التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحشر (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-:

"سورة الحشر، مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً. رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:« مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْحَشْرِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْهَوَامِ وَالرِّيحِ وَالسَّحَابِ وَالطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ وَالْجِبَالِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْمَلَائِكَةِ إِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ. فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيدًا»  خَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ." 

مخرج؟ ماذا قال عنه؟

طالب:............

معروف حديث أُبَي في فضائل الصور، وقد انتظم جميع صور القرآن لكنه موضوع، ويذكره بعض المفسرين، ولا يشيرون إلى وضعه، وهذا لا شك أنه تضليل وتغرير بالقارئ. فالموضوع لا تجوز روايته إلا مع بيان حكمه وهو أنه موضوع، مختلط، مصنوع، مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام. يذكره البيضاوي، ويذكرهُ  الزمخشري، ويذكره كثيرٌ من المفسرين، وهذا لا شك أنه تغرير بالسامع، وقد يخفى حكمهم عليه؛ لأنهم ليسوا من أهل الشأن،  لكن مع ذلك لا يعذرون.

طالب:............

هو يكتب لبيان وضعه، لو بينوا أنه موضوع كان الأمر سهلا، والذى لا يبين عليه تَبِعَتُهُ. نسأل الله العافية. « مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبين». "وَخَرَّجَ الثَّعَالِبِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} إِلَى آخِرِهَا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيدًا»."

الحديث فيه أيضًا يزيد الرقاشي، ومتفقٌ على ضَعفهِ فهو ضعيف.

 "وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ الْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يُمْسِي فَكَذَلِكَ». قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ."

هذا أيضًا كسابِقِهِ ضعيف.

طالب:............

يريد أن يحسنه... المقصود أن الأحاديث كلها بين موضوعٍ وضعيف.

طالب:............

مثل هذا يُشار إليه، مسئلة الفضائل، فضائل الأعمال، فالجمهور يحتجون بالضعيف، ويستدلون به على الفضائل، بالشروط المعروفة عندهم: ألا يكون ضعفُهُ شديدًا، وألا يعتقد عند العمل به ثُبُوتُه، وأن يندرج تحت أصلٍ عام. يرون أن مثل هذا أن الأصل العام حث على قراءة القرآن، وهذا منه، وضعفه كان ليس بشديدٍ، بحيثُ يوصله إلى المتروك، ولا يعتقد ثُبُوُتُه إنما بالاحتياط. هذا عند الجمهور،  والصواب المرجح أنه لا يحتج بالضعيف مطلقًا، لا فى الأحكام، ولا فى العقائد، ولا فى الفضائل، ولا فى الترغيب، ولا فى التفسير، ولا فى غيرها من أبواب الدين.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:  {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى :{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2]. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:2] فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى:  {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ}[الحشر:2] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاس:ٍ  سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ سُورَةُ النَّضِير؛ وَهُمْ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ ذُرِّيَّةِ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَزَلُوا الْمَدِينَةَ فِي فِتَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ انْتِظَارًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْه.ِ

 الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:2]؛ الْحَشْرُ الْجَمْعُ؛ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: حَشْرَانِ فِي الدُّنْيَا وَحَشْرَانِ فِي الْآخِرَةِ؛ أَمَّا الَّذِي فِي الدُّنْيَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}[الحشر:2] قَالَ الزُّهْرِيُّ:  كَانُوا مِنْ سَبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ جَلَاءٌ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ؛ فَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ أَوَّلَ حَشْرٍ حُشِرُوا فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: مَنْ شَكَّ أَنَّ الْمَحْشَرَ فِي الشَّامِ فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمُ: «اخْرُجُوا قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ:  إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ»."

مخرج؟

الحشر الذى قُرب الساعة، هذا فى الشام بلا شك، لكن هذا الحشر الذي من أجلِهِ اخرجوا؟ اخرجوا  إلى خيبر، في عهدهِ عليه الصلاة والسلام، ثم أخرجهم عمر -رضي الله عنه- إلى تيماء وأريحا، فالخبر ظاهره ضعف.

"قَالَ قَتَادَةُ  :هَذَا أَوَّلُ الْمَحْشَر،ِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ  :هُمْ أَوَّلُ مَنْ حُشِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأُخْرِجَ مِنْ دِيَارِه،ِ  وَقِيلَ:  إِنَّهُمْ أُخْرِجُوا إِلَى خَيْبَرَ، وَأَنَّ مَعْنَى لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: إِخْرَاجُهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ إِلَى خَيْبَر، وَآخِرُهُ إِخْرَاجُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِيَّاهُمْ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى نَجْدٍ وَأَذْرِعَاتٍ."

إلى تيماء وأريحا، ما أخرجهم من نجد. أخرجهم من تيماء وأريحا.

"وَقِيلَ تَيْمَاءُ وَأَرِيحَا."

نعم هذا الصواب.

"وَذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَنَقْضِ عَهْدِهِمْ. وَأَمَّا الْحَشْرُ الثَّانِي:  فَحَشْرُهُمْ قُرْبَ الْقِيَامَة. قَالَ قَتَادَةُ:  تَأْتِي نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَأْكُلُ مِنْهُمْ مَنْ تَخَلَّفَ،  وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي (كِتَابِ التَّذْكِرَةِ)، وَنَحْوَهُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ:  قُلْت لِمَالِكٍ هُوَ جَلَاؤُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ؟  فَقَالَ لِي: الْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَشْرُ الْيَهُود،ِ قَالَ: وَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ سُئِلُوا عَنِ الْمَالِ فَكَتَمُوهُ؛ فَاسْتَحَلَّهُمْ بِذَلِكَ.  قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلْحَشْرِ أَوَّلٌ وَوَسَطٌ وَآخِر؛ فَالْأَوَّلُ إِجْلَاءُ بَنِي النَّضِير، وَالْأَوْسَطُ إِجْلَاءُ خَيْبَرَ، وَالْآخِرُ حَشْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَعَنِ الْحَسَن: هُمْ بَنُو قُرَيْظَة،َ  وَخَالَفَهُ بَقِيَّةُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالُوا: بَنُو قُرَيْظَةَ مَا حُشِرُوا وَلَكِنَّهُمْ قُتِلُوا. حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ." 

حكم عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بالقتل. حَكَّمَ فيهم سعدًا، ثم نظر من أنبت منه فقتله، وسبيت النساء والذراري.

"الثَّالِثَةُ: قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ: وَمُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى الْجَلَاءِ مِنْ دِيَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ الْآنَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. وَالْآنَ فَلَا بُدَّ مِنْ قِتَالِهِمْ أَوْ سَبْيِهِمْ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يُرِيدُ لِعِظَمِ أَمْرِ الْيَهُودِ وَمَنَعَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ. {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ} قِيلَ: هِيَ الْوَطِيحُ وَالنَّطَاةُ وَالسُّلَالِمُ وَالْكَتِيبَةُ. {مِنَ اللَّهِ} أَيْ مِنْ أَمْرِهِ. وَكَانُوا أَهْلَ حَلْقَةٍ -أَيْ سِلَاحٍ كَثِيرٍ- وَحُصُونٍ مَنِيعَةٍ؛ فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا. {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ} أَيْ أَمْرُهُ وَعَذَابُهُ. {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أَيْ لَمْ يَظُنُّوا. وَقِيلَ: مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا. وَقِيلَ: مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا بِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ؛ قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بِقَتْلِ سَيِّدِهِمْ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؛ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ -وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ- وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ. وَخَبَرُهُ مَشْهُورٌ فِي السِّيرَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ» فَكَيْفَ لَا يُنْصَرُ بِهِ مَسِيرَةَ مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَحَلَّةِ بَنِي النَّضِيرِ. وَهَذِهِ خِصِّيصَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ."

في حديث الخصائص، ذكروا أنه نُصِرَ بالرعب مسيرة شهر وفي بعض الروايات شهرين. جُمع بينهما إن شهر للذهاب وشهر للإياب. المقصود إن مسيرة شهر ينصر النبي عليه الصلاة والسلام إذا علم عدوه به، فهو يذعر، ويرعب ويُرهب من مسيرة الشهر. وكذلك وراثه من بعده لهم من هذا الإرث بقدر ما وَرِثُه من علمٍ، وعمل، ولهم هيبة، ولهم رهبة في القلوب، والله المستعان، بينما لا نجدُ لهذا أثرا في الأمة بكاملها، نسأل الله جل وعلا أن يعيد لها مجدها، والله المستعان.

طالب:............

هذا منه، صورةً من صوره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَخْرَبَ؛ أَيْ يَهْدِمُونَ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عَمْرٍو (يُخَرِّبُونَ) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّخْرِيبِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّمَا اخْتَرْتُ التَّشْدِيدَ لِأَنَّ الْإِخْرَابَ تَرْكُ الشَّيْءِ خَرَابًا بِغَيْرِ سَاكِنٍ ، وَبَنُو النَّضْيرِ لَمْ يَتْرُكُوهَا خَرَابًا وَإِنَّمَا خَرَّبُوهَا بِالْهَدْمِ. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وَقَالَ آخَرُونَ: التَّخْرِيبُ وَالْإِخْرَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ."

كالتنزيل والإنزال بمعنى واحد. فالقرآن مُنزَل ومُنَزَّل.  { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان:1]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ} [الأنعام:92]،  فالتنزيل  والإنزال،  والتخريب  والإخراب  بمعنى واحد.

"وَالتَّشْدِيدُ بِمَعْنَى التَّكْثِيرِ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنَّ مَعْنَى فَعَّلْتُ وَأَفْعَلْتُ يَتَعَاقَبَانِ."

يعني بمعنى واحد، يأتى هذا بمحل هذا، وهذا يأتى بمحل هذا.

"نَحْوَ أَخْرَبْتُهُ وَخَرَّبْتُهُ وَأَفْرَحْتُهُ وَفَرَّحْتُهُ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الْأُولَى.   قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ :كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُخَرِّبُونَ مِنْ خَارِجٍ لِيَدْخُلُوا."

{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} بأيديهم من الداخل لكي يزهد بها خصمُهُ، أو لا يستفيد منها إذا استولى عليها، ومن الخارج بأيدي المؤمنين يخربونها من أجل أن يقتحموها.

"وَالْيَهُودُ يُخَرِّبُونَ مِنْ دَاخِلٍ لِيَبْنُوا بِهِ مَا خَرِبَ مِنْ حِصْنِهِمْ فَرُوِيَ أَنَّهُمْ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلَّا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ؛ فَلَمَّا ظَهَرَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالُوا: هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي نُعِتَ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ فَلَمَّا هُزِمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ ارْتَابُوا وَنَكَثُوا، فَخَرَجَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَحَالَفُوا عَلَيْهِ قُرَيْشًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَقَتَلَ كَعْبًا غِيلَةً، ثُمَّ صَبَّحَهُمْ بِالْكَتَائِبِ؛ فَقَالَ لَهُمُ: اخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَة فَقَالُوا: الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ؛ فَتَنَادَوْا بِالْحَرْبِ وَقِيلَ: اسْتَمْهَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِيَتَجَهَّزُوا لِلْخُرُوجِ، فَدَسَّ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الْمُنَافِقُ وَأَصْحَابُهُ: لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْحِصْنِ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَنَحْنُ مَعَكُمْ لَا نَخْذُلُكُمْ، وَلَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ. فَدُرِّبُوا عَلَى الْأَزِقَّةِ وَحَصَّنُوهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَأَيِسُوا مِنْ نَصْرِ الْمُنَافِقِينَ طَلَبُوا الصُّلْحَ؛ فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الْجَلَاءَ؛ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر:ِ  لَمَّا صَالَحَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِل؛ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ الْخَشَبَةَ وَالْعَمُودَ فَيَهْدِمُونَ بُيُوتَهُمْ وَيَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى إِبِلِهِمْ وَيُخَرِّبُ الْمُؤْمِنُونَ بَاقِيهَا. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَيْضًا: كَانُوا يُخَرِّبُونَهَا لِئَلَّا يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا كُلَّمَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِهِمْ هَدَمُوهَا لِيَتَّسِعَ مَوْضِعُ الْقِتَالِ، وَهُمْ يَنْقُبُونَ دُورَهُمْ مِنْ أَدْبَارِهَا إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا لِيَتَحَصَّنُوا فِيهَا، وَيَرْمُوا بِالَّتِي أَخْرَجُوا مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ."

يعني حجارتها وأنقاضها، يرمُونهُم بحجارتها وأنقاضها، بالتي أخرجوا منها بالتي خربوها.

"وَقِيلَ: لِيَسُدُّوا بِهَا أَزِقَّتَهُمْ."

ليجعلها في الطريق، ليسدوا الطرق والأزقة، لئلا يستطيع من أراد الدخول عليهم أن ينفُذ.

"وَقَالَ عِكْرِمَةُ :بِأَيْدِيهِمْ فِي إِخْرَابِ دَوَاخِلِهَا وَمَا فِيهَا لِئَلَّا يَأْخُذَهُ الْمُسْلِمُونَ. وبأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْرَابِ ظَاهِرِهَا لِيَصِلُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ :كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ مُزَخْرَفَةً فَحَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْكُنُوهَا، فَخَرَّبُوهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَرَّبَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَارِجٍ. وَقِيلَ  :يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِنَقْضِ الْمُوَاعَدَةِ، وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُقَاتَلَةِ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ {بِأَيْدِيهِمْ} [الحشر:2] فِي تَرْكِهِمْ لَهَا. وَ{بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}[الحشر:2] فِي إِجْلَائِهِمْ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ:  التَّنَاوُلُ لِلْإِفْسَادِ إِذَا كَانَ بِالْيَدِ كَانَ حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ بِنَقْضِ الْعَهْدِ كَانَ مَجَازًا."

لأنه سبب من إطلاق السبب وإرادة المسبب، ومن إطلاق المسبب وإرادة السبب، الذي هو نقض العهد هو سبب وليس مباشر للإخراب إنما هو سبب للإخراب والتخريب بنقض العهد، فلا يكون حقيقة على هذا.

" إِلَّا أَنَّ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَجَازِ أَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاء."

إلا قَوْلَ الزُّهْرِيِّ فِي الْمَجَازِ أَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاء، وأبو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ يقول بأيديهم في تركهم لها، وقول الزهري بنقض المواعدة، وبنقض المواعدة التي وعدوا بها النبي عليه الصلاة والسلام، وعاهدوه عليها، فنقض العهدِ صار سببًا لتخريب بيوتِهم،  أما قول أبي عمرو بن العلاء بأيديهم في تركهم لها بأن خرجوا وتركوها هذا كله مجاز كله ليس على الحقيقة، ليس هذا هو التخريب، وإن كان الهجرُ والتركُ  مئاله إلى الخراب. المقصود بأن كلام الزهري أقرب بنقض المواعدة، وإن كان الأصل هو الحقيقة، وأن التخريب نقض البيوت وهدم البيوت سواءً كان بداخلها بأيديهم، أو من خارجها بأيدى المؤمنين.

طالب:............

دُرِبُوا على الأزقة، يعني حرب العصابات من خلال الأزقة الضيقة، وحصونها إحدى وعشرين ليلة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ }[الحشر:2] أَيِ اتَّعِظُوا يَا أَصْحَابَ الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ وَقِيلَ: يَا مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ بِبَصَرِهِ؛ فَهُوَ جَمْعٌ لِلْبَصَرِ وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِبَارِ هُنَا أَنَّهُمُ اعْتَصَمُوا بِالْحُصُونِ مِنَ اللَّهِ فَأَنْزَلَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ وُجُوهِهِ: أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ. وَمِنْ وُجُوهِهِ أَيْضًا: أَنَّهُمْ هَدَمُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ  وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِغَيْرِهِ اعْتُبِرَ فِي نَفْسِهِ. وَفِي الْأَمْثَالِ الصَّحِيحَةِ: "السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ "."

والشقي كما هو حال كثيرٌ من الناس، نسأل الله العافية، لا يتعظ ولا يعتبر، وغيرها من الأمثلة ما هو شبيهم بحالهِ ووضعهِ، فلا يعتبر ولا يتعظ حتى يكون عبرة لغيره، نسأل الله العافية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ} أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى أَنَّهُ سَيُجْلِيهِمْ عَنْ دَارِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ مُدَّةً فَيُؤْمِنُ بَعْضُهُمْ وَيُولَدُ لَهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ. {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أَيْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ كَمَا فَعَلَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ . وَالْجَلَاءُ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ. يُقَالُ: جَلَا بِنَفْسِهِ جَلَاءً، وَأَجْلَاهُ غَيْرُهُ إِجْلَاءً. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَلَاءِ وَالْإِخْرَاجِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا فِي الْإِبْعَادِ وَاحِدًا مِنْ وَجْهَيْن:  أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَلَاءَ مَا كَانَ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَالْإِخْرَاجُ قَدْ يَكُونُ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ. الثَّانِي: أَنَّ الْجَلَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِجَمَاعَةٍ، وَالْإِخْرَاجَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ وَلِجَمَاعَةٍ؛ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ} [الأنفال:13]؛ أَيْ ذَلِكَ الْجَلَاءُ {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ}  أَيْ عَادُوهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ. {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} قَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ "وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ" بِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ كَالَّتِي فِي "الْأَنْفَالِ"، وَأَدْغَمَ الْبَاقُونَ."

يشاق ويُشاقق بالتضعيف وبالفك، بالفك وبالإدغام، كما جاء في يرتد ويرتدد، على أنه إذا أمكن التضعيف فالفك عند أهل البلاغة خلاف الفصاحة. الإدغام هو أفصح من الفك، وقد جاءَ بهما التنزيل فلا يقال أن هذا أفصح وذاكَ أقل، ما دامَ الأمران وردا في القرآن فلا يقال هذا ولا هذا، وإنما يقال هذا صائغ وهذا صائغ على حدٍ سواء. نقول: ومن الأمثلة التي جاءت على خلافٍ من الفصاحة، قول الشاعر الحمد لله العلي الأجللي، مع إمكان الإدغام الأجل، فيقول هذا ما دام أمكن الإدغام فالفك خلاف الأولَى وخلاف الفصاحة وأنا أقول ما دامَ جاء الأمران في كتاب الله جل وعلا في ألفاظ متفقة، يرتد ويرتدد، يشاق ويشاقق، فهما في الفصاحة على حد سواء.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} مَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِ: "قَطَعْتُمْ "؛ كَأَنَّهُ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَى حُصُونِ بَنِي النَّضِيرِ -وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ- حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِمَعُونَةِ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ، أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَإِحْرَاقِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّهُمْ قَطَعُوا مِنْ نَخِيلِهِمْ وَأَحْرَقُوا سِتَّ نَخَلَاتٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّهُمْ قَطَعُوا نَخْلَةً وَأَحْرَقُوا نَخْلَةً. وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ إِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."

بناءً على أن اللينة مفردة، {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [ الحشر:5] يعني واحد أو واحدة، وإذا أردنا الجنس قلنا المجموع منه، ما قطعتم من هذا النوع من النخل أو تركتموه منه، واللفظ محتمل.

"وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ إِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِأَمْرِهِ."

مما أنهم فعلوا، وهو يراهم ولا أنكر عليهم، أو أنه أمرهم بذلك ابتداءً.

"إِمَّا لِإِضْعَافِهِمْ بِهَا، وَإِمَّا لِسَعَةِ الْمَكَانِ بِقَطْعِهَا. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ."

نعم قد يُحتاج، قد يُحتاج إلى قطع مثلَ هذه الامور، أو هدم ما يُحتاج إليه ليتسع المكان للكر والفر والقتال،  وقد لا يحتاج إليه فيكون من باب النكاية بهم.  

"فَقَالُوا وَهُمْ يَهُودُ أَهْلِ الْكِتَابِ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ تُرِيدُ الصَّلَاحَ، أَفَمِنَ الصَّلَاحِ قَطْعُ النَّخْلِ وَحَرْقُ الشَّجَرِ؟ وَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِبَاحَةَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى اخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَقْطَعُوا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْطَعُوا لِنَغِيظَهُمْ بِذَلِكَ. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِتَصْدِيقِ مَنْ نَهَى عَنِ الْقَطْعِ وَتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَ مِنَ الْإِثْمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ قَطْعَهُ وَتَرْكَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَالَ شَاعِرُهُمْ سِمَاكٌ الْيَهُودِيُّ فِي ذَلِكَ :

أَلَسْنَا وَرِثْنَا الْكِتَابَ الْحَكِيمَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى."

لكن مفهوم الآية: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }  إنهما على حدٍ سواء، وهنا قوله فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع، وتحليل من قطع من الأثم، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله. الآية ما الذي تدل عليه؟ أين وجه التصديق تصديق من نهى عن القطع؟   

طالب:............

{ ما قطعْتمْ مِنْ لِينةٍ أوْ تركْتموها قائِمةً } [ الحشر:5] يعني على قولين: ناس أمروا وناس نهوا، {عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} كله بإذن الله. هذا بإذن الله وهذا بإذن الله. 

طالب:............

{ ولِيخْزِي الْفاسِقِين} [ الحشر:5] ماذا بها؟ إذًا يكون القطع أولى.

طالب:............

هو يقول: فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع، وتحليل من قطع من الأثم.

طالب:............

كله بإذن الله. هما على حدٍ سواء، لأن قوله فبإذن الله للجميع، ما بالأخر فقط، كله بإذن الله.

طالب:............

يعني عدم القطع أولى؟ إذا كان مع ذلك ما في فرق من حيثُ الصيغ. قوله: فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الأثم، أنا ما أشوفه من الآية، يعنى مثل قوله جل وعلا: {واذْكروا اللّه فِي أيّامٍ معْدوداتٍ  فمنْ تعجّل فِي يوْميْنِ فلا إِثْم عليْهِ ومنْ تأخّر فلا إِثْم عليْهِ لِمنِ اتّقىٰ} [ البقرة:203] يقول: أن الآية تدل على أن التأخر أفضل لقولهِ: }لمن اتقى{، أنا قلت لمن اتقى للجميع، ورفع الأثم عن الجميع لمن اتقى منهم، من تعجل ومن تأخر. ليس فيها دليل على استحباب التأخير أو فضل التأخير. الدليل على فضل التأخير من فعلهِ عليه الصلاة والسلام أنه ما تعجل فقط،  وإلا كل منهم من تعجل ومن تأخر إذا اتقى الله -جل وعلا- فلا إثم عليه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

طالب:............

إما بأمره أو بإقراره.

طالب:............

ما فيه أمر صريح، وذلك إما أن يكونَ بأمرهِ أو بإقراره، وما في أمر صريح منه عليه الصلاة والسلام، لكن المعروف أن الصحابة لا يتصرفون إلا بإذنه إما بأمرهِ، أو بكونهِ رأهم فسكت.

"وَقَالَ شَاعِرُهُمْ سِمَاكٌ الْيَهُودِيُّ فِي ذَلِك: 

أَلَسْنَا وَرِثْنَا الْكِتَابَ الْحَكِيمَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى وَلَمْ نَصْدِفِ    وَأَنْتُمْ رِعَاءٌ لِشَاءٍ عِجَافٍ

بِسَهْلِ تِهَامَةَ وَالْأَخْيَفِ

 

تَرَوْنَ الرِّعَايَةَ مَجْدًا لَكُمْ

لَدَى كُلِّ دَهْرٍ لَكُمْ مُجْحِفِ

 

فَيَا أَيُّهَا الشَّاهِدُونَ انْتَهُوا

عَنِ الظُّلْمِ وَالْمَنْطِقِ الْمُؤْنِفِ

 

لَعَلَّ اللَّيَالِي وَصَرْفَ الدُّهُورْ

يُدِلْنَ مَنِ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ

 

بِقَتْلِ النَّضِيرِ وَإِجْلَائِهَا

وَعَقْرِ النَّخِيلِ وَلَمْ تُقْطِفِ

 

 

 

   فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِت: 

تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا     وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ 
هُمُوا أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ     وَهُمْ عُمْيٌ عَنِ التَّوْرَاةِ بُورُ 
 

كَفَرْتُمْ بِالْقُرَانِ وَقَدْ أَبَيْتُمْ

 

بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ

 

حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

 

فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: 

أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ

 

وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِير

سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْه 

 

وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَصِيرُ

فَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ بِهَا رِكَابًا

 

لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا"

طالب:............

إجابة حسان، أو أجاب الذي قبلهُ اليهودي، كأنه يجيبه أيضًا كإجابةُ حسان، وإن كان الضمير يعود إلى أقرب مذكور لكن أجاب وأجاب ليس فيه مانع.

 طالب:............

هذا ممكن يجيب حسان ما أدرى، وإن كان الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وإن كانَ من السياق ما يدل على أنه يرد على اليهودي.

"الثَّانِيَةُ: كَانَ خُرُوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَوَّلَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ وَإِحْرَاقِهَا، وَحِينَئِذٍ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ. وَدَسَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ إِنَّا مَعَكُمْ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ؛ فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ. فَلَمَّا جَاءَتِ الْحَقِيقَةُ خَذَلُوهُمْ وَأَسْلَمُوهُمْ وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ وَيُجْلِيَهُمْ؛ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا السِّلَاحَ، فَاحْتَمَلُوا كَذَلِكَ إِلَى خَيْبَر، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَى الشَّامِ وَكَانَ مِمَّنْ سَارَ مِنْهُمْ إِلَى خَيْبَرَ أَكَابِرُهُمْ؛ كَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ فَدَانَتْ لَهُمْ خَيْبَرُ ."

لأنهم يهود، سكان خيبر يهود، فلما جاءهم الكبار كُبراء اليهود أدانوا لهو وتَبِعُوهُم.

"الثَّالِثَةُ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ  وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ:

               وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ              حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ 

وَفِي ذَلِكَ نَزَلَت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الْآيَةَ.  وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَخْرِيبِ دَارِ الْعَدُوِّ وَتَحْرِيقِهَا وَقَطْعِ ثِمَارِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِز؛ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الثَّانِي: إِنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَإِنْ يَئِسُوا فَعَلُوا؛ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ."

على كل حال يُفعلُ المصلحة الراجحة، يفعل في ذلك المصلحة الراجحة. لا شك أن النهي عن إضاعة المال أمرٌ مقطوعٌ به في الشريعة. جاءت فيه نصوص كثيره جدًا، لكن إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة على مصلحة بقاء المال فلا شك أنه شرعي، لأن الشرع جاء بتحصيل أعلى المصلحتين، وارتكاب أدنى المفسدتين ومنه هذا. إذا رأى الإمام المصلحة بتقريب بعض الأموال ليرتدع أصحابُها، ويرتدع من ورائهم، أو من تسول له نفسه بارتكاب ما ارتكبوا فله ذلك وله أصلٌ شرعي، وإلا فالأصل أن المال محترم ولا تجوز إضاعته إلا إذا ترتب علي ذلك ما ذكرنا مصلحة راجحة.

" قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَعَلَيْهِ يُنَاظِرُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيّ.قال ابْنُ الْعَرَبِي: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ لَهُ؛ وَلَكِنَّهُ قَطَعَ وَحَرَّقَ لِيَكُونَ ذَلِكَ نِكَايَةً لَهُمْ وَوَهْنًا فِيهِمْ حَتَّى يَخْرُجُوا عَنْهَا. وَإِتْلَافُ بَعْضِ الْمَالِ لِصَلَاحِ,,."

لئلا يطول أمد القتال، لأن هذه الأموال تجعلهم يتشبثونَ بِدُورهم أكثر، تجعلوهم يتشبثون بها أكثر، فإذا قطعت هذه النخيل التي هي مدعاة للركون إليها، وخربت هذه البيوت رخصت عليهم وأجروها ولم تطل مدة القتال.

"وَإِتْلَافُ بَعْضِ الْمَالِ لِصَلَاحِ بَاقِيهِ مَصْلَحَةٌ جَائِزَةٌ شَرْعًا، مَقْصُودَةٌ عَقْلًا. 

الرَّابِعَةُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَقَالَهُ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الِاجْتِهَادُ يَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ مَعَ وُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ."

لا اجتهاد فى عهدهِ عليه الصلاة والسلام لأنه مؤيد بالوحي، وفعله تشريع، وإقراره تشريع، فالذي يقره عليه الصلاة والسلام هو الراجح، وليس كل مجتهد بمصيب بدليل إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجر، وإن اجتهد فأخطأ، «إن اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد»، فدل على أنه يجتهد فيصيب مرةً ويخطأ أخرى، ويصيب زيدٌ ويخطئ عمرٌ، فالمجتهد واحد هو الذي يصيب الحق الذي عند اللهِ -جل وعلا-.

"وَلَا شَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ وَسَكَتَ؛ فَتَلَقَّوُا الْحُكْمَ مِنْ تَقْرِيرِهِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُمْ، وَلَا اجْتِهَادَ مَعَ حُضُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اجْتِهَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ أَخْذًا بِعُمُومِ الْأَذِيَّةِ لَلْكُفَّارِ، وَدُخُولًا فِي الْإِذْنِ لِلْكُلِّ لِمَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِيَاحِ وَالْبَوَارِ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ولِيخْزِي الْفاسِقِين} [ الحشر:5]. "

الاجتهاد بالنسبةِ له -عليه الصلاة والسلام- مختلفٌ فيه بين أهل العلم. منهم من يقول إنه ليس له أن يجتهد، وكل ما يقرره ويشرعه بوحي من الله جل وعلا، إما بوحي متلو سواءً كان من الكتاب أو من السنة. وكثِيرًا ما يُسال فيُنزل عليه الوحي من القرآن أو من السنة. هذا قول في المسألة وعليه جمعٌ أهل العلم وعليه من الأدلة ما عليه. ومنهم من يقول إنه يجتهد عليه الصلاة والسلام لكنه لا يقر على الخطأ، كما اجتهد في قصة أسرى بدر وفاداهم فنزل العتاب. على كل حال المسألة معروفة عند أهل العلم.

"الْخَامِسَةُ: اخْتُلِفَ فِي اللِّينَةِ مَا هِيَ؛ عَلَى أَقْوَالٍ عَشَرَةٍ: الْأَوَّلُ: النَّخْلُ كُلُّهُ إِلَّا الْعَجْوَةَ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْخَلِيل. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَن: أَنَّهَا النَّخْلُ كُلُّهُ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا عَجْوَةً وَلَا غَيْرَهَا.  وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّهَا لَوْنٌ مِنَ النَّخْلِ. وَعَنِ الثَّوْرِيّ:ِ أَنَّهَا كِرَامُ النَّخْلِ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَة: أَنَّهَا جَمِيعُ أَلْوَانِ التَّمْرِ سِوَى الْعَجْوَةِ وَالْبَرْنِيِّ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّد:ٍ إِنَّهَا الْعَجْوَةُ خَاصَّةً  وَذُكِرَ أَنَّ الْعَتِيقَ وَالْعَجْوَةَ كَانَتَا مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّفِينَةِ. وَالْعَتِيقُ: الْفَحْلُ  وَكَانَتِ الْعَجْوَةُ أَصْلَ الْإِنَاثِ كُلِّهَا فَلِذَلِكَ شَقَّ عَلَى الْيَهُودِ قَطْعُهَا؛ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: هِيَ ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ يُقَالُ لِتَمْرِهِ: اللَّوْنُ، تَمْرُهُ أَجْوَدُ التَّمْرِ، وَهُوَ شَدِيدُ الصُّفْرَةِ، يُرَى نَوَاهُ مِنْ خَارِجِهِ وَيَغِيبُ فِيهِ الضِّرْسُ؛ النَّخْلَةُ مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ وَصِيفٍ."

يعني من كبره، من كبر التمر وصغار النوى.

"النَّخْلَةُ مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ وَصِيفٍ.  وَقِيلَ: هِيَ النَّخْلَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْأَرْضِ. وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش: 

          قَدْ شَجَانِي الْحَمَامُ حِينَ تَغَنَّى         بِفِرَاقِ الْأَحْبَابِ مِنْ فَوْقٍ لِينَهْ

وقِيلَ: إِنَّ اللِّينَةَ الْفَسِيلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَنُ مِنَ النَّخْلَةِ."

وهي قريبة من الأرض، الفسيلة الصغيرة غرس رأس النخل قريبةٌ من الأرض، فهي أقرب من الذي قبله.

"وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

           غَرَسُوا لِينَهَا بِمَجْرَى مَعِينٍ              ثُمَّ حَفُّوا النَّخِيلَ بِالْآجَامِ

وَقِيلَ: إِنَّ اللِّينَةَ الْأَشْجَارُ كُلُّهَا لِلِينِهَا بِالْحَيَاةِ؛ قَالَ ذُو الرِّمَّةِ: 

       طِرَاقُ الْخَوَافِي وَاقِعٌ فَوْقَ لِينَةٍ          نَدَى لَيْلِهِ فِي رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ

وَالْقَوْلُ الْعَاشِرُ: أَنَّهَا الدَّقَلُ؛ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. قَال: وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: لَا تَنْتَفِخُ الْمَوَائِدَ حَتَّى تُوجَدَ الْأَلْوَانُ؛ يَعْنُونَ الدَّقَلَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا أَعْرَفُ بِبَلَدِهِمَا وَأَشْجَارِهِمَا ."

يعني من عدا... كل التمر والنخل كله إلا العجوى، قاله الزُهري ومالك، وسبب الترجحيح من العربي قال أنهما أعرفُ ببلدهما وأشجارهما.

"الثَّانِي: أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَعْضُدُهُ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يُصَحِّحُونَهُ، فَإِنَّ اللِّينَةَ وَزْنُهَا لُونَةٌ، وَاعْتَلَّتْ عَلَى أُصُولِهِمْ فَآلَتْ إِلَى لِينَةٍ فَهِيَ لَوْنٌ، فَإِذَا دَخَلَتِ الْهَاءُ كُسِرَ أَوَّلُهَا؛ كَبَرْكِ الصَّدْرِ (بِفَتْحِ الْبَاءِ) وَبِرْكِهِ ( بِكَسْرِهَا ) لِأَجْلِ الْهَاءِ  وَقِيلَ لِينَةٌ أَصْلُهَا لِوْنَةٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَجَمْعُ اللِّينَةِ لِينٌ وَقِيلَ: لِيَانٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ عُنُقَ فَرَسِهِ:

            وَسَالِفَة كَسَحُوقِ اللِّيَانِ              أَضْرَمَ فِيهَا الْغَوِيُّ السُّعُرْ"

سالفةً الواو هذه واو ورب. سالفةً مجرور برب محذوفة، تحذف كثيرًا من أجل الواو.

"وَقَالَ الْأَخْفَش: إِنَّمَا سُمِّيَتْ لِينَةً اشْتِقَاقًا مِنَ اللَّوْنِ لَا مِنَ اللَّيْنِ. قال الْمَهْدَوِيّ: وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا؛ فَقِيلَ: هِيَ مِنَ اللَّوْنِ وَأَصْلُهَا لُونَةٌ وَقِيلَ: أَصْلُهَا لِينَةٌ مِنْ لَانَ يَلِينُ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ وَلَا تَرَكْتُمْ قَوْمَاءَ عَلَى أُصُولِهَا)  أَيْ قَائِمَةً عَلَى سُوقِهَا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ:( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قُوَّمًا عَلَى أُصُولِهَا) الْمَعْنَى لَمْ تَقْطَعُوهَا.  وَقُرِئَ:  (قَوْمَاءُ عَلَى أُصُلِهَا). وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمْعُ أَصْلٍ؛ كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ. وَالثَّانِي: اكْتُفِيَ فِيهِ بِالضَّمَّةِ عَنِ [ الْوَاوِ ]. وَقُرِئَ: (قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ) ذَهَابًا إِلَى لَفْظِ  (ما). { فبِإِذْنِ اللّهِ } [ الحشر:5] أَيْ بِأَمْرِهِ  {ولِيخْزِي الْفاسِقِين} [ الحشر:5] أَيْ لِيُذِلَّ الْيَهُودَ الْكُفَّارَ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ وَكُتُبِهِ. قوله تعالى: {وَما أَفاءَ اللَّهُ...}"

نقف على هذا. كلام طويل جدا. عشر صفحات...

يقول: امرأة أصابها حادث وأصيبت بكسورٍ متعددة في رقبتها وظهرها وقرر أطباء ثقات أنها لابد من تخديرها تخديرًا كاملاً حتى تجبر عظامها وخُدرت ثلاثةُ أشهر من بينها شهر رمضان فهل يلزمها قضاء الصلواتِ والصوم في هذه الأشهر الثلاثة أو لا؟

هذا التخدير لو كان إغماء وفقدا للوعي بفعل الله -جل وعلا-، غيبوبة هذا ملحق بالجنون إذا زاد عن ثلاثة أيام، لكن إذا كان بفعل الآدمي وإذا شاء الآدمي أن يرفع عنها هذا التخدير متى شاء فإنه في حكم النوم وعليها القضاء بكل ما تقدم.