات علم اليقين، فإذا ذهبت إلى السوق ورأيته بعينك صار عين اليقين، فإذا لعقت منه صار حق اليقين.   

"فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]»، وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى".

"عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى" التُّجيبي.

"عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالشَّكِّ مَا قَدْ يَفْهَمُهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ، أَحَدُهَا".

طالب: ذكر حاشية.

نحن ما عندنا شيء.

طالب: ..............

تمام الحديث «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيَمَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ»، الحديث في صحيح البخاري ومسلم أيضًا كلها من باب تواضع النبي –عليه الصلاة والسلام- وهضمه لحقه، وإلا فهو فوق هؤلاء، كونه يتواضع من أجل ألا يتطاول أحدٌ على الأنبياء والرسل، فإذا نسبه إلى نفسه من باب التواضع، مع أنه لا يلزم أن يكون موجودًا، وما لم يوجد في الأصل فلا يُوجد في الفرع، يعني إبراهيم لو وُجِد منه شك، فنحن أحق به منه، لكن إبراهيم لم يشك، ومحمدٌ –عليه الصلاة والسلام- كذلك، «وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، كان لوط يقول: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] ركنٍ شديد يعني من عشيرته وقومه ينصرونه، ولكنه يأوي إلى ركنٍ شديد، وهو الله –جلَّ وعلا-، «وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، وهو الله –جلَّ وعلا-، ومراده بالنفي من قومه وعشيرته الذين ينصرونه ويقفون معه.

«وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ» سبع سنوات «لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» الداعي من هو؟ الرسول الذي جاءه، رسول الملك الذي جاءه يطلبه ليخرج من السجن، لو قيل لشخص مهما كانت منزلته: اخرج من السجن، لبادر، لكن يوسف أراد البراءة التامة مما نُسِب إليه –عليه السلام-، قال: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} [يوسف:50] «لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» لخرجت دون أن أقول: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف:50].

طالب: نقرأ الحاشية.

نعم اقرأ الحاشية.

"وقع هنا بياضٌ بجميع النسخ، ووقع في نسخةٍ مساعدة من مؤسسة الملك فيصل الخيرية في هذا الموضع، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: قول إسماعيل المزني: لم يشك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا إبراهيم -عليه السلام- في أن الله سبحانه قادر على إحياء الموتى، وإنما بدأ لجاهلٍ يجيبهما إلى ما سألاه.

وقال الخطابي في قوله: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيَمَ»: ليس اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، ولكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك في قدرة الله على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بألا يشك، قال ذلك على سبيل التواضع، والهضم من النفس.

 وكذلك قوله: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ»، وفيه الإعلام بأن المسألة من جهة إبراهيم لم تُعرض من جهة الشك، ولكن من قِبل زيادة العلم بالعيان؛ لأنه يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال، وقيل: قال هذا -صلى الله عليه وسلم- تواضعًا وتقديمًا لإبراهيم.

قوله: «أو لم تؤمن قال: بلى قد آمنت» وأظن أن هذا من تصرف الناسخ؛ لأنه كُتِب بالجانب: بياضٌ في الأصل.

قال الشيخ أحمد شاكر عند هذا الموضع من كتابه (العمدة) الذي هو مختصر تفسير ابن كثير: هنا بياضٌ في المخطوطة الأزهرية والمطبوعة، ولعل الحافظ ابن كثير تركه؛ ليكتب الأقوال في ذلك، ثم لم يفعل سهوًا أو نسيانًا، وقد أفاض الحافظ ابن حجر في الفتح في ذكر أقوال العلماء في ذلك. وأجود ذلك عندي قول ابن عطية: إن الحديث مبنيٌّ على نفي الشك، والمراد بالشك فيه: الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح -وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الآخر- فهو منفيٌ عن الخليل قطعًا؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟!

وأيضًا فإن السؤال لما وقع بـ(كيف) دل على حال شيءٍ موجودٍ مقرر عند السائل والمسؤول، كما تقول: كيف علم فلان فـ(كيف) في الآية سؤال عن هيئة الإحياء لا عن نفس الإحياء، فإنه ثابتٌ مقرر.

وقال غيره: معناه: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى ألا يشك، أي: لو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء؛ لكنت أنا أحق به منه، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعا منه".   

تفسيره الشك بالخواطر والأوهام وما يتردد في النفس من حديثها التي لا يؤاخذ عليها الإنسان، ومقاصد أو مراتب القصد التي ذكروها الهاجس والخاطر وحديث النفس والهَم، ثم العزم هذه يُفسَّر بعضها ببعض في بعض المواضع للحاجة إلى هذا التفصيل.

الظن قد يُعبَّر به عن الوهم فيُذم، وقد يُعبَّر به عن اليقين أو ما يقرب من اليقين فيجب العمل به، وهذا هو الغالب؛ ولذا تجدون أن بعضه إثم، طيب والبعض الثاني من الظن؟ ليس بإثم، معروف الدلالات، وإفادة خبر الواحد الظن هل معنى هذا أنه لا يُعمَل به؟ يجب العمل به، والظن في مواطن يأتي في سياق الذم «الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ».

طالب: ..............

لكن «الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» يكون آدم في أسفل الدرجات بهذا المعنى، ولكن المصطلح عليه أن الظن مرتبة فوق الشك، الاحتمال الراجح يُقابله الوهم أو الاحتمال المرجوح والشك بينهما.

"وَقَوْلُهُ: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مَا هِيَ؟ وَإِنْ كَانَ لَا طَائِلَ تَحْتَ تَعْيِينِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُهمٌ لَنَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْغُرْنُوقُ، وَالطَّاووُسُ، وَالدِّيكُ، وَالْحَمَامَةُ".

وهذا مما ذكرناه سابقًا في عدم الحاجة إلى تعيين المبهم في الغالب؛ ولذا لم يأتِ تعيينه بسندٍ صحيح، وما يُحتاج إليه جاء تعيينه بأسانيد يثبت بها؛ لأنها تكون من دين الله، ولا تفرط الأمة بشيءٍ من دينها، بل نقلوه عن نبيهم –عليه الصلاة والسلام- بالأسانيد الثابتة.

أما ما لا يُحتاج إليه "الْغُرْنُوقُ، وَالطَّاووُسُ، وَالدِّيكُ، وَالْحَمَامَةُ" لو ما عرفتهن ينقصك شيء؟

"وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ أَخَذَ وَزًّا، وَرَأْلًا -وهو فرخ النعام- وديكًا، وطاووسًا.

وقال مجاهد وعكرمة: كانت حمامةً، وديكًا، وطاووسًا، وَغُرَابًا.

وَقَوْلُهُ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْك} [البقرة:260] أَيْ: قَطِّعْهُنَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْك} [البقرة:260] أَوْثِقْهُنَّ، فَلَمَّا أَوْثَقَهُنَّ ذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءً، فَذَكَرُوا أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الطَّيْرِ فَذَبَحَهُنَّ، ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ وَنَتَفَ رِيشَهُنَّ، وَمَزَّقَهُنَّ، وَخَلَطَ بعضهن في ببعض، ثُمَّ جَزَّأَهُنَّ أَجْزَاءً، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، قِيلَ: أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ، وَقِيلَ: سَبْعَةٌ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رُؤُوسَهُنَّ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَدْعُوَهُنَّ، فَدَعَاهُنَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الرِّيشِ يَطِيرُ إِلَى الرِّيشِ، وَالدَّمِ إِلَى الدَّمِ، وَاللَّحْمِ إِلَى اللَّحْمِ، وَالْأَجْزَاءِ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى قَامَ كُلُّ طَائِرٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَأَتَيْنَهُ يَمْشِينَ سَعْيًا؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ لَهُ فِي الرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلَهَا، وَجَعَلَ كُلُّ طَائِرٍ يَجِيءُ لِيَأْخُذَ رَأْسَهُ الَّذِي فِي يَدِ إِبْرَاهِيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَإِذَا قَدَّمَ لَهُ غَيْرَ رَأْسِهِ يَأْبَاهُ، فَإِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ تَرْكَبُ مَعَ بَقِيَّةِ جسده بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ".

عندنا "جُثته"، ولا فرق.

طالب: مع بقية جثته؟

"مَعَ بَقِيَّةِ جثته" ما فيه فرق الجسد والجثة واحد.

"وَلِهَذَا قَالَ: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260] أَيْ: عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمَا شَاءَ كَانَ بِلَا مُمَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ.

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا".

طالب: قال: ولا يمتنع من شيء، عندنا ولا يمتنع منه شيء.

منه، عندك: ولا يمتنع من شيء؟

طالب: من شيء، نعم.

منه شيء، المعنى باطل، ولا يمتنع من شيء.

"وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: اتَّعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَجْتَمِعَا".

"اتَّعدَ" اتفقوا على موعدٍ معين، تواعدوا.

"قَالَ: وَنَحْنُ شَيبَةٌ".

شببة.

"قَالَ: وَنَحْنُ شَبَبَةٌ".

في الحديث الصحيح في مسلم: ونحن شببةٌ متقاربون.

"فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَرْجَى عندك لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو: قول الله تعالى: {قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الْآيَةَ [الزُّمَرِ:53]، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَما إِنْ كُنْتَ تَقُولُ: هذا، فأنا أقول: أَرْجَى مِنْهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]".

عنده يعني إذا كان بهذا الأسلوب {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، ولا أثَّر ذلك في مكانته عند الله –جلَّ وعلا-، وهو خليله، فما شأن من دونه أن يُخاطب الله بأساليب قد لا تليق به؟ ويعفو الله عنه.

طالب: ..............

الخطاب المتضمن هذا الكلام يعني هو محتمل الشك، لكن منزلة إبراهيم –عليه السلام- وهو خليل الله –جلَّ وعلا- ترفعه عن هذه المنزلة، فيُخشى من بعض الناس أن يصدر منه مثل هذا، فيُعفا عنه كما عُفي عنه وأُزيل الشك عن إبراهيم- عليه السلام-.

الشافعي-رحمه الله- يقول: أرجى آيةٍ في كتاب الله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد:13-14]، كيف كانت أرجى آية عن الشافعي؟ هذه العقبة الكؤود التي لو لم تُفسَّر لأصيب الناس بيأس وقنوط، لكنها تُرقى بأي شيء؟ تُقتحم بأمورٍ يسيرة، ولله الحمد، {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ} [البلد:13-14]، وهذا يدل على فضل إطعام الطعام، وجاءت فيه نصوص كثيرة {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:8]، والله المستعان.

طالب: ..............

لا، ما يُفهَم، الذي خاطب الله –جلَّ وعلا- بهذا الأسلوب بغض النظر عن شك أو ما شك، والمجزوم به المقطوع به أنه لم يشك.

طالب: ..............

من أجل ظهور براءة إبراهيم –عليه السلام- {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة:260]، ليس السؤال نابعًا من شك مني، ولكن ليطمئن قلبي، مرحلة الاطمئنان شيء غير مرحلة اليقين الذي في النفس.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أخبرنا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قال: حدَّثني ابْنِ المنْكَدِر".

عن محمد بن المنكدر.

طالب: ..............

"حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِر".

"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِر أَنَّهُ قَالَ: الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ".

وابن أبي سلمة هذا الصواب ابن أبي سلمة، وهو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون.

"قَالَ: الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى عِنْدَكَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَوْلُ اللَّهِ -عز وجل-: {قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا} الْآيَةَ [الزُّمَرِ:53] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكِن أَنَا أَقُولُ: قَوْلُ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة:260] فَرَضِيَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلَهُ: {بَلَى} قَالَ: فَهَذَا لِمَا يَعْتَرِضُ فِي النُّفُوسِ، وَيُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَخْرَمِ".

ولكن قلَّما عند ابن
 

 

الأخرم منه قد فاتهما
 

"عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

طالب: ..............

أين يقع الانقطاع يا أبا عبد الله؟