شرح الموطأ - كتاب الزكاة (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب عُشور أهل الذمة:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال: كنت غلامًا عاملًا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فكنا نأخذ من النبط العشر.

وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب رحمه الله تعالى: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية، فألزمهم ذلك عمر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولًا: نريد الفرق بين المؤلف والمصنف؛ لأنه كان القارئ تردد، نعم، فإن كان هناك فرق بين التأليف والتصنيف؟ فيه فرق؟ على كل حال الكتاب مصنف، مصنف المسألة على كل حال اصطلاحية، هم يفرقون بين المصنف الذي هو الأصل والشرح، والأصل والزيادة عليه، وإلا فالأصل أن التصنيف والتأليف الجمع، جمع ما بينهم مع غيره مع الألفة، وضم الأصناف إلى بعضها، والأصناف تكون متآلفة، فلا يظهر فرق بين التصنيف والتأليف، وإن كان بعضهم يلحظ أن التصنيف ما يكون أكثره من استنباط المؤلف، والتأليف الجمع من كلام غيره، والمسألة اصطلاحية ما تفرق، نعم.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب عشور أهل الذمة:

عرفنا أن أهل الذمة يلزمون بدفع الجزية، ويقرون في بلاد المسلمين على ما تقدم، وأما العشور فهي تؤخذ منهم إذا اتجروا في بلاد المسلمين، وانتقلوا من بلد إلى بلد؛ ولذلك قاله في الدرس الماضي.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام، يعني أو العكس، من أهل الشام إلى مصر، ومن أهل الشام إلى العراق، أو من العراق إلى الشام، العكس، وهكذا، أما من اتجر في بلده الذي أقر فيه على الجزية، هذا لا يؤخذ منه شيء، يعني هو في الأصل في مصر، تؤخذ منه الجزية، ويقر على ذلك في مصر، ويتجر فيها، ما يأخذ عليه شيئًا، قدر زائد على الجزية، أما إذا انتقل من بلده إلى بلد آخر فإنه يؤخذ منه العشر.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر.

كونه يخفف المأخوذ في الحنطة والزيت؛ لأنها من الطعام الضروري، ويريد أن يكثر الجلب إلى بلاد المسلمين من الأطعمة الضرورية، أما بالنسبة للكماليات فتزاد عليها، يزاد عليها مأخوذ؛ لأنها لا تتوقف عليها حاجة الناس، هذه كماليات، الآن بالنسبة للرسوم التي تأخذها الحكومات على الأمور العامة تجدهم مثلًا الماء هو أرخص شيء، مع أنه يكلف أموال طائلة، والسبب في ذلك أن الناس مضطرون إليه، وأما غيره فبالتدريج، كلما زادت الحاجة إلى شيء خفت مئونته، وهذا ملاحظ حتى في الأصل من غير إعانات، ما تقوم به حاجة الأبدان، من الأصل، من الله -جل وعلا- يصير أرخص شيء، سواءً كان في المأكول أو غيره، لو نظرنا إلى الأطعمة وجدنا أن من الأطعمة ما يفي بحاجة البدن ومن أرخص ما يوجد، ثم بالتدريج ترتفع الأقيام، إلى أن يصل إلى الأمور التي الإنسان ليس بحاجة إليها.

ولو نظرنا في زادنا -زاد طلاب العلم من الكتب مثلًا- تجد أرخص ما يباع في الأسواق القرآن، الناس كلهم مضطرون إليه، ثم بعد ذلك الأهم فالأهم، ثم إذا طلعنا إلى الترف، يعني كتب الأدب أغلى من كتب التفسير، كتب التاريخ أغلى من كتب الحديث، نعم وهكذا إلى أن تطلع إلى ماذا؟ الأمور التي يمكن أن يستغني طالب العلم عنها، الرحلات، هذه أغلى ما يوجد في الأسواق، الذكريات، مواد غالية جدًّا في الأسواق، نعم، ومع ذلك طالب العلم ليس بحاجة إليها، يعني هي كمال من باب المتعة فقط، أما الفائدة في الكتاب والسنة، والحمد لله هذا من نعم الله -جل وعلا- أن يسر للناس ما يضطرون إليه.

ولذا ملحظ عمر -رضي الله تعالى عنه- التخفيف في الحنطة والزيت؛ لأن الناس كلهم يحتاجونها، بينما القطنيات والكماليات، والأمور التي تخف الحاجة إليها يزاد في تعشيرها، وهذا تقدم قبل ورقتين أو ثلاث، نعم تقدم، وفرق هناك بين القطنية والحنطة، يقول: قال مالك: وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة، فيما أخذ من النبط، تجار من النصارى لما قدموا المدينة، ورأى أن القطنية كلها صنف واحد، فأخذ منها العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب، وهناك قال: الزيت، نصف العشر؛ ترغيبًا لهم للجلب إلى المدينة، وعرفنا مأخذ هذا.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال: كنت غلامًا، يعني شابًّا، عاملًا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود أخي عبد الله بن مسعود، أو ابن أخي عبد الله بن مسعود، على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر.

وظاهره العموم، في كل ما يباع من القطنيات والضروريات، لكن يخصص بما سبق، أو أنه يفعل هذا تارة، وهذا تارة، يعني قد تكون الحنطة كثيرة في المدينة مثلًا، ثم يجلبها النبط، ولا داعي للتخفيف فيها، لأجور وفرتها يأخذ عليها العشر كاملاً، في هذا الأثر.

يقول: وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية قبل البعثة، فألزمهم ذلك عمر، باجتهاده، بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم، وبمثل هذا يستقر الحكم، الحكم اجتهاد من خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به، وباتباع سنته، ولم يخالفه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، فيكون سنة، ولا يستدل بهذا أو يتمسك به على تجويز المكوس التي جاء تحريمها، وقد جاء في الزانية التي رجمت لو تابت: ((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس)) دليل على عظم الأمر في المكوس وشأنها، نعم.

باب اشتراء الصدقة والعود فيها:

حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)).

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه فسأل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)).

قال يحيى: سئل مالك -رحمه الله- عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب اشتراء الصدقة والعود فيها:

يعني ممن تصدق بها عليه؛ لأنها مظنة أن يترك شيئًا من قيمتها لمن تصدق بها عليه؛ لأن النفوس جبلت على مثل هذا، على حب من أحسن إليها، وهذا قد أحسن إليه، فلا بد أن يترك له شيئًا من قيمتها، فيكون عائدًا في هذا القدر الذي ترك له؛ ولذا قال: ((كالكلب يعود في قيئه)) ((العائد في صدقته كالكلب)) يقول: أنا ما عدت اشتريت، نقول: هذا القدر الذي ترك من أجلك عود في جزء منها، قد يقول قائل: خرج بها المتصدق عليه بالسوق، وسيمة السوق، ووقفت على سعر معين، وزدت عليه، هل يتصور أنه ترك لي شيئًا؟ نقول أيضًا: لا تشترِ، ولو دفع بثمنها، حسمًا للمادة، وسدًّا للباب، يعني اليوم تشتري بزيادة، لكن غدًا؟ نعم، وبعد غد؟ يعني إذا فتح الباب لا شك أنه يلج فيه من يتساهل في هذا الأمر؛ لأن النفس قد تتورع في أول الأمر وتحتاط لكن بعد ذلك تتساهل، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحسم المادة، ويقطع الطريق على من أراد التحايل في الرجوع على صدقته، طيب تصدق على طالب علم بكتاب، هذا الكتاب عنده مثله، نعم في وقت البذل ما يعرف هذا أنه عنده، وإلا في وقته، يقول: هذا الكتاب لا أريده، عندي مثله، أعطني غيره، لكن أخذه على أساس أنه يستفيد منه، ثم بعد ذلك لما عرف المتصدق أن عنده نسخة ثانية من قبل أراد أن يأخذه منه، ويعطيه غيرها ليستفيد منها، له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ إنما يقال: بع هذا الكتاب واشتر بثمنه كتابًا آخر، قد يتضرر ببيعه؛ لأن الجلب ما هو من الطلب، يعني كتاب افترض أنه بمائة ريال، إذا ذهب به إلى الكتاب المستعمل قالوا: خمسين، وهو بإمكان المتصدق الذي أعطاه إياه يأخذه ويعطيه كتابًا آخر بقيمته بمائة ريال، يعني التهمة مندفعة، لكن سد الباب هو الذي جاء به الخبر.

طالب:......

العائد، نعم في هبته، هنا ((العائد في صدقته كالكلب))، وأيضًا النص الأعم ((العائد في هبته)) نعم.

طالب:......

المقصود أنها جاء بها النص، النص في الصحيحين: ((العائد في هبته كالكلب)) نعم.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله، "حملت على فرس، بعض الروايات: تصدقت بفرس، وهم على الحمل، حمل يعني أراد أن يجاهد عليه في سبيل الله ممن يحتاج إليه، فتصدق به عليه، في طبقات ابن سعد جاء تسمية الفرس بالورد، وكان هذا الفرس لتميم الداري، فأهداه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب، وهذا يرد قول من يقول -وإن كان مستفيضًا عند العامة- أنّ الهدية لا تهدى، نعم، لا هو يتصرف فيها الهدية، هذا الكلام ليس بصحيح، الهدية تمليك يصنع بها من ملكها ما شاء.

حملت على فرس عتيق في سبيل الله، والمراد بسبيل الله هنا الجهاد، لكن لو وجد طالب علم يتردد على الدروس وقت في شمال الرياض، ووقت في جنوبه، والثالث في غربه، والرابع في شرقه، وجاء شخص تصدق بسيارة من النوع الرخيص، وقال: تحملك هذه، توصلك من درس لدرس، نقول: هذا في سبيل الله؟ نعم، الاسم العام في سبيل الله، شيخ الإسلام قاس طلب العلم على الجهاد من وجوه.

المقصود أن مثل هذا في سبيل الله في مصارف الزكاة، الأكثر على أنه خاص بالجهاد ولا يلحق به غيره، وإن رأى بعضهم أن أبواب الخير كلها في سبيل الله، لكن في أبواب المصرف من مصارف الزكاة الثمانية المراد به الجهاد في سبيل الله، في حديث: ((من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا)) هل المقصود به في سبيل الله يعني في الجهاد؟ هكذا فهم البخاري -رحمه الله تعالى- وأدخل الحديث في كتاب الجهاد، بينما غيره يفهم أن المراد في سبيل الله يعني خالص لوجه الله؛ لأن الصيام نفعه متعدٍّ، يعني الناس ماذا يستفيدون من كون فلان المجاهد صائمًا، بل عدم الصيام ليتقوى على العدو أفضل من الصيام في الجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر، المقصود أن كلمة في سبيل الله تأتي بإزاء أكثر من معنى.

وكان الرجل، يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه، الذي هو عنده قد أضاعه، يعني أهمله، أهمل الفرس ما قام بحقه، قد أضاعه، فحصل فيه هزال وضعف، فأراد أن يبيعه، هذا نتيجة الضياع والتضييع، يدل على أنه ليس بحاجة إليه، وإلا الإنسان إذا أحس بالحاجة إلى الشيء اهتم به، وفي النهاية أراد البيع، يقول: فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص؛ لأنه هزيل، نعم، فسألت عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد))، يعني هل التنزل هنا في القيمة له مفهوم؟ يعني لو أعطاه بأقل من درهم يشتري وإلا ما يشتري؟ لو أعطاه بضعف قيمته، إنما هذا مبالغة في المنع من اشترائه، و أنه لا يحل لك بحال، ((فإن العائد)) هذه العلة، ((فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) وذكرنا وجه تسمية من اشترى الصدقة عائد؛ لأنه إذا نزلت قيمته ولو بجزء يسير صار عائدًا به مقابل هذا النازل، ولا يرد على هذا أنه إذا اشتراه بقيمته يحل، يقول: أن هذا للحسم من مادة، وإلا فالأصل أنه إذا كان بقيمته، أو بأكثر من قيمته فإن العلة ترتفع، لكن أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحسم المادة، واستدل بالحديث على تحريم ذلك؛ لأن القيء حرام، والمشبه كالمشبه به وهذا وجه الشبه في التحريم.

يقول القرطبي: وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، من شراء الصدقة والعود في الهبة كله حرام؛ لأنه شبه بالحرام.

قالوا: ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة، لكون القيء مما يستقذر، وهو قول الأكثر، أنه لا يصل إلى درجة التحريم وإنما للكراهة، وحينئذ يكون التشبيه من وجه دون وجه؛ لأن العود في القيء حرام بلا شك، لكنه مما يستقذر، فيكون شراء الصدقة مما يستقذر وإن لم يكن حرامًا، فيكون مشبهًا له من وجه دون وجه، ومر بنا مرارًا أن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، فقد جاء تشبيه المحبوب بالمذموم في مواطن، يعني جاء تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، هذا محمود ومحبوب، وهذا مذموم جاءت النصوص بمنعه، لكن المشابهة من وجه دون وجه، نعم؟

طالب:......

نعم، الذي يظهر التحريم واضح.

طالب:......

أين اشتراها؟ بينهم اتفاق أنه يشتريها له؟ يعني قال له: اذهب فاشتر لي الكتاب الفلاني، ووجد هذه النسخة تباع، وكان هذا أهداها وكيله يعني، وكيله يقوم مقامه، وإن كانت العلة أنه ما فيه أدنى ارتباط بين العلة والمعلول هنا، قد يكون صاحب الكتاب الذي تصدق به عليه وضعه في الكتاب المستعمل ولا يدري من أراد الشراء، فيستوي المتصدق وغيره، ومع ذلك يقال: لا تشتره، وإن تيسر لا تشتره أنت ولا وكيلك، فهو أفضل حسمًا للمادة وسدًّا لهذا الباب.

إذا ورثه تصدق به على أخيه، على عمه، على ابن أخيه، المقصود أنه آل إليه بالإرث حينئذ لا يكره، وبعضهم قال: إذا ورثه يتصدق به؛ لأنه أخرجه لله فلا يعود إليه بأي حال من الأحوال، فيتصدق به، لكن إذا ورثه انتفت العلة، والإرث لا يشابه، لا يشابه البيع والشراء، يعني انتقل إلى شخص ثان، ثم انتهى.

طالب:......

نعم، يعني هل يتصور أن هؤلاء يتنازلون عن شيء من قيمتها؟ نعم؟ لا، هو أصل بيت المال التعامل معه يختلف عن التعامل مع الجهات الأخرى، طردًا وعكسًا.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على هذا الحديث بقول: باب هل يشتري صدقته، ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما منع المتصدق خاصة عن الشراء ولم يمنع غيره، يعني هل المنع منع؛ لأنها صدقة، أو لأنها صدقة منه؟ لأن الصدقة منه، فإذا تصدق على زيد من الناس وملك هذه الصدقة يتصرف بها كيفما شاء، فيبيعه على غيره.

قال: وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس، الأول من مسند عمر، يقول أسلم: سمعت عمر، وهو يقول: حملت، سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت، فالخبر من مسند عمر، والثاني عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل، عبد الله بن عمر هو الذي يسوق القصة، فهي من مسنده، أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه، يعني يشتريه، فسأل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)).

((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)) في رواية البخاري، وفي ذلك كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدق به إلا جعله صدقة، لا يترك ابن عمر، هذا في البخاري، لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدق به إلا جعله صدقة، نعم.

طالب:......

لا، من هو؟

طالب:......

يشتريه ويتصدق به ثانية، نعم.

يقول ابن حجر: كأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها، لا لمن أراد أن يتصدق بها، يعني هو لا يحوز شيئًا لحظ نفسه بهذا التصرف، إنما تصدق بها المرة الأولى ونال أجرها، فأراد أن يتصدق بها ثانية لينال أجرها، نعم، هو العموم يدخل في مثل هذه الصورة، يدخل في مثل هذه الصورة، لكن إذا أراد أن يتصدق بها بالكلية، ما هي؟ قلنا فيمن قربت عليه زكاة، عرض من عروض التجارة فتصدق به، كله، كاملاً، وعموم الحديث خبر عمر يشمل هذا ويشمل هذا، يشمل من أراد أن يتصدق، من أراد أن يهب، من أراد أن يبيع، من أراد أن يتملك يشمل الجميع؛ لأنه يصدق عليه أنه اشترى صدقته، فعموم الحديث يشمل مثل هذا.

ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فهم أنه إذا أراد أن يشتريها ليتملكها بخلاف ما إذا أراد أن يتصدق بها ثانية، فإذا أحسن على الأول بهذه الصدقة، ثم أحسن عليه بقيمتها، ثم أحسن على شخص ثالث بالصدقة بها مرة ثانية، هذا فهمه رضي الله تعالى عنه، ومن حيث المعنى معقول، لكن عموم الحديث يشمل مثل هذه الصورة.

قال يحيى: سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع، أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي".

وهذا من الورع، تركها أحب إلي؛ لأنه لا فرق بين اشترائها من نفس من تصدق بها عليه، أو من غيره في المعنى، وكل هذا حسمًا للتحايل على الرجوع في الصدقة، وسدًّا لباب ذلك التصرف.

المقصود أن مثل هذا الباب ينبغي حسمه، ومن يتصدق بشيء أو يبيع سلعة مثلًا قد يجد في نفسه الرغبة فيها بعد ذلك، فيتمنى أن يجدها تباع فيشتريها محتاجًا لها، وقد ترتفع العلة، لكن كل هذا من باب حسم المادة.

كبار الأئمة مثل الإمام أحمد، ومثل مالك، قد يطلقون أحب إلي من وجوه، ولا يعجبني، قد يطلقونه على التحريم، نعم، وإن كانت المسألة في استعمال أفعل التفضيل أن كلاهما محبوب، أخذها وتركها كلاهما محبوب، لكن الترك أحب، هذا في أصل الاستعمال اللغوي، لكن عندهم في اصطلاح المتقدمين لورعهم وشدة تحريهم من إطلاق لفظ الحلال والحرام نعم فيما ينتابه النظر والاجتهاد يتورعون، فيقولون: أكره كذا، لا يعجبني كذا، هذا يستعمله الإمام أحمد كثير، وأصحابه يفهمون مثل هذه الاصطلاحات، وينزلونها منازلها، نعم.

باب من تجب عليه زكاة الفطر:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر.

وحدثني عن مالك: أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته، ولا بد له من أن ينفق عليه، والرجل يؤدي عن مكاتَبه ومدبره ورقيقه، كلهم غائبهم وشاهدهم، من كان منهم مسلمًا، ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة، ومن لم يكن منهم مسلمًا فلا زكاة عليه فيه.

قال مالك -رحمه الله تعالى- في العبد الآبق: إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته، فإني أرى أن يزكي عنه، وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه.

قال مالك رحمه الله تعالى: تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: بابٌ أو باب من تجب عليه زكاة الفطر:

وأضيفت الزكاة هذه للفطر لوجودها به، فهي من إضافة المسبب لسببه، مثل هذه الزكاة سببها الفطر من رمضان، وهو وقت الوجوب، والفطر من رمضان يكون بغروب الشمس ليلة العيد، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أنها إنما تجب بطلوع الفجر من يوم العيد؛ لأن الليل ليس وقتًا للصيام، فلا تنسب إليه هذه الزكاة، أضيفت هذه الزكاة للفطر لوجوبها به، يعني أن سبب الوجوب الفطر من رمضان.

وقال ابن قتيبة: المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس، مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة، وهذا يقويه قول من يقول: إنها زكاة البدن، وعلى هذا أنها تجب في المكان الذي فيه البدن بخلاف زكاة المال فإن وجوبها في المكان الذي فيه المال.

كون الوجوب مرتبطًا بالفطر من رمضان لا بالفطرة التي هي أصل الخلقة أظهر؛ لأنه جاء في آخر الباب فرض زكاة الفطر من رمضان، وزكاة الفطر واجبة بالإجماع، فيما حكاه ابن المنذر وابن عبد البر مضعفًا قول من قال بالسنية؛ لأن الحديث: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" والفرض هو الإلزام والإيجاب، وبعضهم يرى أن الفرض التقدير، فرض يعني قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الاحتمال، وإن كان في الأصل مقبول، يعني لأن فرض يأتي بمعنى أوجب وألزم وقدر، لكن قوله: "على الناس أو على المسلمين" هذه الصيغة صيغة وجوب، نعم، إذا قيل: عليك أن تفعل كذا، يعني يجب عليك أن تفعل كذا، فهذا يرفع الاحتمال الثاني.

في حديث عائشة: أول ما فرضت الصلاة ركعتان، الحنفية يرون أن فرضت أوجبت، فهم يرون وجوب القصر، والجمهور يقولون: فرضت يعني قدرت، والفرق بين حديث عائشة وهذا الحديث: أن هذا الحديث فيه: "على الناس" كما في قوله جل وعلا: {ولله على الناس} فهذا لفظ وجوب، وهذا يؤيد الاحتمال الثاني.

بعضهم قال بالسنية، وقال ابن علية والأصم: إن وجوبها نسخ، هي منسوخة، نسخت بالزكاة، وفي هذا حديث عند النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله.

كونه عليه الصلاة والسلام بعد أن فرضت الزكاة لم يأمرهم ولم ينههم، هل يدل على نسخ؟ أو يكتفى بالأمر الأول ويبقى ساري مفعوله، نعم؟ هذا ليس بصريح النسخ، هذا لو صح مع أنه ضعيف؛ لأن في إسناده رجلًا مجهولًا، ولو قدرت صحته لما دل على النسخ اكتفاءً بالأمر الأول.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه، أرقائه الذين بوادي القرى، وهو موضع قريب من المدينة، وبخيبر، وخيبر بزنة جعفر، مدينة مشهورة على نحو أربعة أيام من المدينة إلى جهة الشام، كم كيلو تبعد عن المدينة؟ كم؟

طالب:......

بعض الإخوان يقدرها بأنها ضعف مسافة القصر، نعم؛ لأن مسافة القصر يومان، وهذه أربعة أيام، فيجعلها مائة وستين، وفي الواقع ما فيه أحد يعرف خيبر؟ معروفة لكن.

طالب:......

كم ميل؟

طالب:......

مائة ميل يعني مائة وستون، مائة وسبعون، الآن هم، هؤلاء الأرقاء بخيبر هم بعيدون عنه، ويخرج عنهم زكاة الفطر بالمدينة، فدل على أن إخراج زكاة الفطر لا يلزم أن تكون في البلد الذي يوجد فيه الشخص، لا يوجد ما يمنع من أن تخرج في غير البلد الذي فيه الشخص، وإن كان من أهل العلم من يرى أنها مادام زكاة بدن تدفع للبدن، يخرجها في البلد الذي تغرب فيه الشمس من آخر يوم من رمضان وهو فيه.

الخلاف في وجوبها وهل هو بغروب الشمس أو بطلوع الفجر، ما الذي يترتب عليه؟ لو مات قبل غروب الشمس ما تلزم، لكن لو مات بعد غروب الشمس تلزم على أي قول؟ القائل الذي يربطها بغروب الشمس، أما على من ربط وجوبها لا تلزم حتى يطلع الفجر؛ لأنه ارتفع تكليفه، وكذا لو ولد بعد غروب الشمس تلزمه على القولين، نعم.

طالب:......

تلزمه على القولين بعد الغروب.

طالب:......

أو على القول الثاني، لكن لو ولد قبل الغروب على القولين، وزكاة الفطر إنما شرعت طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، فكونها طهرة للصائم أخذ منها بعضهم أنها لا تلزم غير المكلف، نعم، لا تلزم غير المكلف؛ لأنهم لا يصومون، نعم، لكن عموم ما سيأتي من نصوص يشمل الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الحر والرقيق.

يقول: وحدثني عن مالك: أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته، ضمان وجوب؛ لأنه قال: ولا بد له من أن ينفق عليه، يعني الذي يلزمه نفقته، لكن لو أنفق على شخص مدة شهر رمضان، استحب له أن يخرج صدقة الفطر عنه، أما إذا كانت تلزمه نفقته على سبيل الوجوب، لزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر على سبيل الوجوب، نعم.

طالب:......

الأصل أنها زكاة للبلد، وأنهم يغنوا بها عن السؤال في ذلك اليوم، في بلد البدن، هذا الأصل، لكن إذا كانت حاجته مرتفعة ووجد من يحتاجها أكثر من حاجتهم خارج البلد كما يقال في الزكاة، نعم.

طالب:......

الأجير؟

ولا بد له من أن ينفق عليه، والرجل يؤدي عن مكاتَبه؛ لأنه رقيق، ما بقي عليه درهم، ومدبره، أيضًا هو رقيق ما دام المدبر حيًّا، ورقيقه كلهم غائبهم وشاهدهم، الغائب والحاضر كما كان ابن عمر يؤدي عمن كان بخيبر، من كان منهم مسلمًا، فقط؛ لأنه قال: من المسلمين، من كان منهم مسلمًا، ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة، ولو كان الرقيق للتجارة، وبهذا قال الجمهور، نعم.

طالب:......

بهذا قال الجمهور أن الرقيق يزكى عنه، سواءً كان للقنية أو للتجارة، للخدمة أو لغيرها، يزكى عنه لعموم هذه الأخبار.

وقال أبو حنيفة: لا زكاة على رقيق التجارة؛ لأن عليه فيهم الزكاة، زكاة عروض التجارة، ولا تجب في مال واحد زكاتان، هذا رأي الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، لكن قول الجمهور يستدل له بعموم الأحاديث.

ومن لم يكن منهم مسلمًا فلا زكاة عليه فيه، لقوله كما سيأتي: "من المسلمين".

قال مالك في العبد الآبق الهارب الشارد عن سيده: إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته، فإني أرى أن يزكي عنه، وأصحابه يقولون: وجوبًا؛ لأنه في حكم الموجود، ما زال ملكه عليه قائم، وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه.

وقال أبو حنيفة: لا زكاة على سيده فيهما، مادام آبق كما تسقط النفقة تسقط صدقة الفطر.

يقول الشافعي: إن علم حياته زكاه، وإن لم يرجو رجعته، ما دام حيًّا فهو في ذمته، يزكيه.

وقال أحمد: إن علم مكانه، إذا عرف مكانه إذا علم مكانه يذهب ويستلمه، يعني الغالب أن العبد الآبق الغالب أنه لا يعلم مكانه، لكن إذا علم مكانه زكاه.

قال مالك: تجب زكاة الفطر على أهل البادية، يعني هل زكاة الفطر حق للخالق أو للمخلوق؟ النفقة حق للمخلوق، لكن هل زكاة الفطر حق للخالق أو للمخلوق؟ إذا قلنا: إنها حق للمخلوق سقطت بالإباق كالنفقة، وإذا قلنا: إنها حق للخالق لا تسقط بالإباق.

قال مالك: تجب زكاة الفطر على أهل البادية، يعني كالحاضرة، كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر، وعرفنا الاحتمال في فرض، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر، أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين.

فعمومه شامل لأهل البادية.

وقال الليث والزهري وربيعة: ليس على أهل البادية زكاة، إنما هي على أهل القرى، ما وجهه؟

طالب:......

نعم، لكن الآن ما قلنا: إنها شرعت طهرة للصائم، وهؤلاء صاموا، طعمة للمساكين، عندهم أنه مادام في البادية يتصور أنه في بعض الأحوال أنه ما عنده أحد، فمن يتصدق بها عليه ليغنيه في هذا اليوم، ويلزم على ذلك تكليفه بنقلها إلى بلد ولو بعد، لو أوجبناها عليه وألزمناه بها، لكلفناه أن يوصلها إلى مستحقها، ليستغني بها عن الناس في ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، ولكن عموم الحديث شامل للحاضرة والبادية، نعم.

باب مكيلة زكاة الفطر:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين.

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- يقول: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم".

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر، إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا.

قال مالك رحمه الله: والكفارات كلها، وزكاة الفطر، وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر، مد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام، وهو المد الأعظم.

يقول رحمه الله تعالى: باب مكيلة زكاة الفطر:

يعني ما تكال به زكاة الفطر، النبي -عليه الصلاة والسلام- فرضها صاعًا، والناس في العصور المتأخرة بعد إلغاء المكاييل يخرجونها بالوزن، وبعضهم يخرجها بالجزاف، ولا شك أن كيلها أمام النساء والذرية وإحياء هذه السنة لا شك أنه أفضل، وإن كان يجزم بأنه أخرج القدر الواجب عليه أو أكثر بالكيل أو بالجزاف بالكيس يعد مثلًا من في البيت يقول: اثنا عشر، ثلاثة عشر، كم يلزمهم؟ يلزمهم كذا، إذًا نطلع كيسًا وننتهي، بدل ما نحضر صاعًا ونعطي صاعًا، وبعضهم يعيش أولاده يكلفون وهم ما رأوا زكاة الفطر، ولا رأوا أضحية، ولا رأوا شعيرة من الشعائر، هذا خلاف الأصل، كما أن النافلة شرعت في البيوت، وصلاة النافلة في البيت أفضل من أجل أن ينشأ الناشئة على رؤية الأعمال الصالحة، والشعائر الظاهرة، مثل هذا لو الإنسان يتخذ له صاعًا في بيته، وأطلع عليه النساء والذرية، لا شك أن هذا يربط هؤلاء الناس بدينهم، مظهر من المظاهر الشرعية، كثير من بيوت المسلمين ما يعرف أن هناك زكاة فطر، ما رأى شيئًا، مجرد ما تأتي ليلة العيد يوكل أحدًا يشتري له كيسًا ويطلعه، خلاف الأصل، فكيلها بالصاع النبوي هو الأصل، وإطلاع النساء والذراري عليها أيضًا من باب ربط الناس بشعائرهم.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، تمييز أو مفعول ثان فرض، أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، من المسلمين.

"فرض" عند الجمهور زكاة الفطر واجبة، أو فرض؛ لأنه لا فرق عندهم بين الفرض والواجب، والحنفية يقولون: هي واجبة وليست بفرض؛ لأنهم يفرقون بين الفرض والواجب، ومع ذلكم الصحابي قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" فاصطلاحهم مخالف لما جاء عن الصحابي، يعني الصحابي يقول: فرض، والحنفية يقولون: ليست بفرض، إنها واجبة؛ لأنها ثبتت بدليل ظني عندهم، وهذا مجرد اصطلاح موافق لما جاء في النصوص لا شك أنه أولى.

فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد.

الفرض على الحر كما أن الفرض على العبد، الفرض على الكبير، الفرض على الصغير، الفرض على الذكر، الفرض على الأنثى، وظاهر هذا وجوبها على من ذكر، يعني أنها تجب على العبد، تجب على المرأة، تجب على الصغير، هذا الأصل في قوله: "فرضها على كل حر أو عبد، ذكرًا كان أو أنثى، فيجب على المرأة، سواءً كانت ذات زوج، أو ليست بذات زوج، فالوجوب متجه إليها، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي وأحمد: إنها تجب على الزوج، كما تقدم أنها مرتبطة بالنفقة.

أو عبد، وظاهر ذلك أن العبد يخرجها عن نفسه وبه قال داود، والجمهور أنها على سيده كالمرأة.

"من المسلمين" لم تختلف الرواة عن مالك في هذه الزيادة، تكلم فيها بعض الحفاظ، لكنها زيادة ثابتة، كل الرواة عن مالك أثبتوها، إلا قتيبة بن سعيد فرواها عن مالك بدونها.

قال: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب، وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم".

وظاهر الحديث أن ما ذكر على جهة التفصيل لا يدخل في الإجمال، يعني صاعًا من شعير، الشعير غير الطعام، صاعًا من تمر، التمر غير الطعام، صاعًا من أقط، الأقط غير الطعام، والزبيب غير الطعام، إذًا الطعام ما هو؟ محمول عندهم في المدينة على أنه الحنطة، نعم، على الحنطة، وليكن في أيامنا الأرز مثلًا، فهذا يدل على أن ما ذكر مغاير للطعام، وهي تخرج من غالب قوت البلد، والفقهاء لهم تفاصيل، وبعضهم يقف عند النص فلا يجيزها من غير ما ذكر، والمسألة قابلة للاجتهاد مادام النص العام المطلق موجودًا، صاعًا من طعام، فكونه يطعم، وهو من طعام البلد، ومن قوت البلد يدخل في قوله: صاعًا من طعام، وقد يكون غير المذكورات أنفع للناس من هذه المذكورات، والمقصود إغناؤهم في ذلك اليوم، بيت فيه مجموعة من الفقراء تعطيهم شعيرًا، الناس لا يعطون الشعير هذه الأيام، تغنيهم عن الناس في هذا اليوم؟ لا شك أن غيره مما يؤكل أكمل، وإن أجزأ الشعير.

يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر، إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا.

لا شك أن التمر أفضل.

في البخاري: "كان ابن عمر يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا" يعني إنما عدل عن التمر إلى الشعير للعوز والحاجة، ففيه دليل على أن التمر أفضل من الشعير، فقال بعضهم: إنه أفضل ما يخرج في صدقة الفطر؛ لأنه هو الذي كان يعطيه على زمن النبي عليه الصلاة والسلام، والخلاف بين العلماء في التمر أو البر أيهما أفضل؟ لكن المرجح عند كثير من أهل العلم البر؛ ولذلك لما جاءت سمراء الشام عدلوا نصف الصاع منها بصاع من غيرها مما نص عليه في الحديث، وهذا تقدير معاوية -رضي الله عنه- بينما أبو سعيد ومن معه من الصحابة استمروا على إخراج الصاع الكامل، وليس في النصوص ما يدل على نصف الصاع، إلا القياس، ورأوا أن نصف صاع من هذه السمراء يعادل صاعًا من غيرها.

قال مالك: والكفارات كلها، كفارة يمين، كفارة تأخير الصيام، كفارات أخرى، كلها، ومثلها زكاة الفطر، وزكاة العشور، هذه تقدم ذكرها، كل ذلك بالمد الأصغر، المد يقدر بملء يد كف الإنسان المعتدل، ملء الكفين بالنسبة للإنسان المعتدل، والصاع أربعة أمداد، ويقرب الصاع في الوزن من كيلوين ونصف، مد النبي عليه الصلاة والسلام، إلا الظهار فإنه بالمد الأعظم الأكبر، وهذا من باب التغليظ؛ لأن الظهار منكر من القول وزور، فينبغي أن يغلظ على صحابه.

قال مالك: والكفارات كلها، وزكاة الفطر، وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر، مد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا الظهار، وعرفنا أن هذا تغليظ بالنسبة للظهار؛ لأنه منكر من القول وزور، قال: فإن الكفارة فيه بمد هشام، ابن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان، وهو المد الأعظم.

يعني يعادل مد وثلث من مد النبي عليه الصلاة والسلام، على كل حال المسألة قريبة، لكن إذا أرجعنا المسألة إلى كف الإنسان المعتدل قد تصل إلى كيلوين ونصف، فلا نصل إلى الثلاثة كما هو المعمول به، الثلاثة كثيرة، ومن أخرج ثلاثة لا شك أنه خير إن شاء الله، لكن الإلزام، ما يلزم بثلاثة، الثلاثة كثيرة، نعم.

باب وقت إرسال زكاة الفطر:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

وحدثني عن مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى.

قال مالك رحمه الله: وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده.

نعم يقول: المؤلف رحمه الله تعالى: باب وقت إرسال زكاة الفطر:

يعني وقت الإخراج، إخراج زكاة الفطر، عرفنا أنها إنما تجب وتلزم بغروب الشمس ليلة الفطر، وفي قول أحمد وإسحاق والشافعي في الجديد ومالك في رواية ومنهم من يقول: إنها تجب بطلوع الفجر على ما تقدم ذكره من يوم العيد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في القديم، والرواية الثانية عن مالك.

تجب في هذا أو هذا، هذا وقت الوجوب، وسبب الوجوب الصيام، في وقت وجوب، وفي سبب وجوب، والقاعدة أنه إذا كان للعبادة وقت وجوب، وسبب وجوب أنه لا يجوز فعلها قبلهما اتفاقًا، يعني ما يجوز في شعبان تخرج صدقة الفطر، ولو كنت ممن يقول بجواز تعجيل الزكاة؛ لأنها قبل الوقت والسبب، كما أنه لا يجوز لك أن تقدم الكفارة، كفارة اليمين على انعقاد اليمين، أنا والله عندي، عندي عيش كثير أريد أكيله، عشرة مساكين، وعشرة مساكين، إلى أن يبلغ عشر كفارات؛ لأن الشيء متوفر اليوم، ما أدري ماذا تظهر لنا الدنيا، خلينا كلما حلفت تطلع الكفارة، هذا قبل، قبل سبب الوجوب، سبب الوجوب انعقاد اليمين، ووقت الوجوب الحنث، لكن بعد الوقت يجوز اتفاقًا، وبينهما محل الخلاف، يعني عقدة اليمين تكفر قبل أن تحنث وإلا ما تكفر، جاء في الحديث الصحيح: ((لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير)) وهذا يدل على الجواز، الرواية الأخرى: ((إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير)) والمسألة معروفة من راجع قواعد ابن رجب لهذه القاعدة وجد لها فروعًا كثيرة، ومنها ما معنا، فهل يجوز إخراج الزكاة قبل وقت الوجوب، قبل غروب الشمس؟ الصحابة يخرجونها قبل ليلة العيد، قبل العيد بيوم أو يومين، وهنا قال: ثلاثة أيضًا.

يقول: حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده، وهو من نصبه الإمام لقبضها، كانت الزكاة مجموعة، وكان الموكل بحفظها من؟ أبو هريرة، وقصته مع الشيطان معروفة، المقصود أنها تخرج قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة؛ ليتسنى توزيعها، فإذا سلمت لشخص يتولى قبضها وتوزيعها، هذا إذا عجز الإنسان عن إيصالها بنفسه إلى المحتاج، بيومين أو ثلاثة، لجواز تقديمها بهذا القدر وقد كانوا يفعلونه.

الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون هذا، وكلاء عن من؟

طالب:......

وكلاء عن الدافع وإلا عن الآخذ؟ على كل حال إذا كانوا نوابًا عن الفقراء وقبضوها في وقتها برئت ذمة الدافع، أما إذا كانوا نوابًا عن الأغنياء فلا بد أن تؤدى في وقتها للفقير.

وحدثني عن مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى.

هذا أفضل ما تدفع فيه الزكاة، الوقت الذي، هذا أفضل شيء، وهو خارج إلى الصلاة يدفعها، وبهذا قال مالك والأئمة، لقوله جل وعلا: {قد أفلح من تزكى* وذكر اسم ربه فصلى} تزكى يعني دفع زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، وهذا في صلاة العيد، عيد الفطر، وأما بالنسبة لعيد النحر ففيه {فصل لربك وانحر}.

قال مالك: وذلك واسع، يعني جائز إن شاء الله تعالى أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده.

وبعد الغدو إلى الصلاة، يعني في يوم العيد، قبل الصلاة وبعدها، يعني بعدما، إذا غدا إلى المصلى، وإذا رجع من المصلى، فيوم العيد كله وقت للأداء، هذا على كلام الإمام، وذلك واسع إن شاء الله تعالى أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده، أي بعده وهو غدوه إلى صلاة العيد، والعود منها، فيجوز تأخيرها إلى غروب شمس ذلك اليوم، يوم العيد، وحرم بعد ذلك، ويجب قضاؤها فلا تسقط.

هذا توضيح لكلام الإمام رحمه الله تعالى، في المقنع لابن قدامه يقول: الأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجوز في سائر اليوم، فإن أخرها عنه، يعني أخرها عنه، فإن أخرها عنه أثم وعليه القضاء، وفي حاشية الشيخ سليمان بن عبد الله، قوله: قبل الصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ((فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) يعني الأسلوب النبوي هذا يدل على التوسعة وإلا على التضييق؟ على التضييق، وأنه يختلف الحكم، حكم ما قبل الصلاة عن حكم ما بعد الصلاة، ولو قيل بأنها بعد الصلاة قضاء وليست أداء، كان له وجه، نعم.

أحسن الله إليك.

باب من لا تجب عليه زكاة الفطر:

حدثني يحيى عن مالك: ليس على الرجل في عبيد عبيده، ولا في أجيره، ولا في رقيق امرأته زكاة، إلا من كان منهم يخدمه، ولا بد له منه، فتجب عليه، وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه، الكافر ما لم يسلم لتجارة كانوا أو لغير تجارة.

يقول رحمه الله تعالى: باب من لا تجب عليه زكاة الفطر:

حدثني يحيى عن مالك: ليس على الرجل في عبيد عبيده زكاة، ليس عليه زكاة، في عبيد عبيده؛ لأنه لا يمونهم، إذ نفقتهم على سيدهم، يتصور هذا الكلام؟ نعم؟

طالب:......

أقول هل الكلام متصور وإلا لا؟ عند الجمهور لا يتصور، لكن عند مالك يتصور؛ لأنه عند مالك العبد يملك بالتمليك، فإذا ملك بالتمليك يشتري عبدًا، لكن عند الجمهور لا يملك بالتمليك، فعبيد عبيده عبيد له، فعند مالك يتصور هذا الكلام؛ لأن العبد يملك بالتمليك فإذا ملك يشترى عبيدًا، فليس على السيد الأول سيد السيد ليس عليه زكاة الفطر، إنما هي على السيد المباشر الذي هو من وجه سيد، ومن وجه عبد، وعرفنا أنه عند الجمهور مثل هذا الكلام لا يتصور.

ولا في أجيره، عندك عامل يشتغل، سواق وإلا خادم، وإلا، نعم، ولا في رقيق امرأته، ولا في رقيق امرأته، يعني تجب عليه زكاة الفطر بالنسبة لامرأته، لكن في رقيقها؟ زكاة الفطر بالنسبة له على سيدته، فتؤدي هي عنهم، إلا من كان منهم يخدمه، يعني الغنم مع الغرم، كيف نوجب عليه الزكاة وهو يخدم غيره، فإذا كان يخدمه يخدم هذا السيد هذا الزوج، وجبت عليه زكاة الفطر بالنسبة له.

قال: ولا بد له منه، فتجب عليه زكاة الفطر في مقابل الخدمة، وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه الكافر؛ لأنه تقدم أنها مفروضة على المسلمين، ما لم يسلم، أي حال كفره لا تجب بالنسبة له صدقة الفطر، وسواءً كان لتجارة أو لغير تجارة.

لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق: ((من المسلمين)).

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يقول : أود التنبيه على خطأ يقع فيه كثير من الأخوة في الصلاة وهو إذا كان مسبوقاً وأراد أن يقوم ليكمل ما فاته فإنه يقوم قبل أن ينتهي الإمام من السلام.. يقول : إن السعدي وغيره أفتى بأن صلاته نفل وعليه الإعادة .

لا بد أن ينقطع صوت الإمام بالسلام ليكون متابعًا له في جميع الصلاة أما كون الصلاة تنقلب نفل بهذا.. أنا في تردد من هذا