شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 14

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم.

إلى حلقةٍ جديدة في كتاب الصوم من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم الشيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: قال –رحمه الله– عنه –رضي الله عنه-: الحديث المتقدم «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به»، وقال في آخره: «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»،

في البداية إن أذنتم لنا فضيلة الدكتور فيما يتعلق بقول المصنف وغيره: الحديث المتقدم، وأحيانًا في نهاية كل حديثٍ يقولون: الحديث، سواء كان بالرفع أو بالنصب، ما الفرق بين هذا وذاك يا شيخ؟

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فما سألت عنه من قولهم: الحديث.. يندر أن توجد في أول الكلام كما فعل المصنف مختصرًا هنا يندر جدًّا وكأنه يقول: راجع الحديث المتقدم كأنه يقصد هذا؛ لأنه تتمة، لأنّ هذا تتمة للحديث السابق.

المقدم: ولماذا جاء بالرفع هنا؟

على تقدير، تقدير سهل يعني، مثلما يكون في آخره في آخر الحديث، كما إذا قيل: «إنما الأعمال بالنيات»

الحديث يرجحون النصب، يعني أكمل الحديث، أو اقرأ الحديث، وأما الرفع فعلى تقدير.....

المقدم: هذا هو الحديث؟

لا، الحديث مكملٌ، أو على أي تقدير يقتضيه المقام بأن يكون هذا مبتدأً يُقدر له خبرٌ، أو الحديث مقروءٌ، الحديث مكملٌ أو مقروءٌ، لكن هم يتجهون إلى النصب أكثر، مثل الذي عندنا، فالنصب أوجه.

وراوي الحديث أبو هريرة الصحابي الجليل حافظ الصحابة بل حافظ الأمة، تقدم ذكره مرارًا –رضي الله تعالى عنه وأرضاه–، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب هل يقول: إني صائم إذا شُتم؟ والمناسبة ظاهرةٌ من قوله –عليه الصلاة والسلام-: «فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم».

المقدم: هذا موجودٌ في المختصر يا شيخ؟

لا، لا يوجد في المختصر، هذا مما أحال المختصر إلى الأصل؛ لأنه تقدم في الحديث الأول، الحديث السابق: «فإن سابه أحدٌ أو شاتمه». وهو موجود في الأصل في هذا الموضع كاملًا، إنما اقتصر منه المختصر على ما يحتاج إليه من القدر الزائد؛ لأنه لا يكرر، وأما الإمام البخاري فساقه بتمامه، فالمناسبة ظاهرة من قوله– عليه الصلاة والسلام-: «فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم». وحذف المختصر أكثر الحديث؛ لأنه تقدم في أول كتاب الصوم، واقتصر منه على ما لم يذكره هناك.

تقدم الكلام أيضًا على قوله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» في الحديث السابق، الحديث الأول؛ لأنّ هذا أول حديث في كتاب ((الصيام)).

وقوله في آخره: «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح»، يقول الراغب الأصفهاني في ((المفردات في غريب القرآن)): الفرح انشراح الصدر بلذةٍ عاجلةٍ.

المقدم: في ((المفردات في غريب القرآن)) أوردها؟

نعم، في ((المفردات في غريب القرآن)) نعم، الكلمة جاءت الفرح في القرآن في أكثر من موضعٍ، في مواضع، الفرح انشراح الصدر بلذةٍ عاجلةٍ، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية؛ فلهذا قال:

{ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سورة الحديد 23]،

{ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الرعد 26]،

{ ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ} [سورة غافر 75]،

{ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [ سورةالأنعام 44]،

{ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [سورة غافر 83]،

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [سورة القصص 76].

نعم، هذا الغالب، أن يكون في اللذات البدنية، ولم يُرخص في الفرح إلا في قوله –جلَّ وعلا-:

{ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } [سورة يونس 58]،

{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة الروم 4].

والمِفراح الكثير الفرح، كما تقول: مفضال أي كثير الفضل، معطاء كثير العطاء، مِفراح كثير الفرح، يقول الشاعر: ولست بمِفراحٍ إذا الخير مسني                   ولا جازعٍ من صرفه المتقلب.

«للصائم فرحتان» خبرٌ مقدمٌ ومبتدأٌ مؤخرٌ، «للصائم فرحتان»: «للصائم» جار ومجرور متعلقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدمٌ، و«فرحتان» المبتدأ المؤخر.

قوله: «إذا أفطر فرح» زاد مسلم بفطره «فرح بفطره».

وقوله: «يفرحهما» أصله يفرح بهما؛ لأنّ فرح لازم أم متعدٍ؟ لازم.

المقدم: يفرح بالشيء.

نعم، فحذف الجار ووصل الضمير كقوله: صام رمضان أي فيه؛ لأنّ هل رمضان يصام أو يصام فيه؟

المقدم: يصام فيه.

نعم، قاله الحافظ، وسبب هذا الفرح، كما قال القرطبي: يفرح بزوال جوعه وعطشه؛ حيث أُبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي، وهو السابق للفهم، يعني الذي تبادر إلى الفهم من هذا الحديث براوية مسلم: «إذا أفطر فرح بفطره» يعني تجد عموم المسلمين لا سيما في الأيام الحارة، مع طول النهار يترقب وقت الفطر بلهفٍ، فهو يفرح إذا أفطر.

المقدم: يعني معنى ذلك «إذا أفطر فرح بفطره» المراد فطر المغرب ليس كما يقول بعضهم: فطر العيد؟

هذه مسألةٌ ثانيةٌ، قولٌ آخر، لكن الآن المتبادر للذهن، يفرح بزوال الجوع والعطش.

المقدم: وليس بانتهاء العبادة.

بزوال الجوع والعطش؛ حيث أُبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي؛ لأنّ النفس تحتاج إلى الطعام، تشتاق إليه، لكن هل في مضمون هذا الفرح استثقالٌ للعبادة، بمعنى أنه يترقب انتهاء وقتها؟

المقدم: الخلاص منها؟ هذا موضع سؤال في الحقيقة.

نعم، ولا شك أنه يخطر على بال كثيرٍ من الناس، بل قد يقع، أقول: هذا قد يكون مطلبًا عند كثيرٍ من المسلمين يستثقل العبادة، ومسألة استثقال العبادة كون الإنسان يأتي إلى العبادة وهي عليه شاقةٌ ويؤديها بتمامها بشروطها وأركانها وواجباتها على مراد الله –جلَّ وعلا–، ويجاهد نفسه لأداء هذه العبادة، أهل العلم يقررون: إذا أداها مخلصًا لله –جلَّ وعلا– على هذه الكيفية، وإن كانت ثقيلة على النفس؛ لأنّ الجنة حُفت بالمكاره؛ فيجتمع عنده أداء العبادة كما أمر الله –جلَّ وعلا– جميع ما تطلبه مع مجاهدة النفس، بعض أهل العلم يقرر: أنّ له أجرين، كمن يقرأ القرآن وهو عليه شاقٌّ، له أجر المشقة وأجر القراءة، لكن ماذا عن الذي يأتي إلى العبادة وهو منشرح الصدر، الذي ما يحس بثقلٍ؟ أيهما أفضل؟

المقدم: لا شك أنّ هذا أولى، الذي يأتي وهو منشرح الصدر.

يعني الذي يأتي إلى العبادة، ويترقب قدوم هذه العبادة، نظير ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام-: «أرحنا بها».

المقدم: لكن فيه التناقض بين هذا وذاك، ممكن يأتي مترقب للعبادة ويفرح بانتهائها، فيه تناقضٌ يا شيخ؟ ما يظهر فيه تناقضٌ خصوصًا أنّ الإنسان يفرح بانتهاء الطاعات؛ لأنّ الله يسرها له.

هذا يرد فيما ننقله، لكن المسألة المقررة الآن فيمن يأتي إلى العبادة وهي ثقيلةٌ عليه، ومع ذلك يقهر نفسه ويرغمها على أداء العبادة على الوجه المطلوب.

المقدم: هذا له أجران.

دعنا من الشخص الذي يجاهد نفسه ثم يأتي بالعبادة وهي عليه في غاية الثقل، جاء في وصف المنافقين أنّ الصلاة عليهم ثقيلةٌ { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ} [سورة النساء 142] ، ومع الأسف أنه يوجد هذا الوصف عند كثير من المسلمين، لكن الفرق بين كسل المسلم وبين كسل المنافق......

المقدم: أنّ المسلم يجاهد نفسه من أجل كسب الأجر؟

لا، المسلم لا يخطر في باله أنه يترك العبادة، المصلي المسلم مصلٍ وإن وجد المشقة، لكن المنافق { يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء 142] إذا ما كان عنده أحدٌ ما صلى، ويلتبس هذا؛ لأنّ بعض الناس يشق عليه أنه يقوم إلى العبادة، وهي عليه ثقيلةٌ شاقةٌ، مع ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام –: «أنّ الجنة حُفت بالمكاره»،

 لا شك هذا خلاف ما تهواه النفس، لكنه مع المجاهدة تصير عادةً وديدنًا، ويفرح بها، ويأتي إلى مرحلة التلذذ، ويكن حينئذٍ أفضل من الذي يجاهد؛ لأنه ما وصل إلى مرحلة التلذذ إلا بعد أن جاوز مرحلة المجاهدة؛ ولذا يؤثَر عن السلف أنهم جاهدوا لقيام الليل وصيام الهواجر، ثم بعد ذلك تلذذوا، ووصفه –عليه الصلاة والسلام– أنه يرتاح بالصلاة «أرحنا بها يا بلال»، فرق بين من يرتاح بها وبين من يرتاح منها، فرقٌ كبيرٌ.

على كل حالٍ هذه المسألة قد لا يدركها الإنسان في أول الطريق، في طريقه إلى الله –جلَّ وعلا–، إنما يدركها فيما بعد، وهذا مُلاحظٌ في جميع العبادات.

صيام الهواجر من السلف عددٌ كبيرٌ من بكى عند وفائه لماذا يبكي؟ يبكي على قيام الليل وصيام الهواجر، فهذا هو سر المسألة أنّ الإنسان في حال المجاهدة يؤجر، ومثل من يشق عليه قراءة القرآن، لكن «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة»، ونظيره من يأتي إلى العبادة منشرح الصدر بها.

قيل: إنّ فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه، وخاتمة عبادته، وتخفيفٌ من ربه، ومعونةٌ على مستقبل صومه، يعني تمام صومه. لا شك أنّ الإنسان إذا تم له ما يريد فرح بتمامه؛ حيث لم يحل بينه وبين تمامه شيءٌ من العوائق، وهذا واجبٌ شرعي، يحمد الله –جلَّ وعلا– أن وفقه إلى أن أتمه، ويفرح بهذا التوفيق. ومعونة على مستقبل صومه يفرح بهذا الفطر؛ ليستعين به على صوم الغد.

قال الحافظ: قلت: ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذُكر، ففرح كل أحدٍ بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، لا شك أنّ المقامات تختلف، فمنهم من يكون فرحه مباحًا وهو الطبيعي، يفرح، مباحٌ، ومنهم من يكون مستحبًّا، وهو من يكون سببه شيئًا مما ذُكر: من تمام صومه، وخاتمة عبادته، والاستعانة به على صيام الأيام القادمة.

قوله: «وإذا لقي ربه فرح بصومه» «إذا لقي ربه» هو الآن مسألة رؤية الباري –جلَّ وعلا– في الآخرة مسألةٌ قطعيةٌ عند أهل السّنة والجماعة، فالمؤمنون يرون ربهم «ومَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، بلا تُرْجُمَان» فمسألة الرؤية مسألةٌ مقررةٌ، ولا ينكرها إلا المبتدعة من المعتزلة والجهمية وغيرهم.

يقول الشراح: «إذا لقي ربه فرح بصومه» أي بجزائه، أي بجزاء صومه وثوابه، وقيل: هو السرور بقبول صيامه، يفرح بصومه، الآن العامل في أمور الدنيا هل هو يفرح بالعمل أو بأجرة العمل؟

المقدم: بأجرة العمل.

وهذا هو الجزاء المذكور هنا، أي بجزائه وثوابه، وقيل: هو السرور بقبول صيامه، إذا لقي ربه فرح بصومه المقبول، بينما لو كان صومه غير مقبول ما فرح، وترتّب الجزاء الوافد عليه قاله العيني، وقال ابن العربي: فرحه عند إفطاره بلذة الغذاء عند الفقهاء، وبخلوص الصوم من الرفث واللغو عند الفقراء، لماذا هذا الكلام؟  يعني الفقهاء يعاملون المكلف على ما يظهر منه، يعني لهم نظرةٌ إلى المكلف، عندهم اكتملت شروط وأركان وواجبات، انتهى، العبادة صحيحةٌ مجزئةٌ مسقطةٌ للطلب، عند الفقهاء لا يأمرون بالإعادة، لكن عند الفقراء الذين هم العُبّاد والمتصوفة والزُّهاد وأرباب القلوب على ما يقولون، ذكروا في ترجمة شخص أنه حج من بغداد ثلاث مرات ماشيًا، ثلاث مرات حج ماشيًا.

المقدم: يرفض االركوب.

يرفض الركوب؛ لأنّ المشي مقدمٌ على الركوب في الآية.

المقدم: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [سورة البقرة 239].

نعم، حج ثلاث مرات، لما رجع من الحجة الثالثة دخل البيت فإذا الأم نائمةٌ في فناء البيت استيقظت، قالت: يا فلان أعطني ماءً، بعد أن ارتاح في فراشه، وأخلد إلى الراحة قالت: يا فلان أعطني ماءً، تثاقل كأنه لم يسمعها، ثم مرةً ثانيةً يا فلان أعطني ماءً، تثاقل، كذلك لما قالت الثالثة قال: أحج ماشيًا ثلاث مرات، وتطلب الأم أمتارًا أحضر لها الماء لا يكلف شيئًا، ومع ذلك أتثاقل، لا شك أنّ العمل مدخولٌ، يقول: لا شك أنّ العمل مدخولٌ. فسأل الفقهاء قالوا: حجك صحيحٌ، وأسقط الطلب، حجة الإسلام وانتهت، ما تُطالب بها.

المقدم: هذا رأي الفقهاء، بقي رأي الفقراء.

نعم، فذهب إلى بعض الفقراء يعني العُبّاد قالوا: أعد حجك، تعيد حجة الإسلام، ما حججت بعد، مثل ما عندنا  هناك يعاملونه على ما يظهر من عمله، وهؤلاء ينظرون إلى باطن العمل؛ ولذلك يفرقون بين علماء الظاهر وعلماء الباطن، والأصل ما فيه تفريق عالم الظاهر وعالم الباطن؛ لأنّ علم الظاهر من نصوص الكتاب والسّنة، ونصوص الكتاب والسّنة كما تعالج الأعمال الظاهرة تعالج القلوب، لكن الفجوة قد توجد عند البعض، لا أقول: الكل، أقول: قد توجد هذه الفجوة، كيف توجد؟ توجد عند من ينهمك في علمٍ من العلوم ويغفل عما عداها، أو يعالج بابًا من أبواب الدين، ويغفل عما عداه، من اشتغل بعلم الفروع، أو في علم الأصول، أو في علم الكلام أو في غيره، هذا لا شك أنه بحاجةٍ ماسةٍ إلى الأبواب الأخرى من أبواب الدين، التي تعالج القلوب، والعكس بالعكس، يعني كثيرٌ ممن يُعنى بأعمال القلوب قد يخفى عليهم كثيرٌ من الأحكام، فالعالم الرباني الحقيقي هو من يجمع بين هذا وهذا، ونصوص الكتاب والسّنة تعالج الظاهر والباطن، والتفريق لا دليل عليه.

هذا الحديث تقدم الكلام على كثيرٍ من مطالبه، نقول: تقدم الحديث على كثيرٍ من مطالبه، وأطرافه أيضًا تقدمت في الحديث الأول، قلنا: إنه خرجه الإمام البخاري في أربعة مواضع.

المقدم: والخامس في كتاب الصوم.

أين؟

المقدم: الموضع الأول كتاب الصوم ثم في أربعة مواضع، لكن هنا هو نفسه.

هو نفس الحديث.

المقدم: يعني هنا أرجعه إلى الطرف السابق كتاب الصوم.

نعم، الموضع الثاني أين؟ في الصيام أيضًا.

المقدم: الأول والثاني في الصيام، والثالث في اللباس، والرابع في التوحيد، والخامس أيضًا في التوحيد.

مضى الحديث في هذا، كله بسطناه في الموضع الأول، نبدأ في الحديث الذي يليه.

المقدم: أحسن الله إليكم، موضوع سبقت الإشارة إليه في حلقةٍ ماضيةٍ خصوصًا عند شرح الحديث الأول فيما يتعلق بقوله –عليه الصلاة والسلام-: «فليقل: إني صائمٌ» هنا ربما يُسأل في مسألة القول: هل القول يُطلق دائمًا على قول اللسان؟ ممكن نقول: قول القلب؟ يعني يقول: إني صائمٌ بلسانه؟

هذا تقدم الكلام فيه، وأنه حُمل على الوجهين، منهم من يقول بقلبه دفعًا للرياء، ومنهم من يقول بلسانه؛ لأنّ حقيقة القول إنما تنصرف إلى اللسان، ومنهم من يقول: يقولها مرتين مرةً بقلبه؛ ليزجر نفسه، ومرةً بلسانه؛ ليزجر غيره، وهذا تقدمت الإشارة إليه.

وهنا في قواعد ابن اللحام القاعدة الثامنة....

المقدم: قواعد ابن اللحام؟

نعم، القواعد والفوائد الأصولية.

المقدم: كتابٌ مطبوعٌ يا شيخ؟

نعم، مطبوعٌ، وحُقق أيضًا رسائل، لكن عندنا طبعة حامد الفقي نقول: فيها أخطاءٌ مدرَكةٌ.

المقدم: القواعد اسمه يا شيخ؟

نعم، القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية، يعني هذا نظير كتب تخريج الفروع على الأصول، مثل التمهيد للأسنوي والزنجاني وغيره، هذه الكتب نافعةٌ جدًّا.

المقدم: لكن اهتمام طلبة العلم بهذا الكتاب كيف تقيمه يا شيخ؟ طالما أهمية الكتاب....

لا يهتم به إلا متخصصٌ، لكن عنده القاعدة الثامنة والثلاثون: الكلام ونحوه كالقول، والكلمة عندنا تطلق على الحروف المسموعة حقيقة، وتطلق على مدلول ذلك مجازًا، وصححه في المحصول والمنتخب، إلى آخر كلامه، لكن قال: إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة، عمومًا الكلام للمتكلمين فيه كلامٌ. 

يقول: إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة اختلاف أصحابنا في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم» في نسخةٍ من القواعد «سابه»، هل يقول ذلك بلسانه أو بقلبه؟ في المسألة ثلاثة أوجه لنا، لمن؟ للحنابلة معروفةٌ.

أحدها: يقوله مع نفسه، يعني يزجرها، ولا يطلع الناس للرياء، قاله صاحب الرعاية.

والثاني: يجهر به مطلقًا حكاه أبو العباس واختاره؛ لأنّ القول المطلق باللسان، ويؤيده ما قالوا: لو حلف إنسانٌ ألا يتكلم، أو لا يقرأ، أو لا يذكر فإنه لا يحنث إلا بما تكلم به بلسانه دون ما يجري على قلبه، كثيرٌ من الناس يسألون عن الطلاق في النفس لا سيما مع الوسوسة، هذا الشيء ما يخطر على البال، ولا يقال: الأيمان مبناها على العرف، والعرف يقتضي أنّ الكلام حقيقةٌ، إلى آخر كلامه.

ثم قال: والثالث، الوجه الثالث: إن كان في رمضان جهر به، وإن كان في غيره يقوله في نفسه، جهر به في رمضان لماذا؟ رمضان لا رياء فيه.

المقدم: الجميع صائم.

نعم، فالكل صائم، فإن كان في رمضان جهر به، وإن كان في غيره يقوله في نفسه، واختاره أبو البركات؛ لأنه لا رياء في رمضان بخلاف غيره. والله أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في الحلقة القادمة بإذن الله نأخذ حديث في باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة بإذن الله، وأنتم على خيرٍ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.