التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (04)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه والتابعين، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله -تعالى-: {قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13] في موضع رفع، أي ذهابكم به. أخبر عن حزنه لغيبته".

المصدر، المصدر المنسبك من أن وما دخلت عليه في محل رفع فاعل، فاعل حزن الذهاب.

"{وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13]، وذلك أنه رأى في منامه أن الذئب شد على يوسف، فلذلك خافه عليه، قاله الكلبي. وقيل: إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكأن يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام، فكانت العشرة إخوته لما تمالؤوا على قتله، والذي دافع عنه أخوه الأكبر يهوذا، وتواريه في الأرض هو مقامه في الجب ثلاثة أيام.

 وقيل: إنما قال ذلك لخوفه منهم عليه، وأنه أرادهم بالذئب، فخوفه إنما كان من قتلهم له، فكنى عنهم بالذئب مساترة لهم، قال ابن عباس: فسماهم ذئابًا. وقيل: ما خافهم عليه، ولو خافهم لما أرسله معهم، وإنما خاف الذئب؛ لأنه أغلب ما يخاف في الصحارى. والذئب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه، كذا قال أحمد بن يحيى، قال: والذئب مهموز؛ لأنه يجئ من كل وجه. وروى ورش عن نافع (الذيب) [يوسف: 13] بغير همز، لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها كسرة فخففها صارت ياء.

{وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ} أي مشغلون بالرعي".

يعقوب -عليه السلام- إنما خاف على يوسف من الذئب، وهل مراده الذئب الحقيقي أو كنى بالذئب عن إخوته؟

الله أعلم، لكن المراد فيما يظهر حقيقة الذئب؛ لأنه أخوف ما يخاف في البراري، يؤيد هذا أنه لو خافهم عليه ما أرسله معهم، ومثل هذا، ومثل هذا الاحتياط الشديد فيما يقوله بعض المفسرين هو الذي ألقمهم الحجة حيث جاؤوا فيما بعد قالوا: { إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } [يوسف: 17]، { فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } [يوسف: 17]، فلقنهم الحجة من غير قصد، وذلك من شدة خوفه على ولده وحرصه عليهم.

وأما الذئب يقول: مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه، تذاءبت الريح، يعني الذئب اسم، والأصل في الأسماء.

طالب: ..........

نعم، وأخذها من الأفعال خلاف الأصل، أخذ الاسم الجامد من الفعل هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن الفعل يؤخذ من المصدر، فالمصدر أصل المشتقات كلها، أصل الفعل وأصل اسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التفضيل وغيرها من المشتقات، فأصل الجميع المصدر، فلو قال: الذئب مأخوذ من إيش؟

مصدر تذاءب لكان له وجه، لكن اسم جامد يشتق من فعل، هذا خلاف الأصل، وخلاف القياس، وإن كان المذهب عند الكوفيين أن الأصل هو الفعل، لكن المرجح في هذا مذهب البصريين، ولهذا يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى-:

......................................

 

وكونه أصلًا لهذين انتخب

وكونه أصلًا يعني المصدر، لهذين يعني الفعل والمشتق، أصلًا لهذين انتخب يعني اختير.

و{ الذِّئْبُ } [يوسف: 13] مهموز في قراءة الأكثر، روى ورش عن نافع (الذيب) [يوسف: 13] وهي قراءة الكسائي (الذيب) [يوسف: 13] بالياء دون همز، وقيل للكسائي: لمَ لا تهمز { الذِّئْبُ} [يوسف: 13]؟ فقال: أخاف أن يأكلني، لمَ لا تهمز { الذِّئْبُ } [يوسف: 13]؟ قال: أخاف أن يأكلني، فأجاب بجواب في مخرج له، وإن كان المراد بالهمز المسؤول عنه غير الهمز الذي أجيب به، الهمز همز الكلمة، والهمز الذي أجيب به، الهمز الذي هو بأحد أطرافه يهمز الذئب، فيوقظه إن كان نائمًا، فيتسبب في أكله.

"قوله -تعالى-: {قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14]، أي جماعة نرى الذئب ثم لا نرده عنه. {إِنَّا إِذًا لَخاسِرُونَ} [يوسف: 14] أي في حفظنا أغنامنا، أي إذا كنا لا نقدر على دفع الذئب عن أخينا فنحن أعجز أن ندفعه عن أغنامنا. وقيل: {لَخاسِرُونَ} [يوسف: 14] لجاهلون بحقه. وقيل: لعاجزون.

قوله -تعالى-: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ} [يوسف: 15]، {أَنْ} [يوسف: 15] في موضع نصب، أي على أن يجعلوه في غيابة الجب".

أن يعني وما دخلت عليه في تأويل مصدر في محل نصب، والمصدر منصوب على نزع الخافض، وإلا فالأصل على أن يجعلوه أي: على أن يجعلوه، لما ذهبوا به، وأجمعوا على أن يجعلوه، فالفعل أجمع تعدى بنفسه أم بالحرف؟ تقول: أجمعت الأمة كذا أم على كذا؟

طالب: ..........

بالحرف.

"قيل في القصة: إن يعقوب -عليه السلام- لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقًا غليظًا ليحفظنه، وسلمه إلى روبيل وقال: يا روبيل! إنه صغير، وتعلم يا بني شفقتي عليه، فإن جاع فأطعمه، وإن عطش فاسقه، وإن أعيا فاحمله ثم عجل برده إلي.

 قال: فأخذوا يحملونه على أكتافهم، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر، ويعقوب يشيعهم ميلًا ثم رجع، فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف، فاستغاث بروبيل وقال: أنت أكبر إخوتي، والخليفة من بعد والدي علي، وأقرب الإخوة إلي، فارحمني وارحم ضعفي فلطمه لطمة شديدة وقال: لا قرابة بيني وبينك، فادع الأحد عشر كوكبًا فلتنجك منا، فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه، فتعلق بأخيه يهوذا وقال: يا أخي! ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب، فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده، فرق قلب يهوذا فقال: والله لا يصلون إليك أبدًا ما دمت حيًّا، ثم قال: يا إخوتاه! إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا، فردوا هذا الصبي إلى أبيه، ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبدًا، فقال له إخوته: والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب، والله لئن لم تدعه لنقتلنك معه، قال: فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجب الموحش القفر، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد، وقد استرحتم من دمه، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد، فأجمع رأيهم على ذلك، فهو قول الله -تعالى-: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15]، وجواب (لما) محذوف، أي فلما ذهبوا به وأجمعوا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم.

 وقيل: جواب (لما) قولهم: {قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]. وقيل: التقدير فلما ذهبوا به من عند أبيهم، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها، هذا على مذهب البصريين، وأما على قول الكوفيين فالجواب {أَوْحَيْنا} [يوسف: 15]، والواو مقحمة، والواو عندهم تزاد مع لما وحتى، قال الله -تعالى-: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر: 73] أي فتحت، وقوله: {حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ} [هود: 40] أي فار.

قال امرؤ القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

 

......................................

أي انتحى.

ومنه قوله -تعالى-: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ} [الصافات: 103- 104] أي ناديناه".

ما نقله عن، عن قصة يوسف وذهاب إخوته به وفعلهم ما فعلوا من إهانتهم بعد انقطاع نظر أبيهم لا يبعد أن يصنعوا به ما صنعوا؛ لأن الحقد والحسد والغيرة وصلت بهم إلى حد أرادوا قتله، وأجمعوا على ذلك لولا المشورة التي سمعوها من أخيهم، وغلبة ظنهم أنه يهلك في الجب، الذي يظهر أنهم لو غلب على ظنهم أنه ينجو ما جعلوه في الجب؛ لأنهم خرجوا به ليستريحوا منه، الحسد وصل بهم إلى مبلغ هان عليهم ارتكاب قتل النفس، لكن توسط أخوهم يهوذا وقال: نلقيه في هذا الجب الذي هو موضع وموئل للحيات والعقارب التي قل أن ينجو منها من وقع فيها.

يقول: وجواب (لما) محذوف، أي فلما ذهبوا به وعزموا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم، عظمت فتنتهم، هذا جواب (لما)، وقيل: جواب (لما) قولهم: {قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]، { فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ } [يوسف: 15]، {قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]، وقيل: التقدير: فلما ذهبوا به من عند أبيهم، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها. يقول: هذا على مذهب البصريين، وأما على قول الكوفيين، فالجواب: {أَوْحَيْنا} [يوسف: 15].

ما الفرق بين مذهب البصريين والكوفيين في هذه المسألة؟

جواب (لما)؟ الفرق بين مذهب البصريين والكوفيين، لماذا لا يجوز قوله: { وَأَوْحَيْنَا } [يوسف: 15] جواب (لما) عند البصريين؟

طالب: ..........

يعني لا بد أن يكون جواب (لما) عند البصريين مقدرًا، وعند الكوفيين، ظاهر؟ أو أن البصريين يمنعون دخول الواو في جواب (لما)؟ يمنعون دخول الواو في جواب (لما)، وعند الكوفيين يجوز، يجوز هذا على ما ذهب عليه مع أن الواو عنده كأنها مقحمة، يعني زائدة؛ كما في قوله: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر: 73]، يعني أبواب الجنة، وأما أبواب النار فليست فيها الواو.

طالب: ما الحكمة يا شيخ؟

ما الحكمة؟

طالب: الحكمة أنه أبواب النار ما فيها الواو، وأبواب الجنة فيها الواو؟

الجواب: منهم من يقول: إن الواو هذه واو الثمانية، واو الثمانية، تعرف واو الثمانية؟ واو الثمانية؟ يكون مدخولها ثامنًا، أو ثامن عدد، أو ما أشبه ذلك، { التَّائِبُونَ } [التوبة: 12].

 اقرأ.

طالب: { التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ } [التوبة: 12].

{ وَالنَّاهُونَ } [التوبة: 12] هذا الثامن.

{ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ } [التحريم: 5].

طالب: { أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } [التحريم: 5].

{ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } [التحريم: 5]، ثامن.

وأبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، لذا دخلت عليها الواو، صحيح أم ما هو صحيح؟

طالب: ..........

لكنه شبه مطرد، الآن في هذه الآيات كلها دخلت على الثامن، فيه شيء يا هشام؟

طالب: ..........

وأبواب النار ما تُفتح لأهلها؟ { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [الزمر: 71]؟

طالب: ..........

نعم؟

طالب: ..........

يستفتح، يستفتح، ويفتح له باب الجنة، وأولئك مفتوحة من قبل؟

طالب: ..........

أيضًا في سورة الكهف { وَثَامِنُهُمْ } [الكهف: 22]، { ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ } [الكهف: 22]، { خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ } [الكهف: 22].

طالب: { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ } [الكهف: 22].

{ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ } [الكهف: 22]، يعني إذا أمكن الجواب عن هذه فما يمكن الجواب عن غيرها؟

أجابوا عن آية التوبة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحد.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

شيء واحد، هو شيء واحد، فليس هذا سابعًا وهذا ثامنًا، كلها سابع.

طالب: ..........

صحيح، كونها شيئًا واحدًا، هذا أجاب به القرطبي فيما تقدم، لكن التي بعدها؟

طالب: ..........

هو على كل حال؛ رد على الوجهين، رد على من يقول: إنها واو الثمانية دخلت على التاسع، وإن السابع والثامن شيء واحد هي دخلت على الثامن.

الواو هذه ماذا تعرفون عنها؟

طالب: ..........

يا أشرف تعرف عنها شيئًا؟ هشام موجود، لكن ما قال شيئًا، ما قال شيئًا.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

المقصود أنها شبه مطردة في الثامن، يعني في الآيات المذكورة شبه مطردة، إما أن يكون مدخولها في الثامن في العدد، أو هو رقم ثمانية.

طالب: ..........

بعد؟

طالب: ..........

حتى هذا لا يعنينا من قبيل ولا من دبير، هذا ما يهمنا، لكن الكلام في لغتنا، منهم من قال: هذه واو الثمانية، مع أن هذا القول محكوم بضعفه عند أهل العلم، محكوم بضعفه.

طالب: لأن واو { وَفُتِحَتْ } [الزمر: 73].

{ وَفُتِحَتْ } [الزمر: 73]، وما معنا، وآية التوبة، وآية الكهف.

طالب: هذا القول ضعيف؟

وآية التحريم، هو عند أهل العلم ضعيف، القول بأن هذه الواو واو الثمانية، وأن كل ثامن لا بد أن تدخل عليه الواو.

طالب: طيب كيف يجيبون؟ آية التوبة أجابوا عنها، طيب وآية التحريم؟

وآية الكهف.

طالب: وآية الكهف.

ما سمعت جواب هشام عن آية التحريم؟ أعد أعد، سمع أشرف؟ ما سمع.

طالب: ..........

بينما الأوصاف الأخرى تجتمع، فهمت؟ { عَسَى رَبُّهُ } [التحريم: 5].

طالب: لو قلنا: العطف للمغايرة.

نعم، فهمت قصده أم ما فهمت؟

طالب: ..........

طيب والذي قبلها، الأوصاف التي قبلها، الستة التي قبلها؟

طالب: لا، كلها تجتمع.

تجتمع نعم.

طالب: طيب، وآية الكهف يا شيخ؟

وآية الكهف، كيف نقول عنها؟ بمَ يُجاب عن آية الكهف؟

طالب: ..........

 تعرف مغني اللبيب؟ تعرفه؟

طالب: أعرفه.

راجع في حرف الواو هناك.

طالب: لمن يا شيخ؟

لمن؟ قلت تعرفه.

طالب: قلت: لا أعرفه.

لا تعرفه؟!

مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، أهم كتاب في النحو، هذا أهم كتاب، ومن لا يعرف المغني، فماذا يعرف من كتب النحو؟ هذا يغنيك عن كتب النحو كلها، اسمه: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، راجعه، فيه قواعد وضوابط ما يستغني عنها طالب علم.

"وفى قوله: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ} [يوسف: 15] دليل على نبوته في ذلك الوقت. قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة: أعطاه الله النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء.

وقال الكلبي: ألقى في الجب وهو ابن ثماني عشرة سنة، فما كان صغيرًا، ومن قال كان صغيرًا فلا يبعد في العقل أن يتنبأ الصغير ويوحى إليه.

وقيل: كان وحى إلهام كقوله: {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68].

وقيل: كان منامًا، والأول أظهر- والله أعلم- وأن جبريل جاءه بالوحي".

{أَوْحَيْنا إِلَيْهِ} [يوسف: 15]، الوحي يطلق ويراد به الإلهام؛ كما في الآية التي ذكرها آية النحل، والوحي إلى مريم -عليها السلام-، وإلى أم موسى، هذا كله إلهام، وإن كان على قول من يقول بأن في النساء نبوة، وأن هناك ستًّا من النسوة من الأنبياء، ما يحمله على هذا، ما يقول: إلهام، لكن القول المعتمد عند أهل العلم: ليس في النساء نبي، وأن الوحي المذكور بالنسبة للنساء وحي إلهام، فإذا قلنا: إن يوسف -عليه السلام- كان صغيرًا لم يبلغ الحنث، فلا شك أنه إلهام؛ لأن النبوة لا تُعطى إلا مكتمل العقل، وهل ينبئ مثل ابن ثماني عشرة، أو النبوة لا بد أن تكون لمن بلغ الأربعين بلغ الأشد؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

حتى عند رفعه، عند رفعه.

"قوله -تعالى-: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} [يوسف: 15] فيه وجهان: أحدهما: أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا، فعلى هذا يكون الوحى بعد إلقائه في الجب تقوية لقلبه، وتبشير له بالسلامة.

الثاني: أنه أوحى إليه بالذي يصنعون به، فعلى هذا يكون الوحى قبل إلقائه في الجب إنذار له.

{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15] أنك يوسف، وذلك أن الله -تعالى- أمره لما أفضى إليه الأمر".

{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15] أنه يوسف، هذا إذا أنذرهم ونبأهم فيما بعد في مصر، إذا جاءوا يمتارون من هناك يخبرهم بأمرهم، ولا يشعرون أنه يوسف، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15] أنك يوسف؛ لأنهم يجزمون، بل يغلب على ظنهم أن يوسف قد مات.

طالب: ..........

هو من باب الأدب يقال: صلة، من باب الأدب يقال: صلة؛ لأن القرآن مبرأ من الزيادة والنقصان، هذا من حيث المعنى، لكن الحرف وإن كان زائدًا من حيث الإعراب إلا أنه من حيث المعنى لا بد أن يكون له فائدة.

"وذلك أن الله -تعالى- أمره لما أفضى إليه الأمر بمصر ألا يخبر أباه وإخوته بمكانه.

وقيل: بوحي الله -تعالى- بالنبوة، قاله ابن عباس ومجاهد.

وقيل: (الهاء) ليعقوب، أوحى الله -تعالى- إليه ما فعلوه بيوسف، وأنه سيعرِّفهم بأمره، وهم لا يشعرون بما أوحى الله إليه، والله أعلم.

ومما ذكر من قصته؛ إذ ألقي في الجب- ما ذكره السدي وغيره- أن إخوته لما جعلوا يدلونه في البئر، تعلق بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه! ردوا علي قميصي أتوارى به في هذا الجب، فإن مت كان كفني، وإن عشت أواري به عورتي، فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبًا فلتؤنسك وتكسك، فقال: إني لم أر شيئًا، فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت، فكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة فقام عليها.

وقيل: إن شمعون هو الذي قطع الحبل إرادة أن يتفتت على الصخرة، وكان جبريل تحت ساق العرش، فأوحى الله إليه أن أدرك عبدي، قال جبريل: فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين الرمي والوقوع، فأقعدته على الصخرة سالمًا. وكان ذلك الجب مأوى الهوام، فقام على الصخرة وجعل يبكي، فنادوه، فظن أنها رحمة عليه أدركتهم، فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بالصخرة فمنعهم يهوذا، وكان يهوذا يأتيه بالطعام، فلما وقع عريانًا نزل جبريل إليه، وكان إبراهيم حين ألقي في النار عريانًا أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فكان ذلك عند إبراهيم، ثم ورثه إسحاق، ثم ورثه يعقوب، فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في عنقه، فكان لا يفارقه، فلما ألقي في الجب عريانًا أخرج جبريل ذلك القميص فألبسه إياه. قال وهب: فلما قام على الصخرة قال: يا إخوتاه إن لكل ميت وصية، فاسمعوا وصيتي، قالوا: وما هي؟ قال: إذا اجتمعتم كلكم فأنس بعضكم بعضًا فاذكروا وحشتي، وإذا أكلتم فاذكروا جوعي، وإذا شربتم فاذكروا عطشي، وإذا رأيتم غريبًا فاذكروا غربتي، وإذا رأيتم شابًا فاذكروا شبابي، فقال له جبريل: يا يوسف كف عن هذا واشتغل بالدعاء، فإن الدعاء عند الله بمكان، ثم علمه فقال: قل: اللهم يا مؤنس كل غريب، ويا صاحب كل وحيد، ويا ملجأ كل خائف، ويا كاشف كل كربة، ويا عالم كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، ويا حاضر كل ملإ، يا حيُّ يا قيومُ! أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي، حتى لا يكون لي هم ولا شغل غيرك، وأن تجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا، إنك على كل شيء قدير، فقالت الملائكة: إلهنا! نسمع صوتًا ودعاء، والصوت صوت صبي، والدعاء دعاء نبي.

وقال الضحاك: نزل جبريل -عليه السلام- على يوسف وهو في الجب فقال له: ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله لك خروجك من هذا الجب؟ فقال: نعم، فقال له: قل يا صانع كل مصنوع، ويا جابر كل كسير، ويا شاهد كل نجوى، ويا حاضر كل ملإ، يا مفرج كل كربة، ويا صاحب كل غريب، ويا مؤنس كل وحيد، ايتني بالفرج والرجاء، واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحدًا سواك، فرددها يوسف في ليلته مرارًا، فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجب".

هذا النقل وما اشتمل عليه من قصة يوسف في الجب مما تُلقي عن الإسرائيليات، لا يصدق ولا يكذب.

وأما القميص الذي نزل به جبريل من الجنة إلى إبراهيم لما جُرد، وإن جُرد من ثيابه عندما ألقوه في النار، أرادوا إلقاءه في النار جردوه، ولذلك مكافأةً له هو أول من يُكسى يوم القيامة قبل محمد- عليه الصلاة والسلام-، أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام-، كونه جبريل نزل له بهذا القميص من الحرير حرير الجنة، وأنهم توارثوه إلى أن جاء دور يوسف، وجُعل في تعويذة وربط في عنقه.

 على كل حال هذه كلها إسرائيليات تحتمل الصدق والكذب، ولا شك أن ما نزل من الجنة فيه شيء من البركة، وكونه يجعل في عنقه هذا أمر لا يستبعد.

فرجاء يوسف لإخوته أن يذكروه وأن لا ينسوه عند أكلهم وشربهم وجوعهم وعطشهم، هذا لا يستبعد مما جبل عليه البشر من أنه يسترحمهم ويسترقهم ويستعطفهم، لكن جبريل -عليه السلام- أرشده إلى ما هو أهم من ذلك، وأن يقطع العلائق بالمخلوقين، وأن يتعلق بالخالق الذي هو بيده نجاته، وجاء في الأثر أن جبريل عرض عليه -على إبراهيم- المساعدة -عليه السلام- حينما ألقي في النار، فقال: أتريد المساعدة؟ فقال: أما منك فلا، وأما من الله فبلى، وهو من أولي العزم -عليه السلام-، فأرشد يوسف أن يشتغل بالدعاء، ويكف عن استعطاف إخوته، فأجاب الله دعاءه، فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجب، وهناك قال: بعد ثلاث، تواريه في الأرض ومقامه في الجب ثلاثة أيام، وهنا يقول: فأخرجه الله في صبيحة ذلك اليوم من الجب، ألقوه في الليل، وخرج صبيحة ذلك اليوم، فالله أعلم بمدة مقامه ولبثه، وليس في ذلك من الخبر ما تقوم به الحجة.

"قوله -تعالى-: { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ } [يوسف: 16] فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً } [يوسف: 16] أي ليلًا، وهو ظرف يكون في موضع الحال، وإنما جاءوا عشاء؛ ليكونوا أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: لا تطلب الحاجة بالليل، فإن الحياء في العينين، ولا تعتذر بالنهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار".

لا تطلب الحاجة بالليل، فإن الحياء في العينين، وجاء عن ابن عباس بعدما عمي، جرب قوله: لا تطلبن من أعمى حاجة فإن الحياء في العينين، تجدون بعض العميان من أسهل الأمور عليهم أن يقول: لا، إذا طلب منه شيء، ما يرى الشخص الذي أمامه، فالمقصود بالأعمى الذي لا يرى شيئًا، ما هو الذي يبصر شيئًا ولو قل، ولو قل، فالاعتذار بالليل، والليل -على ما يقول العوام-، ماذا يقولون؟

طالب: ..........

الليل؟

طالب: ..........

لا، عيونه صغار، يعني ما يشوف، فالاعتذار بالليل هنا قال: إنه لا يجدي؛ لأن الظلام يحجب، والمسألة مفترضة قبل هذه الأنوار الكاشفة التي ساوت بين الليل والنهار في الإبصار، لا شك أن الذي لا يراك تعتذر منه سهل يقول لك: لا، ومثل الاعتذار بالليل أو من الأعمى، الاعتذار بالهاتف أحيانًا يسهل أن يقال: لا، لكن المواجهة صعبة. لا تطلبن من أحد شيئًا في الليل.

ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار، ما معنى هذا الكلام؟ يقول: أنت تعتذر بالليل وقت السكون وقت الهدوء وقت الراحة، البال صافي، وأقرب إلى السكينة، فيقبل عذرك، والله المستعان.

"فروي أن يعقوب -عليه السلام- لما سمع بكاءهم قال: ما بكم؟ أجرى في الغنم شيء؟ قالوا: لا. قال: فأين يوسف؟ قالوا: ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى وصاح وقال: أين قميصه؟ على ما يأتي بيانه -إن شاء الله-.

وقال السدي وابن حبان: إنه لما قالوا: أكله الذئب خر مغشيًا عليه، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك، ونادوه فلم يجب، قال وهب: ولقد وضع يهوذا يده على مخارج نفس يعقوب فلم يحس بنفس، ولم يتحرك له عرق، فقال لهم يهوذا: ويل لنا من ديان يوم الدين! ضيعنا أخانا، وقتلنا أبانا، فلم يفق يعقوب إلا ببرد السَّحَر، فأفاق ورأسه في حجر روبيل، فقال: يا روبيل! ألم آتمنك على ولدي؟ ألم أعهد إليك عهدًا؟ فقال: يا أبت كف عني بكاءك أخبرك، فكف يعقوب بكاءه فقال: يا أبت {إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 17].

الثانية: قال علماؤنا: هذه الآية دليل على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله؛ لاحتمال أن يكون تصنعًا، فمن الخلق من يقدر على ذلك، ومنهم من لا يقدر. وقد قيل: إن الدمع المصنوع لا يخفى، كما قال حكيم:

إذا اشتبكت دموع في خدود

 

تبين من بكى ممن تباكى".

نعم، البكاء لا يدل على الصدق، بعض الناس تسرع إليه الدمعة، وإن كان مبطلًا، حتى قال بعض القضاة: لا تصدق المدعي ولو جاء بعينه على كفه، لو جاء بعينه على كفه، وادعى أن زيدًا من الناس اقتلعها؛ لاحتمال أن يكون زيد المدعى عليه مخلوع العينين، ما تدري، يقول: لا تصدق حتى ترى بعينك، وتسمع البينات والدعاوى، وتنظر في القضية من كل وجه، بعض الناس يحسن صياغة الكلام فيصدق، ويبكي ويأتي بحركات تجعل الإنسان يستروح ويميل إلى تصديقه، لكن لا يُصدَّق حتى يأتي بالبينة.

"قوله -تعالى-: { قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف: 17]، فيه سبع مسائل:

الأولى: قوله -تعالى-: {نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] نفتعل، من، المسابقة.

وقيل: أي ننتضل، وكذا في قراءة عبد الله (إنا ذهبنا ننتضل) [يوسف: 17]".

ننتضل، بالضاد.

"(إنا ذهبنا ننتضل) [يوسف: 17]، وهو نوع من المسابقة، قاله الزجاج.

وقال الأزهري: النضال في السهام، والرهان في الخيل، والمسابقة تجمعهما. قال القشيري أبو نصر: {نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] أي في الرمي، أو على الفرس، أو على الأقدام، والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو؛ لأنه الآلة في قتال العدو، ودفع الذئب عن الأغنام.

وقال السدي وابن حبان: {نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] نشتد جريًا لنرى أينا أسبق".

هذا الأصل في الاستباق أنه على الأقدام، الأصل في الاستباق أنه على الأقدام، ثم نُقل إلى كل رهان، وما يُؤخذ في الاستباق يسمى سبقًا، ولو كان على غير الأقدام، بالسهام، بالخيل، بالإبل، يشمل هذا كله على ما سيأتي.

"قال ابن العربي: المسابقة شرعة في الشريعة، وخصلة بديعة، وعون على الحرب، وقد فعلها- صلى الله عليه وسلم- بنفسه وبخيله، وسابق عائشة -رضي الله عنها- على قدميه فسبقها، فلما كبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابقها فسبقته، فقال لها: «هذه بتلك».

قلت: وسابق سلمة بن الأكوع رجلًا لما رجعوا من ذي قرد إلى المدينة فسبقه سلمة، خرجه مسلم.

الثانية: وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها، وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط، فلا تجوز المسابقة بدونها، وهي: أن المسافة لا بد أن تكون معلومة. الثاني: أن تكون الخيل متساوية الأحوال. الثالث: ألا يسابق المضمر مع غير المضمر في أمد واحد وغاية واحدة".

لأنه -عليه الصلاة والسلام- غاير بينهما، غاير بين المضمرات وغير المضمرات، فجعل للمضمرات غاية ومسافة، وجعل لغير المضمرات مسافة هي أقل منها.

طالب: ..........

مسجد بني زُريق أقرب من ثنية الوداع، فغير المضمرة، الشرط تقصد؟

طالب: ..........

الثاني: أن تكون الخيل متساوية الأحوال. الثالث: ألا يسابق، هذا بالنسبة للتضمير في الأكل التجويع، أما متساوية الأحوال ففي العمر، لا يسابق صغير بكبير، غير ذلك من الأحوال.

"والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها، وتقام هذه السُّنة فيها هي الخيل المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن.

الثالثة: وأما المسابقة بالنضال والإبل، فروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلنا منزلًا فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، وذكر الحديث. وخرج النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر». وثبت ذكر النصل من حديث ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة، ذكره النسائي، وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق.

وروى البخاري عن أنس قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ناقة تسمى العضباء لا تسبق- قال حميد: أو لا تكاد تُسبق- فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: «حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه»".

أما السبق وهو الجُعل الذي يجعل للسابق من المتسابقين في النصل، في الخف، في الحافر، في كل ما يعين على الجهاد، وألحق شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- مسائل العلم؛ لأن العلم طلبه جهاد، بل من أفضل القربات، ألحقه به شيخ الإسلام، فأجاز السبق فيه، وما عدا ذلك يبقى على المنع.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك، جعل السبق في وسائل الجهاد الحديثة، السبق في الطائرات، أو في المقاتلات، أو ضرب البنادق والرشاشات.

على كل حال باب الجهاد جاء فيه النص، والقياس أقول: أمره معروف عند أهل العلم.

طالب: يعني يصلح مثل هذا؟

يصلح، يصلح إذا رُؤيت المصلحة في ذلك، وإلا.

 "الرابعة: أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل، قال الشافعي: ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار. وقد زاد أبو البُختري".

أبو البَختري.

"أبو البَختري القاضي".

غياث بن إبراهيم النخعي، قاضٍ.

"في حديث الخف والحافر والنصل «أو جناح» وهي لفظة وضعها للرشيد، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته، فلا يكتب العلماء حديثه بحال".

ذكره ابن حبان في المجروحين، ونسبه إلى الوضع، وهذه القصة مستفيضة عند العلماء أن الذي وضع «أو جناح» للرشيد أو للمأمون كما في بعض الروايات، هو القاضي أبو البختري، غياث بن إبراهيم النخعي، وإن شكك بعضهم في نسبة هذه الجملة إليه وهذه اللفظة إليه؛ لأنه قاضٍ من قضاة المسلمين مؤتمن على أرواحهم ودمائهم وأموالهم وفروجهم، كيف يؤتمن وهذا حاله؟ على كل حال؛ تحصل منه الزلة، وتحصل منه الهفوة، والناس ليسوا على مستوى واحد من الثقة والأمانة، والله المستعان.

"وقد رُوي عن مالك أنه قال: لا سبق إلا في الخيل والرمي؛ لأنه قوة على أهل الحرب، قال: وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي. وظاهر الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل. وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء إلا في الخيل؛ لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها. وروي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء".

لكن النص يدل على الإبل، الخف، الحافر يشمل.

"وروي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة، وقد تُؤول قوله؛ لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار، وهو محرم باتفاق.

الخامسة: لا يجوز السبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم، كما ذكرنا، وكذلك الرمي لا يجوز السبق فيه إلا بغاية معلومة ورشق معلوم، ونوع من الإصابة، مشترط خسقًا أو إصابة بغير شرط".

خسقًا يعني إما أن ينفذ السهم وينفذ ما تراهنوا عليه، أو بدون خسق فيثبت فيه، الخسق والخزق النفوذ، نفوذ السهم.

"والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعًا، فيجعل للسابق شيئًا معلومًا، فمن سبق أخذه. وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه، فإن سبقه صاحبه أخذه، وإن سبق هو صاحبه أخذه".

يعني إذا كان من جهة واحدة، إذا كان من جهة واحدة فلا قمار، القمار فيما لو كان من الجهتين.

"وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له، ولا يرجع إلى ماله، وهذا مما لا خلاف فيه. والسبق الثالث: اختلف فيه، وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئًا مثل ما يخرجه صاحبه، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه، وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللًا لا يأمنا أن يسبقهما، فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعًا وأخذهما وحده".

يأتون بثالث، يأتون بثالث يسمونه المحلل، فإن سبقهما أخذ نصيب الاثنين.

"وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه، ولا شيء للمحلل فيه، ولا شيء عليه. وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما.

وقال أبو علي بن خيران -من أصحاب الشافعي-: وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولًا جريه، وسمي محللًا؛ لأنه يحلل السبق للمتسابقين أو له".

التحليل هنا أُجيز، وإن كان فيه شيء أو نوع من حيلة؛ لإباحة مثل هذا النوع من السبق الذي هو في الأصل قمار، هذا الرهان الذي يكون من الطرفين نوع من القمار لا يجوز إلا إذا أُدخل محلل، وهو الثالث، والمحلل الذي يحلل البائنة من زوجها؛ لكي تعود إلى زوجها فيه حيلة، ولم يجزه الشرع، بل لعن الرسول -عليه الصلاة والسلام- المحلل والمحلل له، وسماه التيس المستعار، هذه حيلة على تحليل محرم، وتلك حيلة على إيش؟ مثلها، ما الفرق بين المحلل في باب السبق والمحلل في باب الطلاق البائن؟

طالب: يا شيخ.

نعم.

طالب: أن المحلل في باب السبق جائز، أقره الشرع، أما المحلل.

فيه نص؟

طالب: هذا كلام القرطبي.

أقول: فيه نص؟

طالب: ما قال نص، لكن قال: كلام العلماء.

أقول: المسألة ما دام عريت عن النص، فما الفرق بين التحليل هنا والتحليل هناك؟

طالب: ..........

نعم، وفي باب الأموال يتساهلون، الحنفية على العكس، الحنفية على العكس، تشديد في باب الأموال أكثر من الفروج، ولذا يقولون: إن القاضي إذا حكم لك بشيء وأنت تعرف كذب البينة، أن تعرف كذب البينة، جئت بشاهدي زور وحكم لك القاضي بأن هذه المرأة زوجتك حلت لك دون الأموال، فإنهم يحتاطون لها أكثر، هذا المعروف عندهم.

طالب: ..........

ورد فيه النص باللعن، لماذا لا يلحق به مثل هذا؟

طالب: ..........

يعني المحلل حينما دخل بهذه النية، بنية التحليل، تحليل الصورة، احتمال أن يفوز بالسبقين معًا، وليس معنى هذا أنه يريد أن يحلل فقط؛ كما في باب النكاح، مع أن بعض الحنفية يزعم أن المحلل مأجور؛ لأنه فاعل خير، مأجور ما فعل الخير، ماذا فعل؟

طالب: والنص؟

النص؟ خاطبهم هم، هذا كلامهم، يقول: إنه فاعل خير، ماذا فعل؟ وماذا صنع غير أنه أعاد امرأة إلى زوجها وحظيرة بيتها وأولادها فهو محتسب؟ لكن لا شك أن النص لا ينظر فيما عداه مما يخالفه بأي حال من الأحوال.

طالب: ..........

قصده التحليل، ولو كان، ما دام قصده التحليل يدخل، قصده التحليل يدخل هو في النص، لكن هم ما يدخلون، هم ما يدخلون، وبعضهم يرى أن نكاح المحلل صحيح مع الإثم، وإلا لو لم يصح العقد ما سُمي محللًا؛ لأن المحلل معناه أنه جعل العقد حلالًا، أو جعل المرأة حلالًا لزوجها، جعلها حلالًا لزوجها، ولذا سُمي محللًا، والصواب أن العقد باطل.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم، نفهم من كلامكم أن الحنفية يجيزون المحلل في باب النكاح؟

أين؟

طالب: يجيزون المحلل في باب النكاح؟

ليس كلهم، ليس كلهم، منهم من يقول: هو محتسب مأجور، محتسب مأجور، ما زاد على أن عاد المرأة إلى زوجها وأولادها وبيتها.

طالب: لكن ما يقال: إن مذهب الأحناف؟

لا، لا، لا تقل مذهب الأحناف.

طالب: ..........

لعل الخبر ما ثبت عندهم أو ما بلغهم، مع النظر إلى المعنى، المعنى أن الرجل هذا يحتاج إلى من يحلل له زوجته، ويعيدها إلى أولاده، وقد تكون الخسارة كبيرة وفادحة على الأولاد من الضياع وغيره، فهو نظر إلى هذا المعنى، ولم ينظر إلى النص الصحيح الصريح في تحريمه.

"واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل، واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار، ولا يجوز".

هذا يستعمل كثيرًا، يسمونه مراهنًا، يستعمل بين عامة الناس بكثرة، على أدنى شيء يتراهنون، يعني من ذبيحة، من تيس، بين الشباب، إن كان الصواب بجانب هذا غرم الآخر تيسًا، والثاني كذلك، هذا لا شك أنه قمار، هذا قمار.

طالب: ..........

ولو سموه حقًّا، العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، وقلب الباطل وتسميته باسم الحق مثل ما تُشرب الخمر في آخر الزمان وتسمى بغير اسمها.

طالب: ..........

قصدك أن مسألة التحليل في مثل هذا لا يجوز؟

طالب: ..........

هو المحلل في النكاح هل هو غانم أم غارم؟

طالب: ..........

كيف غانم؟

طالب: المرأة بلا تكلفة ولا شيء.

هو تزوجها، ما له شيء، ولا هدف، ولا قصد، يمكن يكرهها أشد الكره، لكن من أجل أن تعود إلى زوجها، أما المحلل في السبق فهو غانم على احتمال أيضًا، على احتمال، ليس بغانم مطلقًا، هو ليس بربح مضمون، والله المستعان.

طالب: ..........

في مسائل العلم، هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه تسامح فيها للتشجيع على العلم.

طالب: ..........

لأنها في اتباع شأن الإسلام والمسلمين؛ لأن الروم أهل كتاب.

طالب: ..........

كلام شيخ الإسلام مطلق، يجعل فيه السبق، ولو من الطرفين للتشجيع على المسائل العلمية.

"وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار».

وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإن سبق أخذ السبق، وإن سُبق لم يكن عليه شيء، وبهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم. واختلف في ذلك قول مالك، فقال مرة: لا يجب المحلل في الخيل، ولا نأخذ فيه بقول سعيد، ثم قال: لا يجوز إلا بالمحلل، وهو الأجود من قوله.

السادسة: ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم، ولو ركبها أربابها كان أولى، وقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها.

وقال الشافعي: وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه، أو بالكفل أو بعضه. والسبق من الرماة على هذا النحو عنده، وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي".

لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها؛ لأن السبق في هذا الباب فيه تدريب على فنون القتال، تدريب للخيل وتدريب لأربابها؛ لأن هذا الذي تؤجره ليركب هذا الخيل من أجل أن يسبق هو يعرف كيف يقودها ويحملها على أن تسبق غيرها، لكن هل هذا الشخص هو الذي يتولى ركوبها في القتال لو حصل؟

 معروف أن السبق في هذا الباب إنما شُرع من أجل الاستعداد والإعداد للعدو، فهذا الشخص الذي استأجرته ليركب هذا الخيل، ليفوز بالسبق على غيره، هل هو الذي سوف يركبها في الجهاد؟

طالب: ..........

غيره، ولذا جاء عن عمر -رضي الله عنه-: لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها، لكي يتمرن أربابها كما تُمرن هي، والله المستعان.

طالب: ... الجوائز نظير حفظ القرآن.

هذا بالنسبة للتشجيع على حفظ القرآن وحفظ العلم، هذا الذي قاله شيخ الإسلام إن كان مجرد جُعل من بيت المال فهذا لا إشكال فيه، وإن كان أجرة فالخلاف معروف، «وإن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»، هذا أمر سهل، لكن جعل هذا الجعل على الصلاة التي هي عبادة محضة، جعل الجعل على الصلاة، من صلى الفجر فله كذا، يعني من باب التشجيع للناس، يجوز أم ما يجوز؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

والجماعة واجبة، والجماعة واجبة، فهل يُجعل الجعل على الواجب بأصل الشرع؟ هو إن كان من بيت المال، وجعله إمام المسلمين من أجل حث الناس على ذلك؛ كما أنه يجعل العقوبة على من يتخلف، فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.

"السابعة: روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سابق أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فسبق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصلي أبو بكر وثلت عمر، ومعنى وصلي أبو بكر: يعني أن رأس فرسه كان عند صلا فرس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والصلوان موضع العجز.

قوله -تعالى-: {وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا} أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارسا لها. {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} وذلك أنهم ما سمعوا أباهم يقول: {وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} أخذوا ذلك من فيه فتحرموا به؛ لأنه كان أظهر المخاوف عليه. {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا} أي بمصدق. {وَلَوْ كُنَّا} أي وإن كنا، قاله المبرد وابن إسحاق. {صادِقِينَ} في قولنا، ولم يصدقهم يعقوب لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه.

وقيل: {وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ} أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا، ولاتهمتنا في هذه القضية؛ لشدة محبتك في يوسف، قال معناه الطبري والزجاج وغيرهما".

"