كتاب الوضوء (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خيرًا.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَابُ الوُضُوءِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَابُ الوُضُوءِ" كُتب الصحيح السبعة والتسعين كلها مبدوءة بالبسملة إما قبل الترجمة أو بعد الترجمة، كونها قبل الترجمة هذا واضح بدؤها ببسم الله، وكونها بعد الترجمة يعني نظير ما يُوجد في القرآن، وأن البسملة بعد اسم السورة.

 يعني البداءة بالبسملة قبل الترجمة أمره واضح؛ لأن الأصل البداءة بذكر الله، وكون البسملة تكون بعد الترجمة؛ لأن بعض النُّسخ كتاب الوضوء، كتاب الغُسل، كتاب الصلاة في بعضها البسملة بعد الكتاب بعد الترجمة، وهذا نظير ما في المصحف اسم السورة، ثم بسم الله الرحمن الرحيم.

"كِتَابُ الوُضُوءِ" الكتاب مر الكلام فيه مرارًا؛ لأنه مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابةً، والكَتب الجمع كما قالوا: تكتَّب بنو فلان إذا اجتمعوا، كررنا هذا الكلام في مناسباتٍ كثيرة جدًّا وهو مصدر يُراد به اسم المفعول المكتوب الجامع لمسائل الوضوء.

"الوُضُوءِ" بضم الواو المراد به فعل المتوضئ، والوَضوء بالفتح المراد به الماء الذي يُتوضأ به.

قال –رحمه الله-: "بَابُ مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ" ثم أورد الآية وما أتبعها من أحاديث وآثار.

وقول الله تعالى باب ما جاء، باب مضاف والجملة مضاف إليه، وقول الله معطوفٌ على المضاف إليه.

"وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]" هذه هي الفروض فروض الوضوء: غسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، يُضاف إلى ذلك كما سيأتي الترتيب والموالاة بأدلةٍ أخرى.

"قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ" المؤلف –رحمة الله عليه-: "وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً" يعني بفعله؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، بمعنى أنه غسل كل عضوٍ من الأعضاء مرة واحدة.

"مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا" يعني مرتين مرتين في جميع الأعضاء مرتين، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، الفرق بين مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وبين توضأ مرةً ومرتين وثلاثًا، إذا قلنا: مرة مرة ففي جميع الأعضاء، مرتين مرتين في جميع الأعضاء، ثلاثًا ثلاثًا في جميع الأعضاء، وإذا قلنا: مرة ومرتين صار الوضوء ملفقًا بعضه مرة، وبعضه مرتين، وبعضه ثلاثًا، توضأ النبي –عليه الصلاة والسلام- مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وتوضأ مُلفقًا –عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه غسل بعض الأعضاء أكثر من بعض إلى حد الثلاث ما زاد على الثلاث- عليه الصلاة والسلام-.

"وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ" والزيادة على الثلاث بدعة، ولو زعم بعضهم أنه يزيد من باب الاحتياط؛ لأنه عُرِف عن ابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يزيدون على الثلاث أضعافًا، ويقولون: إن هذا من باب الاحتياط، ونقول كما قال شيخ الإسلام: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، الزيادة على ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- يدخل في حيز البدعة.

"وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ" في الوضوء.

"وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

بقيت مسألة أُشير إليها، وهو أنه إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا؟

الأكثر طردًا للقاعدة أن البناء على اليقين يجعله اثنتين، يبني على الأقل، أكثر أهل العلم على هذا، لكن الأولى والأحوط أن يبني على الأكثر، لماذا؟ لأنه إن كان غسله مرتين فعلى السُّنَّة، وإن كان غسله ثلاثًا فهذا هو المطلوب، لكن إن زاد جعلها مرتين، وزاد ثالثة إن زاد فإن كان قد غسلها مرتين فعلى السُّنَّة، وإن كان قد غسلها ثلاثًا، وزاد رابعة، دخل في حيز البدعة، لكن إن بنى على الأقل فلن يخرج عن السُّنَّة، وبناؤه على الأقل إذا بنى على الأكثر الذي هو الثلاث فما زاد ثالثة يقتصر على ما فعل فهو على السُّنَّة على أي احتمال، لكن إن بنى على الأقل، وجعلهما اثنتين، وزاد ثالثة، فاحتمال أن يكون على السُّنَّة، واحتمال أن يزيد، فيدخل في حيز البدعة.

قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَابُ الوُضُوءِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قول الله –عزَّ وجلَّ-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة:6] الآية، وفي رواية الأصيلي باب ما جاء في قول الله دون ما قبله" في الوضوء.

"ولكريمة بابٌ في الوضوء" يعني بدون ما جاء.

"وقول الله –عزَّ وجلَّ- إلى آخره، والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته.

والوضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح الماء الذي يُتوضأ به على المشهور فيهما، وحُكي في كل منهما الأمران" يعني تقول: وضوء وتقصد به الماء، وتقول: وضوء وتقصد به الفعل، وتقول: وَضوء وتقصد به الفعل وتقصد به الماء أيضًا.

"وهو مشتقٌّ من الوضاءة" النور، التلألؤ، من الوضاءة.

"وسُمي بذلك؛ لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئًا" يصير وضيئًا حسًّا ومعنىً، يعني لا شك أن إزالة ما على الأعضاء من الأقذار يُعطيه وضاءة، وأيضًا نورٌ معنوي يجعله الله –جلَّ وعلا- فيمن لزم هذه العبادة من الوضوء وما تُشترط له من الصلاة.

"وأشار بقوله ما جاء إلى اختلاف السلف في معنى الآية، فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة مُحدثين"؛ لأن التركيب يُفيد التكرار، الأصل أن التركيب يُفيد التكرار {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة:6] يعني كلما قمتم إلى الصلاة {فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] يعني توضئوا، لكن التقدير عند بعضهم {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة:6] "فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة مُحدثين"؛ لأنه لا يلزم الوضوء لكل صلاةٍ ما لم يُحدث، وقد كان –عليه الصلاة والسلام- يتوضأ لكل صلاة، ثم في زمن الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحد، وقال: «عمدًا فعلت»، عليه الصلاة والسلام.

"وقال آخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذفٍ، إلا أنه في حق المُحدث على الإيجاب، وفي حق غيره على الندب" لكن يلزم من هذا استعمال اللفظ الواحد في معنييه، يعني على الوجوب وعلى الندب، وأحدهما حقيقة، والآخر –على كلامهم- يُسمى مجازًا، واستعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي يمنعه الجمهور، خلافًا للشافعية.  

"وقال بعضهم: كان على الإيجاب، ثم نُسِخ فصار مندوبًا" تجديد الوضوء عند أهل العلم مندوب لاسيما إذا فُعِل به ما لا يُفعل إلا بالوضوء تجديده مندوب، أما أن يُجدد من غير فعل، يتوضأ، ثم من غير أن يُصلي ومن غير أن يقرأ، ومن غير أن يطوف يتوضأ ثانيًا فهذا لا يجوز، بدعة، كأنه توضأ ستًّا.   

"كان على الإيجاب، ثم نُسِخ فصار مندوبًا، ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدَّثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - أُمِر بالوضوء لكل صلاةٍ طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وُضِع عنه الوضوء إلا من حدث".

 هذا أخرجه أحمد وأبو داود، ولم يتعقبه ابن حجر بشيء، فهو صحيحٌ أو حسن عنده.

"ولمسلمٍ من حديث بريدة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحد، فقال له عمر: إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله، فقال: «عمدًا فعلته» أي: لبيان الجواز، وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث.

واختلف العلماء في موجب الوضوء، فقيل: يجب بالحدث وجوبًا موسَّعًا" يعني إلا أن يُحتاج إليه، إذا أحدث الإنسان وجب عليه أن يتوضأ، لكن متى يتوضأ؟ إذا احتاج إليه، إذا أراد أن يفعل ما لا يُفعل إلا به. 

"وقيل: به وبالقيام إلى الصلاة" على لفظ الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6].

"وقيل: به" يعني بالحدث "وبالقيام إلى الصلاة معًا" فيكون مركَّبًا من أمرين إذا أحدث لا يجب عليه إلا إذا أراد أن يُصلي، وكذلك إذا أراد أن يُصلي لا يجب عليه إلا إن كان مُحدِثًا.

"ورجحه جماعةٌ من الشافعية، وقيل: بالقيام إلى الصلاة حسب" يجب عليه إذا قام للصلاة، لكن كيف يُهمَل الحدث؟ إلا على قول من يقول: إنه يجب على كل مصلٍّ مُحدثًا كان أو غير مُحدِث.

"وقيل: بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السُّنن من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ»" على لفظ الآية، لكن هل ينفي ذلك شريطة أن يكون مُحدثًا؟ لا ينفي، وإذا قلنا: إن الأمر المرتب على الوجوب التأثيم، فنقول: إن الإثم مرتبط بالحدث إذا لم يفعل وفرَّط.

متى يبين أثر الخلاف؟ كأنه يقول: الحدث غير موجب للوضوء، الموجب القيام للصلاة.

طالب:........

لا، هذا على الاحتمال السابق «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ» "وقيل: بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السُّنن من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ»" حسب، لكن من غير نظر إلى الحدث؟

طالب: .......

نعم في أول الأمر كان الأمر كذلك، لكن فيما بعد بعد عام الفتح حينما صلى الصلوات بوضوءٍ واحد قال: «عمدًا فعلت».

طالب:........  

هذا في أول الأمر كان يتوضأ لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر.

طالب:........

لا، هذا في أول الأمر قبل النسخ قبل عام الفتح، الآن إذا قلنا: إنه يجب بالصلاة حسب، أو قلنا: إنه يجب بالحدث، ما الفرق بينهما؟

طالب:........

ترك الواجب يترتب عليه إثم، متى يأثم إذا لم يتوضأ؟

طالب: عند قيامه للصلاة.

إذا قام للصلاة، يعني....

طالب: لو أراد الصلاة دخلت.

لا، عندنا شيء، عندنا قاعدة إذا كانت العبادة لها شرط وجوب، ووقت وجوب، فليكن شرط الوجوب الحدث، ووقت الوجوب القيام إلى الصلاة؛ لأنه لا يجب على غير مُحدِث لاسيما في آخر الأمر بعدما صلى النبي –عليه الصلاة والسلام- الصلوات.

انظر قواعد ابن رجب ما أدري أشار إليها أم ما أشار.

طالب:.........

أحدث قبل أم توضأ.

متى يأثم إذا ترك الوضوء؟ إذا عُلِّق بالحدث فيكون بمجرد الحدث، وإذا عُلِّق بالصلاة، ما يأثم إلا إذا جاءت الصلاة.

هذه أول مسألة عند ابن رجب يقول: "القاعدة الرابعة: العبادات كلها سواءٌ كانت بدنيةً أو مالية أو مركبةً منهما لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب.

 ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة الطهارة سبب وجوبها الحدث، وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة، فيجوز تقديمها على العبادة ولو بالزمن الطويل، ولو بعد الحدث" لا يجوز فعلها قبل الحدث، ولا يجوز فعلها بعد وقت الوجوب الذي هو الصلاة أو شرط الوجوب، أما بينهما فيجوز.

نظير ذلك الكفارة كفارة اليمين سبب وجوبها اليمين، ووقت الوجوب الحنث، لا يجوز تقديمها على سبب الوجوب الذي هو اليمين، ويجوز تقديمه بين سبب الوجوب ووقت الوجوب، بينهما يجوز.

طالب:........

ماذا؟

طالب:.........

أن يتوضأ أيش؟

طالب:..........

لا يجوز، لكن ما هو بالوضوء المشترط للصلاة، ما هو بالوضوء الذي يرفع الحدث، لا، هذا تجديد {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة:6] هم قالوا: عند من يقول: إنها دلالة الآية بالنسبة للمحدث على الوجوب، وبالنسبة لغيره على الاستحباب.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

على كل حال المقصود ظاهر، والإيغال في تطبيق المسائل على بعض الفروع يزيدها غموضًا وإلا فهي ظاهرة، إذا قام للصلاة إن كان مُحدثًا لزمه أن يتوضأ «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ».

طالب:.......

التجديد من غير أن يتقدمه عبادة، يعني توضأ ما فعل شيئًا أبدًا، ثم يجدد؟ لا لا ما يصح، توضأ يعني توضأ وضوء لغوي ما هو بشرعي ما هو بكامل.

"واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة:6] إيجاب النية في الوضوء؛ لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضئوا لأجلها" إذا أردتم الإرادة هي النية، إذا مثلاً الإنسان في الصف، وأراد أن يُكبِّر يتوضأ قبل ذلك، فالمقصود إذا أردتم القيام إلى الصلاة.

"ومثله قولهم: إذا رأيت الأمير فقم أي: لأجله، وتمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فُرِض بالمدينة" لماذا؟ لأن المائدة مدنية.

"أول ما فُرِض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غُسل الجنابة إنما فُرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو بمكة، كما فُرِضت الصلاة، وأنه لم يُصلِّ قط إلا بوضوء. قال: وهذا مما لا يجهله عالم.

 وقال الحاكم في (المستدرك): وأهل السُّنَّة بهم حاجةٌ إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس دخلت فاطمة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: «ائْتُونِي بِوَضُوءٍ» فتوضأ الحديث.

قلت: وهذا يصلح ردًّا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذٍ، وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبًا، وجزم ابن حزمٍ بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، ورُد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في (المغازي) التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضًا، لكن قال: عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيدٍ عن أبيه، وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد، عن عقيل، عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند" يعني في هذا الطريق بأن يكون مرسلًا، والطرق السابقة الأول فيه ابن لهيعة، والثاني فيه رشدين، كلاهما ضعيف، والثالث مرسل، لكن ينجبر بعضها ببعض.

"وأخرجه الطبراني في (الأوسط) من طريق الليث عن عقيل موصولاً، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية بن لهيعة" ويُقابل المعروف المنكر، فتكون الرواية الأخيرة منكرة عندهم.

"قوله: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً" كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق، أي: فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلاً مرةً مرة، أو على الحال السادة مسد الخبر، أي: يُفعل مرةً أو على لغة من ينصب الجزأين بأن؛ وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي: الوجه مرة واليد مرة إلى آخره، والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرةً مرة، وهو بيانٌ بالفعل لمجمل الآية، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد".

 يعني الآية مُجملة، هل فيها عدد؟ يتحقق الغسل والمسح بالرأس بُيِّنت الآية بفعله –عليه الصلاة والسلام- ولو بمرة.

"إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة، ولا يتعين بعدد، فبيَّن الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد" وتحرير المرة في غسل العضو يعني كيف نعرف أن العضو انغسل مرة؟

طالب:........

نعم؛ لأنه يحتاج إلى وضع الماء عليه أكثر من مرة؛ لتتحقق المرة إذا اكتمل غسل العضو ولو وضعنا عليه الماء أكثر من مرة، وهو شبيهٌ بالرضعة؛ لأن تحرير الغسلة المرة ويقول: أن وضعت الماء على العضو مرات؛ ليشمل الماء العضو ويُغطيه كله، وإن كان بعضه أصابه الماء أكثر من مرة، يعني إذا عُمم العضو بالغسل صار مرة؛ لأنه قد يضع الماء ثلاث مرات أربع مرات في كل غرفة يغسل جزءًا من اليد، والماء يمر على ما غُسِل سابقًا ولاحقًا، فهل تُعتبر هذه مرة أو أكثر من مرة؟

 ما تُعتبر مرة إلا إذا اكتمل غسل العضو.

طالب:........

ابن حجر ضعَّفه، وقال في (التقريب): صدوقٌ يُخطئ، مر في مواضع ضعَّفه قال: من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف، وقال في (التقريب): صدوقٌ يُخطئ، وقال في موضع في كتاب (الحج): رواه الإمام أحمد بإسنادٍ حسن، وفي إسناده ابن لهيعة.    

قال –رحمه الله-: "فبيَّن الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب" بدليل أنه اقتصر على المرة، ولو كانت الثلاث واجبةً لما اقتصر على المرة والمرتين.

"وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد، وأما حديث أُبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم-دعا بماءٍ فتوضأ مرةً مرةً، وقال: «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» ففيه بيان الفعل والقول معًا، لكنه حديثٌ ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرقٌ أخرى كلها ضعيفة.

قوله: "وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ" كذا في رواية أبي ذر، ولغيره مرتين بغير تكرار، وسيأتي هذا التعليق موصولاً في بابٍ مفرد مع الكلام عليه.

قوله: "وثلاثًا" أي وتوضأ أيضًا ثلاثًا زاد الأصيلي ثلاثًا على نسق ما قبله" يعني مرةً مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وعرفنا الفرق بين التكرار والإفراد.

"وسيأتي موصولاً أيضًا في بابٍ مفرد.

"قوله: "وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ" أي: لم يأتِ في شيءٍ من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه- صلى الله عليه وسلم- أنه زاد على ثلاث، بل ورد عنه –عليه الصلاة والسلام- ذم من زاد عليها، وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيبٍ عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: «مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ»" زاد ونقص، الزيادة معروفة الذي توضأ أربع أساء بلا شك وظلم، لكن من توضأ مرتين أساء وظلم؟ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» الزيادة واضحة، لكن النقص؟

 نقص الأعضاء لا بُد أن يُحمل على نقص الأعضاء، وإلا نقص العدد ثابت عنه- عليه الصلاة والسلام-.

"إسناده جيد، لكن عده مسلم في جملة ما أُنكِر على عمرو بن شعيب؛ لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث، وأُجيب بأنه أمرٌ سيئ والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة" يعني الظلم يكون مُحرَّمًا، والإساءة تكون خلاف الأولى، لكن الجواب.

"والظلم بالزيادة، وقيل: فيه حذفٌ تقديره من نقص من واحدةٍ، ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعًا: (الوضوء مرةً ومرتين وثلاثًا، فإن نقص من واحدةٍ أو زاد على ثلاثٍ فقد أخطأ)، وهو مرسل رجاله ثقات، وأُجيب عن الحديث أيضًا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم مقتصرٌ على قوله: «فَمَنْ زَادَ» فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره.

ومن الغرائب ما حكاه الشيخ/ أبو حامد الإسفرائيني عن بعض العلماء: أنه لا يجوز النقص من الثلاث، وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور، وهو محجوجٌ بالإجماع.

وأما قول مالك في المدونة: لا أحب الواحدة إلا من العالم"؛ لأن العامي قد يزعم أنه غسل واحدة وهو لم يستوعب، لكن العالم يستوعب.

"فليس فيه إيجاب زيادةٍ عليها، والله أعلم.

قوله: "وكره أهل العلم الإسراف فيه" يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين، قال: كان يُقال: من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر، وأخرج نحوه عن أبي الدرداء، وابن مسعود، وروي في معناه حديثٌ مرفوع أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص" يعني «وَلا تُسْرِف وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ».

"قوله: "وأن يجاوزوا" إلى آخره يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن مسعودٍ قال: ليس بعد الثلاث شيء، وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم"؛ لأن الزيادة على القدر المشروع المُحدد بعددٍ مُعين لا شك أنه لاسيما وإن ادعى شرعية ذلك، فقد يكون مُضمَّنًا للطعن فيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأن فعله أكمل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.  

"وقال الشافعي: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه أي: لم أُحرِّمه؛ لأن قوله: لا أحب يقتضي الكراهة، وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروهٌ كراهة تنزيه، وحكى الدارمي منهم عن قومٍ أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة، وهو قياسٌ فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يُندب تجديد الوضوء على الإطلاق".

طالب:........

نعم؛ لأنه إذا توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا من غير فعلٍ كان توضأ ستًّا ستًّا.

طالب:........

كيف؟

طالب:........

زاد من باب إطالة الغرة والتحجيل.

طالب:........

على ما سيأتي في حديث أبي هريرة، الآن كل الكلام مُنصب على العدد.

"وهو قياسٌ فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهيتها أنه لا يُندب تجديد الوضوء على الإطلاق، واختُلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث، فالأصح إن صلى به فرضًا أو نفلاً" القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث.

 "فالأصح صلى به فرضًا أو نفلاً وقيل: الفرض فقط، وقيل: مثله حتى سجدة التلاوة والشكر، ومس المصحف، وقيل: ما يُقصد له الوضوء وهو أعم، وقيل: إذا وقع الفصل بزمنٍ يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة، وعند بعض الحنفية أنه راجعٌ إلى الاعتقاد، فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سُنَّة أخطأ ودخل في الوعيد، وإلا فلا يشترط للتجديد شيءٌ، بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم" الوضوء على الوضوء التجديد.

طالب:........

لا، لكن الدليل يدل على أن المراد به تجديده تجديد الوضوء تعدى زيادة العدد.

قال: "بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم ولاسيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد الوضوء على الوضوء نور.

 قلت: وهو حديثٌ ضعيف، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة، إن شاء الله تعالى.

ويُستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيءٌ لم يصبه الماء في المرات أو بعضها، فإنه يغسل موضعه فقط، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا؛ لئلا يؤول به الحال إلى الوسواس المذموم".

طالب:........

بعد الوضوء لا يكون مُقترن بالوضوء، ولو أزاله قبل لكان أولى قبل الوضوء.

اللهم صلِّ على محمد.

طالب:........

أنت ما سمعت الكلام؟

طالب: سمعت.

خلاص افهمه جيدًا، وتعرف أيش السبب؛ لأنك إن بنيت على الأقل صارت رابعة أو ثالثة.

طالب:.......

خلي الصلاة، تبطل الصلاة، الوضوء ما يبطل إذا بنيت على الأقل، الوضوء سُنَّة إذا بنيت على الأقل، لكن الصلاة إذا بنيت على الأقل بطلت؛ لأن الثلاث في الظهر باطلة، لكن الثنتين في الوضوء باطلة؟ سُنَّة.

على كل حال هم يدرجون المسألة في الشك لا يرفع اليقين يعني أنك تبني على الأقل مثل الصلاة، لكن إذا تأملت من حيث المعنى رأيت صحة ما ذكرنا.

انظر إن نقص فيها مخالفة؟

تكلمنا في النقص وجهه الشارع بروايةٍ أخرى.