كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى-:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه، متفق عليه، واللفظ للبخاري."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي" أعرابي منسوب إلى الأعراب، وهم سكان البادية، الأعراب مفرد أم جمع؟

طالب:.........

 جمع، والنسبة إلى الجمع صحيحة أم شاذة عندهم؟

طالب:.........

الأصل فيها أنها شاذة، فإذا أريد النسبة إلى الجمع أعيد إلى مفرده فنُسِب إليه، لكن نسب إلى الجمع هنا؛ لأن إعادة اللفظ إلى مفرده، والنسبة إليه يوقِع في لَبْس، يوقِع في لَبْس، فأعراب جمع عرب، فإذا نسبت إلى عرب قلت: عربي، والعربي من ولد إسماعيل سواء سكن البادية أو الحاضرة، فهذا يوقِع في لبس، فإذا كان الجمع أشهر من المفرد كالأنصار مثلًا فيقال: أنصاري، ولا يقال: ناصري، لا، أنصاري، فالجمع إذا كان أشهر من مفرده، أو كان مفرده يوقع في لبس نُسب إلى الجمع.

 كُفِّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية، سُحُوْليَّة، سُحُوْليَّة، يقولون: السحول جمع سَحْل، نسبة إلى الجمع، ومنهم من يقول: إن سُحُول أيضًا بلد أو قرية تأتي منها هذه الثياب.

 على كل حال إذا كانت النسبة إلى الجمع مردها إلى مفردها يوقع في لبس فلا شك أن النسبة إلى الجمع تسوغ، وقد جاءت في نصوص كثيرة استعملها العرب، وإن كان الأصل النسبة إلى المفرد، وعلى هذا يقال: صَحَفي أم صُحُفي؟ صَحَفي نسبة إلى الصحيفة الواحدة، فالنسبة إلى الجمع شاذة.

 "جاء أعرابي" جاء تعيينه، وهذا مبهم، جاء تعيينه بأنه الأقرع بن حابس أو عيينة بن حصن، وقال بعضهم: إنه ذو الخويصرة، ذو الخويصرة، ذو الخويصرة التميمي أم اليماني؟ هما واحد أو اثنان؟ يعني هل هذا الذي بال في طائفة المسجد هو الذي قال للرسول -عليه الصلاة والسلام-: اعدل، الذي هو أصل الخوارج أم غيره؟

طالب:.........

غيره، أحدهما تميمي، والآخر يماني، فأيهما الذي معنا؟ مَن يذكر؟

طالب: ...........

معروف، لكن أصل الخوارج أيهم؟

طالب: ...........

طيب هذا ذو الخويصرة الذي معنا أو هو نفسه؟

طالب: ...........

نفسه؟

طالب:.........

لا، فيه من يقول: هما اثنان، فالذي بال في طائفة المسجد غير الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: اعدل، وكان أصل الخوارج، وأنهم يخرجون من ضئضئه.

 على كل حال المسألة سهلة، يهمنا الحكم المرتب على هذا الفعل، فبال هذا على عادة العرب أنهم إذا أرادوا الغائط ابتعدوا عن الناس، وأما بالنسبة للبول فلا يلزم البعد، لا يلزم البعد، ولذا بال النبي -عليه الصلاة والسلام-، انتهى إلى سباطة قوم فبال، وجعل حذيفة يستره قريبًا من الناس جدًّا، أما بالنسبة للغائط فالعادة سواء كانت عند العرب أو من فعله -عليه الصلاة والسلام- الإبعاد، إذا أراد المذهب أبعد، فالفرق بينهما ظاهر، الفرق بينهما ظاهر؛ لأن الأثر المترتب عليهما يختلف، وهذا قد يصحبه ريح أو صوت، وذاك ما يصحبه شيء، البول لا يصحبه شيء، وأيضًا ليس بمنتن مثل الغائط، على أن البول في الطرقات محرَّم، أو في الأماكن التي يحتاجها الناس، والسباطة التي بال فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- هي مجتمَع قمامة أعدت لهذا، نعم، وكانت موجودة في بيوت الناس إلى عهد قريب قبل اتخاذ الكنف.

 "فبال في طائفة المسجد" ناحية المسجد، "فزجره الناس" زجره الناس ما معنى زجروه؟ أنكروا عليه بشدة وبقوة، نهروه، فنهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «دعوه»، اتركوه، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس المراد بهم الصحابة الموجودون في المسجد في ذلك الوقت، فهو من العام الذي أريد به الخصوص، فهو من العام الذي أريد به الخصوص، فزجره الناس؛ لأن هذا منكر، وكان من عادتهم -رضوان الله عليهم- المبادرة بإنكار المنكر، المبادرة بإنكار المنكر، لماذا نهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عن إنكار المنكر؟ لماذا؟ طالب:.........

لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم من المنكر؛ لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم من المنكر، فعلى هذا إذا كان يترتب على إنكار المنكر مفسدة هي أعظم منه لا يجوز إنكاره؛ درءًا لهذه المفسدة، وارتكابًا لأخف الضررين.

 "فنهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام"- ما المفسدة التي تترتب على الإنكار؟ المفسدة هي أنه يتضرر بحبس البول، فقد يصاب بعسره فيما بعد، ومن جهة أخرى المكان يتلوّث، وتتعدد مواضع النجاسة بعد أن كانت في موضع واحد تنتقل إلى مواضع متعددة، فهذه مفسدة أعظم. "فنهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما قضى بوله" انتهى، "أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذَنوب من ماء" ذَنُوْب الدلو العظيمة الملئى من الماء، دلو ملئى من ماء، والتصريح بقوله: من ماء، مِن هذه بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [سورة الحـج:30]، هذه بيانية، لكن التصريح بقوله: «من ماء» هو لمجرد التوضيح، هو لمجرد التوضيح؛ لأنه معروف أن الذَّنوب هي الدلو الذي فيه ماء، وبعضهم يقول: إن التصريح بقوله: «من ماء» لأن الذَّنوب مشترك يطلق على الدلو، ويطلق على..

طالب: ...........

يطلق على إيش؟

طالب: ...........

يطلق على الفرس ويطلق أيضًا {ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ} [سورة الذاريات:59]..

طالب: ...........

ماذا يصير المراد؟

طالب: ...........

لكن قوله في الحديث: "فأهريق عليه" فأهريق عليه يترك مجالًا للفرس، دعا بفرس ماذا يفعل بالفرس؟ دعا بعذاب من أجل ماذا؟ لا لا، نقول: هذا تصريح بما هو مجرد توضيح، نعم لو كانت الذَّنوب تطلق على الدلو مطلقًا الفارغ والملآن نعم قلنا: من ماء، أو تطلق على الدلو المملوء بالماء وغير الماء لو كان مثلاً ذَنوبًا مملوءًا عسلًا مثلاً أو سمنًا يطلق عليه ذَنوب؟ دلو مملوء من سمن، فيكون البيان هنا للتحديد، لتحديد المظروف وإلا الظرف واحد، الظرف ذَنوب، دلو، لكن هم يقولون: الذَّنوب والدلو المملوء ماءً، فعلى هذا يكون قوله: «من ماء» تصريح بما هو مجرد توضيح.

 " فأهريق عليه، متفق عليه، واللفظ للبخاري"، وفيه دلالة على أن بول الآدمي نجس، وهو إجماع بين أهل العلم لم يقل بطهارته أحد، ويختلف حكمه من حيث التخفيف والتشديد بين الصغير والكبير، بين الصغير والكبير، الصغير الذي لم يأكل الطعام يكفي فيه الرش والنضح، بينما الكبير لا بد من غسله، والحكم يختلف فيما إذا كان البول على أرض وبين ما كان على غيرها، فغير الأرض لا بد من غسله، لا بد من غسله، وأما إذا كان على الأرض فلا بد من مكاثرته بالماء، من مكاثرته بالماء، والمكاثرة أُخذت من إراقة الدلو على هذا البول؛ لأنه أكثر منه بكثير، ومنهم من يقول: لا بد أن يكون الماء سبعة أضعاف البول، ولا أدري ما مأخذ هذا التسبيع، سبعة أضعاف! هذا يحتاج إلى معرفة مقدار البول الذي وقع من هذا الأعرابي، ومقدار ما في هذا الدلو من لتر.

 يعني إذا تصورنا أنه حدد مقدار البول ودون تحديده خرط القتاد من يريد أن يحدده لو حددناه بلتر يلزم من هذا أن الذنوب وهذا الدلو فيه سبعة لترات، لكن لا وجه له هذا القول تكفي مكاثرته بالإمكان أكثر منه فالدلو لا شك أنه أكثر مما خرج من هذا الآدمي المعتاد، وفي هذا تطهير الأرض بالمكاثرة، وأنها لا تحتاج إلى أكثر من ذلك، لا تحتاج إلى أكثر من ذلك، فلا تحتاج إلى نقل تراب ولا إلى تقليبه أبدًا يراق عليه الماء، وينتهي الإشكال سواء كانت رِخْوة أو صلبة، والتفريق بين الرخوة والصلبة تفريق جاء به بعض الأدلة، لكنها ضعيفة، يقول به الحنفية، وأما القول بأنه ينقل التراب، فلا دليل عليه، وهو مخالف لما عندنا، إذا نقلنا التراب الذي أصابه البول نحتاج إلى ذَنوب؟

الذَّنوب من أجل النجاسة، فإذا نقلت النجاسة مع التراب المختلط بها ما نحتاج إلى ذَنوب، فصب الذنوب وإراقة الذَّنوب على هذا البول دليل على أن التراب لم ينقل أيضًا التفريق بين الأرض الرخوة والصلبة كما يقول الحنفية، وأن الرِّخوة ينساب الماء إلى داخلها ويتتبع أثر الماء بخلاف الصلبة هذا أيضًا لا دليل، دليله ليس بناهض، دليله ليس بناهض.

طالب: ...........

نعم، ماذا؟

طالب: ...........

الفرش يغسل الفرش يغسل كغيره، وأما البلاط فيتبع الماء وينتهي.

طالب: ...........

في حكم الأرض الصلبة.

طالب: ...........

نعم، يعني هل يتعين الماء لإزالة النجاسة أو لو استحالت بنفسها وزالت من أثر الشمس مثلاً أما المطر فيزيل النجاسة؛ لأنها لا تحتاج إلى نية المطر، يزيل النجاسة؛ لأنها لا تحتاج إلى نية، أما الشمس فقال بعض أهل العلم: إنها تكفي تُطَهِّر، لكن الحديث نص في أن هذه النجاسة لا تزول إلا بالماء.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

قدر زائد على المطلوب، يعني لو طُهِّرت بصابون أو بشامو أو بمطهرات أخرى قدر زائد على المطلوب.

الحديث، حديث الأعرابي في طرقه وألفاظه فوائد كثيرة جدًّا منها أن الأعرابي لما نهاهم النبي- عليه الصلاة والسلام- ولم يعنِّفه ولم ينكر عليه إنكارًا قويًّا، بل قال: اتركوه، دعا وقال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم أحدًا أبدًا، لا شك أن هذا لائق بالأعراب أنه قد تحجر واسعًا.

 المقصود أن ألفاظ الحديث فيها فوائد كثيرة جدًّا هي أساس في التربية، وتعليم الجاهل من قِبل الأسوة والقدوة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أُوْتيَ الخلق العظيم مثل الإنكار يحصل أحيانًا في هذه الأيام بكثرة؛ بسبب النغمات النغمات الموسيقية، في الجوالات يحصل الإنكار على من يصدر منه هذا، وأحيانًا يتلطف في الإنكار، وأحيانًا يشدد فيه من قِبَل بعض الناس، ولا شك أن الناس يختلفون، والناس منازل، بعض الناس لا يخفى عليه مثل هذا الحكم أو أُنكِر عليه مرارًا، فصنيعه شبه المعاندة لاسيما في مواطن العبادة، فإذا تكرر منه يعني لو أُنكر عليه بشدة الأمر فيه سعة، لكن شخص يُتَوقَّع منه الجهل يتصور منه مثل هذا يرفق به ويُعَلَّم بأدب، وأنه يخفى عليه حكم هذا وإلا ففيه فتوى من اللجنة الدائمة بتحريمه، بتحريم هذه النغمات الموسيقية، فإذا كان الشخص مما ممن يتوقع أنه يخفى عليه هذا الحكم يعامَل معاملة هذا الأعرابي الجاهل، أما من لا يخفى عليه الحكم، ويخشى أن يكون إصرار ومعاندة مثل هذا له حكم آخر، ومع ذلكم يبقى أن الرفق ما صاحب شيئًا إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، لكن أحيانًا الغيرة من بعض الناس تحمله على أن يشدِّد سمع في صلاة الصبح نغمة وقال: يا أخي لو تكرمت تعرف أن هذا أمر محرم، ونحن في موضع عبادة، ثم سمع ثانية ثم ثالثًا، تحول المسجد إلى كنيسة، كلها مسيقى، مثل هذا يضيق فيه خلق الإنسان مهما كان، ثم صلاة الظهر والعصر، ماذا..؟

إلى متى، وكتبت الإرشادات والإعلانات باللغات على الأبواب، هذه المسألة صارت تحتاج إلى مزيد عناية، يعني لو اقتضى الأمر إلى منعه من ولي الأمر فما المانع؟ وأطر الناس على الحق هذا هو الأصل، يعني كون هذا الجاهل الذي لا يعرف الحكم، ولا يعرف قيمة المسجد لطف به النبي -عليه الصلاة والسلام- ورفق به، نعم يبقى أن الأصل الرفق، لكن إذا رن هذا ورن هذا وهذا في الصلاة، وهذا قبل الصلاة، وهذا بعد الصلاة وهذا.. فإلى متى؟ هذا منكر، والغيرة لا بد منها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يغضب كما هو معروف إلا إذا انتهكت المحارم، فإذا لم يكن هناك مبرر، ولا هناك عذر يمكن أن يعذر به الشخص فما المانع من أن يشدد عليه؟

لأن المسألة مسألة علاج بعض الناس ما يفيد به الرفق بعد، بعض الناس لئيم إذا رُفق به قال: الناس خائفون مني، لماذا لا أزيد؟ يصير لئيمًا فيحتاج إلى معاملة خاصة، لاسيما إذا تكرر منه الفعل، وتكرر عليه الإنكار.

 الإشكال أنه يوجد الآن مثل هذا النغمات مع بعض من لا يفهم العربية، تجده سائقًا مثلًا عند أسرة، ولا يعرف من العربية شيئًا تكلم أم ما تكلم، وهو لا يستطيع أن يقفل الجوال، سائق مسكين مستضعف يخشى أنه في لحظة من اللحظات تتصل السيدة، وبعد هذا كيف يتصرف؟ ما له إلا التسفير.

 على كل حال مثل هؤلاء يعاملون ويفهمون برفق ولُطْف، ولو وُزِّع على البيوت؛ لكي يُفَهَّم من قِبَل كُفَلائه، وهذا أوقع؛ لأنهم جاؤوا من بلدان، وأحيانًا ما يرون في هذا شيئًا، ما يرون في مسألة الموسيقى أو الغناء، ما المانع؟ في بلدانهم وبيئاتهم استمرأوا هذا وعاشوا بين مسلمين وغير مسلمين، وجهل مُطْبِق، فلا يرون في هذا شيئًا، واستمروا عليه، لكن الشخص الذي عاش في بيئة محافظة يرى هذا من عظائم الأمور، ليس بالأمر السهل أن أن تُنتَهك المحارم، ويعصى الله -جل وعلا- في موطن العبادة، أسوأ من ذلك تحت الكعبة نساء تتكلم بأعلى صوتها ونغمات ما هذا الكلام؟!

 يعني ما صار لمواطن العبادة حرمة، يعني إذا كان هذا أعرابيًّا، ولا يعرف حكم المسجد، ومن المؤلَّفة، ما يفهم شيئًا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر على الصحابة إنكارهم عليه، ما أنكر أصل الإنكار، إنما أمرهم بالرفق في الإنكار، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، بعض الناس يكفيه كلمة، وبعض الناس يكفيه انصرافة بالوجه، وبعض الناس لا بد أن يُقام من المجلس، وبعض الناس بالضرب، بالحبس، يتفاوتون.

"قال ابن عبد الهادي -رحمه الله-:

وعن البراء -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع ونهانا عن سبع؛ أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتَم الذهب، والحرير، والديباج، والقِسِّي، والإستبرق، ولم يذكر السابعة، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

 وفي لفظ لمسلم: وعن شرب بالفضة.

 وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق عليه.

 وعن أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، متفق عليه أيضًا."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الآنية" الآنية جمع إناء، واللفظ مما اتفقت عليه الحقائق الثلاث، فالإناء حقيقته اللغوية والشرعية والعرفية الوِعَاء ظرف الطعام والشراب هو الإناء، فتتفق الحقائق، الإناء في اللغة الوعاء، الإناء في الشرع هو الوعاء، الإناء في العرف هو الوعاء.

 يقول: "عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنهما- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع" أمرنا، إذا صرَّح الصحابي بالآمر أو الناهي كما هنا "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع، ونهانا عن سبع" فهو مرفوع قطعًا لا خلاف في كونه مرفوعًا، لا خلاف في كونه مرفوعًا، بخلاف ما لو لم يصرح الصحابي بالآمر والناهي، كأن يقول: أمرنا أو نهينا، فالجمهور على أنه مرفوع، وخالف في هذا بعض أهل العلم، لكن هنا صرح، فهو مرفوع قطعًا، لكن هل حقيقة الأمر والنهي هنا كحقيقة افعلوا؟ صيغة الأمر افعلوا، وصيغة النهي لا تفعلوا، أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونهانا، هل هي مثل افعلوا؟ اتبعوا الجنائز، وعودوا المريض، وأجيبوا الداعي، وانصروا المظلوم، وأبروا المقسِم، ورُدُّوا السلام، وشمتوا العاطس، ولا تشربوا، ولا تأكلوا في آنية الفضة، ولا تلبسوا خاتم الذهب والحرير، هل هذه بمثابة هذه أو لا؟

الجمهور نعم، الجمهور نعم على أن قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثابة افعلوا، من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ونهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثابة لا تفعلوا من لفظه -عليه الصلاة والسلام- وقال بعض المتكلمين، ويُنسب إلى داود الظاهري أنه لا بد أن ينقل الصحابي اللفظ النبوي، هذه لا دلالة لها على الأمر ولا النهي حتى ينقل اللفظ النبوي، يقول: لأن الصحابي قد يسمع كلامًا يظنه أمرًا أو نهيًا، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي.

 نقول: هذا الكلام مردود مردود، وجاء أحاديث بهذه الصيغة: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونهانا.. جاءت من طرق أخرى باللفظ الصريح، وإذا لم يعرف الصحابة -رضوان الله عليهم- مدلولات الألفاظ النبوية فمن يعرفها؟! إذا كنا نشكك في فهم الصحابة فمن يفهم النصوص بعدهم؟!

لا أحد يفهم النصوص إذا لم يفهمها من عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعاشوا معه. "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع، ونهانا عن سبع" يعني هل تنحصر الأوامر والنواهي بسبع؟

طالب: ..........

لا تنحصر، لكن في هذا السياق مثلاً في هذا الحديث: أمرنا بسبع، ونهانا عن سبع، ولا يقتضي مثل هذا الأسلوب الحصر في الأوامر والنواهي، لا يقتضي الحصر، لكن في هذه اللحظة وفي هذا الوقت الذي حَدَّث به في هذا الحديث حُصِر العدد وإلا فالأوامر والنواهي والتكاليف كثيرة جدًّا.

 "ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز" اتباع الجنائز تُتَّبع الجنائز من بيتها إلى المسجد، ومن المسجد إلى المقبرة، ولا شك أن تجهيز الميِّت وحمله والصلاة عليه ودفنه كل هذه من فروض الكفايات، من فروض الكفايات، إذا لم يقم بها أحد أثِمَ الناس كلهم، من عَلِم به أَثِم، وإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ويبقى أنه إذا قام به من يكفي جاء الحث على ذلك في مثل هذا الحديث: أُمِرنا باتباع الجنائز، فالذي يصلي على الجنازة له من الأجر قيراط، والذي يتبعها حتى تدفن له قيراطان، كما جاءت في ذلك الأحاديث الصحيحة، والقيراط جاء تقديره بأنه مثل جبل أحد من الأجر.

 ويوجد من يتتبع هذه الأمور ممن وفَّقه الله -جل وعلا-، ويسره لليسرى، يوجَد أناس يتركون أعمالهم، ويقصدون المساجد التي تُصلَّى فيها على الجنائز ويتبعونها ويشيعونها ويشاركون في دفنها، ويوجد أيضًا في المقابل من تقام صلاة الجنازة وهو في المسجد ويجلس ما يصلي {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل:4]، البركة إذا حلت فحدث ولا حرج، والحرمان لا نهاية له.

يا إخوان موجود هذا وهذا، والتوفيق من الله -جل وعلا- لا حدَّ له، فضل الله لا يحد، بعض الناس يصلي يوميٍّا على عدد من الجنائز أحيانًا تكون بعدد الصلوات الخمس، ويتبعها، ويشارك، وإذا خرج من المقبرة للدفن ذهب إلى المستشفيات؛ ليعود المرضى، ويحضر الدروس، ويقرأ القرآن في سبع، وموظف مثل الناس أو طالب مثل الناس، وما فاته من أمور دينه ولا دنياه شيء، وبعض الناس أيامه تذهب بلا فائدة، إن لم تكن في مضرة فلا فائدة فيها. على كل حال أُمِرنا باتباع الجنائز.

 "أَمَرنا باتباع الجنائز" فالمسلم له حق على أخيه؛ حق حال حياته، وحق بعد مماته، وهذه من الحقوق التي هي للمسلم على أخيه.

 "وعيادة المريض" عيادة المريض، ونَقَل النووي الإجماع على أن عيادة المريض سنة، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض، فيعاد المريض، وهل كل مريض يعاد ولو كان فيه مرض يقرر الأطباء أنه يسري يعني لا بنفسه بل بتقدير الله- جل وعلا-؟ على القول بأن هناك عدوى غير المنفية؛ لأن العدوى المنفية هي أن يسري المرض بنفسه من غير تقدير الله- جل وعلا-، أما العدوى المثبتة «فِرَّ من المجذوم»، «لا يورِد مُمْرِض على مُصِحّ»، هذه العدوى المثبتة معروفة عند الأطباء، ومعروفة عند الناس أن المرض يسري بتقدير الله -جل وعلا-، وهذا أحد أوجه الجمع بين هذه الأحاديث، ومنهم من يقول: أبدًا لا عدوى مطلقًا، مخالطة المريض مثل مخالطة السليم، لا فرق، والأمر بالفرار من أجل ألا يصاب بالمرض نفسه فيقع في نفسه تكذيب الخبر.

 على كل حال هل الأمراض تختلف؛ منها ما يعاد، ومنها ما لا يعاد. يعني ما فائدة من يعود؟ زائر المرضى وعائد المرضى، المرضى المغمى عليهم الذين لا يشعرون بمن يزورهم في العناية المركزة يدور عليهم، ما الفائدة من هذه الزيارة؟

 النبي -عليه الصلاة والسلام- زار جابرًا وقد أغمي عليه، وترجم الإمام البخاري- رحمه الله-: باب زيارة أو عيادة المغمى عليه، فلا يقال مثلا هذا، والله يدري أو ما يدري، أنت لا تزور لذاته، نعم من حِكَم الزيارة جبر خاطر أخيك المسلم، ولا يشعر بأنه شخص منبوذ تعطلت منافعه، فلا رغبة للناس فيه، لا، يبقى مسلمًا له كامل الحقوق، وكونه يشعر أو لا يشعر، يدري أو لا يدري، الله -جل وعلا- الذي رتَّب الأجور يدري، ولا يضيع عملك، أيضًا زيارتك خير له.

 على كل حال تدعو له، ترقيه، يحصل له خير بذلك، إن شاء الله تعالى، وعيادة المريض، وعيادة المريض لها آداب بحيث لا يُثقِل عليه، ولا يُضجِرُه، بل يتحين الفرصة لمحادثته ومخاطبته وإدخال السرور عليه وتذكيره بما ينفعه.

 "وإجابة الداعي" إجابة الداعي سنة، وإجابة الداعي لوليمة عرس واجبة، وبقية الدعوات إجابتها سنة، وجاء الأمر بإجابة الدعوة في وليمة العرس، فإن كان مُفْطِرًا فليأكل، وإن كان صائمًا فليصلِّ، يعني فليدعُ ولينصرف، وإذا كان الصوم نفلًا، ورأى أن في أكله من طعام أخيه إدخال السرور عليه استحب له الإفطار، فإجابة الدعوة مطلوبة؛ لأن فيها جبرًا لخاطر الداعي، قد تكون عدم إجابة دعوته أفضل من إجابة دعوته إذا عُرف من حال هذا الشخص أنه يتكلَّف لضيوفه، وليس عنده ما يُقَدِّم له، بل يضطر إذا أجيبت دعوته أن يقترض أو يستدين، مثل هذا يُعتَذَر عنه، يُعْتَذَر منه بلطف، ويُدْخَل السرور عليه بطريقة مناسبة بحيث لا يُكَلَّف ما لا يطيق إذا كانت الدعوة أو مكان الدعوة فيه منكر، لا يُستطاع إنكاره لا تجوز إجابة الدعوة، أما إذا كان في مقدوره أن يغير أو ينكر فيجيب الدعوة أو يغير ويُنكِر إذا تغير المنكر وإلا يترك يفارق المكان الذي فيه المنكر وسلمان وأبو الدرداء لما أجاب دعوة عبد الله بن عمر لما دخل البيت رجعا، لماذا؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

البيت فيه ستور، قد ستر الحيطان، والآن المساجد تُستَر، المساجد تُستَر، فكيف بيوت الناس؟ الله المستعان.

 توسَّع الناس في هذا الباب توسُّعًا غير مرضي، وهذا ركون إلى الدنيا وغفلة عن الآخرة. "وإجابة الداعي ونصر المظلوم" المظلوم من المسلمين لا بد من نصره {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [سورة الأنفال:72] يقول ابن العربي: ولو لم يبق في المسلمين عين تطرف سهل هذا الكلام؟!

نصر المظلوم لا بد منه؛ «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا». "وإبرار القسم" وفي رواية المُقسِم إذا حلف عليك أخوك تجيب، تبر قسمه بقدر الإمكان إلا إذا كان هذا عادته وديدنه، ورأيت أن من ردعه عن الإكثار من الأيمان واتخاذ الله -جل وعلا- عرضة للأيمان، فالأمور بمقاصدها، لكن الأصل أنه إذا حلف عليك أخوك تبر قسمه بقدر الإمكان، لا تعرضه لحنث، يلاحظ على بعض الناس أن أخاه يقسم عليه، فيقسم هو ألا يجيب دعوته، هذا خلاف لهذا التوجيه النبوي.

 "ورد السلام" رد السلام واجب، يعني الأصل في إلقاء التحية السنية، لكن الرد واجب بأحسن منه أو بمثله على أقل الأحوال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد إلى أن من يقول: السلام عليكم هذه عشر حسنات، ورحمة الله عشرون، وبركاته ثلاثون، والجواب لا بد أن يكون أفضل أو مثله على الأقل، فلا بد من رد التحية بلفظها. وهل المماثلة تتجه إلى اللفظ وأداء اللفظ أو اكتفي في هذا باللفظ؟ بعضهم يقول: إن أداء اللفظ رفع صوته السلام عليكم ترفع مثله، مثل ما رفع لك الصوت، لكن هل هذا مقصود؟ نعم إن دعت الحاجة إلى ذلك، أو ظننت أنه لا يسمع رد الجواب إلا برفع الصوت فارفع، على أن إلقاء السلام برفع الصوت إلا عند الحاجة، أهل العلم يقررون أن رفع الصوت غير مطلوب أصلاً إلا للحاجة بخلاف الأصل، وأطالوا في تقرير ما يتعلق بالصوت ورفعه وخفضه عند تفسير قوله- جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19]، وأنه لا يمدح أحد بقوة صوته، لا يمدح بهذا.

 على كل حال المسألة رد السلام واجب، والنصوص فيه مستفيضة.

 في بعض المواقع يرى بعض الناس أن رد السلام على كل مسلِّم فيه إذهاب لهيبة هذا الشخص، إما موظف كبير أو قاضٍ كبير أو كذا.. قد يذكر في بعض الكتب التي لم يحالفها التوفيق في هذه المسألة شيء من هذا، لكن الكلام مردود؛ لأنه مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسلَّم عليه فيرد السلام، وجاء في بعض النصوص النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلَّم عليه ولم يُنقَل رد السلام، لم يُنقَل رد السلام إما في الروايات كلها أو في بعض الروايات دون بعض اكتفاءً بنقل من تقوم الحجة بنقله، ما يلزم أن ينقل كل شيء، فإذا نُقِل الحكم بواسطة من تثبت الحجة بنقله انتهى الإشكال.

 وهل يقوم غير قولنا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مقامه؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سلمت عليه ابنته فاطمة: السلام عليك يا أبتي، قال: «مرحبًا بابنتي»، سلمت عليه أم هانئ: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «مرحبًا بأم هانئ»، هل تكفي هذه عن قوله: وعليكم السلام؟

نعم، الأكثر على أنها لا تكفي، كونها ما نقلت في هذين النصين اكتفاءً بنقل العدول الآخرين، ومنهم من يقول: إن مرحبًا تكفي، لكن يبقى أن الأصل أنك تجيب السلام بأفضل، أو بالمثل على الأقل، وإذا أضفت إلى ذلك مرحبًا فهذا زيادة فضل.

 "وتشميت العاطس" إذا عطس الإنسان وخرج منه بعض ما يضره بالعطاس؛ لأن العطاس فيه نفع للإنسان، بخلاف التثاؤب، العطاس نعمة، يُحمد الرب -جل وعلا- عليها، فيقول العاطس: الحمد لله، فيقول المشمت إيش؟

طالب:.........

يرحمك الله، ويرد عليه العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، لكن يشمت من لا يحمد الله؟ لا يشمت إلا من حمد الله، أحيانًا قد يحمد الله العاطس، فلا يُسمَع، وبجواره شخص هل نقول: إن الأصل أنه ما حمد، أو نقول: إن الأصل في المسلم أنه يحمد، وبناءً على غلبة الظن أنه حمد تشمته؟

طالب: ........

نقول: هل الأصل أنه ما عطس، فلا يشمت؟

طالب: قول ابن عمر: يرحمك الله إن كنت حمدت الله.

يعني يشمت تشميتًا موقوفًا على حمده الله- جل وعلا- جاء في بعض الأخبار: «من سبق العاطس بالحمد» يعني عطس فغفل فقال السامع: الحمد الله؛ ليذكره، جاء في خبر أنا لم أقف عليه، بحثت عنه وما وقفت عليه يقول: «من سبق العاطس بالحمد» حتى عزي لابن ماجه، «من سبق العاطس بالحمد أمن الشَّوْص واللوص والعِلَّوْص» معروف الحديث أم ما هو معروف؟

أنا بحثت عنه ما وجدته.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

تحضره؟

طالب: ........

نعم، طيب هو في تفسير القرطبي عزاه لابن ماجه، لكن..

 "ونهانا عن آنية الفضة" وهذا هو الشاهد آنية الفضة أن نشرب بها، وإدخال الآنية هنا في هذا الموضِع من المؤلِّف؛ ليدل أو ليستدل بذلك على أنه لا يجوز الوضوء من آنية الفضة، وإناء الذهب من باب أولى، وأما الشرب والأكل فسيأتي، نهانا عن آنية الفضة عموم، وهذا يدل على أن عموم استعمالات آنية الذهب والفضة داخل في هذا، والتنصيص على الشرب والأكل تنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافِق لحكمه لا يقتضي تخصيصًا.

 الآن نهانا عن آنية الفضة إيش؟ نشرب، نأكل، نتوضأ، نقتني، يعني جميع الاستعمالات، هذا يتناول جميع الاستعمالات. "ونهانا عن آنية الفضة" التنصيص على الأكل والشرب على ما سيأتي تنصيص على بعض الأفراد، أفراد العام، وهذا لا يقتضي تخصيصًا، والصنعاني كما لا يخفى خص النهي بالأكل والشرب؛ لأنه المنصوص عليه، وما عداه لا يُلحَق به، وشدد في هذه المسألة، والذي يظهر أن جميع الاستعمالات محرمة؛ لأنه إذا مُنِع من الأكل والشرب مع قيام الحاجة إلى ذلك فسائر الاستعمالات من باب أولى، وهذا النص يشمل سائر الاستعمالات، وإذا نُصَّ على الفضة فالذهب من باب أولى.

 "وخاتَم الذهب" النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ خاتم الذهب فاتخذه الناس، فألقاه وبيَّن أنه حرام على الذكور، ومثله الحرير، «الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها»، فلا يجوز استعمال الذهب والحرير على تفصيل عند أهل العلم فيما يجوز وما لا يجوز، لكن هذا الأصل أن الذهب والحرير حرام على الذكور دون الإناث.

 "والديباج" الديباج يقولون: ما رق من ثياب الحرير، ما رق من ثياب الحرير، وعطفه على الحرير من باب عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بشأن الخاص والعناية به.

 "والقَسِّي" نوع من الحرير منسوب إلى القَسّ، القَسّ، وبعضهم يقول: القَص بالصاد القس قرية بمصر، وهو نوع أيضًا من الحرير.

 "والإستبرق" هو ما غلظ من الحرير نوع منه، وعطف هذه الثلاثة على الحرير من باب عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بشأنه، والعناية به.

 يقول: "ولم يذكر السابع" يعني في هذه الرواية.

 "وفي لفظ لمسلم: وعن شرب بالفضة" شرب بالفضة، شرب بالفضة، طيب نُهي عن آنية الفضة، نُهي على سبيل العموم، ثم خُص الشرب، ولذا جاء في حديث حذيفة الذي يليه "عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة»"، لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا، تنصيص على الأكل والشرب، وذكرنا هذا أنه تنصيص على بعض أفراد العام، العموم في الحديث السابق يتناول جميع الاستعمالات، وهنا خصوص بالأكل والشرب، فهل نحمل العام على الخاص مع أن الحكم موافِق حمْل العام على الخاص إذا كان الحكم مخالفًا، إذا كان حكم العام مخالفًا لحكم الخاص يُحمل العام على الخاص، أما إذا كان موافقًاا فإنه لا يحمل العام على الخاص، فيبقى استعمال الذهب والفضة آنية، جميع الاستعمالات محرمة، «آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنه..» وإدخال المؤلف هذا الحديث في باب الآنية؛ لأنها مما يُحتاج إلى الوضوء فيه، والوضوء استعمال من الاستعمالات غير الأكل والشرب، «ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا» لهم لمن؟

للكفار «لهم في الدنيا»، وإن لم يجرِ لهم ذكر بدليل المقابلة لهم، لكم أيها المسلمون، وأما لهم أي المشركون ولكم في الآخرة، لهم في الدنيا ولكم في الآخرة، وليس في هذا دليل على إباحتها لهم؛ لأنهم مخاطَبون بفروع الشريعة، لكن هم الذين يستعملونها، هم الذين يستعملونها؛ لأنهم لا يمتثلون، لا يمتثلون الأوامر والنواهي، وليس معنى هذا أنها مباحة لهم، مع الأسف أنه يوجد من المسلمين من لا يمتثل الأوامر والنواهي، فيأكل في آنية الذهب والفضة، ويلعبون ويتخبطون في أموال الله كما هو معروف، لكن هذا وصف الكفار الذين لا يرجون ثوابًا، ولا يخشون عقابًا، أما بالنسبة للمسلم فالأصل فيه أنه يأتمر وينتهي.

 يقول: "وعن أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»الذي يشرب، وفي حكم الأكل على ما جاء في الرواية السابقة، وفي حكمه سائر الاستعمالات على ما جاء في الروايات التي قبلها، «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر» الجرجرة صوت وقوع الماء في الجوف، وهو في الإبل أظهر، لكن قد يسمع إذا شرب الإنسان بقوة يُسمَع له جرجرة، يقول في حديث حذيفة: «ولا تأكلوا في صحافها»، المقصود صحاف الذهب والفضة، في صحافها أو صحافهما المعنى واحد، والذي عندنا في الطبعة: صحافها.

 الجرجرة صوت وقوع الماء في الجوف سواء كان من الإبل أو من غيرها، فهل الجرجرة هي الجِرَّة، الجِرَّة معروفة؟ هل الجرجرة هي الجِرَّة، أو مجرد وقوع الصوت في الجوف الجِرَّة والاجترار وترديد الطعام وإخراجه من المعدة وإعادة مضغه ثانية ثم إعادته، هل هذا المقصود أن هذا تأكيد لتعذيب من يشرب في إناء الذهب والفضة؟ وهذا دليل على أنه محرم شديد التحريم، نسأل الله السلامة والعافية، «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه..» نارَ أو نارُ؟

طالب: ........

نارَ؟

طالب: ........

نعم، المكلَّف هذا هو الذي يجرجر، وبعضهم يقول: نارُ، فالنار هي فاعل الجرجرة هي فاعل الجرجرة، لكن الأكثر على أن نارَ مفعول «نارَ جهنم»، الشرب والأكل في إناء الذهب والفضة لا يجوز؛ لأنه منصوص عليه، ومؤكَّد عليه في النصوص كلها، وداخل في العام سائر الاستعمالات، ومنها الوضوء في إناء الذهب والفضة، الوضوء حكمه داخل في سائر الاستعمالات حرام، لكن إذا توضأ في إناء ذهب أو فضة يصح وضوؤه أم ما يصح؟ لأن النهي يعود إلى أمر خارج، إلى أمر خارج، والآنية تستعمل في الوضوء وغيرها ليست مما لا يستعمل إلا في هذه العبادة، إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه مع التحريم يبطل، إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه يبطل بلا إشكال، لكن إذا عاد النهي إلى أمر خارج عن المنهي عنه وخارج عن شرطه فإنه مع التحريم يبقى آثمًا، لكن لا تبطل العبادة.

 يعني الحرير الذي معنا لو صلى وعليه سترة حرير هو منهي عن الحرير، والحرير هنا استُعمِل في شرط العبادة، فتبطل العبادة، لكن لو صلى وعليه عمامة حرير، استعمل المحرَّم ويأثم، لكن العبادة صحيحة؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج، فالوضوء على هذا في آنية الذهب والفضة صحيحة، والصلاة صحيحة مع الإثم الشديد، والظاهرية يقولون ببطلان الوضوء؛ لأن عندهم كل نهي يبطل العبادة، كل نهي مبطِل، لماذا؟

لأنك كيف تتقرب إلى الله -جل وعلا- بشيء حرمه عليك، أنت تتقرب بهذا الوضوء، والوضوء محتاج إلى هذا الإناء، إذًا ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، الإناء واجب استعماله، وأنت تتقرب بهذا الواجب إلى الله -جل وعلا-، تتقرب إليه بهذا المنهي عنه، يكون هذا تناقضًا، والتناقض مع اتحاد الجهة كأنهم يقولون: أنت يجب عليك استعمال هذا الإناء؛ لأن الوضوء واجب عليك، والوضوء لا يمكن إلا بهذا الإناء، يجب عليك استعماله، وأنت منهي عن استعماله، فاتحدت الجهة عندهم، ولا يمكن أن يتجه أمر ونهي في آن واحد على ذات واحدة، لهذا حينئذ تتحد الجهة، فعندهم كل نهي يقتضي البطلان، والجمهور يفرقون بين ما يعود إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه أو إلى أمر خارج.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"