كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 26

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قال إبراهيم: زاد أو نقص-" يعني شك إبراهيم النخعي الراوي عن علقمة عن ابن مسعود هل قال ابن مسعود: زاد النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته أو نقص منها؟ "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟" يعني لوقوع الخلل إما الزيادة وإما النقصان، أحدث في الصلاة شيء؟ وهذا من أدب السؤال، ومن أدب التعامل مع الغير، ألا ترى إلى قوله -عليه الصلاة والسلام- للذي دخل المسجد قال له: ((هل صليت ركعتين؟)) فإذا وجد ما يُستنكر يستفهم عنه قبل الإنكار، كم من واحد وقع في إشكال خصومة مع من يُنكر عليه بسبب المباشرة في الإنكار، ما يدريك لعل له عذر، يعني رأيت شخصاً يصلي جالساً الفريضة، وعليه علامات القوة والنشاط، ما تقول له: قم فصل قائماً، تقول: لماذا؟ عسى ما شر على ما يقول العوام، لماذا تصلي جالساً؟ سلامات، ثم يبدي لك ما عنده، فإذا أبدى ما عنده وكان فيه ما ينكر وجهته إلى القول الصحيح والفعل الصحيح، أما تقول: قم صلاتك باطلة تصلي جالساً وأنت نشيط، وما يدريك أنه نشيط؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه يدخل، فجلس فقال له: هل صليت ركعتين؟ ما قال: صل ركعتين، وهذا لا شك أنه أدب شرعي رفيع؛ لأن الإنكار بطريق السؤال مقبول خفيف على النفس.

لو تذهب إلى شيخ سمعت عنه أنه أفتى بقول شاذ مثلاً، وتقول له: فتواك غير صحيحة، أفتيت بقول شاذ، بقول مرجوح، هذا في الغالب لا يستجيب لك؛ لأن النفس لها حظوظ، وفي الغالب أن صاحبها يراعيها، لكن لو قلت: ما رأيك في كذا وبقول كذا؟ ثم إذا عرفت أنه بالفعل أفتى بكذا، ما رأيك في القول الآخر؟ وهل تعرف له دليلاً؟ وهل هو راجح أو مرجوح؟ يناقشه في القول الآخر، ثم بعد ذلك إذا أصر ناقشه في قوله؛ لأن النفوس لا سيما في أوقاتنا وأزماننا مدخولة، والحق ثقيل، يعني لو أن الإنسان خالف آية أو حديث صحيح صريح في الدلالة يصعب عليه أن يقبل منك الاستدراك ولو بالآية والحديث الصحيح، ولو كان ممن ينتسب إلى العلم؛ لأن النفوس الآن ما صارت تقبل الحق بسهولة، الحق ثقيل ومر، والانتصار للنفس جبلي، فعلى هذا على الإنسان أن يسلك المسلك المناسب، يدخل إلى قلب المخاطب أولاً، ثم يقول ما شاء، يعني بعض أهل العلم ممن هم مرجع تجد بعضهم إذا جاءه بعض الشباب ولد عندهم بعض الأمور التي يستنكرونها، ويطلبون من الشيخ تغييرها يأتون بأسلوب غير مناسب، ثم الشيخ قد لا يوفق في احتوائهم، وإزالة ما في نفوسهم، وتخفيف ما عندهم؛ لأن الداعي لهم على مثل هذا الكلام هو الغيرة، وكل مطالب بما يناسبه على الطالب أن يحترم هذا الشيخ، ويبلغه بالمنكر بالأسلوب المناسب، ويطالبه بالأسلوب المناسب، على الشيخ أيضاً أن يحتوي هذا الشاب هذا الغيور ويوجهه بالأسلوب المناسب، فإذا احتواه بالأسلوب المناسب ولج إلى قلبه يملي عليه ما شاء، المسألة تهون بعد هذا الأمر، لكن الإشكال كله في الوسائل، في وسيلة التبليغ من قبل الشاب، وفي الرد من قبل الشيخ، يعني الشباب إذا جاءوا من أجل أمر رأوه منكراً ودماؤهم تغلو، تغلي دماؤهم وتفور غيرة لله، وعلى محارم الله يأتون إلى الشيخ بأسلوب قوي، وقد يبادرونه بـ(اتق الله يا شيخ) هذا الأسلوب ما هو مناسب، لكن الشيخ أيضاً عليه أنه إذا قيل له: اتق الله يتقي الله، هو مخاطب وهم مخاطبون، ولا يؤاخذهم بما تكلموا به من أسلوب غير مناسب، فعليه أن يؤدي ما عليه، ثم بعد ذلك الشيخ يدعو لهم ويرحب بهم، ويعرف أنه ما جاء بهم إلا الغيرة، ويوافقهم على بعض ما يقولون؛ لأن بعض الشيوخ نظراً لما يشاع ويذكر وبعض النماذج من الشباب لا شك أنهم أساءوا إلى بعض، تجده ما عنده استعداد يسمع، نقول: لا بد أن تسمع، أنت الآن صلة بين هؤلاء الذين لا يصلون إلى ولاة الأمر، وبين ولاة الأمر الذين يسمعون لك، أنت عليك كفل من المسئولية، بلغك هذا المنكر لا بد من إنكاره، أو إقناعهم أنه ليس بمنكر، لكن لا بد من التلطف في الخطاب من الجانبين.

وهنا يقول: "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟" يعني هل هناك تشريع جديد يقتضي أن تكون الصلاة الرباعية ثلاث أو الثلاثية أربع؟ لأنه ما يدرى هل زاد أو نقص؟ "قال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه" يعني بعد أن استقبل المأمومين بوجهه بعد السلام، وقيل له ما قيل "ثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم" زاد أو نقص؟ إما زاد سجدة، أو نقص واجب كالتشهد الأول مثلاً يكفيه حينئذٍ أن يستقبل القبلة ويسجد سجدتين ويسلم، لكن إن كان نقص ركعة لا بد من الإتيان بها، إن كان نقص ركعة أو سجدة أو ركن من أركان الركعة لا بد من الإتيان به.

"ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به))" هذا التبليغ الذي يجب عليه، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) وجاء النهي في صحيح البخاري عن قول: نسيت آية كذا، ولكن ليقل: أنسيت أو نسيت، يعني في الأمور العادية، في غير القرآن تقول: نسيت، لكن في القرآن على وجه الخصوص تقول: نُسيت أو أنسيت؛ لئلا تدخل في قول الله -جل وعلا-: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طـه] لكنك أنسيت.

((فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) ليتحرى الصواب، وتحري الصواب إن كان الخلل بشك وتردد يبني على ما استيقن، يأخذ بالأقل لأنه المتيقن، وإن كان فيه غلبة ظن فإنه يعمل بغالب ظنه ويسجد للسهو، في الصورة الأولى يسجد قبل السلام، في الصورة الثانية يسجد بعد السلام.

"متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين))" إذا تحرى الصواب وبنى على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)).

"وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله -يعني لمسلم- عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" بعد السلام سجد سجدتي السهو بعد السلام؛ لأنه حينئذٍ بنى على غالب ظنه وتحرى الصواب يسجد حينئذٍ بعد السلام.

قال: "وعن عبد الله بن بحينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني للتشهد الأول "قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني صلى ركعتين ثم قام ولم يجلس للتشهد الأول، "فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجد الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس" إذا نسي التشهد الأول وقام إلى الثالثة يقول أهل العلم: إن كان لم يستتم قائماً فإنه حينئذٍ يجب عليه الرجوع ليأتي بهذا الواجب، إن كان قد استتم قائماً كره الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم الرجوع، والسجود إذا كان لم يستتم قائماً إنما شرع في القيام ولم يستتم هذا لا يحتاج إلى سجود سهو.

إن استتم قائماً وكره له الرجوع هذا يسجد للسهو، سواء استمر في قيامه كما هو الأصل، أو رجع مع الكراهة فإن هذا لا يعفيه عن سجود السهو، وكذلك من باب أولى إذا شرع في القراءة وحرم عليه الرجوع وترك التشهد الأول والجلوس له، فإنه يسجد للسهو قبل السلام، كما في حديث عبد الله بن بحينة.

الحديث دليل على أن التشهد الأول والجلوس له من واجبات الصلاة، وليس من الأركان ولا من السنن المستحبات؛ لماذا؟ لأنه لو كان ركناً ما أجزأ عنه سجود السهو، لا بد من الإتيان به، ولو كان مستحباً لما لزم فيه سجود السهو، ما لزم فيه سجود السهو.

قال: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" هذا الحديث مع حديث ابن مسعود الذي قبل الذي قبله، صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال إبراهيم: زاد أو نقص هل هو في قصة واحدة أو في قصتين؟ يعني في الطريق الأول إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود الشك، زاد أو نقص، في الثاني: وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، جزم بالزيادة، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، وهناك في الطريق الأول: ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)) ((فليتم ما عليه ثم ليسجد سجدتين)) لا يمكن أن يتم إلا بالسلام، كلاهما في الحديثين، في حديثي ابن مسعود في القصتين، أو هما قصة واحدة؛ لأنه في الأولى بالشك زاد أو نقص، والثانية من غير شك زيادة، صلى الظهر خمساً.

"قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم" يعني هل هذا الحديث يجري على قول من يقول: إن سجود السهو كله قبل السلام إلا في صورتين إلا في صورتين: أولاهما إذا سلم عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثانية: إذا بنى على غالب ظنه وتحرى، تحرى الصواب كما في حديث ابن مسعود الأول.

الحدث الثاني لابن مسعود هل هو يضيف صورة ثالثة أو هو دليل من يقول: إن السجود للزيادة هو بعد السلام مطلقاً؟ يعني حديث ابن مسعود الأخير زاد خامسة هل هو زيادة صورة ثالثة لمن يقول: إن السجود بعد السلام في صورتين، وما عداه قبل السلام؟ أو هو يقرر قول من يقول: إن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام، وعن النقص يكون قبل السلام كما يقوله مالك ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-؟ نعم؟

طالب:.......

يقرر القول الثالث قول مالك، نعم؟

طالب:.......

لا يملك إلا أن يسجد بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه سلم، صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ أكيد أنه سلم، يعني هل قيل له ذلك قبل أن يسلم أو بعده؟ نعم الذي يغلب على الظن أنه بعد ما سلم، أما قبل السلام فالتسبيح، لكن إذا سلم يكلم المأموم ويكلمه المأموم بناءً على أن الصلاة قد تمت، كما حصل في حديث ذي اليدين، الكلام ما أثر في الصلاة؛ لماذا؟ لأنها على ظن التمام، فمن تكلم في صلاته ظاناً أنها قد انتهت صلاته لا تبطل.

هنا قالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، وهنا كونه سجد بعد السلام لأنه لا خيار له في ذلك، ما يمكن أن يسجد قبل السلام في مثل هذه الصورة، لكن لو تذكر أنه صلى خمساً أو ذكر قبل أن يسلم أنه صلى خمساً، فمقتضى قول مالك أن السجود أيضاً يكون بعد السلام، ومقتضى قول من يقول: إن السجود كله قبل السلام إلا في صورتين أن يكون السجود قبل السلام، فهل في هذا الحديث ما يؤيد القول بأن السجود للزيادة بعد السلام مطلقاً، أو يؤيد قول من يقول: إن السجود بعد السلام إنما يكون في صورتين؟ وهذه الصورة لا ترد؛ لأنه ليس في وسعه إلا أن يصنع هذا، كما لو نسي التشهد الأول، يعني لو نسي التشهد الأول وقام وكمل الثالثة والرابعة وسلم ثم لما سلم قيل له: نسيت التشهد الأول، متى يسجد بعد السلام؛ لأنه الآن ما في خيار، وتبعاً لذلك هل نقول: إن السجود لترك التشهد الأول بعد السلام نظراً لحدوث مثل هذه الصورة، أو نقول: قبل السلام؟ هو قبل السلام لحديث عبد الله بن بحينة، لكن لو حصل أنهم ما نبهوه إلا بعد أن سلم لا خيار له أن يسجد إلا بعد السلام، وهذه الصورة في حديث ابن مسعود قد لا ترد على من يخصص السجود بعد السلام في الصورتين فقط.

"متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" الحديث متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم، من الذي قال: بعد ما سلم؟ نعم؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

بعد ما سلم كذا؟

طالب:.......

كل الطبعات كذا؟

طالب:.......

إيه لأن السياق عندنا خطأ، لا بد منها؛ لأنه لما يقول: متفق عليه ولم يقل: بعد ما سلم، يقال للمؤلف: من أين أتيت بقولك: بعد ما سلم؟ ولما قال: ولم يقل مسلم: بعد ما سلم، يكون المؤلف اعتمد رواية البخاري، ونبه على ما في رواية مسلم من مخالفة.

بعد هذا يقول:

"وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته))" أولاً: الحديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن مسافع، وهو مجهول الحال، لم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، في إسناده عبد الله بن مسافع مجهول الحال، لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، يعني يذكر في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وفي تاريخ البخاري ولا يذكرون فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقاعدة الشيخ أحمد شاكر أن مثل هذا ثقة، إذا لم يذكر فيه جرح وتعديل يكون ثقة عند البخاري وعند ابن أبي حاتم، وكثيراً ما يقول: ذكره البخاري في تاريخه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو ثقة، يقوله الشيخ أحمد شاكر، وأحياناً يقول: وهذه أمارة توثيقه.

لكن الكلام ليس بصحيح، قد يذكره البخاري ولا يستحضر فيه وقت كتابته جرح ولا تعديل يبقى أنه مجهول، وقد يُذكر في كتاب الجرح والتعديل بدون جرح ولا تعديل، ويكون كما نص ابن أبي حاتم في المقدمة أنه قال: "وقد أذكر الرجل ولا أذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً علي أن أقع له أو فيه جرحاً أو تعديلاً" يعني كأنه بيض له، فقول الشيخ أحمد شاكر ضعيف في هذا، والصواب أنه مجهول، يكون مجهول الحال إذا لم يُذكر فيه جرح ولا تعديل.

هذا عبد الله بن مسافع، وفيه أيضاً ما قاله المؤلف أنه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، قالوا: وقد روى له مسلم، مصعب بن شيبة يقول الحافظ في التقريب: لين الحديث، يعني لا بد له من متابع وإلا فلا يقبل حديثه، والضابط في مثل هذا أن لا يكون له من الحديث إلا القليل، ولا يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، قال: فإن توبع فمقبول وإلا فلين، طيب مصعب بن شيبة هذا قال المؤلف: روى له مسلم، ولا شك أن هذا توثيق عملي، تخريج أحد الشيخين لحديث الراوي توثيق عملي، لا سيما إذا كان الخبر يدور عليه، يعني لم يتابع عليه، ومثل هذا يخرج له مسلم في الشواهد، يخرج له مقرون لا يخرج له أصل، المقصود أن الحديث ضعيف.

"وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم))" يعني تقدم لنا أن من تردد في صلاته وشك هل صلى كذا أو صلى كذا؟ يبني على اليقين، وهنا ما فيه تعرض للبناء على الأقل أو على الأكثر، وإنما فيه التنصيص على أن السجود بعد السلام، وعلى كل حال الحديث ضعيف لا يعارض به ما تقدم.

يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني التنصيص على الراوي مصعب بن شيبة وترك عبد الله بن مسافع، وهو أشد ضعفاً منه، لا شك أن هذا قصور في الحكم من المؤلف، والأصل أن يورد العلة الأقوى، يعني قد يكون في الحديث علل، ثلاث علل، أربع علل، خمس علل، لكن لا تستوعب في التخريج، فيقتصر على بعضها، على الناقد أن يذكر أقوى هذه العلل إن لم يستوعب العلل عليه أن يذكر أقواها؛ لأنه إذا اقتصرنا على مصعب بن شيبة، وقلنا: إنه لين، وجدنا له متابع خلاص قبلنا الحديث، لكن يبقى علل أخرى، لو اقتصر المؤلف على عبد الله بن مسافع وهو مجهول الحال، ووجدنا ما يرفع هذه الجهالة، هل نحتاج إلى الكلام في مصعب؟ يعني إذا وجدنا ما يرفع الجهالة عن عبد الله بن مسافع، وجدنا توثيق له، يبقى الكلام في مصعب، فالعلل إذا كانت متداخلة يقتصر على أقواها، وإذا كانت متباينة لا بد من ذكرها، وهذا يذكرنا في حديث الخط في السترة الذي تقدم، مثلوا به للمضطرب، ابن الصلاح مثل به للمضطرب، ويستحضر الباحث أن هذا الحديث مضطرب يروى على نحو عشرة أوجه مختلفة، فإذا أمكنه الترجيح ونفي الاضطراب، إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب، وتمكن الباحث من الترجيح، ونفي الاضطراب مباشرة، يبي يقول: الحديث حسن، كما فعل ابن حجر، قال: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن، لكن لو ذكرت العلة الأخرى وهي: أن أبو عمرو أو أبو محمد عمرو بن حريث، أو أبو عمرو محمد بن حريث، يعني روي على أوجه كثيرة، فيه ضعف، فيه جهالة، يعني ما يكفي أن ينتفي الاضطراب، لا بد أن تنتفي العلة الأخرى، يعني كما تقدم الحديث ابن حجر صب جل همه على نفي الاضطراب وانتفى عنده، وغفل عن تضعيف بعض رواته، ولا شك أن الاقتصار على بعض العلل يوقع في مثل هذا، كما تقدم للحافظ.

قال: "من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني أن الباحث حينما يسمع هذا الكلام يقول: متكلم فيه ثم ماذا إذا تكلم فيه وقد خرج له مسلم؟ أقل أحوال الحديث أن يكون حسناً، لكن لو أن المؤلف -رحمه الله تعالى- أشار إلى العلل الأخرى، وتضافرت هذه العلل على تضعيفه، لا بد أن يبحث ما يرفع جميع هذه العلل ليثبته، وإلا من خلال النظرة العابرة في كلام المؤلف يقول: من رواية مصعب بن شيبة وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، ثم ماذا إذا تكلم فيه من تكلم وقد خرج له مسلم؟ لكن لو وجدت العلل الأخرى ما يمكن يتجه مثل هذا الكلام؛ لأنه إن لم يضعف بهذه العلة ضعف بغيرها.

"وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به" لماذا؟ لأن تضعيفه من أجل مصعب بن شيبة وقد خرج له مسلم يمكن أن ينازع في سبب هذا التضعيف؛ لأن كلام من تكلم وقد خرج له في الصحيح لا شك أن النفوس تميل إلى الإثبات، يعني ثبوت الخبر بهذا الراوي الذي خرج له مسلم وإن مس بنوع من التجريح هذه مسألة.

المسألة الثانية: أن البيهقي لا شك أنه اطلع على العلة الأخرى وهي جهالة حال عبد الله بن مسافع، ولعله يرى أن مجهول الحال إذا لم يروِ ما يخالف به أو يعد من المنكرات أو الشواذ ما يشذ به أن روايته تكون مقبولة، وهذا منهج عند بعض المحدثين كابن حبان مثلاً.

لعله رأى في مثل هذا الحديث لما اشتمل عليه من حكم قد يكون فيه نوع مخالفة ونوع موافقة؛ لأنه ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين)) ما فيه أنه يبني على اليقين ويزيد ركعة، أو أنه يتحرى الصواب، ومعلوم أنه إذا تحرى الصواب وغلب على ظنه؛ لأن الشك والظن فيهما نوع تداخل ونوع تباين، قد يطلق الشك ويدخل فيه الظن، ففي القاعدة اليقين لا يزول بالشك، قالوا: يدخل في الشك غلبة الظن، يدخل في الشك هنا غلبة الظن، فمن تيقن أنه أحدث مثلاً ثم غلب على ظنه أنه توضأ بعد الحدث يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي أنه غلب على ظنه أنه توضأ أو نقول: إن اليقين أنه أحدث؟ نعم عندهم في القاعدة من فروعها أنه لا يكفي، فاليقين لا يزول بالشك، وأدخلوا فيه غلبة الظن، لا يكفي غلبة الظن في مثل هذا، ما دام تيقن أنه أحدث لا بد أن يتيقن أنه توضأ.

((من شك في صلاته)) ثم تردد في ذلك وبنى على الأقل لأنه المتيقن، وزاد رابعة إن تردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا في هذه الصورة يؤيد قول المالكية، وإن كان الشك المراد به ما هو أعم من مجرد غلبة الظن وتحرى فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا يكون متفق مع الرواية السابقة.

اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم...