كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقروء إلى آخر الباب؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" ثلاث ساعات: الساعة هي المقدار المحدد من الزمان، لكنه قد يطول وقد يقصر، قد يكون أكثر من الساعة الفلكية، وقد يكون دونها، والساعات هذه المذكورة في الحديث من أوقات النهي المضيقة حدودها ما بين عشر إلى ربع ساعة، ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، هذه الساعات المشار إليها، والساعات في التبكير للجمعة قد تزيد على الساعة الفلكية، فتصل على ساعة وعشر دقائق مثلاً، أو ساعة وربع وقد تنقص.

ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: أن الساعات الخمس في التبكير للجمعة إنما هي ساعات لطيفة بعد الزوال، يعني بين الزوال ودخول الإمام، يعني قد تكون الساعة إذا كان الإمام يدخل بعد الزوال بعشر دقائق صارت الساعة دقيقتان، ساعات لطيفة، يعني قليلة جداً وقتها يسير، ولذا المرجح قول جمهور أهل العلم، وأن الساعات تبدأ من ارتفاع الشمس، يعني من طلوع الشمس وارتفاعها، وخروج وقت النهي، هذه الساعات التي يمكن أن تسمى ساعات، وهي التي فيها ما فيها من مشقة على ما رتب عليه هذا الأجر العظيم، فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الساعة الأولى ساعة وقد تزيد بحيث، من ذهب إلى صلاة الجمعة بعد طلوع الشمس لا شك أنه مجاهد لنفسه، لا سيما وأننا نرى كثير من الناس حتى من طلاب العلم من يتأخر إلى قرب دخول الإمام، وقد يتأخر إلى ما بعد دخول الإمام، فلا شك أن التقدم إلى الجمعة يحتاج إلى جهاد، والأجر المرتب عليه لا يناسبه ما يذكر عن مالك، إنما من ذهب من طلوع الشمس إلى الجمعة هذا الذي كمن قرب بدنة.

قد يقول قائل: أنا إذا ذهبت أتعلم آية من القرآن، أو أقرأ آية من القرآن فكأنما حصلت على ناقة كوماء، وآيتين على ناقتين، يقول: أجلس في بيتي ولا أتقدم إلى الجمعة، وبدلاً من أن أقرأ أذهب لأحصل على أجر بدنة أقرأ ألف آية، وكأنما حصلت على ألف بدنة كوماء، يمكن أن يقال هذا وإلا ما يقال؟ يعني إذا قارنا بين الأحاديث، ونظرنا بعضها إلى بعض، لكن هل هذا القول متجه وإلا غير متجه؟

طالب: لا.

لماذا؟

طالب: لأنه قال: من أتى المسجد....

طيب يقول: أنا أروح المسجد الذي جنبنا ما في زحام ولا فيه بعد، وأجلس إلى أن يقرب دخول الإمام وأروح، فبدلاً من أن أقدم بدنة واحدة أحصل على هذه البدنات الكوماوات يرد وإلا ما يرد؟

طالب: يرد.

يعني ما في فرق بين أن تدفع، تقدم، وبين أن تأخذ، يعني كونك تحصل على بدنة كوماء لأنك تعلمت آية وبدنتين وثلاث وعشر ومائة وألف ولا يحصل لك إلا واحدة في التبكير إلى الجمعة، هذا أنت تنفقه في سبيل الله، والبدنات التي تحصل عليها من خلال تعلمك للقرآن هذا تكسبه، مكاسب، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو كسبت الدنيا كلها ركعتي الفجر أفضل منها، فهناك فرق وإلا ما في فرق؟ يعني فرق بين أن تبذل وبين أن تأخذ، فلا إشكال هنا أبداً.

"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" نصلي يشمل الفريضة، المقضية، والمؤداة، مقضية بالنسبة للصبح، ومؤداة بالنسبة للعصر في آخر وقتها، ويشمل أيضاً قضاء الفوائت، ويشمل الرواتب ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتي الطواف وركعتي الإحرام، وصلاة الاستخارة وغيرها مما له سبب، ويشمل صلاة التطوع المطلق، ويشمل الكسوف والجنازة كلها تسمى صلاة، والخلاف في السجود، سجود التلاوة وسجود الشكر، هل يسمى صلاة فيدخل في النهي أو لا يسمى صلاة فلا يدخل، فالمقصود أن الحديث بعمومه يشمل هذه كلها، يشمل الفرائض، لكن الفرائض مستثناة بدليل ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) الفرائض مستثناة، فلا تدخل في هذا، وإن كان رأي الحنفية أن الفرائض داخلة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استيقظ من نومه أخر صلاة الصبح حتى خرج وقت النهي؛ لأنهم انتقلوا من المكان، وعرفنا أن العلة علة التأخير لا لخروج وقت النهي، وإنما هو لأنه مكان حضر فيه الشيطان، وإلا فوقت النهي قد ارتفع؛ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وحينئذٍ تكون الفرائض مستثناة من هذا العموم ((فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) في أي وقت كان سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي.

"ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" دفن الميت وإن كان بعضهم يحمله على صلاة الجنازة التي يعقبها الدفن، لكن النص ظاهر في أنه في الدفن، فلا تدفن الجنازة إذا صلي عليها بعد الصبح مثلاً، ثم وصلوا إلى القبر وهو جاهز ولا يبقى إلا إدخالها فيه، وقت بزوغ الشمس، أو صلوا عليها بعد العصر مثلاً، ولم يصلوا إلى المقبرة إلى قرب غروب الشمس في الوقت المضيق، فإنها لا تدفن حتى تغرب الشمس، وفي المسألة الأولى لا تدفن حتى ترتفع الشمس، وأيضاً قل مثل ذلك في حينما يقوم قائم الظهيرة، فالنهي في هذه الأوقات عن شيئين، عن الصلاة بجميع ما تحتمله هذه الكلمة إلا الفرائض على ما تقدم، وعن دفن الأموات، فهذه ثلاثة أوقات مضيقة: "حين تطلع الشمس بازغة" يعني طالعة، بازغة مصدر مؤكد، تطلع الشمس بازغة "حتى ترتفع قيد رمح" قيد رمح يعني ترتفع عن مستوى سطح الأرض بمقدار رمح، ويقدر هذا بعشر دقائق أو ما بين العشر إلى ربع ساعة؛ لأن طول النهار وقصره له دور في ذلك، ففي الصيف يزاد في المدة، وفي الشتاء تكون المدة عشر دقائق.

"حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة" حينما يشتد الحر في منتصف النهار، وفي وقت الزوال قبيل الزوال حتى تزول، يقوم قائم الظهيرة؛ لأن الشمس إذا صارت في كبد السماء في وسط السماء كأنها واقفة، فإذا زالت مالت إلى جهة المغرب حلت الصلاة، وهذا أيضاً مدته كما تقدم من عشر دقائق إلى ربع ساعة.

"وحين تتضيف" يعني تميل "الشمس للغروب حتى تغرب" وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني تميل، الشمس تبدأ بالميلان إلى الغروب، وذلك قبل غروبها بنحو ما تقدم.

هذه الساعات الثلاث هي الأوقات المضيقة التي ينهى فيها عن الصلاة، وينهى فيها عن دفن الأموات.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.

ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس))".

هذان وقتان يضافان إلى ما تقدم من طلوع الصبح، أو من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب، هذا الوقتان الموسعان، وتلك الأوقات الثلاثة المضيقة، يمكن اختصار الأوقات الخمسة إلى ثلاثة أو لا يمكن؟ يعني من أوتي جوامع الكلم ما قال: إن الأوقات ثلاثة، ولا ساقها مساقاً واحداً فقال: الأوقات خمسة، لماذا؟ نعم؟ للاختلاف في الأحكام، فالأوقات الثلاثة المضيقة ينهى فيها عن أمرين: عن الصلاة وعن دفن الأموات، وفي الوقتين الموسعين النهي عن الصلاة فقط، فأيهما أشد في النهي؟ المضيقة أو الموسعة؟ المضيقة؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لماذا لا تكون الأوقات ثلاثة من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس يستثنى من ذلك الفريضة وراتبتها، ومن حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس تكون ثلاثة، قيل: التفريق من أجل أن الأوقات المضيقة أشد في النهي بخلاف الوقتين الموسعين، ولذا ينهى في الأوقات المضيقة عن أمرين، ولا ينهى في الوقتين الموسعين إلا عن شيء واحد، حتى قال بعض أهل العلم: إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من أجل ألا يسترسل المصلي فيستمر في صلاته حتى يصلي في الوقت الموسع، الشمس تطلع بين قرني شيطان، فإذا خرجت وبان قرنها سجد لها من يعبدها، وإذا غابت أو تضيفت للغروب سجدوا لها كالمودعين، وأما بالنسبة لمنتصف النهار فإنه وقت تسجر فيه النار، نسأل الله السلامة والعافية.

المقصود أن هذه الثلاث تختلف في الأحكام عن الوقتين الموسعين.

((لا صلاة بعد الصبح)) الصبح يحتمل أن يكون طلوعه يعني طلوع الفجر، ويحتمل أن تكون الصلاة من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ((ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) وهذا مثله، يعني من بعد دخول وقت العصر إلى غروب الشمس احتمال، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس احتمال، لكن الاحتمال الثاني يؤيده رواية: ((لا صلاة بعد صلاة العصر)) فما قبل صلاة العصر تباح فيه الصلاة ولو أخر الصلاة، لو أذن على أربع إلا ربع وما أقيمت الصلاة إلا خمس له أن يتنفل في هذه الساعة والربع، لكن إذا صلى انتهى الوقت؛ لأن النهي يبدأ من الصلاة.

((ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) أما بالنسبة لصلاة العصر فالوقت مرتبط بها، وأما بالنسبة لصلاة الفجر فالخلاف قائم، جاء ما يدل على إرادة الصلاة، وجاء ما يدل على إرادة الوقت؛ لأنه جاء: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) فدل على أنه وقت نهي، ولا يستثنى من ذلك إلا ركعتا الفجر حتى جعله بعضهم وقتاً سادساً، يعني من طلوع الفجر إلى صلاة الفجر هذا وقت، وهو أخف الأوقات؛ لأنه يصلى فيه راتبة الفجر، من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وقت موسع تقضى فيه راتبة الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من يقضي راتبة الصبح بعدها، رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((أأصبح أربعاً؟)) قال: إنه لم يصل الركعتين، فأقره، فتقضى فيه راتبة الصبح، كما أنها تقضى أيضاً بعد ارتفاع الشمس، فإذا أخرها إلى أن ترتفع الشمس كان أولى ليصليها في وقت لا نهي فيه لا موسع ولا مضيق، كما أنه يقضى الوتر بعد ارتفاع الشمس في الضحى، ولا يقضى بعد طلوع الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى وتره إلى السحر؛ لأنه انتهى وتره إلى السحر.

"من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح" هذا وقت لا صلاة فيه إلا ركعتا الفجر، ركعتي الصبح، وجاء التخفيف لهذه الصلاة، حتى كانت تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟" لأنه يخففها، ولا يتصور أنه يخفف هذه الصلاة ويصلي غيرها، هذا وقت نهي، لكنه أخف من غيره.

((بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس)) هذا أيضاً وقت نهي إلا أنه أخف من المضيق؛ لأن النهي فيه عن الصلاة، وأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها.

إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، هذا وقت مضيق، وهو مقصود لذاته، فالمنع فيه منع غاية، لا منع وسيلة، بخلاف الذي قبله على ما قرره ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن الوقت الموسع أمره أخف بكثير من الوقت المضيق.

"حينما تطلع الشمس حتى ترتفع" هذا الوقت المضيق، وهو الأول من الأوقات في حديث عقبة.

"حينما يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس" أيضاً وقت مضيق، وجاء استثناء الجمعة من هذا النهي، جاء فيه إلا الجمعة، يعني فإنه ليس فيها وقت نهي، ولكن الخبر ضعيف، استثناء الجمعة ضعيف، ومن أهل العلم من يرى أن الجمعة لا تسجر فيها النار في ذلك الوقت، فهو من خصائصها، ويدعم ذلك بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة، ولا يزالون يصلون حتى يدخل الإمام، فدل على أن الجمعة ليس فيها وقت نهي.

"من صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب" هذا وقت موسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى فيه راتبة الظهر حينما شغل عنها على ما سيأتي في حديث أبي سلمة، أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليها قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها" قال إسماعيل بن جعفر: تعني داوم عليها.

فالوقت الموسع بعد صلاة الصبح أقر من قضى الراتبة، والوقت الموسع بعد صلاة العصر قضى هو -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر؛ لأنه شغل عنها، إلا أنه جاء في بعض طرق الحديث ما يدل على أنها من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وأن غيره لا يقضي ما فاته من النوافل في وقت النهي، يعني بعد صلاة العصر، وأما صلاة الصبح فعرفنا ما فيها، أقر من قضى، فيجوز قضاؤها بعد الصلاة، وأما بالنسبة لقضاء النوافل بعد صلاة العصر فلا؛ لأن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-.

أبي سلمة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، وجاء نحوه من حديث أم سلمة، ثم أثبتهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً داوم عليه، يداوم عليه، فأثبتها، وذكرنا أنه جاء ما يدل على اختصاصه بذلك -عليه الصلاة والسلام-.

"وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف))" عبد مناف هذا هو الجد الرابع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وتخصيصهم بالنداء لأنهم هم الذين لهم السيطرة على البيت، وهم أهل المنع والحل والعقد في ذلك المكان.

((يا بني عبد مناف)) فإذا مُنعوا من منع الناس فغيرهم من باب أولى.

((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) يعني الطواف لا يمنع منه أحد، وتبعاً للطواف الصلاة بعده، فإذا لم نمنع من المقدمة لا نمنع من النتيجة، إذا لم نمنع من أول الأمر، فإننا لا نستطيع أن نمنع من آخره.

((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) فدل على أن الطواف لا منع فيه في وقت من الأوقات، لا يشمله النهي، وإن جاء ما يدل على أنه صلاة، إلا أنه شبيه بالصلاة من بعض الوجوه دون بعض ((الطواف بالبيت صلاة)) وتقدم هذا والكلام فيه لأهل العلم كثير، منهم من ضعفه، ومنهم من أثبته، فكونه مشبه بالصلاة لا يعني أنه صلاة من جميع الوجوه، فلا تشمله أحاديث النهي، فإذا طاف بهذا البيت فإنه يصلي ركعتي الطواف على خلاف في ذلك بين أهل العلم في ذوات الأسباب أية ساعة شاء من ليل أو نهار.

طيب ماذا عن الطواف والإمام يخطب؟ يعني ما تشاهدون ناس يطوفون والإمام يخطب؟ حال الخطبة يجب الإنصات، وتحرم الحركة من مس الحصى فقد لغا، إذا قلت لصاحبك: أنصت فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له، هل نقول: إن مجرد الدوران مع الإنصات للخطبة كافي ويحصل بذلك الطواف واستماع الخطبة، أو نقول: إن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قولك لصاحبك أنصت؟ فهل يمنع من يطوف أو لا يمنع؟ أو نفرق بين من جاء من أجل الجمعة فيلزمه الإنصات، ومن جاء من أجل العمرة فليؤد عمرته ويصلي بعد ذلك ظهر، أو إن أدرك من الجمعة شيء صلاها وإلا فلا؟ يعني هل كون الناس يطوفون هذا إقرار من أهل العلم، ويتركونهم يرونهم يطوفون من غير نكير هذا يدل على جواز ذلك، أو أن هذا تقصير، أو أنه لا يستطيع أحداً أن يقول لهم: لا تطوفوا كمن تكلم لا يقال له: أنصت؟ لكن ما بُين الحكم قبل ذلك، فماذا عن هذه المسألة وهي مسألة قائمة؟ المسألة تحتاج إلى جواب، شخص دخل المسجد ما وجد مكان يصلي فيه، قال: بدلاً من أن أقف أطوف ماذا نقول له؟ أو شخص ابتلي بنعاس أثناء الخطبة فقال: بدلاً من أن أجلس وأنام أطوف من أجل أن يذهب النوم؟ نعم ماذا نقول؟ يمنع الطواف أثناء الخطبة وإلا ما يمنع؟ أثناء الخطبة يمنعون وإلا قبل تبين لهم الأحكام؟

طالب:.......

الخطيب إذا كلمهم لا إشكال في ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلم وسمع من تكلم، إذاً لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار، يعني سكوت الناس بما في ذلك الخطباء لعل السبب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لعل السبب فيه هذا الحديث كما أن عدم منع النساء من غشيان المساجد مع اقتراف بعض المخالفات سببه: ((لا تمنعوا)) "عباد الله لا تمنعوا إماء الله بيوت الله" فإذا وجد مثل هذا يحصل عند الإنسان توقف؛ لأنه فيه يكون في مخالفة صريحة للنهي، مع وجود المخالفة من الطرف الآخر أنت ما يهمك إلا نفسك، يعني مثل لو قام سائل، سلم الإمام فقام هذا السائل، وشغل الناس عن أذكارهم يتجه منعه وإلا ما يتجه؟ إيه، لكن بعض الناس يقول: أنا مخاطب بقوله -جل وعلا-: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يقوم يشغل ما يشغل ما لي دعوة؛ لأن بعض هذه الأمور مثل ما معنا، ومثل منع النساء من المساجد، ومثل منع السائل، كل هذا ينتابه أمران، له مصالح وعليه مفاسد، فالإنسان أحياناً يتحرج من مثل هذه المضايق، فتجده لا ينكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تمنعوا أحداً طاف أية ساع شاء من الليل والنهار)) يقول: أنا مخاطب بهذا، وكونه آثم أو غير آثم أنا ما لي دعوة، كما أنه إذا وجد من يتحدث بجوارك، ماذا تقول له؟ تستطيع أن تقول: أنصت؟ ما تستطيع أن تقول: أنصت، وهذا أمر بمعروف ما تستطيع، وهو منكر وأنت مأمور بتغيير المنكر، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول له: أنصت، فمثل هذه المضايق يحصل فيها مثل هذا.

((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار)) جاء بهذا الحديث ليبين أن الطواف لا يأخذ حكم الصلاة، فيطوف الطائف في وقت النهي، وإذا طاف فللطواف لكل أسبوع ركعتان، يصليهما بعده، إما أن يصليهما مباشرة في وقت نهي أو غيره على قول من يقول بفعل ذوات الأسباب أو يتأخر حتى يخرج وقت النهي.

"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه، وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم" ويريد بذلك المجد ابن تيمية في المنتقى.

إذا عرفنا هذا عرفنا أوقات النهي، وأن منها المضيق ومنها الموسع، منها ما فيه تشديد، ومنها ما فيه تخفيف، وعرفنا أن الفرائض مستثناة على ما تقدم، بقي النوافل سواءً كانت مطلقة أو ذات سبب:

أما بالنسبة للنوافل المطلقة فلا قائل بها من أهل العلم إلا على قول الظاهرية، وأن هذه الأحاديث منسوخة، يرون أن هذه الأحاديث منسوخة، وأما غيرهم فيرون المنع على خلاف بينهم في النهي، هل هو للتحريم كما هو الأصل أو للكراهة لما دخل العمومات من المخصصات؟

فالأحاديث تتناول جميع الصلوات، يعني كسفت الشمس في الوقت المضيق، أو كسفت بعد صلاة العصر مثلاً، كسفت بعد صلاة العصر نصلي وإلا ما نصلي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا)) وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة وذات سبب، وأوجبها أبو عوانة، أما على القول بوجوبها فلا إشكال، لكن الكلام على القول باستحبابها.

النوافل المطلقة ما فيها إشكال، يعني ما يجلس بعد صلاة العصر يصلي مع الجماعة ثم يأتي بركعتين هذا وقت نهي بالاتفاق، ولا يقول به أحد من أهل العلم، يتنفل نفل مطلق.

الكلام في ذوات الأسباب كتحية المسجد، وهذه علم صارت على ذوات الأسباب، وركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام عند من يقول بهما، والاستخارة وغيرها.

دخل المسجد بعد العصر، دخل المسجد قبيل أذان المغرب بخمس دقائق، سواءً دخل في وقت موسع أو في وقت مضيق، توضأ بعد صلاة العصر يصلي ركعتي الوضوء أو لا يصلي؟ جاء إلى المحرم بعد العصر يصلي ركعتي الإحرام أو لا يصلي عند من يقول بهما؟

أراد أن يستخير في أمر يفوت في العصر، أو بعد صلاة الفجر هل نقول: تصلي ركعتي استخارة أو نقول: انتظر؟ الأئمة الثلاثة والمذاهب الثلاثة جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون: لا يصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب، ولو كانت ذات سبب لا يصلى شيء من التطوعات، ولو كانت من ذات الأسباب.

الشافعية يقولون: تصلى ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.

شيخ الإسلام ومن يقتدي به ممن أثار القول في الأيام المتأخرة في السنوات الأخيرة صاروا يرددون في أجوبتهم وفي فتاويهم يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا قول الشافعية، وهذا كلام شيخ الإسلام، وبهذا يقول من يفتي بقوله، أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام.

الطرف الثاني: وهم الجمهور يقلبون الدعوى، يقلبون المسألة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، أولئك يقولون: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في هذه الصلوات، والطرف الثاني وهم الجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام فلا نصلي.

يعني أيهما أولى بالقبول؟ الدعوى واحدة، كل من الطرفين يزعم العموم والخصوص، فالجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا نصلي ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ونصليها في الأوقات الأخرى، الطرف الثاني الشافعية ومن يرجح قولهم يقولون: لا، أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، والخاص مقدم على العام.

يتركب من القولين وحجتيهما أن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، إن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، من أجل أن نقول: الخاص مقدم على العام، سواءً في هذا الطرف أو في الطرف الثاني، نقول: عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي أعم من وجه، أعم في الصلوات، وأخص في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب أعم في الأوقات وأخص بالصلوات، فبينهما عموم وخصوص وجهي، إذا كان التعارض بين النصوص من هذه الحيثية، من حيث العموم والخصوص الوجهي فإننا حينئذٍ لا نستطيع أن نرجح إلا بمرجح خارجي، نأتي بمرجح خارجي؛ لأن الكفتين مستويتان، يعني دعوى الجمهور نظير دعوى الشافعية من حيث العموم والخصوص، فلا نستطيع أن نرجح، نحتاج إلى من يرجح قول الجمهور، فيكون هو الراجح أو يرجح قول الشافعية فيكون هو الراجح.

الجمهور رجحوا قولهم بأن الحظر مقدم على الإباحة، يعني دخلت المسجد في العصر عندك حديث يأمرك وحديث ينهاك، حديث يأمرك أن تصلي ركعتين، وحديث ينهاك أن تصلي، المنع مقدم على الإباحة وعلى الفعل حتى عند الشافعية أيضاً، الحظر مقدم على الإباحة، فعلى هذا المرجح قول الجمهور من هذه الحيثية، وكون الحظر مقدم على الأمر فضلاً عن الإباحة ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فيه ثنيا، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يعني ما في استثناء، وإذا دخلنا في وقت النهي وقد نهانا الشرع عن أن نصلي فإننا لا نستطيع أن نصلي، نعم الإنسان ليس بموثق، لا يستطيع أن يركع، لا، لكنه ممنوع الاستطاعة شرعية هنا، ممنوع من أن يصلي، فهو لا يستطيع أن يصلي ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) هنا لا نستطيع؛ لأن الشارع نهانا أن نصلي، بهذا يرجح قول الجمهور، الشافعية ومن معهم يقولون: ما قلتموه صحيح ووجيه ولا إشكال فيه، لكن عموم ذوات الأسباب محفوظ، بمعنى أنه لم يدخله مخصص، وعموم أحاديث النهي مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، أولاً: لا يتناول ما خصص بلا إشكال، ويضعف فيما عداه، وقال بعضهم: إنها تبطل دلالته إذا خصص، لكن هذا القول ليس بصحيح، تبقى دلالته فيما لا يدخله التخصيص، أو فيما لم يدخله التخصيص، فعمومه وضعف، وما دام عموم أحاديث النهي ضعف لدخول المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ، إذاً عموم هذا أقوى من عموم هذا، فيرجح عليه، فنفعل ذوات الأسباب.

نعم؟

طالب:.......

نبي نقول هذا كله -إن شاء الله-، هذا مع النهاية -إن شاء الله تعالى-.

فما الراجح من القولين؟ نقدم ما أشار له الأخ، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني أنه طاف بعد الصبح وما صلى مباشرة؛ لأن الوقت وقت نهي، انتظر حتى يخرج الوقت وطاف بذي طوى، بالزاهر، بعد أن ارتفعت الشمس، وأورد تحت الباب أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ((لا صلاة بعد العصر)) و((لا صلاة بعد الصبح)) فدل على أن الإمام البخاري يرى أن أوقات النهي لا يصلى فيها شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب.

نعود إلى ما قررناه سابقاً، وهو أن لمذهب الجمهور ما يرجحه، ولمذهب الشافعية ما يرجحه؛ لأننا نحتاج إلى مرجح خارجي، وهذه مرجحات خارجية، فما الراجح؟ يعني إذا قلنا: بركعتي الوضوء مثلاً أو صلاة الاستخارة أو حتى تحية المسجد وقد أمرنا بها، هل تقوى مثل هذه الأوامر -إن وجدت مع أن بعضها توجيهات وإرشادات- يعني في حديث بلال النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع خشخشته في الجنة، قرع نعليه في الجنة، فقال: إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين، يعني هل مثل هذا يقوى على معارضة قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد العصر)) و((لا صلاة بعد الصبح)) وثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن؟ يقوى وإلا ما يقوى؟ يعني إذا قلنا: تحية المسجد فيها: ((فلا يجلس حتى يصلي)) فإن مثل صلاة الاستخارة مثلاً تقوى على أن تصلى في وقت نهي فيه عن الصلاة؟ تقوى؟ لا شك أن هذه متفاوتة، يعني تحية المسجد أقوى بكثير من صلاة الاستخارة، وأقوى من ركعتي الوضوء، وأقوى من ركعتي الإحرام، وأما بالنسبة لركعتي الطواف فهذه لا إشكال فيها تأخيرها جائز وسائغ عند أهل العلم، تؤخر حتى يخرج الوقت، ويش المانع؟ تؤخر فلا يحصل التعارض، وعلى هذا يعني المسألة من المضايق، يعني بعض الناس من آحاد الطلاب يقول: صل ذوات الأسباب والخاص مقدم على العام، وهو يضحك يقرر مثل هذا الكلام! ونحن نجد من أهل العلم من إذا وجد من يصلي في الأوقات حرفه بيده عن القبلة؛ لأن النهي..، من يعارض النهي الشرعي؟ فلا هذا ولا هذا، لا نقول بالتشديد في هذا ولا في هذا، والمسألة محتملة، وهي من عضل المسائل كما قرر أهل العلم.

أما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما واسع، يعني من صلى لا ينكر عليه، ومن جلس ولم يصل لا ينكر عليه؛ لأن هذا عنده أمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وذاك عنده نهي، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن في الأوقات المضيقة؟ الأوامر في هذه الصلوات لا تقوى على معارضة حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" وهي أيضاً أوقات قصيرة، ماذا على الإنسان لو انتظر حتى تخرج هذه الأوقات؟ وبعض أهل العلم يقول: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات تعرض نفسك للحرج، إن جلست خالفت، وإن صليت خالفت، لا تدخل المسجد في هذا الوقت، ومنهم من يقول: ادخل المسجد واستمر قائم، استمر واقف من أجل ألا تقع في الحرج.

وعلى كل حال مثل ما ذكرنا في الأوقات المضيقة المتجه عدم الصلوات فيها، وفي الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة، وللاجتهاد مندوحة، فمن صلى فلا إشكال، ومن ترك فلا إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في الوقتين نهي وسائل كما قرر ذلك ابن رجب وابن عبد البر، وأما بالنسبة للأوقات المضيقة فهي مقصودة لذاتها، ومشابهة الكفار فيها ظاهرة، فلا يصلى فيهما، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.