كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 28

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا رواه مسلم.

وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة. رواه البخاري وابن حبان، وزاد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين.

وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر.

وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف في الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] رواهما مسلم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح.

وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله الاضطجاع لا أمره به.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه.

وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري.

وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد.

وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ.

وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم.

وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار.

يكفي، حسبك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وهذا الأسلوب يقال له: التقرير، وهو نوع من أنواع السنن؛ لأن السنة ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، فثبتت هذه السنة قبل صلاة المغرب بتقريره -عليه الصلاة والسلام-، والحديث الذي يليه فيه الأمر بهذه الصلاة قبل صلاة المغرب.

قال: "قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وتقريره -عليه الصلاة والسلام- تشريع بخلاف تقرير غيره؛ لأنه يعتريه ما يعتريه، ولو كان من أفضل الناس وأعلم الناس وأتقى الناس، لا ينسب إليه حكم شرعي بأننا نراه رأى كذا ولم ينكره، أو فعل بحضرته كذا ولم ينكر، بهذا يُرد على من يستدل على تحليل بعض الأمور لأننا رأينا الشيخ فلاني حضر كذا ولم ينكر، فالتقرير شرع إذا كان من النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يمكن أن يقر على باطل ولا يقر على خطأ، أما غيره فتقريره يحتمل أنه سكت درءاً لمفسدة، أو خوفاً على نفسه، أو جلباً لمصلحة أعظم، فلا يكون بذلك التقرير شرعياً، لا يكون التقرير شرعياً، أما تقريره -عليه الصلاة والسلام- فهو أحد أوجه السنن التي ترفع إليه -عليه الصلاة والسلام-، ما أثر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، أوصافه -عليه الصلاة والسلام- سنة، شرع، والمقصود بذلك الأوصاف الاختيارية، أما الأوصاف الإجبارية كونه ربعة هل نقول: السنة أن يكون الإنسان ربعة؟ نعم؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لا، هذا ليس بيد الإنسان، أما المقصود بالصفة التي تنسب إلى الشرع ويقتدى به -عليه الصلاة والسلام- فيها إنما هي الصفات الاختيارية، التي يستطيع الإنسان فعلها ويستطيع تركها.

"وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة" الأمر بها من المعلوم أن صلاة المغرب تسن المبادرة بها، بمجرد ما يغيب القرص، ويتأهب الإنسان للصلاة السنة أن يبادر بها، ولذا صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني في أول وقتها، ما صلى في اليوم الأول في أول الوقت، والثاني في آخر الوقت كما فعل في الصلوات الأخرى، فتسن المبادرة بها، ولذا يرى الشافعي وجمع من أهل العلم أنه ليس لها إلا وقت واحد.

هذه السنة، وهذه المبادرة بصلاة المغرب قد يقول قائل: إنه لا يشرع للإنسان أن يتشاغل بعبادة أخرى، عليه أن يبادر بها، فلا يتنفل ولا يصلي لئلا يسبب ذلك تأخير في صلاة المغرب، فجاءت السنة التقريرية والقولية، فأمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا قبل المغرب)) وفي الأخير: كراهية أن يتخذها الناس سنة.

الأمر كما هو معروف الأصل فيه أنه للوجوب، وقد يصرف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد يرد الأمر ويراد به الإباحة، لا سيما إذا كان بعد حظر، فالأمر هنا لا يراد به التقرير، السنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها كالركعتين بعدها، والركعتين بعد العشاء، والركعتين قبل الفجر والرواتب، والصلاة قبل العصر وغيرها من السنن، هذه لئلا يظن أنه لا يجوز التنفل قبلها؛ لاستحباب المبادرة بها، وجاء هذا الأمر متعقباً لذلك الحث على تعجيل صلاة المغرب؛ لئلا يظن أنه لا يجوز الصلاة قبلها، فجاء هذا الأمر، ولذا قال في الأخير: "كراهية أن يتخذها الناس سنة" يعني كراهية أن يتخذها الناس سنة إيش معنى الأمر أجل؟ لأن الإنسان قد يرى في هذا شيء من التناقض على ضوء ما عرفه من القواعد التي      تعينه على التعامل مع النصوص هذا أمر، وأقل الأحوال أن يكون مستحباً، فكيف يقال: "كراهية أن يتخذها الناس سنة"؟ الحكمة والعلة ما ذكرنا أن المغرب تسن المبادرة بها، فخشية أن يظن بعض الناس أنه لا يجوز الاشتغال بغيرها قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) يعني كأنه إذن في أن يصلى قبل صلاة المغرب ولو تأخرت صلاة المغرب قليلاً؛ لأن مثل هذا التأخر لا يضر، ولا يعوق عن تحصيل الصلاة في أول وقتها، ولا عن المبادرة بها، فدل على أن هذا الأمر ليس من أجل أن تتخذ سنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها، وإنما هي لإزالة..، وإنما الأمر جاء لإزالة لبس، وإلا مثل ما ذكرنا قد يقول قائل: أمر ((صلوا قبل صلاة المغرب)) وأقل الأمر الاستحباب، فكيف يقول: "كراهية أن يتخذها الناس سنة؟" يعني سنة راتبة، كما جاء في حديث ابن عمر وأم حبيبة وغيرهما.

"رواه البخاري وابن حبان" لكن ابن حبان زاد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين" هذه الزيادة عند ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبتت بتقريره وثبتت بقوله، لكنها لم تثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذه الزيادة عند ابن حبان محكوم عليها عند أهل العلم بالشذوذ، وأما السنة التقريرية والقولية فهما ثابتتان في الصحيحين، فالتقريرية في صحيح مسلم، والأمر في صحيح البخاري، وأما بالنسبة لزيادة ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام- الذي يرى بعض أهل العلم إثباتها، وأن هذه السنة ثبتت بقوله وفعله وتقريره، وتضافرت عليها أنواع السنن، هذا لو ثبتت زيادة ابن حبان، لكنها محكوم عليها بالشذوذ.

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها-" زرارة في نسبته أبي، ابن أبي أوفى وإلا ابن أوفى؟

طالب:.......

هي موضوعة بين قوسين، وليست في بعض النسخ، لكن الصواب؟ ما في أحد معه التقريب وإلا شيء؟ موجود التقريب عندكم؟

طالب:.......

هاته؛ لأنه وضعها بين قوسين، وقال: ليس في باء، وماذا عن بقية النسخ؟

طالب:.......

عندك يا أخ؟

طالب:.......

يعني وضعها بين قوسين؟ هاه؟

طالب:.......

من إيش؟

طالب:.......

ويش فيه؟

طالب:.......

إيه.

طالب: يقول: وفي رواية زرارة عن أوفى عن سعد بن هشام هي المحفوظة.

ما لقيته؟

طالب:.......

ويش يقول؟

طالب: ....... ورواية زرارة بن أبي أوفى.

نمشي على هذا حتى نجد غيره، أنا اللي في حفظي غير هذا بدون أبي.

قال: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سُئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" معلوم أنه إذا صلى العشاء صلى ركعتين في بيته، وهنا تقول: "كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر" هو لم يسمع من عائشة، فالخبر منقطع، ويبقى أن الراتبة ركعتان فقط بعد العشاء، ولا يمنع أن يزيد على ذلك كما جاء في حديث ابن عباس ما شاء الله أن يزيد، لكن ليس على سبيل الثبوت، وليست براتبة أربع ركعات، وإنما هي ركعتان على ما تقدم، والخبر ضعيف للانقطاع بين زرارة وعائشة، ولذا يقول المؤلف: "وفي سماع زرارة من عائشة نظر".

يقول: "أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به" المعلق.

طالب:.......

عندك عندك، هي نسخة الهلالي اللي معك؟

طالب:.......

شوف رقم (319) عندك عندك الحديث.

طالب:.......

في الحاشية، ما هو بيعلق على الحديث برقمه؟

طالب:.......

نعم ضعيف أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به، بدون أبي، فيه أبي أوفى؟

طالب:.......

قلت: وهذا سند ضعيف لانقطاعه، قال المزي في تهذيب الكمال: روى عن عائشة أم المؤمنين، والمحفوظ أن بينهما سعد بن هشام.

على كل حال الخبر منقطع، وفيه أيضاً بهز بن حكيم، وكلام أهل العلم فيه معلوم.

قال -رحمه الله-: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟" هاتان الركعتان هما راتبة الصبح، وهما من الرواتب المؤكدة أكثر من غيرهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص عليهما ويداوم عليهما سفراً وحضراً، ويذكر عن الحسن البصري القول بوجوبهما، وهما خير من الدنيا وما فيها، لكن مع ذلك هما ركعتان خفيفتان؛ لأنه قد يقول قائل: ما دامت هذان الركعتان خيراً من الدنيا وما فيها لماذا لا نطيلها؟ نطيل هاتين الركعتين ليكون هناك مقابل لهذا الفضل العظيم، نقول: لا، المقابل هو الاقتداء، والعمل إنما يكون تقويمه حسب الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- الاقتداء به.

النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، ومثلهما تخفيف الركعتين إذا دخل المصلي والإمام يخطب الجمعة يصلي ركعتين وتجوز فيهما يعني خففهما، فهاتان السنتان السنة فيهما التخفيف، وهذا قول عامة أهل العلم، وأن هذا هو المشروع في هاتين الركعتين، والحنفية يرون تطويل هاتين الركعتين، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

مبالغة في التخفيف، لكن مع استيفاء الأركان والواجبات، ليس معنى هذا أن هاتين الركعتين تنقران كنقر الغراب، لا، أو يتساهل في الواجبات أو الأركان ليس هذا معنى التخفيف، وإما التخفيف مع التمام، والإجزاء ولا يكون الإجزاء إلا بفعل الأركان والواجبات.

قد يتخفف من بعض السنن، لكن الأركان والواجبات لا بد من الإتيان بها، ولو اقتضى ذلك شيء من التطويل النسبي؛ لأن الذي يأتي بالأركان والواجبات لا بد أن تستغرق معه وقت، وقولها: "حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟" لا بد من قراءة أم الكتاب؛ لأنها ركن من أركانها، وتردد عائشة في قراءتها إنما هو من باب المبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، وبعد ذلك يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، أو بآية البقرة وآية آل عمران، على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.

هاتان الركعتان ركعتا الفجر هذه صفتهما التخفيف، ويصلي هاتين الركعتين في بيته كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ولو اقتضى ذلك التأخر عن المبادرة بعد الأذان مباشرة؛ لأن المبادرة المأمور بها مبادرة إجمالية لا يخل بها ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقتدي به المسلم فيه؛ لأن النظر لا بد أن يكون واسعاً شاملاً للنصوص كلها، فلا ننظر إلى نص ونترك نصوص أخرى، فأفضل الصلاة صلاة داود على ما سيأتي ينام نصف الليل، هل نقول: إنه ينام نصف الليل من مغيب الشمس؟ الليل يبدأ من غروب الشمس، فكونه ينام نصف الليل هل يقتضي ذلك أن يكون من غروب الشمس؟ لا، على ما سيأتي، ينام نصف الليل الذي يتاح فيه النوم، ويبادر إلى الصلاة حينما يسمع النداء، لكن بعد أن يؤدي ما جاء في النصوص الأخرى كهاتين الركعتين، ثم إذا جاء إلى المسجد وهناك بقية من وقت والوقت وقت كراهة يصلي تحية المسجد؛ لأن وقت الكراهة في هذا موسع وليس بمضيق، تفعل فيه ذوات الأسباب.

الاضطجاع بعد هاتين الركعتين سيأتي الكلام فيه.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص]" قرأ سورتي الإخلاص ليفتتح نهاره بالإخلاص، بالإقرار والاعتراف بالتوحيد بأنواعه، كما تقرأ هاتان السورتان في آخر الصلاة، في آخر ركعتين من قيام الليل في الوتر بعد سبح يقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على ما سيأتي، تقرءان أيضاً في ركعتي الطواف، وفي ركعتي المغرب على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وليستا بحتم، ولم يكن فعلهما ديمة منه -عليه الصلاة والسلام-، أحياناً يقرأ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وقرأهما في ركعتي الطواف كما في حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه في بعض الروايات قدم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] لكن الأصل تقديم الأول في القرآن، وعلى هذا جاء أكثر الروايات، قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص].

ثم بعد ذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وهذه لا اختلاف فيها في الروايات، آية البقرة لا اختلاف فيها، إنما الرواة والروايات اختلفت في قراءة آية آل عمران، آل عمران فيها ثلاث آيات كلها ختمت بقوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] لكن (آمنا بالله) في آية أو في آيتين؟ آية (52) شوف المصحف عندك آية (52) من سورة آل عمران.

نعم؟ {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران].

طالب: {قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران].

هل المقصود هذه الآية؟ شوف أربعة وستين.

طالب:.......

أربعة وستين، وأربعة وسبعين؟

طالب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(64) سورة آل عمران].

لكن ما فيها آمنا، (آمنا بالله).

طالب:.......

شوف الآية التي في أول الصفحة (61).

طالب:.......

طيب ما المقصود في الآية الثانية التي في آل عمران؟ لأن قوله: {آمَنَّا بِاللّهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} وأكثر الروايات على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} [(64) سورة آل عمران] أربعة وستين.

طيب الآية الأخيرة في آخر الجزء ألا تغني عن آية البقرة لأني أريد أن أتوصل إلى شيء أعطني المصحف.

{قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(84) سورة آل عمران] يعني ألا تغني هذه عن آية البقرة؟ هو قرأ آية البقرة وقرأ آية آل عمران، هل المراد بآية آل عمران هذه أو {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [(64) سورة آل عمران] أو {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [(52) سورة آل عمران] نعم؟

طالب:.......

هو جاء هذا وهذا، قوله: {آمَنَّا بِاللّهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران] وفي صحيح مسلم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] نص عليها، فالقراءة قراءة آيتين من سورتين هذا ثابت بهذا الحديث، فلو قرأ الإنسان في الركعة الأولى آية من سورة وآية من سورة هذا ما فيه إشكال، ومشروعيته مأخوذة من هذا الحديث، لكن لو قرأ آية من سورة وآية أخرى ليست التي بعدها من نفس السورة، قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، و{آمَنَ الرَّسُولُ} [(285) سورة البقرة]... إلى آخر السورة في الركعة الثانية.

طالب: من باب أولى يا شيخ.

كيف من باب أولى؟

طالب:.......

إيه لأن بعضهم يستنبط من هذا أنه لا يجوز الإخلال بالترتيب في سورة واحدة، فإذا قرأ بآية من سورة، وأراد أن يقرأ من نفس السورة لا ينتقل إلى غير التي بعدها؛ لأنه هنا قرأ..، بإمكانه أن يقرأهما من سورة واحدة، شوف صفحة (21) مع (61) {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ} [(136) سورة البقرة] وهنا {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [(84) سورة آل عمران] وهنا {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(59) سورة المائدة] يعني الفروق يسيرة يعني ما تخل بالمعنى المطلوب الذي من أجله شرعت قراءة هذه الآية في هذا المكان، وليس للإنسان أن يعترض على ما ورد، لكن المسألة مسألة تقرير حكم شرعي، نقول: ما دام قرأ بآية البقرة مع إمكانه أن يقرأ بآية آل عمران لتكون الآيتين معاً من سورة آل عمران، فلماذا يفرق آيتين من سورتين ويترك آيتين من سورة واحدة؟ إلا لأنه عند بعضهم هو الذي استنبط هذا أنه لا ينبغي أن يقرأ من سورة شيئاً ويقرأ من السورة الأخرى شيئاً آخر، يقرأ من السورة نفسها آية أخرى غير تابعة لها، يعني يفصل، يعني أنت افترض أنه قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، ثم في الركعة الثانية قرأ آخر السورة: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يعني الإشكال فهم وإلا ما فهم؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ يعني هذا الاستنباط قريب وإلا بعيد؟ لأن بعضهم يقول: لو كان قراءة آيتين غير متتابعتين في ركعتين من سورة واحدة لو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لقرأ الآيتين من آل عمران، ما قرأ آية من البقرة وآية من آل عمران، وفي آل عمران ما يقوم مقامها.

نقول: مثل هذا وإن كان يعني الاستدلال فيه شيء من البعد، والأصل في هذه الأمور التوقيف، وعموم قوله: ((ثم اقرأ بما تيسر)) يدل على أنه لا مانع من أن يقرأ آيات ولو كانت غير متتابعة من سورة واحدة، لكنه في القراءة الواحدة في الركعة الواحدة لا يجوز له أن يفعل هذا، يعني لا يجوز له في ركعة واحدة أن يقرأ آية الكرسي ثم يقرأ آخر السورة، لا يجوز.

في ليلة من ليالي رمضان قبل صلاة التراويح قام شخص من الدعاة وتكلم عن قصة موسى مع بنتي صاحب مدين، والفوائد المستنبطة من هذه القصة، وأطال فيها، ثم أشار إلى الإمام وقال: لو قرأت القصة من سورة القصص، والإمام يقرأ في صلاة التراويح بعد سورة القصص، بعدها بجزأين أو ثلاثة، فقرأ هذه القصة من سورة القصص في صلاة التهجد، قرأ هذه القصة كاملة من سورة القصص، ثم شرع في قراءته التي وقف عليها، مثل هذا لا يسوغ، مثل هذا في ركعة واحدة لا يسوغ بحال؛ لأن هذا يخل بالترتيب، وترتيب الآيات توقيفي، يعني إذا اختلف الناس في ترتيب السور وأنه يجوز التقديم والتأخير عند بعضهم من غير كراهة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، ومنهم من يقول: يكره الإخلال بالترتيب الذي أجمع عليه الصحابة ووافق العرضة الأخيرة، مثل صنيع هذا الإمام الذي أشار إليه هذا الشخص من الدعاة لا يسوغ؛ لأنه إخلال بترتيب الآيات والترتيب توقيفي، لكن لو قرأ القصة في سورة القصص لموسى مع بنتي صاحب مدين في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية قرأ ما وقف عليه في قراءته ما في إشكال، هذا لا إشكال فيه.

أسأل الإخوان هل لقول من قال: إنه لا تقرأ آيات غير متتابعة من سورة واحدة في ركعتين، عرفنا أنه في ركعة واحدة لا يسوغ إطلاقاً، لكن في ركعتين لو قرأ آية الكرسي ثم قرأ آخر السورة في الركعة الثانية من السورة نفسها؟

استنبط بعضهم من هذه القراءة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعتي الفجر أن مثل هذا غير سائغ، ولو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعل الآيتين من آل عمران، ولكن مثل هذا الاستدلال قد لا يكون من القوة بحيث يمنع القراءة التي أشار إلى منعها، يعني الاستدلال هو مجرد استرواح وميل، وليس بنص قاطع في المسألة يمنع من أجله قراءة آيات غير متتابعة في ركعتين.

قلنا: إنه في الرواية الأخرى وهي في صحيح مسلم النص على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] آية (64) {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران]... إلى آخره، وسواءً قرأ بسورتي الإخلاص أو بهاتين الآيتين على الروايتين فالأمر في ذلك واسع، وله أصل.

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

إيه بعضهم ينظر إلى التناسب يقرأ في الركعة الأولى {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [(34) سورة النازعات] وفي الركعة الثانية: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} [(33) سورة عبس] ينظر إلى التناسب بين الآيات، ويقرأ في الركعة الأولى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [(1) سورة القيامة] وفي الركعة الثانية: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [(1) سورة البلد] بعضهم يستروح إلى هذا وليس له أصل، لكنه داخل في عموم ما تيسر، يعني لا يتعبد بأن هذا مطلوب شرعاً، وأن له خصيصة، وأن له ميزة، لا، إلا إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما كونه يقرأ وهذا اتفاقاً من غير اعتقاد أنه أفضل من غيره هذا ما فيه إشكال.

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري" يعني يضطجع حتى يؤذنه بلال بالإقامة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أحيا ليله، وإن لم يكن الليل كله؛ لأنه كما جاء أنه لم يحفظ عنه أنه أحيا ليلة كاملة، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر اجتهد، وشد المئزر، وطوى الفراش، وفارق أهله واعتزلهم، لكنه لم يحفظ عنه أنه قام ليلة كاملة، لكنه يقوم حتى تتفطر قدماه، فيضطر إلى شيء من الراحة، وأحياناً يضطجع قبل الفجر، وفي حديث الباب: يضطجع بعد الفجر.

"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" هذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- في البخاري، فماذا عن الأمر بالاضطجاع في الحديث الذي يليه؟

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن))" يعني في الركعتين قبل صلاة المغرب ثبت القول وثبت التقرير ولم يثبت الفعل، وهنا في الاضطجاع ثبت الفعل والخلاف في الأمر بالاضطجاع في الحديث الثاني في حديث أبي هريرة يأتي الكلام فيه.

فمن فعله -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال في ثبوته؛ لأنه في البخاري، والأمر بالاضطجاع محل خلاف، وحكم جمع من الحفاظ بعدم ثبوت الأمر به: ((فليضطجع)).

يقول شيخ الإسلام: أخطأ فيه عبد الواحد بن زياد، فهو خطأ، وإن استروح بعضهم ومال إلى ثبوت الخبر، ومنهم محقق الكتاب يقول: صحيح، وأجلب عليه بكل ما أوتي من اطلاع على المصادر والمراجع، ورد على من ضعفه.

على كل حال الخبر من حيث الإسناد يمكن تصحيحه، لكن من حيث المتن والأمر في ذلك أولاً وآخراً لطلاب العلم أو للأئمة في مثل هذا؟ للأئمة ليس لطلاب العلم.

قال: "((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به" أو بها، الضجعة.

الآن عندنا تكلم فيه أحمد والبيهقي، وشيخ الإسلام قال: إنه غلَط، تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلِط فيه، وأيضاً أئمة كبار قالوا بتضعيفه، وأنه خطأ من راويه عبد الواحد بن زياد، وعبد الواحد بن زياد وإن كان يحتج به لكنه مع ذلك لا يمنع أن يخطئ كما أخطأ غيره، أخطأ مالك، ووهم ابن عباس، يعني في الرأي لا في الرواية، قد يهم الراوي في الرأي، لكن الصحابي يهم في رواية؟ كلهم عدول ثقات، ضابطون، لكن قد يهم في الرأي يكون فهمه كما أخبر ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهي خالته وهو محرم، وهمه الأئمة لأن ميمونة نفسها قالت: إنه تزوجها وهو حلال.

على كل حال مثل هذا التضعيف لا يكفي فيه مجرد النظر في الإسناد، فقد يخطئ الراوي وإن كان مقبولاً في الجملة، لا سيما إذا عارضه من هو أكثر أو أوثق منه وأحفظ، ومع ذلك حكم الإمام البخاري بوصل: ((لا نكاح إلا بولي)) مع أن ممن أرسله شعبة وسفيان، فلا يعني أن الحافظ الضابط يكون قوله مقبولاً باطراد مقدماً على غيره باستمرار، بل قد تدل القرائن على أن غيره حفظ ما لم يحفظه، أو ضبط ما لم يضبطه، وعلى كل حال الحديث مختلف فيه هذا الاختلاف، والسنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، مطرداً، كان يضطجع -عليه الصلاة والسلام-، وهنا يقول: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) السنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأما الأمر فمختلف فيه، والأمر يفيد تأكد هذه السنة ولا يدل على الوجوب.

الناس في هذه السنة أو بإزائها اختلفت أقوالهم وتباينت، فمنهم من يراها بدعة، كما ذكر عن ابن عمر، وكان يحصب من يضطجع، ومنهم من يراها واجبة، بل شرط لصحة صلاة الفجر كابن حزم، يقول: إذا لم يضطجع صلاته باطلة، وهو نظير قوله فيما إذا لم يصل الصبح يوم النحر مع الإمام فإن حجه ليس بصحيح، حديث عروة بن مضرس من صلى صلاتنا هذه، أو شهد صلاتنا هذه، يقول: إذا لم يشهدها مع الإمام حجه ليس بصحيح.

وهنا يقول: إذا لم يضطجع قبل صلاة الصبح فصلاة الصبح باطلة، طيب كيف يصحح؟ كيف يصلي صلاة صحيحة عند ابن حزم؟ صلى ركعتي الصبح ولم يضطجع وصلى صلاة الفجر إذاً عليه أن يعيد ركعتي الفجر، ثم يضطجع بعدها، ثم يصلي الصبح؛ لتكون الصلاة صحيحة عند ابن حزم، ولا شك أن هذا قول باطل، لا حظ له من النظر، عامة أهل العلم يرون أنه إن صلاها في بيته اضطجع، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، وإن صلاها في المسجد فلا، وهو الذي كان ابن عمر يحصب من اضطجع، يعني في المسجد.

يقول: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به".

يقول: هنا أعله الإمام أحمد، نقل ابن عبد البر في التمهيد عن الأثرم قوله: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر؟ فقال: ما أفعله أنا، فإن فعله رجل.. ثم سكت، كأنه لم يعبه إن فعله، قيل له: لما لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبت، ولعله يقصد الأمر به، وإلا الفعل فهو ثابت، وذكر أبو بكر الأثرم من وجوه عن ابن عمر أنه أنكره، وقال: إنها بدعة، وقد ادعى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بطلان هذا الحديث، فقال ابن القيم في زاد المعاد: سمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر به، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه.

ثم قال بعد ذلك:

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل" يعني يسأل عن حكمها أو عن كيفيتها أو عن عددها؟ "سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى))" يعني ركعتين ركعتين، وهذا أسلوب حصر، وليست ثلاث ثلاث، ولا أربع أربع، ولا خمس خمس، إنما هي مثنى مثنى، ولذا يقول أهل العلم: إنه لو قام إلى ثالثة في صلاة الليل كالتراويح فكأنما قام إلى ثالثة في فجر، يعني يجب عليه أن يرجع إلى التشهد.

((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) ((فإذا خشي أحدكم الصبح)) هذا يدل على أن صلاة الليل والوتر إنما ينتهي وقتهما بطلوع الصبح.

((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) فهم بعضهم أن الوتر بواحدة لا يشرع إلا لمن خشي الصبح فيصلي واحدة، أما إذا لم يخش الصبح فلا يصلي واحدة، مع أنه سيأتي ما يدل على الوتر بواحدة، وعلى هذا يكون هذا تحديد للوقت لا للعدد، إذا خشي كون الوقت ينتهي بطلوع الصبح، ولذا جاء في الحديث: "وانتهى وتره إلى السحر".

((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه.

هذا بالنسبة لصلاة الليل لا يجز الزيادة على ركعتين إلا إذا أراد أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، فله أن يجمعها بسلام واحد فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بالثلاث وبالخمس وبالسبع وبالتسع، لا يجلس إلا في آخرها في الثلاث والخمس والسبع، وأما بالنسبة للتسع فيجلس بعد الثامنة لا يسلم، ثم يسلم بعد التاسعة، ويكون هذا مخصوصاً من حديث الباب: ((صلاة الليل مثنى مثنى)).

((توتر له ما قد صلى)) تقدم في سجود السهو أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ يبني على الأقل المتيقن، ثم يسجد سجدتين يشفعن له صلاته، يعني إن كانت صلاته صحيحة تامة كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كانت زائدة شفعن له صلاته، يعني إن كان صلى الظهر خمس هاتان الركعتان شفعن له صلاته، وهنا الركعة واحدة توتر له، فإذا شك هل صلى أراد أن يوتر بسبع مثلاً ثم صلى ركعتين أو ثلاث فتردد، قلنا: يبني على الأقل، فإذا سلم احتمال أن يكون سلم عن سبع واحتمال أن يكون سلم عن ثمان، فيركع فيسجد سجدتين إن كانت الصلاة سبعاً كانتا ترغيماً للشيطان، وإلا شفعن له صلاته أو أوترن له صلاته؟ أوترن له صلاته، يعني هناك المطلوب الشفع فتكون سجدتا السهو شفاً لصلاته، وهنا المطلوب الوتر فتكون السجدتان وتراً لصلاته.

توتر له ما قد صلى.

خلونا نشوف زرارة هذا.

زرارة بضم أوله ابن أوفى، ما في أبي، ما أدري يعني لا توجد في بعض النسخ ويضيفونها بين قوسين من دون الرجوع إلى المراجع، زرارة بن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين، ثم معجمة أبو حاجب البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة، مات فجأة في الصلاة، يعني في صلاة الصبح سمع الإمام يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات فجأة، والآية لها شأن عظيم عند أرباب القلوب الحية، لكن نقرأها كما نقرأ قام زيد أو ضرب زيد عمراً، لا فرق، وبعضهم يقول: زرارة بن أوفى هل أول مرة يسمع هذه الآية؟ لماذا ما مات أول ما سمعها؟ وما قرأ هذه الآية قبل ذلك؟ لماذا لم يمت عند قراءتها؟ نقول: يا أخي هذا يمكن يجري على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأما القول المعتمد عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص فيصل إلى الغاية في بعض الأوقات كما هنا وقد ينقص، فلا تؤثر مثل هذه الآية تأثيرها فيما أثرته حينما زاد.

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" ثم ضعفه بعضهم، فهل نقول: إن تصحيح البخاري هنا يقضي على تضعيف غيره؟ الإمام أحمد ضعف الحديث وابن معين ضعف الحديث، وشيخ الإسلام ابن تيمية ضعف الحديث، فهل نقول: إنه لا نظر لأحد مع الإمام البخاري، وهذه مسألة ذكرتها أكثر من مرة، وأن قول الإمام البخاري لا يعارض بقول أحد كائن من كان إذا كان في صحيحه، أما إذا كان خارج الصحيح فقوله كقول غيره، يعني ليس بأرجح من قول الإمام أحمد أو قول ابن معين أو قول غيرهما من الأئمة فلا نخلط؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام صححه البخاري ليش ننظر في قول غيره؟ نقول: لو قال: أخرجه البخاري سلمنا، ما عارضناه بتضعيف أحد كائناً من كان، لكن صححه البخاري، سأله الترمذي أو سأله فلان، وقال: صحيح، أو صححه في تاريخه، لا، نقول: قوله كقول غيره من الأئمة، لماذا القدسية؟ لأي شيء؟ هل هي للبخاري؟ لا، القدسية لكتابه الذي تلقته الأمة بالقبول، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله -جل وعلا-.

"وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى))" الحديث السابق المتفق عليه ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لماذا لم يخرج البخاري ومسلم النهار، صلاة الليل والنهار، لماذا أعرض البخاري ومسلم عن هذه اللفظة؟ هل هي لأن فيها علة فتركاها؟ أو لكونهما لم يستوعبا الصحيح، وإنما اقتصرا على ما هو في المرتبة العليا منه؟ يعني هل يمكن أن تعل رواية أحمد وأبي داود وغيرهما من الأئمة بعدم تخريج الشيخين لها لا سيما إذا كانت جزء من حديث مخرج في الصحيح؟ أما إذا كان حديث مستقل ما خرجه البخاري هذا ما فيه إشكال؛ لأن البخاري ومسلماً نصا على أنه ليس كل حديث صحيح خرجاه في كتابيهما، وإنما تركا من الصحيح ما هو أكثر خشية الطول، خشية أن تطول هذه الكتب، فلا يعترض على حديث في أبي داود أو في المسند لأنه لم يخرجه البخاري، هذا لا يرد، لكن لفظة خرج البخاري جملة الحديث سواها لماذا أعرض عن هذه اللفظة؟ أو خرج مسلم الحديث دونها لماذا أضرب عن هذه اللفظة؟ نعم قد لا تكون على شرطه، وإن صححها خارج صحيحه لكنها ليست على شرطه في صحيحه، وهذا لا يقدح فيها، وهنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) طيب مقتضى الحديث أنك لا تتنفل بأكثر من ركعتين في الليل هذا لا إشكال فيه؛ لأن الخبر في الصحيحين، أما في النهار تصلي أربع ركعات قبل الظهر أو قبل العصر بسلام واحد، أو صلاة الضحى تصليها أربع بسلام واحد؟ لأن هذه اللفظة لم تثبت، وإذا لم تثبت فمفهوم قوله: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على اثنتين، وإذا صححنا هذه اللفظة وقلنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)).

النسائي نص على أن هذه اللفظة خطأ، الإمام أحمد كذلك، يحيى بن معين كذلك، شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع من الحافظ نصوا على أنها خطأ، وأزيد فأقول: في ظرف غير الليل والنهار؟ نعم؟ فلماذا نقول: صلاة الليل والنهار؟ لماذا لا نقول: الصلاة مثنى مثنى؟ يعني التنصيص على الليل في رواية الصحيحين المتفق عليها تخرج النهار لأنه في قسيم؛ لكن إذا قيل: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، هل فيه قسيم يخرج بهذا الحصر؟ ليس فيه قسيم، لو أريد ذلك لقيل: الصلاة مثنى مثنى.

المعلق -وفقه الله- أجلب على هذه الرواية وصححها، ورد بقوة على كل من ضعفها، ولا شك أنه من أهل العناية وأهل الخبرة وأهل الدراية في هذا الباب، لكن قوله لا يعارض به قول الأئمة.

يقول هنا: "رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" يعني هل تضافُر هذه الكتب على تخريج هذه الرواية دليل على قوتها؟ إذا كانوا يستدلون على قلة التخريج في دواوين الإسلام لا سيما إذا استقل به من كثرت عنده الضعاف على توهين الرواية، يعني لو استقل به ابن ماجه مثلاً استروحنا وملنا إلى ضعفه، لكن أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري، كونهم كلهم يخرجونه هل يدل على قوته أو لا؟ لا يدل على قوته؛ لماذا؟ لأنهم لم يشترطوا الصحة، بل يجمعون الصحيح والضعيف والحسن، بل قد يخرجون شديد الضعف.

وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد.

وهناك في رواية الأثرم: ضعف.

"وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم" وتقدم بنا مراراً أنه إذا اختلف في رفع الحديث ووقفه فالحكم في هذا لإيش؟ للقرائن؟ الحكم للقرائن؛ لأن من أهل العلم من رجح الرفع مطلقاً لأنه زيادة ثقة، ومنهم من رجح الوقف مطلقاً لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، ومنهم من حكم للأكثر، ومنهم من حكم للأحفظ، لكن الأئمة ليس عندهم قاعدة مطردة يحكمون بالوقف أو بالرفع أو بالوصل أو بالإرسال مطلقاً، بل يكلون الأمر للقرائن، وهذا إنما يكون للراسخين في هذا الشأن.

"وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم، وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار" والدارقطني إمام يعني له شأن في العلل كالنسائي، يرون أن هذه اللفظة خطأ، وأحمد اختلف القول عنه، مرة جود الإسناد، ومرة حكم بالضعف وتجويد الإسناد لا يعني قوة المتن، يعني كونه قال: إسناده جيد، هل يعني أنه محفوظ؟ يلزم أن يكون محفوظ؟ لا يلزم، ولذا قال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ.

الخلاصة أن من يقول بثبوت هذه الرواية يقول: إن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لا تجوز الزيادة عليهما على الركعتين، لا في ليل ولا في نهار، إلا ما دل الدليل عليه من الفرائض والوتر، وما عدا ذلك يبقى على كونه مثنى مثنى، وإذا قلنا: صلاة الليل مثنى مثنى مفهومه أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على الركعتين.

طالب:.......

إذا قلنا بصحة "والنهار" قلنا: لا تجوز الزيادة على ركعتين، بعضهم يرجح قبول هذه الزيادة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى أربع ركعات يسلم بينهن، وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب، ركعتين بعد العشاء، ركعتين قبل الفجر، كلها ركعتين ركعتين، ولو كانت الزيادة جائزة لزاد، لماذا اقتصر على ركعتين؟ لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لكن ليس في هذا ما يدل على الحصر؛ لأن مجرد الفعل لا يدل على الحصر، ولا على أن الزيادة لا تجوز إذا وجد ما يدل عليها.

المعلق أطال في توثيق الراوي، أطال في توثيق راويه علي بن عبد الله الأزدي البارقي؛ لأنه علق على قول النسائي في المجتبى: "وهذا الحديث عندي خطأ" قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة.

لكن هل التخطئة تدور مع توثيق الراوي وتضعيفه أو لدلالات أخرى خارجة تدل على أن هذا الراوي الثقة حفظ وضبط أو أخطأ؟ أما كون الراوي ليس بثقة ضعيف فهذا يضعف الخبر من أجله مباشرة، وهذا لآحاد طلاب العلم، لكن الإشكال فيما إذا كان الإسناد كله ثقات، وحكم بعض أهل العلم بأن هذا الراوي الثقة أخطأ، يعني إذا جئنا بشيء من أخطاء الإمام مالك، أخطأ في لفظة في اسم راوٍ من الرواة.

...................................

 

ومالك سمى ابن عثمان عمر
 

خالفه الأئمة كلهم يقولون: عمرو، هل نبحث لتقرير هذا الخطأ في ترجمة مالك، وأنه ثقة أو غير ثقة؟ نعم، يعني إذا أردنا أن نرجح مثلاً ابن عثمان هذا عمرو وإلا عمر؟ مالك يعرفه بشخصه، ويشير إلى بيته، وغيره من الأئمة يعرفونه، ومالك نجم السنن، ولا يحتاج إلى أن ترجع إلى المصادر لتعرف ثقة مالك أو غيره؛ لأن الشهرة والاستفاضة في هذا كافية.

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن
 
ج

 

تزكية كـ(مالك) نجم السنن

يعني إذا أردنا أن ننظر في ترجمة ابن عثمان هذا هل هو عمر أو عمرو؟ يعني ننظر في ترجمة مالك هل هو ثقة أو ليس بثقة لنقول: إن مالك ثقة فكلامه صحيح؟ لا نحتاج إلى أن نرجع، لكن الكلام في هل هناك قرائن دلت على أن الإمام مالك أخطأ؟ فمالك يخطئ، حفظ عنه أخطاء وهو نجم السنن، وغيره أخطأ، ولا يوجد معصوم، لكن كوننا نصحح أخبار يُذكر فيها مالك وغيره من الأئمة الثقات بناء على غلبة الظن، ولذا لا يقطعون بثبوت ما يرويه الثقة لأنه قد يخطئ، لكنه صحيح يجب العمل به، فكون المحقق -وفقه الله- يعلق على كلام النسائي: "وهذا الحديث عندي خطأ" هو ما قال: ضعيف لضعف علي بن عبد الله الأزدي البارقي لتقول: لا، صحيح لأن علي بن عبد الله الأزدي ثقة، قال: خطأ، وقد يخطئ وهو ثقة، يعني لا يخفى عليه أمر علي بن عبد الله الأزدي لنقول: هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة، يعني مثل ما ذكرنا في خطأ مالك لا نبحث في ترجمة مالك هل هو ثقة أو غير ثقة؟ يعني الإمام النسائي -رحمه الله- ما يعارض في كون البارقي هذا ثقة، لكن مع كونه ثقة يخطئ، وهذا هو المدار في المسألة، يعني هل الضعف جاء من قبل تضعيف بعض رواته، أو لكون بعض رواته أخطأ وهو ثقة، نعم وهذا أمر لا يدركه طلاب العلم، وهذا الذي نؤكد عليه مراراً، وأن هذا لا يمكن أن يتداوله طلاب العلم فيما بينهم إنما هو للأئمة الذين وصلوا إلى حد يعرفون ما صح وما لم يصح، وما يمكن أن ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما لا يمكن أن ينسب، وإن كان رواته ثقات، وقد يكون محفوظاً وإن كان في رواته بعض الطعن.

ثم قال: قال علاء الدين مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: "ولما ذكره ابن خلفون في كتاب الثقات قال: هو ثقة، قاله أحمد بن صالح وغيره" نعم كون الراوي ثقة يعني مظنة لأن يكون ضبط الخبر، وهذا هو الأصل، لكن قد يأتي ويرد على خلاف الأصل مما يدل له الإجماع على أنه لا يوجد معصوم إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ثم قال: "قال ابن عدي في الكامل: وثقه ابن حبان والعجلي ومسلم والبيهقي، وقال ابن عدي في الكامل: ليس له كثير حديث، وهو عندي لا بأس به، وقال الذهبي: وقد احتج به مسلم، ما علمت لأحد فيه جرح وهو صدوق، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ" يعني مع هذه التوثيقات خلص الحافظ ابن حجر في التقريب أنه صدوق ربما أخطأ، وكأن الحافظ -رحمه الله- استحضر هذه الرواية، وبعض الروايات التي حصل فيها شيء من الخطأ.

ابن عمر -رضي الله عنهما- هو الراوي للحديث يقول سعيد بن جبير: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يصلي أربعاً لا يفصل بينهن إلا المكتوبة.

يقول البيهقي في الخلافيات: وهذا الحديث صحيح رواته ثقات، احتج مسلم بعلي بن عبد الله البارقي الأزدي، والزيادة من الثقة مقبولة، يعني زيادة لفظة: "والنهار".

ثم نقل كلام من قوى هذه الرواية وشدها وكلها تدور على توثيق الراوي البارقي.

يقول: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، يعني هل يمكن أن يرد على النسائي في قوله: خطأ بقوله في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي؟ أو هذا يؤيد كلامه؟ يؤيد كلامه، هذا يؤيد كلامه ما يخالفه، ولا يرد عليه بكلامه من نفسه.

يعني علينا أن نفهم تصرفات الأئمة ومغازي كلامهم ومقاصدهم.

وقوله: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: إسناده جيد، هذا إسناد جيد بلا شك، يعني من حيث ثقة الرواة والاتصال جيد، لكن الإشكال كله في هل ضبط راويه وأداه على الوجه الصحيح كما سمعه أو أخطأ فيه؟ ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، فهذا يؤيد كلامه في أن راويه أخطأ فيه.

قلت: لم يخالفوا البارقي أصحاب ابن عمر، وإنما زاد عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، مع أن التذكير بأن الصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى كما تقدم، فهذا ينفي المخالفة، ويؤيد قول من صحح الحديث.

صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى؛ لأنها ركعتين، صلى ركعتين بعد كذا، وركعتين بعد كذا، وصلى ركعتين، هل هذا يقتضي أن الجمع بين أربع ركعات لا يجوز، يعني مجرد فعله؟ لا سيما إذا قلنا: إن هذه الزيادة خطأ، وأن مفهوم صلاة الليل مثنى مثنى، أن صلاة النهار تخالف صلاة الليل؟ وبهذا أيضاً نرد على من أعل هذا الزيادة بالشذوذ كالإمام الدارقطني، فإنه قال في العلل: ذكر النهار فيه وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، يعني إذا أعله الإمام أحمد على طالب العلم أن يتوقف، إذا وافقه يحيى بن معين يزداد في التوقف، إذا قال الدارقطني: ذكر النهار وهم، عليه أن يعيد النظر، وكلما زاد واحد من الأئمة الكبار الجبال وليس معنى هذا أننا يعني أخونا المحقق -وفقه الله- يعني له خبرة وله معرفة وله دراية وله يد في هذا الباب، لكن كلما أورد كلام من أئمة رد عليه بهذه السهولة.

وبهذا نرد على من أعل، ترد على الدارقطني! يعني رديت على النسائي، رديت على أحمد، رديت على شيخ الإسلام حتى نرد على الدارقطني؟

الذي أعله بالشذوذ فإنه قال: ذكر النهار وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، فقال ابن عبد البر في التمهيد: وكان يحيى بن معين يخالف أحمد في حديث علي الأزدي ويضعفه ولا يحتج به، ويذهب مذهب الكوفيين في هذه المسألة، ويقول: إن نافعاً وعبد الله بن دينار وجماعة رووا هذا الحديث عن ابن عمر ولم يذكروا فيه: "والنهار".

في كلام طويل يعني على من يتصدى لتحقيق كتب أهل العلم أن يتعامل معه بالأسلوب المناسب، وأيضاً من باب ذكر الفضل لأهله المحقق يعني من أهل الخبرة والدراية، وله يد، وله جود في هذا المجال، وله أيضاً احترام وتقدير لأهل العلم فلا يكاد يذكر أحداً إلا ويقول: -رحمه الله-، ويتعامل معهم معاملة مناسبة، لكن أنا لفت نظري أنه تتبع هؤلاء الأئمة ويرد به على كذا، ويرد على فلان، ثم يرد على الدارقطني، ويرد على..، هذا أسلوب في تقديري لا يناسب في تجاه هؤلاء الأئمة، وإن كان يعني له رأيه، ولا يعترض عليه لا سيما وأنه من أهل هذا الشأن.

بقي أن أقول: وكذا تقدم الرد على من زعم أن شعبة لم يرفعه إلى آخره..، وبقي أن أقول: لقد ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- الحديث في مجموع الفتاوى فقال: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي، ولا يقال: هذه زيادة من الثقة فتكون مقبولة لوجوه:

الأول: أن هذا متكلم فيه.

الثاني: أن ذلك إذا لم يخالف الجمهور، وإلا فإذا انفرد عن الجمهور ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره... إلى آخره.

وفيما قاله أحمد -رحمه الله- نظر، أما قوله: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي فمردود بقول الإمام أحمد نفسه كما نقل المصنف عنه من رواية الميموني: إسناده جيد، وقلنا: إن كلمة إسناده جيد لا تعارض التضعيف.

وكذا ذكره عنه ابن رجب الحنبلي في فتح الباري، بل ذكر ابن رجب أن الإمام أحمد في روايته عنه توقف في حديث الأزدي، وهذه أيضاً لا تعارض التضعيف.

ومردود أيضاً بتصحيح الحفاظ بعده كالإمام البخاري والخطابي والبيهقي والنسائي في أحد قوليه، النسائي يعني في قوله في السنن الكبرى حينما قال: إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، هذا ما يمكن أن يرد به على أحد.

والنسائي في أحد قوليه، والحاكم والنووي وابن الملقن وغيرهم، وأما رده بأن يكون الحديث صحيحاً بناءً على أنه زيادة ثقة؛ لأن علياً البارقي متكلم فيه فغير صحيح؛ لأن علياً لم يتكلم فيه أحد بجرح، ابن حجر ماذا قال؟ صدوق يخطئ، أو ربما أخطأ، المقصود أنه له أخطاء.

والعلة الثانية إذا لم يخالفه الجمهور يقول: تقدم الرد عليها، وجملة القول: إن الحديث صحيح بلا ريب، وتتأكد صحته بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة التطوع في النهار مثنى مثنى، وبفعل ابن عمر كما تقدم.

ثم بقي بعد ذلك اختلاف وجهات النظر نظر الحافظ في قبول زيادة البارقي، فمن قبلها صحح الحديث ومن لا فلا، والله أعلم.

ختام طيب يعني بالنسبة للأئمة والتفويض بالنسبة لمن صحح ومن ضعف، لكنه بعد أن رد على هؤلاء الكبار الجبال.

وقلنا: إنه من حيث المتن: ((صلاة الليل والنهار)) قلنا: إنه لا قسيم لليل والنهار، يعني حينما يقال: ((صلاة الليل مثنى)) له قسيم النهار يخرج بذلك، لكن صلاة الليل والنهار هل يوجد قسيم لينص على الليل والنهار؟ لا، وإنما يقال: الصلاة مثنى مثنى، لو أريد الصلاة بعمومها في الليل والنهار لقيل: الصلاة مثنى مثنى.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))".

((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) هذا بالنسبة للأشهر، وأما بالنسبة لعموم الصيام فقد جاء ((أفضل الصيام صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً)) وسيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام -إن شاء الله تعالى-.

((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) لأنها مشهودة، وفي آخر الليل، في جوف الليل النزول الإلهي ووقت من أوقات إجابة الدعاء هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ لا شك أن هذا يجعل هذا الوقت أفضل من غيره فيحرص عليه، ومع الأسف الحرمان ظاهر لكثير من المسلمين، بل لبعض ممن ينتسب إلى العلم، تجده يبتلى بالسهر ويسهر إلى وقت متأخر من الليل، فإذا أراد أن يصلي عجز، قيد، ما الذي قيده كثرة القيل والقال، يعني لو أحيا ليله بعبادة مثلاً تعلم علم، مدارسة قرآن كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في رمضان يعان على قيام الليل، لكن قيل وقال، مباح يجره إلى مكروه، وقد يجره إلى محرم، والوقت إذا طال صار للشيطان فيه نصيب، ما لم يكن مشغولاً بذكر الله، وما يعين على ذكره.

((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم، ورواه النسائي من رواية شعبة مرسلاً.

ولكنه موصول عند مسلم فهو صحيح، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"