تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] الآية استدل المعتزلة النافون لرؤية الله بالأبصار يوم القيامة بهذه الآية على مذهبهم الباطل، وقد جاءت آيات تدل على أن نفي الرؤية المذكور إنما هو في الدنيا، وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرونه- جل وعلا- بأبصارهم، كما صرح به تعالى في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، وقوله في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]".

فيه سقط عندك، وأما في الآخرة؟

"وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرونه -جل وعلا- بأبصارهم".

نعم، كما؟

"كما صرح به -تعالى- في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]".

طيب كما صرّح به؟ وجوه؟

"كما صرح به -تعالى- في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، وقوله في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]".

نعم.

"فإنه يفهم من مفهوم مخالفته أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه -جل وعلا-، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] «الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم»، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، وقد تواترت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، وتحقيق المقام في المسألة: أن رؤية الله -جل وعلا- بالأبصار جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الأدلة على جوازها عقلاً في دار الدنيا: قول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]؛ لأن موسى لا يخفى عليه الجائز والمستحيل في حق الله تعالى، وأما شرعًا فهي جائزة وواقعة في الآخرة كما دلت عليه الآيات المذكورة، وتواترت به الأحاديث الصحاح، وأما في الدنيا فممنوعة شرعًا كما تدل عليه آية الأعراف هذه، وحديث: «إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»، كما أوضحناه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كما قال الشيخ -رحمه الله- استدل المعتزلة على نفي الرؤية على نفي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بالنفي بلن، بقوله: { قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، ورأوا أن النفي هنا يقتضي التأبيد، وأن لن تنفي نفيًا مؤبدًا، وهذا التأبيد يشمل الدنيا والآخرة، هذا رأيهم يتوصلون بذلك إلى رأيهم الفاسد في نفي الرؤية، مخالفين بذلك النصوص الصحيحة الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لن تقتضي النفي، وليس من لازمه التأبيد، وجاءت مقرونة بالتأبيد، ومع ذلك حصل خلاف ما جاءت به، {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة:95] مع التأبيد، وجاء في قوله -جل وعلا-: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] تمنوه وطلبوه، وهي مقرونة بالتأبيد، ولذا يقول ابن مالك -رحمه الله-:

ومن رأى النفي بلن مؤبدًا
 

فقولهم بِذ وسواه فاعضدا
 

اعترض بعض النحاة على هذا الكلام بقول الله -جل وعلا-: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج:73] هل بالإمكان أن يخلقوا في الحال والاستقبال ذبابًا؟

طالب: ...............

نعم؟

طالب: ...............

 ليس بممكن وهاهنا هي للتأبيد بلا شك، فكون لن لا تقتضي التأبيد فإنها لا تأباها، تأتي بهذا وتأتي بهذا، وليست للتأبيد باطراد، وليست للتأبيد باطراد، فقوله -جل وعلا-: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، يعني في الدنيا، يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فالأدلة من الكتاب والسُّنَّة دلت على وقوعها للمؤمنين، بل هي من أعظم النعيم في الجنة، أعظم ما يتنعم به أهل الجنة رؤية الباري -جل وعلا-، دفع إيهام الاضطراب هناك خالد؟

 وجدت الموضع؟

طالب: ...............

أعطه الشيخ.

طالب: "قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] الآية، هذه الآية الكريمة توهم أن الله تعالى لا يرى بالأبصار، وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه يُرى بالأبصار كقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، وكقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وكذلك قوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} على أحد القولين، وكقوله تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، يفهم من دليل خطابه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن ربهم، والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن المعنى: لا تدركه الأبصار أي في الدنيا".

دليل الخطاب الذي أشار إليه الشيخ هو مفهوم المخالفة، نعم مفهوم المخالفة.

طالب: "أن المعنى: لا تدركه الأبصار أي في الدنيا، فلا ينافي الرؤية في الآخرة.

الثاني: أنه عام مخصوص برؤية المؤمنين له في الآخرة، وهذا قريب في المعنى من الأول. الثالث: وهو الحق: أن المنفي في هذه الآية الإدراك المشعر بالإحاطة بالكنه، أما مطلق الرؤية فلا تدل الآية على نفيه، بل هو ثابت بهذه الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، واتفاق أهل السُّنَّة والجماعة على ذلك.

وحاصل هذا الجواب أن الإدراك أخص من مطلق الرؤية؛ لأن الإدراك المراد به الإحاطة، والعرب تقول: رأيت الشيء وما أدركته، فمعنى لا تدركه الأبصار: لا تحيط به كما أنه تعالى يعلمه الخلق، ولا يحيطون به علمًا، وقد اتفق العقلاء على أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فانتفاء الإدراك لا يلزم منه انتفاء مطلق الرؤية مع أن الله تعالى لا يدرك كُنهه على الحقيقة أحد من الخلق، والدليل على صحة هذا الوجه ما أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى مرفوعًا: «حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».

 فالحديث صريح في عدم الرؤية في الدنيا، ويفهم منه عدم إمكان الإحاطة مطلقًا. والحاصل أن رؤيته تعالى بالأبصار جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة؛ لأن كل موجود يجوز أن يرى عقلاً، ويدل لجوازها عقلاً قول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]؛ لأنه لا يجهل الجائز في حق الله تعالى عقلاً، وأما في الشرع فهي جائزة وواقعة في الآخرة، ممتنعة في الدنيا، ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه مسلم وابن خزيمة مرفوعًا: «إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»، والأحاديث برؤية المؤمنين له يوم القيامة متواترة، والعلم عند الله تعالى".

انتهى نعم.

"قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}[الأعراف:148]، بين في هذه الآية الكريمة سخافة عقول عبدة العجل، ووبَّخهم على أنهم يعبدون ما لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً، وأَوْضَح هذا في طه بقوله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [طه:89]، وقد قدَّمنا في سورة البقرة أن جميع آيات اتخاذهم العجل إلهًا حذف فيها المفعول الثاني في جميع القرآن كما في قوله هنا: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} [الأعراف:148]الآية، أي اتخذوه إلهًا، وقد قدمنا أن النكتة في حذفه دائمًا التنبيه على أنه لا ينبغي التلفظ بأن عجلاً مصطنعًا من جمادٍ إله، وقد أشار تعالى إلى هذا المفعول المحذوف دائمًا في طه بقوله: {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه:88]".

يتردد في كلام أهل العلم أن الناطق بالكفر ليس بكافر، المفعول الثاني إذا نُطِق به، وأنهم اتخذوه إلهًا حذفه من باب الأدب، هم اتخذوه إلهًا، ولكن لا ينبغي مثل هذا الذي لا ينفع ولا يضر ولا ينطق ولا يتكلم أن يُتَّخذ إلهًا فلا يجري على لسان المسلم أو الذي يتدين بالدين، ولا يأتي في كلام الله -جل وعلا- صيانة له، ولذلك قال عمر -رضي الله عنه-: لما سمعت النهي عن الحلف بغير الله لم أنطق به لا بادئًا ولا آثرًا، يعني ما نقلته عن غيري، فهذا من كمال الأدب، وإلا لو جاء على لسان عبدة العجل أنهم اتخذوه إلهًا هذا واقع، عبدوه من دون الله، والعبادة هي التأله، ولكن مثل هذه الأمور التي يصان عنها اللسان، وهذا من كمال الأدب الشرعي، وهو اللائق بمن يتدين لله -جل وعلا- ألا ينطق بكلمة الكفر ولو ينقلها ولو نقلها عن غيره؛ ليصون لسانه، ولئلا يتعود عليها من كثرة ما يزاولها، قد يسبق لسانه إليها، وفي يوم من الأيام قد يغريه الشيطان، وما أشبه ذلك، لكن إذا حسم المادة فلم ينطق بها لا جادًا ولا هازلاً ولا مبتدئًا ولا آثرًا فإنه يصون نفسه عنها.

 طالب: ...............

الأصل الجواز النقل والأثر كون الإنسان يأثر عن غيره هذا ما فيه إشكال في الأصل، ولكن صيانة اللسان عما لا ينبغي هو الأدب، قال: هو على ملة عبد المطلب، والأصل في السياق أن يقول: أنا على ملة عبد المطلب، يقوله كافر، فصيانة للسان المسلم من أن يقع في هذه الألفاظ ولو ناقلاً عن غيره جاء كمال الأدب بذلك. 

"قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:149].

بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة أن عبدة العجل اعترفوا بذنبهم، وندموا على ما فعلوا، وصرح في سورة البقرة بتوبتهم ورضاهم بالقتل وتوبة الله- جل وعلا- عليهم بقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 54 ]، قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ الْآيَةَ} [الأعراف:150] الآية.

أوضح الله ما ذكره هنا بقوله في طه قال: {يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا. أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي. قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [سورة طه: 86:87] الآية.

قوله تعالى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف:150] الآية. أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى ما اعتذر به نبي الله هارون لأخيه موسى عما وجهه إليه من اللوم، وأوضحه في طه بقوله: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94]، وصرح الله تعالى ببراءته بقوله: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه90:91].

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]. هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه -صلى الله عليه وسلم- رسولٌ إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17]، وقَيَّد في موضع آخر عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، وصرّح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} [آل عمران:20]، إلى غير ذلك من الآيات".

في كلام الشيخ -رحمه الله-: "قيّد في موضع آخر عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن"، مفهوم كلام الشيخ أن الذي لم يبلغه القرآن أنه ليس بمطالب برسالته، وليس ممن أرسل إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الكلام ما هو بصحيح، كل الناس داخلٌ في عموم رسالته داخل في عموم رسالته -عليه الصلاة والسلام-، بلغته أو لم تبلغه، لكن قيام الحجة على هذا المطالب بالدخول وقيام الحجة عليه بالبلوغ {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، يعني لأحاجكم به ومن بلغه هذا القرآن، وأما من لم يبلغه فلا بد أن تقام عليه الحجة، ويكون حكمه حكم أهل الفترة، وهل أهل الفترة معفون من المطالبة بما بلغهم من الديانات؟

المسألة خلافية حتى قال جمعٌ من أهل العلم إنهم يختبرون في الآخرة، يختبرون في الآخرة، ذكر ابن القيم أنهم يخرَج لهم لسان من نار ويقال لهم: ادخلوها، فإن دخلوا نجوا، وإن أبوا صاروا معرضين، وصاروا غير مستجيبين لما أُمروا به.

 على كل حال هذا الكلام من الشيخ: "وقيد في موضع آخر عموم رسالته" لشيخ الإسلام رسالة صغيرة نفيسة اسمها: إيضاح الدلالة بعموم الرسالة، وأن كل أحد مطالب بها، ولا يستثنى من ذلك أحد، لكن هذه المطالب إن قامت عليه الحجة أو لم تقم هذه مسألة أخرى، لكنه في الأصل مطالب.

طالب: ...............

 نعم أين؟

طالب: ...............

لا، لكن تعبير الشيخ بهذا فيه نظر، فيه نظر؛ لأنه يفهَم منه أن ممن وُجِد بعده أو في وقته غير مطالب برسالته؛ لأنه ما بلغته، وهو في الأصل مطالب، لكن كونه معاقبًا يأتي هنا بلوغ الحجة وعدم بلوغها.

طالب:...

هو من أمة محمد سواء كان ممن استجاب فيصير من أمة الإجابة، ومن لم يستجب فيكون من أمة الدعوة.  

"قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف:158] الآية. لم يبين هنا كثرة كلماته ولكنه بين ذلك في مواضع أخر، كقوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27]. قوله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف:169] الآية. هذا الميثاق المذكور يبينه قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]".

 ما علاقة الميثاق المذكور في هذه الآية والميثاق المذكور في التي بعدها؟ الآية التي بعدها آية الميثاق؟ من ذرية آدم، وتلك؟

طالب: ...............

خاص بأهل الكتاب.

"قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف173:172] في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء:

أحدهما: أن معنى أخذه ذرية بني آدم من ظهورهم هو إيجاد قرن منهم بعد قرن، وإنشاء قوم بعد آخرين كما قال تعالى: {كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام:133]، وقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ) [فاطر:39]".

خلائف الأرض.

"{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} [الأنعام:165] وقال: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ} [النمل:62]، ونحو ذلك من الآيات، وعلى هذا القول فمعنى قوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أن إشهادهم على أنفسهم إنما هو بما نصب لهم من الأدلة القاطعة بأنه ربهم المستحق منهم لأن يعبدوه وحده، وعليه فمعنى: قالوا بلى، أي: قالوا ذلك بلسان حالهم؛ لظهور الأدلة عليه، ونظيره من إطلاق الشهادة على شهادة لسان الحال قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة:17]، أي بلسان حالهم على القول بذلك، وقوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات6:7] أي: بلسان حاله أيضًا على القول بأن ذلك هو المراد في الآية أيضًا".

لو قالوا: نعم مكان بلى يختلف المعنى أم ما يختلف؟ اختلاف جذري، ولذا أُثر عن ابن عباس أنهم لو قالوا نعم لكفروا؛ لأن نعم تقرر المنفي ألست بربكم؟ تقرر المنفي، لو قالوا: نعم، يعني لست بربنا، لكن لما قالوا: بلى قالوا: بل أنت ربنا، نعم.

طالب:...

نعم؟

طالب: ...............

نعم، هذه ميزة أخذ الآيات من المصحف برسمها مضمونة الصحة من جهة، إلا أنها إذا أُخذت من موضع آخر تكون صحيحة في ذلك الموضع، وقد لا تكون صريحة في الدلالة على المراد، ولذلك لما رسموا الآيات رسم المصحف أَمِنَّا من كون الآية فيها خطأ، لكن هل هذه الآية الموضوعة في هذا الموضع هي التي أرادها المؤلف أم لا؟ وهذا مرّ بنا كثيرًا، لكن الإشكال في أنه مع أنه أخذت من رسم المصحف أنهم يذكرون أرقام الآيات ولا يذكرون السور، ولا يذكرون السور.

"واحتج من ذهب إلى هذا القول بأن الله -جل وعلا- جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك به- جل وعلا- في قوله: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف173:172]، قالوا: فلو كان الإشهاد المذكور الإشهاد عليهم يوم الميثاق، وهم في صورة الذر لما كان حجة عليهم؛ لأنه لا يذكره منهم أحد عند وجوده في الدنيا، وما لا علم للإنسان به لا يكون حجة عليه.

 فإن قيل: إخبار الرسل بالميثاق المذكور كاف في ثبوته، قلنا: قال ابن كثير في تفسيره: الجواب عن ذلك أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره، وهذا جُعِلَ حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من التوحيد، ولهذا قال: {أَنْ تَقُولُوا} الآية. اهـ منه بلفظه.

فإذا علمت هذا الوجه الذي ذكرنا في تفسير الآية، وما استدل عليه قائله به من القرآن، فاعلم أن الوجه الآخر في معنى الآية: أن الله أخرج جميع ذرية آدم من ظهور الآباء في صورة الذر، وأشهدهم على أنفسهم بلسان المقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، ثم أرسل بعد ذلك الرسل مذكرة بذلك الميثاق الذي نسيه الكل ولم يولد أحد منهم وهو ذاكر له، وإخبار الرسل به يحصل به اليقين بوجوده.

قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الأخير يدل له الكتاب والسُّنَّة. أما وجه دلالة القرآن عليه فهو أن مقتضى القول الأول أن ما أقام الله لهم من البراهين القطعية كخلق السماوات والأرض، وما فيهما من غرائب صنع الله الدالة على أنه الرب المعبود وحده".

هذه المخلوقات الدالة على وجود الله -جل وعلا- لو كانت هي المرادة في الآية لاكتفي بها عن بعثة الرسل، اكتفي بها، وإنما أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، والحجة إنما تقوم بإرسال الرسل، نعم.

"وما ركَّز فيهم من الفطرة التي فطرهم عليها تقوم عليهم به الحجة، ولو لم يأتهم نذير، والآيات القرآنية مصرحة بكثرة بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الفطرة؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، فإنه قال فيها: حتى نبعث رسولاً، ولم يقل حتى نخلق عقولاً، وننصب أدلة، ونركِّز فطرة. ومن ذلك قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] الآية".

دل على أنه لو لم يرسل الرسل للبشارة والنذارة لكان للناس حجة، مع أنه نصب الأدلة، وجعل العلامات الدالة على وجوده، لكن هذا لا يكفي.

"ومن ذلك قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] الآية، فصرح بأن الذي تقوم به الحجة على الناس، وينقطع به عذرهم: هو إنذار الرسل لا نصْب الأدلة والخلق على الفطرة. وهذه الحجة التي بُعِث الرسل لقطعها بيَّنها في طه بقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه:134]، وأشار لها في القصص بقوله: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:47]، ومن ذلك أنه تعالى صرّح بأن جميع أهل النار قُطِع عذرهم في الدنيا بإنذار الرسل، ولم يكتف في ذلك بنصب الأدلة، كقوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:9]، وقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71]".

في جميع المواضع يثبت الربُّ -جل وعلا- أن الحجة إنما تنقطع بإرسال الرسل، وأنهم تم الاحتجاج عليهم ببعث الرسل وأنه لم يكتفِ بنصب العلامات وخلق الخلائق ووجود الأدلة الدالة على وجوده، وإنما الحجة تنقطع ببعثة الرسل.

"ومعلوم أن لفظة: كلما في قوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} صيغة عموم، وأن لفظة: الذين في قوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} صيغة عموم أيضًا؛ لأن الموصول يعمُّ كل ما تشمله صلته. وأما السُّنَّة: فإنه قد دلَّت أحاديث كثيرة على أن الله أخرج ذرية آدم في صورة الذَرّ فأخذ عليهم الميثاق كما ذكر هنا، وبعضها صحيح قال القرطبي في تفسير هذه الآية: قال أبو عمر، يعني ابن عبد البر، لكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه ثابتة كثيرة، من حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة- رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهم انتهى محلُّ الحاجة منه بلفظه، وهذا الخلاف الذي ذكرنا هل يكتفى في الإلزام بالتوحيد بنصب الأدلة، أو لا بد من بعث الرسل لينذروا؟

هو مَبنى الخلاف المشهور عند أهل الأصول في أهل الفترة، هل يدخلون النار بكفرهم؟ وحكى القرافي عليه الإجماع، وجزم به النووي في "شرح مسلم"، أو يعذرون بالفترة، وهو ظاهر الآيات التي ذكرناها، وإلى هذا الخلاف أشار في "مراقي السعود" بقوله: ذو فترة بالفرع لا يراع وفي الأصول بينهم نزاع، وقد حققنا هذه المسألة مع مناقشة أدلة الفريقين في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة "بني إسرائيل" في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] ولذلك اختصرناها هنا".

أهل الفترة جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم عليهم بالنار، أو حكم على من جاء ذكره بالنار، فلما سأله رجل: أين أبي؟ قال: «إن أبي وأباك في النار»، وعمرو بن لحي رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يجرُّ قُصْبَه في النار، فحكم عليهم بالنار وهم من أهل الفترة وما بلغتهم دعوة الرسل الذين سبقوا، اللهم إلا عند من يقول: إنه لا بد من بلوغ الدعوة فيحمله على أنها بلغته دعوة من سبقته، وتقدّم من الأنبياء، والأصل أن العرب يكونون على ملة إبراهيم، وأنها بلغتهم فلذا يؤاخَذون بهذه الدعوة. وعلى كل حال الكلام في أهل الفترة وأقوال العلماء فيهم مذكور في آخر طريق الهجرتين لابن القيم، وذكر جميع الأقوال -رحمه الله- واستوفى الكلام في ذلك.

طالب:...

أين؟

طالب: ...............

هذا الوجه الأخير يدل له الكتاب والسُّنَّة؟

طالب: ...............

الذي هو القول الثاني؟

بالأدلة، والنصّ الصريح الصحيح أنها تقوم بالرسل، وتعضد آية الميثاق، وأنها هي الحكم في الباب.

طالب: ...............

 على كل حال..

طالب:...

القول الأول يقولون: لو كان إخراجًا حقيقيًّا وهو ملزم في الوقت نفسه لما نسيه جميع من أُخِذ عليهم، لما زالوا يتذكرونه ويعترفون به، ويلتزمون بلازمه لو هو حقيقي، هم يقولون هذا، وإنما هو عبارة عن وجود الآيات والدلائل التي تدل على وجوده، وأنه الإله الحق، يعني كوننا لا نذكر شيئًا ألا يكون واقعًا؟ هل ينفي أن يكون واقعًا أننا لا نذكره؟ ولا واحد من المخلوقين يذكره؟ هل ينفيه؟ ما ينفيه؛ لأن النصّ قطعي ذكره.

طالب: ...............

 ننظر دفع الاضطراب؟

طالب:...

من يقرأ الموضوع في دفع الإيهام.

طالب: ...............

 طيب هو ما بعث رسولًا؟

طالب: ...............

على كل حال الخلاف طويل، وأقوال أهل العلم في هذا ظاهرة، وراجع الكتاب الذي ذكرت، طريق الهجرتين لابن القيم، وشرح الطحاوية وضح المسألة، لابن أبي العز.

 نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 "قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى ينذره على ألسنة رسله- عليهم الصلاة والسلام-، ونظيرها قوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه:134] الآية، وقوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام:131] إلى غير ذلك من الآيات, ويؤيده تصريحه تعالى بأن كل أفواج أهل النار جاءتهم الرسل في دار الدنيا في قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك:9] الآية.

ومعلوم أنّ (كلما) صيغة عموم، ونظيرها قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} إلى قوله تعالى: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71]، فقوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعمّ كلّ كافر؛ لما تقرر في الأصول من أن الموصولات من صيغ العموم، لعمومها كلّما تشمله صلاتها، كما أشار له في مراقي السعود بقوله:

صيغه كل أو الجميع
 

 

وقد تلا الذي التي الفروع
 

ومعنى قوله: (وقد تلا الذي) أن (الذي)، و(التي) وفروعها صيغ عموم ككل وجميع، ونظيره أيضا قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} إلى قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} }[فاطر:37] فإنه عام أيضًا؛ لأن أول الكلام {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} وأمثال هذا كثيرة في القرآن مع أنه جاء في بعض الآيات ما يفهم منه أن أهل الفترة في النار؛ كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]، فإن عمومها يدل على دخول من لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك عموم قوله تعالى: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً} [آل عمران:91] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

 اعلم أولاً: أن من لم يأته نذير في دار الدنيا، وكان كافرًا حتى مات اختلف العلماء فيه: هل هو من أهل النار لكفره، أو هو معذور؛ لأنه لم يأته نذير؟ كما أشار له في مراقي السعود بقوله:

ذو فترة بالفرع لا يراع
 

 

وفي الأصول بينهم نزاع
 

وسنذكر إن شاء الله جواب أهل كل واحد من القولين، ونذكر ما يقتضي الدليل رجحانه، فنقول: وبالله نستعين قد قال قوم: إن الكافر في النار ولو مات في زمن الفترة، وممن جزم بهذا القول النووي في شرح مسلم؛ لدلالة الأحاديث على تعذيب بعض أهل الفترة، وحكى القرافي في (شرح التنقيح) الإجماع على أن موتى أهل الجاهلية في النار؛ لكفرهم كما حكاه عنه صاحب (نشر البنود)، وأجاب أهل هذا القول عن آية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وأمثالها من ثلاثة أوجه:

 الأول: إن التعذيب المنفي في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وأمثالها هو التعذيب الدنيوي فلا ينافي ثبوت التعذيب في الآخرة، وذكر الشوكاني في تفسيره أن اختصاص هذا التعذيب المنفي بالدنيا دون الآخرة ذهب إليه الجمهور، واستظهر هو خلافه، ورد التخصيص بعذاب الدنيا بأنه خلاف الظاهر من الآيات، وبأن الآيات المتقدمة الدالة على اعتراف أهل النار جميعًا بأن الرسل أنذروهم في دار الدنيا صريح في نفيه.

الثاني: أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} الآية وأمثالها في غير الواضح الذي لا يلتبس على عاقل، أما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل كعبادة الأوثان فلا يعذر فيه أحد؛ لأن جميع الكفار يقرّون بأن الله هو ربهم وهو خالقهم ورازقهم، ويتحققون أن الأوثان لا تقدر على جلب نفع ولا على دفع ضرن لكنهم غالطوا أنفسهم فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها شفعاؤهم عند الله، مع أن العقل يقطع بنفي ذلك.

الثالث: أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين أرسلوا قبله -صلى الله عليه وسلم- تقوم عليهم بها الحجة، ومال إليه بعض الميل ابن قاسم في (الآيات البينات)، وقد قدمنا في سورة آل عمران أن هذا القول يرده القرآن في آيات كثيرة مصرحة بنفي أصل النذير عنهم كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس:6]، وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [السجدة:3]، وقوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِك} [القصص:46]، وقوله: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ:44]، إلي غير ذلك من الآيات.

وأجاب القائلون بأن أهل الفترة معذورون عن مثل قوله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة:113] إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} من الآيات المتقدِّمة، بأنهم لا يتبين أنهم من أصحاب الجحيم، ولا يحكم لهم بالنار، ولو ماتوا كفارًا إلا بعد إنذارهم وامتناعهم من الإيمان كأبي طالب، وحملوا الآيات المذكورة على هذا المعنى, واعترض هذا الجواب بما ثبت في الصحيح من دخول بعض أهل الفترة النار كحديث «إن أبي وأباك في النار» الثابت في صحيح مسلم وأمثاله من الأحاديث، واعتُرِضَ هذا الاعتراض بأن الأحاديث -وإن صحت- فهي أخبار آحاد يقدم عليها القاطع كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، واعتُرِضَ هذا الاعتراض أيضًا بأنه لا يتعارض عام وخاص، فما أخرجه حديث صحيح خرج من العموم، وما لم يخرجه نص صحيح بقي داخلاً في العموم، واعتُرِض هذا الاعتراض أيضًا بأن هذا التخصيص يبطل علة العام؛ لأن الله تعالى تمدح بكمال الإنصاف، وصرح بأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار الدنيا، وبيّن أن ذلك الإنصاف التام علة لعدم التعذيب, فلو عذب إنسانًا واحدًا من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة، ولثبتت لذلك المعذب الحجة التي بعث الله الرسل لقطعها، كما صرح به في قوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، وهذه الحجة بيّنها في سورة طه بقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} [طه:134] الآية، و أشار لها في سورة القصص بقوله: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} [القصص:47] إلى قوله: {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وهذا الاعتراض الأخير يجري على الخلاف في النقض هل هو قادح في العلة أو تخصيص لها؟ وهو اختلاف كثير معروف في الأصول عقده في مراقي السعود بقوله: في تعداد القوادح في الدليل-:

منها وجود الوصف دون الحكم
 

 

سماه بالنقض وعاة العلم
 

والأكثرون عندهم لا يقدح
 

 

بل هو تخصيص وذا مصحِّح
 

وقد روى عن مالك تخصيص
 

 

إن يك الاستنباط لا التنصيص.
 

يُصحَّحُ.

طالب: أحسن الله إليك.

والأكثرون عندهم لا يقدح
 

 

بل هو تخصيص وذا مصحَّح
 

وقد روى عن مالك تخصيص
 

 

إن يك الاستنباط لا التنصيص
 

وعكس هذا قد رآه البعض
 

 

ومنتقى ذي الاختصار النقض
 

إن لم تكن منصوصة بظاهر
 

 

وليس فيما استنبطت بضائر
 

إن جاء لفقد الشرط أو لما منع
 

 

والوفق في مثل العرايا قد وقع
 

والمحققون من أهل الأصول على أن عدم تأثير العلة إن كان لوجود مانع من التأثير أو انتفاء شرط التأثير فوجودها مع تخلف الحكم لا ينقضها ولا يقدح فيها، وخروج بعض أفراد الحكم حينئذ تخصيص للعلة لا تقض لها كالقتل عمدًا عدوانًا فإنه علة القصاص إجماعًا، ولا يقدح في هذه العلة تخلف الحكم عنها في قتل الوالد لولده؛ لأن تأثيرها مَنع منه مانع هو الأبوة، وأما إن كان عدم تأثيرها لا لوجود مانع أو انتفاء بشرط فانه يكون نقضًا لها وقدحًا فيها ولكن يَرِدُ على هذا التحقيق ما ذكره بعض العلماء من أن قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه} [الحشر:4] علة منصوصة لقوله: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُم} [الحشر:3] الآية, مع أن هذه العلة قد توجد ولا يوجد ما عذب به بنو النضير من جلاء أو تعذيب دنيوي، وهو يؤيد كون النقض تخصيصًا مطلقًا لا قدحًا. ويجاب عن هذا بأن بعض المحققين من الأصوليين قال: إن التحقيق المذكور محله في العلة المستنبطة دون المنصوصة، وهذه منصوصة كما قدَّمنا ذلك".

المنصوصة هي التي يدور معها الحكم، لا المستنبطة؛ لأن الاستنباط يختلفون فيه، والنصّ لا يختلف فيه.

"وهذه منصوصة كما قدَّمنا ذلك في أبيات مراقي السعود في قوله:

وليس فيما استنبطت بضائر
 

 

إن جاء لفقد الشرط أو لما منع
 

هذا ملخص كلام العلماء وحججهم في المسألة، والذي يظهر رجحانه بالدليل هو الجمع بين الأدلة؛ لأن الجمع واجب إذا أمكن بلا خلاف كما أشار له في المراقي بقوله: والجمع واجب متى ما أمكنا، ووجه الجمع بين هذه الأدلة هو عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة بالأمر باقتحام النار".

هذا الذي رجحه ابن القيم في طريق الهجرتين، بعد أن ذكر الأقوال كلها، يخرَج لهم لسان من نار ويؤمرون باقتحامه فمن اقتحمه نجا، صار مجيبًا، ومن أبى حُكِم بأنه من أهل النار، نسأل الله العافية، نعم.

"ووجه الجمع بين هذه الأدلة هو عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة بالأمر باقتحام النار، فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا، ومن امتنع عذب بالنار وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل، وبهذا الجمع تتفق الأدلة فيكون أهل الفترة معذورين، وقوم منهم من أهل النار بعد الامتحان، وقوم منهم من أهل الجنة بعده أيضًا, ويحمل كل واحد من القولين على بعض منهم علم الله مصيرهم، وأعلَمَ به نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فيزول التعارض. والدليل على هذا الجمع ورود الأخبار به عنه -صلى الله عليه وسلم-.

 قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} بعد أن ساق طرق الأحاديث الدالة على عذرهم وامتحانهم يوم القيامة، رادّا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم ما نصّه: والجواب عما قال، إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نصَّ على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها. انتهى محلُّ الغرض منه بلفظه.

 ثم قال: إن هذا قال به جماعة من محققي العلماء والحفاظ والنقاد، وما احتج به البعض لرد هذه الأحاديث من أن الآخرة دار جزاء لا دار عمل وابتلاء فهو مردود من وجهين: الأول أن ذلك لا ترد به النصوص الصحيحة عنه -صلى الله عليه وسلم-، ولو سلمنا عموم ما قال من أن الآخرة ليست دار عمل لكانت الأحاديث المذكورة مخصصة لذلك العموم.

الثاني: أنَّا لا نسلم انتفاء الامتحان في عرصات المحشر، بل نقول دل القاطع عليه؛ لأن الله تعالى صرّح في سورة القلم بأنهم يُدعون إلى السجود في قوله جل وعلا: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42] الآية ومعلوم أن أمرهم بالسجود تكليف في عرصات المحشر, وثبت في الصحيح أن المؤمنين يسجدون يوم القيامة وأن المنافق لا يستطيع ذلك، ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحدًا كلما أراد السجود خرّ لقفاه, وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجًا منها أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مرارًا، ويقول الله تعالى: يا ابن آدم ما أغدرك، ثم يأذن له في دخول الجنة، ومعلوم أن تلك العهود والمواثيق تكليف في عرصات المحشر، والعلم عند الله تعالى".

اللهم صل وسلم وبارك.