كتاب الإيمان (54)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلاَمِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ، وَبَيَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ، ثُمَّ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ». قَالَ: مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ». ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: «رُدُّوهُ»، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذه الترجمة، الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- بناءً على ما يذهب إليه من الترادف بين الإسلام والإيمان، وأن الدين عند الله الإسلام، وإذا كان الإسلام هو الإيمان إذًا الدين هو الإيمان، وإذا كان جبريل -عليهِ السَّلامُ- جاء يعلمنا الدين فالدين عند الله الإسلام، والإسلام عند البخاري هو الإيمان، إذًا الدين هو الإيمان.

والخلاصة فيما قاله في آخر الكلام، "قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان"، بناءً على ما يختاره من ترادف اللفظين: الإسلام والإيمان. والمعروف عند الأكثر أنه إذا أُفرد أحدهما عن الآخر دخل فيه الآخر، إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، كان لكل واحد حقيقته. ولذلك جاء الجواب عن الإسلام بما يرادف ما أجيب به عن الإيمان، وذلك عند الإفراد. وأما عند الاجتماع كما في هذا الحديث فقد أجاب عن الإيمان بأركانه، وعن الإسلام بأركانه، مما يدل على التغاير، وأنهما إذا اجتمعا حُمل الإيمان على الأعمال القلبية، والإسلام على الأعمال الظاهرة، وإذا افترقا فذُكر الإيمان دخل فيه الإسلام.

فمثلاً من شروط الصلاة: الإسلام والعقل والتمييز، مثلاً، هل نقول: إن الإيمان ليس بشرط، إنما المشترط الإسلام؟ هل يقول بهذا قائل؟ نصوص كثيرة في الكتاب والسنة يندرج فيها الإيمان، بل المؤمنون الذين هم الخُلّص والخلاصة من المسلمين يدخلون دخولاً أوليًّا في هذا الإطلاق.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (قوله: "باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام..." إلى آخره، تقدم أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنًى واحد)، (عبارة عن معنًى واحد)، وبهذا يقول من الأئمة الإمام محمد بن نصر المروزي وطائفة من السلف، لكن الأكثر على خلافه، وأن الإيمان له حقيقة، والإسلام له حقيقة كما جاء في حديث الباب.

(تقدم أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنًى واحد، فلما كان ظاهر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وجوابه يقتضي تغايرهما، وأن الإيمان تصديق بأمور مخصوصة، والإسلام إظهار أعمال مخصوصة؛ أراد أن يرد ذلك بالتأويل إلى طريقته)، (بالتأويل إلى طريقته) يعني إرجاع ما جاء في هذا الحديث وما يُفهم منه من التغاير إلى ما يختاره من الاتحاد، ولذلك قال في الآخر: "جعل ذلك كله من الإيمان" مع أنه جعل قسمًا منه من الإيمان، وجعل قسمًا منه من الإسلام، وجعل قسمًا ثالثًا من الإحسان.

طالب: شيخنا، الآن فيه فرق بين قوله: "فجعل ذلك كله دينًا"، وآخر شيء: "قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان"؟

نعم، مثل ما قلت، هو الآن "جعل ذلك كله"، كيف يدخل كله والأسئلة مختلفة والأجوبة مختلفة؟

طالب: ما يخفف لفظة الدين؟

هو يجمع بين النصوص: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، والإسلام إذًا هو الدين، وجبريل جاء يعلمنا ديننا؛ بما في ذلك الإسلام، وبما في ذلك الإيمان، وبما في ذلك الإحسان. إذًا الإيمان على هذا دين والدين هو الإسلام.

طالب: قريب يعني.

كيف قريب؟

طالب: توجيهك لكلام البخاري الآن يا شيخ، أنت توجه كلام البخاري!

هذا الذي قلته أولاً، ما اختلف كلامي.

طالب: لكن الآن فيه اختلاف في قوله: "جعل ذلك من الإيمان"، و"جعل ذلك دينًا"، إذا كانت .......

ما فيه فرق، هو قال: «جاءكم يعلمكم دينكم» بما في ذلك الإيمان الذي ذُكر، والإسلام منصوص عليه في القرآن، هو داخل في «جاء يعلمكم دينكم» الإسلام، لكن داخل بالحرف بالنص: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، فالدين الإسلام، وجاء جبريل يعلمنا ديننا بما في ذلك الإيمان، إذًا الإيمان دين. فإذا كان الإيمان دينًا والإسلام دينًا يجتمعان في كونهما دينًا، إذًا هما شيء واحد.

طالب: .......

على مذهبه نعم؛ لأن هذا من أقوى الأدلة على التغاير.

طالب: ووجاهته وقوته بحسب ما تراه أنت يا شيخ الآن؟

ما فيه شك أنه في بعض المواطن يعني لا سيما عند الافتراق، ما أحد يقول: إن المسلمين فئة، والمؤمنين طائفة.

طالب: صحيح.

ما أحد يقول هذا.

(أراد أن يرد ذلك بالتأويل)، يعني ما هو بالكلام الصريح المأخوذ من النص، (بالتأويل)، من الأَوْل وهو الرجوع، فهو أَرْجَعَ ما جاء في هذا الحديث إلى طريقته، وما يختاره من الترادف. (قوله: "وبيان" أي مع بيان أن الاعتقاد والعمل دين. وقوله: "وما بيَّن")، "وما بين النبي- صلى الله عليه وسلم- لوفد عبد القيس" (أي مع ما بيَّن للوفد أن الإيمان هو الإسلام، حيث فسره في قصتهم بما فسر به الإسلام هنا)، مما يدل على مذهب الإمام البخاري، (أي مع ما بيَّن للوفد أن الإيمان هو الإسلام، حيث فسَّره)، فسَّر الإيمان في قصة وفد عبد القيس، وستأتي (بما فسَّر به الإسلام هنا)، يعني سأله عن الإيمان فأجابه بأركان الإسلام.

(وقوله: "وقول الله" أي مع ما دلت عليه الآية أن الإسلام هو الدين)، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} [آل عمران: 85]، فالدين هو الإسلام، والإسلام هو الدين، ودخل الإيمان في «جاءكم يعلمكم دينكم»، إذًا ما فيه فرق، كلها دين.

(أي مع ما دلت عليه الآية أن الإسلام هو الدين، ودل عليه خبر أبي سفيان أن الإيمان هو الدين، فاقتضى ذلك أن الإسلام والإيمان أمر واحد؛ هذا محصل كلامه)، أي خلاصته. (وقد نقل أبو عوانة الإسفرائيني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي)، صحيح أبي عوانة الذي هو أيش؟

طالب: المستخرج.

المستخرج على صحيح مسلم، وقد يسمى: مسند أبي عوانة، وهو في الأصل أحاديث مسلم خرجها أبو عوانة بأسانيده هو.

 واستخرجه على الصحيح كأبي عوانة                 ونحوه فاجتنب....

 إلى آخره.

طالب: .......

وكان مطبوعًا منه في الهند الأول والثاني والرابع والخامس، الثالث مفقود، ثم وُجد.

طالب: .......

أنا أعرف الخرم من الثالث ما هو بموجود، لكن نهاية الكتاب ما أدري، والله ما أذكر شيئًا. لكن لما ما وجدوا الثالث أي الذين صوروا الكتاب، وعرفوا أن الثالث مفقود، ظنوا أن الثالث وما بعده مفقود، فما صوروا إلا الأول والثاني، وتداوله الناس على أنه الأول والثاني، مع أن الرابع والخامس مطبوعة بالهند.

(وقد نقل أبو عوانة الإسفرائيني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنًى واحد، وأنه سمع ذلك منه)، يعني ممن؟ عن المزني. (وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما، ولكل من القولين أدلة متعارضة. وقال الخطابي: صنف في المسألة إمامان كبيران وأكثرَا من الأدلة للقولين وتباينا في ذلك)، (وتباينا في ذلك) مثل هذه المسائل التي الخلاف فيها بين السلف، ولكل وجهته، ولكل دليله، وأدلتها تطول وتكثر، لا شك أنه كل واحد عنده قناعة برأيه ومعتمد على أدلة صحيحة، مثل ما جاء مثلاً في البسملة هل هي آية أو ليست بآية؟ متى تقنع الشافعي أن البسملة ليست من الفاتحة، ومتى تقنع مالك بأن البسملة من الفاتحة؟ هذا حجته قوية، وذاك حجته قوية، يقول: لو كانت من الفاتحة ما حصل فيها الاختلاف، يقول مالك. والشافعي يقول: لو لم تكن من الفاتحة ما أجمع الصحابة على كتابتها. لكل منهما حجته.

(وتباينَا في ذلك، والحق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا)، يعني أن الإيمان أخص وأكمل، (انتهى كلامه ملخصًا ومقتضاه). وهذا كلام الخطابي.

 (ومقتضاه أن الإسلام لا يطلق على الاعتقاد والعمل معًا، بخلاف الإيمان فإنه يطلق عليهما معًا، ويرد عليه قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فإن الإسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معًا)، لأن الاعتقاد مرضي كما أن العمل مرضي.

طالب: .......

يرتفع عنه الإيمان حتى يعاود، «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».

طالب: .......

المقصود أن الإيمان ما يرتفع بالكلية بلا شك.

طالب: .......

لأنه ما الذي يقابل الإيمان؟

طالب: الكفر.

الكفر، فلا يرتفع عنه بالكلية إلا عند الخوارج والمعتزلة.

طالب: شيخ أحسن الله إليك...

(فإن الإسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معًا؛ لأن العامل غير المعتقِد ليس بذي دين مرضي، وبهذا استدل المزني وأبو محمد البغوي، فقال في الكلام على حديث جبريل هذا: جعل النبي- صلى الله عليه وسلم- الإسلام هنا اسمًا لِما ظهر من الأعمال، والإيمان اسمًا لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ولا لأن التصديق ليس من الإسلام؛ بل ذاك تفصيل لجملة كلها شيء واحد، وجِماعها الدين؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم يعلمكم دينكم»، وقال -سُبحانه وتعالى-: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، ولا يكون الدين في محل الرضاء والقبول إلا بانضمام التصديق، انتهى كلامه.

والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقةً شرعيةً، كما أن لكل منهما حقيقةً لغويةً، لكنْ كلٌّ منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له، فكما أن العامل لا يكون مسلمًا كاملاً إلا إذا اعتقد، فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملاً إلا إذا عمل، وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام أو العكس، أو يطلق أحدهما على إرادتهما معًا فهو على سبيل المجاز)، يقول: (والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقةً شرعيةً، كما أن لكل منهما حقيقةً لغويةً).

 لا شك أن الحقيقة اللغوية في الإسلام تختلف عن الحقيقة اللغوية في الإيمان، وكذلك الشرعية، لكن الإطلاق العام الذي يتناول الأمرين بأحد اللفظين لا بد فيه من ارتكاب نوع مجاز؛ لأنه لا يمكن أن تتطابق الحقيقتان من كل وجه واللفظ مختلف، ولا يمكن أن يكون هناك ترادف كلي، لا بد فيه من التغاير، وحتى هذا التغاير لا ينكره ولا من يرى الترادف بين اللفظين اصطلاحًا.

طالب: شيخ أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: عبارته يا شيخ فكما أن العامل لا يكون مسلمًا كاملاً إلا إذا اعتقد؟

هذه فرع عن المسألة المعروفة وهي العمل وعلاقته بالأصل.

طالب: ....... جعل العمل.

كمالًا.

طالب: نعم، كمالًا.

لا، هو قد يقصد بذلك كمال الحقيقة أو كمال التسمية.

طالب: يعني كأني فهمت يا شيخ أنه يصح العمل، قد يكون فيه شيء من الصحة لو لم يعتقد، يقول: فكما أن العمل.

لا لا، ما يمكن أن يقول ابن حجر هذا، ما يمكن أن يقول بالطرف الأول.

طالب: نعم؛ لأن العبارة الثانية مناقضة .......

لا لا ما يمكن أن يقول بالطرف الأول أنه لا يمكن أن يقال أنه يكمل إيمانه إلا إذا اعتقد، ولا يكمل إسلامه إلا إذا اعتقد، مسألة كمال.

طالب: .......

نعم، لكن ما يسميه يكمل، هو الإشكال فيه يكمل.

طالب: .......

مثل الشق الثاني.

(فكما أن العامل لا يكون مسلمًا كاملاً إلا إذا اعتقد، فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملاً إلا إذا عمل)، عندنا أن النسب أربع؟ ما الذي بين الإسلام والإيمان من هذه النسب الأربع؟

طالب: التداخل يا شيخ.

التداخل أو التوافق أو التباين أو...

طالب: أو التماثل.

التماثل.

طالب: تداخل.

فيه تداخل، قيلت، هل بينهما تداخل بمعنى أن أحدهما يدخل في الثاني؟

طالب: هذا على رأي الجمهور يا شيخ.

ماذا؟

طالب: ما يقال .......

لا، خلينا بين لفظين.

طالب: بين لفظين .......

يعني يستدل على الآخر بدلالة اللزوم؟

طالب: نعم.

الآن عندنا نسب أربع: توافق وتداخل وتباين وتماثل. يعني التوافق في جزء، والتماثل مطابقة، والتداخل هذا يصير في جزء من هذا، وذاك في جزء من ذاك، كما يقال: ما بين الحسن لغيره أو الصحيح لغيره والحسن، وما بين الحسن لغيره والضعيف، بينهما شيء من التداخل ليس تباينًا، نعم بين الحسن لذاته والحسن لغيره تباين، بين الحسن لذاته والصحيح لذاته بينهما تباين، بين الصحيح لذاته والضعيف تباين، ما بينهما اشتراك، لكن التداخل الذي بين الحسن لذاته والصحيح لغيره هو أن الصحيح لغيره عبارة عن حسن لذاته متعدد، ففيه تداخل.

طالب: .......

كيف إذا اجتمعا؟

طالب: .......

أنت الآن لا بد أن تُعرف حقيقة واحدة، أنت ما تُعرف حقيقتين في آن واحد، إذا اجتمعا هل المراد الإسلام، أو المراد الإيمان؟

طالب: ...

كلاهما، لكن أنت تُعرف إحداهما، أنت بتعرف الإيمان الذي يدخل فيه الإسلام، واضح؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

مثل ما ذكر ابن حجر أن العمل شرط كمال.

طالب: .......

نعم، لكن ذكرنا في وقته أن بعض المحققين يطلق على من قال هذا الكلام أنه مرجئ، هذا قول المرجئة، لو قلنا: كمال فمعناه أنه لا يؤثر في أصل الاعتقاد، مع أنه ركن من أركانه.

(فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملاً إلا إذا عمل، وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام أو العكس، أو يطلق أحدهما على إرادتهما معًا فهو على سبيل المجاز)؛ لما يوجد من التفاوت في حقيقة اللفظين، يعني إطلاق الإيمان على الإسلام فيه شيء من التوسع في الإطلاق والعكس.

(ويتبين المراد بالسياق، فإن وردَا معًا في مقام السؤال حُملا على الحقيقة)، (إن وردَا معًا في مقام السؤال حُملا على الحقيقة) ما يمكن أن تقول: إن جبريل يسأل عن الاستسلام، إنما يسأل عن حقيقة الإسلام. البخاري ترجم: "بابٌ: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة"، والمراد به الاستسلام. أما هنا فلا بد أن يكون المراد به الحقيقة الشرعية؛ لأنه جاء في معرض سؤال، ولا يمكن أن يجيب الشارع بحقيقة غير الشرعية؛ لأنه بصدد بيان الألفاظ الشرعية.

(وإن لم يَردَا معًا أو لم يكن في مقام سؤال أمكن الحمل على الحقيقة أو المجاز بحسب ما يظهر من القرائن)، فإذا حُمل الإسلام على الاستسلام في سياق فإنه لا يمكن حمله عليه في سياق آخر، وإذا جاء في معرض السؤال فلا بد أن يكون السؤال عن الحقيقة الشرعية، هذا ما قرره المؤلف. لكن تعريف الإسلام؟ قالوا: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

طالب: .......

نعم. معروف. فهذا الاستسلام، يعني عرفنا الحقيقة بما يخالف الحقيقة الشرعية، وقلنا: إنه استسلام. لكن هل هو استسلام مطلق أو استسلام بما ذُكر؟ وهي حقيقته الشرعية.

(وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنة والجماعة قالوا: إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران، فإن أُفرد أحدهما دخل الآخر فيه، وعلى ذلك يُحمل ما حكاه محمد بن نصر وتبعه ابن عبد البر عن الأكثر أنهم سَووا بينهما على ما في حديث عبد القيس)؛ لأن الإنسان يتكلم إذا أراد أن يتكلم في هذه الأمور الشائكة التي تكلم فيها سلف الأمة وأئمتها، لا بد أن يجمع ما ورد في الباب؛ لأنه إذا اقتصر على البعض ما خرج بالنتيجة المرضية، فلا بد في هذا من الاستقراء التام.

يعني على كل حال حديث ابن عبد القيس مشكل على رأي الجمهور، سئل عن الإيمان ففسَّره بأركان الإسلام.

وعلى كل حال: كل هذه التعاريف على طريقة الاصطلاح في الحدود التي من شرطها أن تكون جامعة مانعة، تمشي أم ما تمشي؟

طالب: ما تمشي يا شيخ.

ما تمشي. نعم قد يحتاجون إلى التعريف بالتقسيم إذا كان حاصرًا، بحيث لا يخرج منه شيء، لو قيل لك: ما الكلمة؟ قلت: اسم وفعل وحرف، وهي أقسامها، الكلام صحيح أم لا؟ لن تجد غير الثلاثة الأقسام هذه. والإشكال الكبير في هذا العلم وفي غيره من العلوم أن العلماء أحدثوا مصطلحات قد يكون في بعضها مخالفة ومغايرة لما جاء في النصوص، اصطلاحات حادثة ونريد أن نُنزل عليها النصوص، فما تطلع النتيجة سليمة، لا بد إذا أردنا أن نُنزل النصوص على شيء ننظر إلى واقعه في وقته لا على ما حدث بعد ذلك، ويقع في هذا الخلل كثير ممن يُعرفون حتى الحقائق اللغوية، ويعتمدون على كتب لغة، لكن كتب اللغة تأثرت بالاصطلاحات لا سيما المتأخر منها، ويترتب على ذلك تغيير في الأحكام الشرعية؛ لأن الحقيقة الشرعية تتأثر بالحقيقة اللغوية.  

فمثلاً الخمر: تعرفون ما بين الجمهور والحنفية من اختلاف في حقيقته، صح أم لا؟ فيه اختلاف، فتأتي لي بتعريف للخمر عن كتاب ألفه حنفي متأخر تأثر بمذهبه! أو كتاب لغة ألفه واحد من المتكلمين، أو معتزلي خله الزمخشري مثلاً وتأثر بمذهبه، ولذلك طالب العلم عليه أن يهتم بالكتب المتقدمة أكثر من عنايته بالكتب المتأخرة، وإذا اضطر إلى كتب المتأخرين فليجمع أكثر من كتاب تمثل أكثر من مَشرب، بحيث لا يتأثر بوجهة واحدة.

طالب: .......

(وما حكاه اللالكائي وابن السمعاني عن أهل السنة أنهم فرقوا بينهما على ما في حديث جبريل، والله الموفق.

قوله: "وعلمِ الساعة" تفسير منه للمراد بقول جبريل في السؤال: "متى الساعة؟" أي متى علم الساعة، ولا بد من تقدير محذوف آخر أي متى علم وقت الساعة.

قوله: "وبيانِ النبي -صلى الله عليه وسلم-" هو مجرور؛ لأنه معطوف على "علم" المعطوف على "سؤالِ" المجرور بالإضافة، فإن قيل: لم يُبين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت الساعة؟)، هو قال: "وعلم الساعة" (فإن قيل: لم يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت الساعة، فكيف قال: "وبيان النبي -صلى الله عليه وسلم- له")، يعني بين البيان الذي هو في مقدوره؛ لأن البيان لا يلزم أن يكون بمطابقة الجواب للسؤال، ما يلزم. البيان المتاح، كما أن الإنسان عليه أن يجاهد الجهاد المتاح الذي يستطيعه، لكن عليه أن يجاهد في حياته: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، تروح تحمل السيف وهو يقول: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} يعني بالقرآن! أنت ما عندك الآن إلا مثل هذا أو مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلم جهاد، والحج جهاد في سبيل الله، فأنت تأتي بما يتاح لك. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن البيان الشافي الكافي الذي تبرأ به ذمته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وما عدا ذلك ليس إليه.

(فإن قيل: لم يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت الساعة، فكيف قال: "وبيان النبي- صلى الله عليه وسلم- له"؟ فالجواب أن المراد بالبيان بيان أكثر المسئول عنه فأطلقه)، بناءً على الغالب، معظم الشيء له حكمه (لأن حكم معظم الشيء حكم كله، أو جعل الحكم في علم الساعة بأنه لا يعلمه إلا الله بيانًا له) وأي بيان أشد من هذا؟ يعني لا بد أن يوغل ويدخل فيما مُنع منه بناءً على توقعات أو تخرصات أو حسابات، بعضهم توقع أن تكون الساعة بعد الألف، الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، وبعضهم قال: ألف وأربعمائة، وهذا أشار إليه الكرماني بشرحه. من أين جاءت الألف والأربعمائة؟ «إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمن استأجر أجيرًا إلى الظهر بدينار، والثاني إلى العصر بدينار، والثالث إلى المغرب بدينارين»، فمدة هذه الأمة من صلاة العصر إلى المغرب. قالوا: وهذه المدة تُقدَّر بخمس النهار، كيف حُسبت؟ يعني يصير ثلاث ساعات في خمسة بخمس عشرة ساعة النهار، خمس النهار.

طالب: .......

لا.

طالب: .......

يصير خمس عشرة، في الصيف يصير خمس عشرة، والعصر يصير ثلاث ساعات. إذًا الخمس. كيف حسبناها ألف وأربعمائة؟ عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، والخمس؟

طالب: ألف وأربعمائة.

هل سيق الحديث لهذا؟! يعني بهذا المتشابه نقضي على نصوص: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، يعني حتى نفسي، أما إخفاؤها عما عداه -جَلَّ وعَلا- هذا أمر مفروغ مقطوع به، ثم نقول: الساعة سنة ألف وأربعمائة؟! جاء من يقول: ألف وأربعمائة وسبعة تقوم الساعة! كيف ألف وأربعمائة وسبع؟ حساب الجُمَّل، {بَغْتَةً} في حساب الجُمَّل ألف وأربعمائة وسبعة {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187]، {بَغْتَةً}: ألف وأربعمائة وسبعة. صحيح الحساب، لكن هل يُعتمد عليه في مثل هذه الغيبيات؟ أبدًا.

طالب: .......

أين؟

لا، هم يقولون: الباء بكذا والغين بكذا والتاء بكذا والهاء بكذا، ثم يجمعون .......، ما تعرف حساب الجُمَّل أنت؟ حساب الجمل ينفع في تاريخ ميلاد وتاريخ وفاة وأشياء ظاهرة، ما يخالف. ماذا؟

طالب: .......

لا، غيره.

طالب: .......

نعم، وكل حرف من هذه الحروف له رقم، ثم تضم هذه الأرقام، ويطلع لك التاريخ الذي تريده.

المقصود أن هذا كله لا قيمة له، والنصوص القطعية في الكتاب والسنة تدل على أنه لا يعلمها إلا الله. ثم بعدُ يأتي أهل الهذيان حتى أنتم تسمعون كلامهم وتناقضهم، واحد يزعم أنه بارع في علم الفلك ويؤتى به في القنوات، ويسأل عن خراب العالم، الذي في قيام الساعة قبل سنتين يقول: الآن بقي ألفان وخمسمائة ترليون سنة! اتصل عليه واحد، داخل واحد وقال: ما تقول في فلان؟ فلكي كبير عندهم معظم، قال: هذا إمام الجميع. قال: هو يقول: خراب العالم بألفين واثني عشر، يعني بقي سنتان ونصف؟ كم حذف من صفر؟

طالب: .......

يعني بدل ألفين وخمسمائة ترليون سنة إلى سنتين ونصف! كفاهم عيبًا تناقض قولهم.

طالب: .......

ماذا يتكلم؟

طالب: .......

هذا ضلال بلا شك، ضلال ومصادمة لما ثبت عن الله وعن رسوله.

طالب: .......

لا، هو الإشكال أن الخمس المغيبات ما بقي منها شيء: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا...} [لقمان: 34] انظر التحليلات حول البورصات والأسهم وما الذي يصير غدًا؟ ومتى ينزل المطر؟ ومتى يحتجب؟ وينزلونه على كيفهم كما زعموا، ويعلمون ما في الأرحام حتى إنهم ادعوا أنهم يعلمون قبل الوطء وما الذي سيجيء! والله عُرض علينا هذا أنهم يَعلمون قبل الوطء، فضلاً عن كونه يُعلم في الأيام الأولى أو شيء من هذا.

طالب: .......

هذا الكلام أنه ما بقي من الخمس شيء.

طالب: .......

ما يلزم، الله أعلم. الإنسان عليه بخويصة نفسه، يعني يستعد لما أمامه، ثم إذا جاءت العلامات الصغرى أو الكبرى إذا هو مستعد يتجهز. كون الإنسان يُسوف فهذا ما ينفعه سواء تأخرت أو تقدمت، يؤخذ على غرة سواء اليوم أو غدًا أو بعد مائة سنة.

طالب: .......

نعم.

طالب: شيخ الله يحفظك.

أين نحن الله يهديك؟

طالب: "وبيان النبي -صلى الله عليه وسلم-".

قرأنا "وبيان النبي" إلى آخره.

(فالجواب أن المراد بالبيان بيان أكثر المسئول عنه فأطلقه؛ لأن حكم معظم الشيء حكم كلِّه، أو جعل الحكم في علم الساعة بأنه لا يعلمه إلا الله بيانًا له)، بيان مناسب، بيان متاح.

طالب: .......

لا، هو خلاف مبني على نصوص، ولا شك أن ثمرته أن يقرر في النفوس أن الإيمان أخص وأدق، وأن المتصف به أشرف وأعظم من المتصف بالثاني الذي هو العمل.

طالب: .......

لكن إذا ركزت. بلى، واضح. لو قلت: الإسلام وقلت: فلان مسلم، وصار مؤمنًا من كل وجه ما فيه فرق بين الإطلاقين. لكن إذا خصصت الخاصة بالإيمان، والعامة بالإسلام، يعني الذين يزاولون معاصي وجرائم ومنكرات، لا شك أنه تبقى الخاصة لهم هيبتهم، ولهم قدرهم.

(قوله: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم" هو البصري المعروف بابن عُلية، "قال أخبرنا أبو حيان التيمي")، التيمي أم التميمي؟

طالب: التميمي.

التيمي أم التميمي؟

طالب: في المتن "التيمي" وهنا التميمي.

لا، "التيمي" هو تيمي.

طالب: .......

لا، تيمي هو.

طالب: .......

ما هو؟

طالب: .......

هو "التيمي" بلا شك.

(وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور، ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضًا عن عمارة بن القعقاع، ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضًا عن أبي فروة؛ ثلاثتهم عن أبي زرعة عن أبي هريرة، زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضًا، وساق حديثه عنهما جميعًا، وفيه فوائد زوائد سنشير إليها إن شاء الله تعالى. ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة إلا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير)، يعني البجلي، ابن جرير بن عبد الله البجلي، (جرير هذا عنه، ولم يُخرجه البخاري إلا من طريق أبي حيان عنه، وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب)، يعني ومن حديث أبي هريرة متفق عليه، ومن حديث عمر من مفردات مسلم. في الأربعين اختار أبي هريرة أم عمر؟

طالب: .......

حديث عمر. واختيار العالِم هل يُعد مرجحًا أم غير مرجح للرواية؟ فهل يُرجح ما في مسلم على ما في الصحيحين، أو أنه اختاره لجلالة راويه الذي هو عمر؟

طالب: هو أكمل يا شيخ.

الآن هناك فوائد يحتاج إليها من يهتم بالدقائق، الآن تأتي رواية في البخاري، وتأتي في موضع آخر على خلاف هذا اللفظ، أو يروي البخاري الحديث، ويرويه مسلم، ثم يأتي إمام من النقاد من المتأخرين فيقتصر على رواية مسلم، أو يقتصر على إحدى روايتي مسلم أو على إحدى روايتي البخاري. ترجيحه هباء أم له قيمة؟ اختياره من الروايات له قيمة، يعني مثلاً النووي له مختصر لصحيح مسلم، له مختصر في صحيح مسلم، ويختصر النووي على إحدى الروايات المختلفة، يدل على أنها أرجح عنده من غيرها. أيضًا البيهقي يُخرج الحديث من طريق البخاري مثلاً، ويقتصر على رواية أو على لفظ دون غيره، يدل على أنه أرجح عنده من غيره.

طالب: ...

ماذا؟  

طالب: .......

لا، ما هو بمسألة زيادة، لا، قد يغمز الرواية الثانية بتركها.

لماذا لم يُخرج البخاري حديث عمر؟ سيذكر الحافظ.

(وفي سياقه فوائد زوائد أيضًا)، يعني سياق حديث عمر، (وإنما لم يُخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته، فمشهوره رواية كَهْمَس بسين مهملة قبلها ميم مفتوحة، ابن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يَعْمَر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة)، يَعْمَر (عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ، وتابعه مَطر الوراق عن عبد الله بن بريدة، وتابعه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر، وكذا رواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة، لكنه قال: عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن معًا عن ابن عمر عن عمر، زاد فيه حميدًا، وحميد له في الرواية المشهورة ذِكر لا رواية)، (له في الرواية المشهورة ذِكر لا رواية) ما معنى هذا؟ أنه يرد ذِكره عرض، يرد ذكره في قصة ليست من سند الحديث، جاءت عَرضًا، فيكون له ذكر، وقد يكون هذا المذكور عرضًا ليس من شرط الصحيح فلا يؤثر؛ لأن المعول ليس عليه؛ ولذلك بعض الناس يخطف الشيء خطفًا، فيقع على أسماء مذكورة في الصحيح، ثم يرجع في الترجمة إلى أنه فيه كلام لأهل العلم فيه ضعف، لكن هل ذكره صاحب الصحيح معتمدًا عليه راويًا من طريقه؟ أو أنه جاء ذكره في قصة عارضة؟ (وأخرج مسلم هذه الطريق)، هذه أم هذا؟

طالب: (هذه الطرق).

نعم (هذه الطرق)، لكنهم يقولون: الطريق الأولى.

(وأخرج مسلم هذه الطرق، ولم يسق منها إلا متن الطريق الأولى)، الطريق مؤنث أم مذكر؟

طالب: مؤنث مجازي.

هو مؤنث أم مذكر؟ ما اختلفنا أنه مجازي، لكن يؤنَّث أم يذكَّر؟ تقول: طريق أول أم طريق أولى؟

طالب: أول.

طالب: .......

طالب: يذكر ويؤنث.

هل أحد يقول لك إن الطريق له فرج حتى تقول مجازي؟ هو مؤنث أم مذكر؟

طالب: مؤنث.

الجادة عند أهل الحديث أنهم يؤنثونه. هو يُذكر ويؤنث، لكن المتبع عندهم التأنيث، الجادة عند أهل الحديث أنهم يؤنثون. وفي القرآن: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ}...

طالب: {يَبَسًا} [طه: 77].

مذكر أم مؤنث؟

طالب: مذكر.

مذكر، ما قال: طريقًا يابسة.

طالب: شيخ أحسن الله إليك، أول الكلام يقول الإمام -رَحِمَهُ اللهُ-: (وقال الخطابي: صنف في المسألة إمامان كبيران)، من هما يا شيخ؟

والله عندي بنسختي لكن ما أدري الآن، بعيد العهد جدًّا.

(وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها إلا متن الطريق الأولى، وأحال الباقي عليها، وبينها اختلاف كثير سنشير إلى بعضه، فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره، وأما رواية سليمان التيمي فأخرجها ابن خزيمة في صحيحه وغيرُه)، يعني غير ابن خزيمة، أو أخرجها ابن خزيمة في الصحيح وفي غير الصحيح.

(وأما رواية عثمان بن غياث فأخرجها أحمد في مسنده، وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال: بينما نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن أبيه، أخرجه أحمد أيضًا، وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخُرساني عن يحيى بن يعمر، وكذا رُوي من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني، وفي الباب عن أنس أخرجه البزار والبخاري في خَلق أفعال العباد، وإسناده حسن)، والله صبر وجلد على متابعة هذه الروايات وكتابتها، والله جلد! سخره الله لهذا الكتاب -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-.

الآن الذين بين أيديهم الآلات أتصور أنهم يعجزون عن مثل هذا الحصر وهذا الجمع.

(وعن جرير البجلي أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي إسناده خالد بن يزيد وهو العُمري ولا يصلح للصحيح)، قال: (ولا يصلح للصحيح)؛ لأن أبا عوانة كتابه على ما ذكر أهل العلم على طريقة المستخرجات يمكن أن يسمى الصحيح، وقد سمي بصحيح أبي عوانة، لكن هذا الراوي لا يصلح للصحيح، يعني ليس على شرطه. (وعن ابن عباس وأبي عامر الأشعري)، لأنهم يقولون من فوائد المستخرجات:

واجتنب عزوك ألفاظ المتون لهما         إذ خالفت لفظًا ومعنى ربما

 وما تزيد فاحكمن بصحته   

 ما تزيد يعني المستخرجات أو ما يزيد المستخرِج فاحكمن بصحته، فهو مع العلو من فائدته. لكن هل يُحكم باطراد بصحة ما يُخرج في المستخرجات، أو أنه قد يضيق المخرج على المستخرج فلا يجد سندًا نظيفًا يروي به الحديث فيضطر إلى أن يرويه من طريق المؤلف أو يرويه من طريق ليس بثقة، وقد وُجد في رواة المستخرجات ضعاف، فعلى هذا القول بأن ما يزاد في المستخرجات محكوم بصحته هذا غير صحيح.

قال: (ولا يصلح للصحيح عن ابن عباس وأبي عامر الأشعري، أخرجهما أحمد وإسنادهما حسن. وفي كل من هذه الطرق فوائد سنذكرها إن شاء الله تعالى في أثناء الكلام على حديث الباب)، حديث الباب لو طُبع بطريقة الطباعة الحديثة، وعلق عليه، وخُرِّج أو وُثق وترجمت الأعلام جاء في مجلد كبير؛ لأنه أكثر من عشر صفحات في صفحات الفتح التي هي مثل الصكوك. فإذا عُلق عليه وخُرِّج عليه طلع كتاب: شرح حديث جبريل لابن حجر. إذا أضيف إليه الروايات الأخرى والأطراف والفوائد المستنبطة منها جاء مجلد، والله المستعان.

قال: (وإنما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مُخرجيها لتسهيل الحَوالة عليها، فرارًا من التكرار المباين لطريق الاختصار)، لأنه مختصر هذا، لأنه شرع في شرح مطول ثم عدل عنه، شرع الحافظ في شرح المطول وكتب له المقدمة المجلد الكبير شرح، هي مقدمة للشرح الكبير ما هي بفتح الباري هذا المختصر، لكنه عدل عن الشرح المطول؛ خشية أن لا يتمه أو الناس ما يقرونه ويملون.

طالب: .......

إلا له مصنفات مجموعة.

(المباين لطريق الاختصار، والله الموفق)، لكن بركة في الأعمار، يعني خمس وعشرون سنة يصنف مثل هذا، ونحن أخذنا ثلاث سنين أو أربعًا في بدء الوحي، ضياع!

(قوله: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بارزًا يومًا للناس" أي ظاهرًا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره)، بارز واضح، ما يجيء أحد يسأل فلانًا يظنه النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لا، بارز واضح.

طالب: .......

المقصود أنه معروف النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وأحيانًا: أيكم ابن عبد المطلب؟ يشار إليه، لكنه في هذه المرة واضح بارز، يعني في مكان متميز.

(والبروز الظهور، وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك، فإن أوله كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكانًا من طين كان يجلس عليه، انتهى. واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالِم بمكان يختص به ويكون مرتفعًا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه)، لأنه لو كان جالسًا معهم على الأرض، الرؤية متاحة للقريبين، والبعيدون ما يرون، ولا شك أن للرؤية أثرًا في توضيح العلم وترسيخه ووضوحه للمتعلم.

طالب: .......

....... خارج المسجد، نعم.

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

معلم هو؟

طالب: .......

يجلس يرتاح يعني؟

طالب: .......

الآن انظر الترف، انظر وصل بنا إلى أي شيء؟ وصل بنا الترف إلى حد قد يعوقنا عن كثير من مصالحنا. كان الناس في السابق على حصى يجلسون، وعلى أرض غير مستوية، هذه حفرة، وهذه ناتئة، وهذا نازل، ومبسوطين ومرتاحين، ويسافر الإنسان ستة أشهر على جمل ويؤلف والقلب مرتاح. الآن لا، لو جلسوا على إسفنج ضغط ستين ما جلس، ما يطيق، وأنا واحد منهم، والله ما أطقت، لازم يصير ألين. شخص حج على عصا ورجع وأخذ ثلاثة أشهر في الطريق، الزاوية زاوية السيارة الحمالية الأولة التي بها يمكن ثلاثمائة شخص، الزاوية هذه وضع عليها عصا وحج عليها ورجع.

الآن بالطيارة ساعة تضيق به الدنيا ذرعًا، لو ينتقل قدامه واحد يسلم السيارة ما هو بعاجل بالمشي فلعله يدفعه، ما يصبر! والله هذا الحاصل، انظر الناس عند الإشارات لو وقف واحد قدام من يلفون يمينًا، ماذا يفعلون به؟ كانت الطرق بالأشهر وبالسنين والأمور ماشية ويؤلفون كتبًا، ومرتاحين ومبسوطين، وبعضهم يتزوج بالطريق وينجب! لكن أنت ماذا عندك الآن حتى تعجل عليه؟ على لا شيء، يعني ما نفعل شيئًا إذا أوينا إلى بيوتنا، لا. واحد أجنبي أوروبي أو أمريكي يتساءل يقول: أنا ودي أرى السعوديين ماذا يفعلزن لو وصلوا بيوتهم من العجلة؟

طالب: .......

نعم، يريد أن يرى ماذا يفعل الناس ببيوتهم لو وصلوا، وماذا عندهم؟ ما هناك شيء، والله ما هناك شيء، غالب الناس ما عنده شيء، لكن حرارة بالقلب وأثرها على الصحة، كم واحد حصل له ضغط أو ينفجر شريان أو أزمة قلبية أو شيء عند الإشارة؟ كم حادثًا وقع؟ وُجد الناس أمواتًا عند الإشارات، كله لأنه يريد يلف يمينًا وواحد قدامه، أو استخدم الإشارات ولا يرى النور وأطفأت وما بعد تحركت! هذه كارثة عندهم.

الترف في جميع النصوص مذموم، فلذا جاء الحث على الاحتفاء والانتعال والتمعدد وأمور كثيرة في الشرع، و«البذاذة من الإيمان»، نصوص يعني تدل على أن الإنسان عليه أن يتوسط في أموره كلها، لا يكون بحيث يقذره الناس أو يخرج عن عرف الناس بشيء غير مألوف، لكن أيضًا ذلك لا يبالغ.

طالب: .......

الحاجة ما فيها إشكال، كأن الناس، صاحب التسعين سنة المائة سنة يقوم للتهجد ساعة واقفًا، أنا رأيت شابًّا ما وصل العشرين يصلي بالصف الأول ولا وراءه جدار، وصل إلى آخر المسجد يحبو حبوًا، يعني ما مشى! يعني نصل إلى هذا الحد، فكيف نجاهد؟ كيف ننهض بديننا، بأمتنا، كيف ننهض وهذا وضعنا؟

(واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالِم بمكان يختص به، ويكون مرتفعًا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه.

قوله: "فأتاه رجل")، ونقف على هذا.

طالب: .......

صح.

طالب: .......

يعني أنت تظن أن واحدًا يظن أن الطريق حقيقي؟ وما هو الحقيقي؟ الحقيقي ما له فرج، ما أحد يشك أن هذا مجازي يا أخانا!

طالب: .......

"